أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الله خليل - الوحدة العربية من الحلم إلى الوهم















المزيد.....

الوحدة العربية من الحلم إلى الوهم


سعد الله خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1190 - 2005 / 5 / 7 - 10:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كل الحركات السياسية التي نشأت في البلدان الناطقة بالعربية، أطلقت بشكل ما، وبزخم ما، شعار (الوحدة العربية)، وكانت تعلن أنها تسعى لتحقيق هذا الهدف، وتظن أو تدعي إمكانية تحقيقه. ولعل بعضها كان يأمل أن يتحقق ذلك قريبا، خاصة وإنها قد تحررت للتو من نير الاستعمار الأوروبي، وقبله بقليل من نير الاستعمار العثماني الذي احتل لقرون عديدة البلدان العربية، وكاد أن يفقدها لغتها عبر سياسة التتريك. وكان شعار (العروبة)، أي القومية، الوافد حديثا من أوروبا، واحدا من الأسلحة الهامة التي استخدمها الثوار ضد هذا الاحتلال، وساعدت في تحرير هذه البلدان من بطشه وعبوديته واستعماره الغاشم البغيض، الذي استخدم الدين الإسلامي ذريعة ومطية – انطلت على الكثيرين- ليبقى رازحا على صدور العرب والمعربين، ينكل بهم، ويذلهم، ويمتص عرقهم ودماءهم، ويسلبهم أرضهم وخيراتهم.
وكل هذه الحركات السياسية، التي تبنت النظرية القومية وأطلقت شعار الوحدة العربية، كانت (شامية) بمعنى أنها انطلقت من بلاد الشام، وبشكل خاص من سوريا ولبنان، البلدان اللذان نشرا الفكر القومي، وأوقدا جذوة النضال ضد العثمانيين، وقدما عشرات الشهداء، قرابين على أعواد المشانق في سبيل الحرية والاستقلال، إضافة للدور الذي لعبته فيما بعد فلسطين المحتلة، والتي هي جزء لا يتجزأ من بلاد الشام، في تنمية وتأجيج المشاعر القومية، التي التقطها عبد الناصر فيما بعد، وحاول استخدامها كورقة ضاغطة ورابحة لتوسيع نفوذه. وقد كان هذان البلدان (سوريا ولبنان) أكثر البلدان الناطقة بالعربية علما وثقافة وفكرا واتصالا بالحضارة الغربية، وإقبالا على شتى مجالات الفنون التي لم تلق دعما وتشجيعا، بل إهمالا من سلطات الاحتلال العثماني، إن لم نقل اضطهادا، مما حدا بروادها للهجرة إلى مصر التي كان يوفر حاكمها آنذاك قدرا جيدا من الرعاية والحرية للمبدعين في هذه المجالات.
ودون التشكيك بالنوايا الطيبة والصادقة لدعاة الوحدة العربية، الذين تحكمت بهم عواطفهم الجياشة، ورغباتهم الجامحة، فاستلهموا النظريات التي سادت بالغرب عن الأمة، وجعلوها أنموذجا وقاعدة، وحاولوا تطبيقها على هذه الشعوب، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتقصي عن المرتكزات والقواسم التي افترضوا أنها مشتركة، وتجمع بين الشعوب الناطقة بالعربية، ودون أن يقوموا بأي تحليل موضوعي حيادي، للأوضاع الداخلية في هذه البلدان، والعلاقات القائمة بين سكانها، ومشاعرهم الدفينة نحو بعضهم بعضا. وكان حريّا بهم أن يدعوا أولا إلى الوحدة الوطنية داخل هذه البلدان، كل على حدة، من خلال المساواة والاعتراف بالآخر. هذه البلدان التي لم تعرف من قبل أبدا، سوى الانقسام والصراع المذهبي والقبلي والاثني، وتسلط فئة على أخرى، واستئثارها بالثروة والسلطة، وسياسة العزل والتهميش والتكفير والتخوين ضد الآخرين.
لم يعرف التاريخ العربي لا قبل الإسلام، ولا بعده، قيام دولة عربية لا تنهشها الصراعات والانقسامات والمؤامرات والحروب الداخلية القبلية والمذهبية. ففي قلب الجزيرة العربية مهد العرب وموطنهم الأصلي، كان الصراع محتدما- قبل الإسلام وبعده - بين عرب الشمال وعرب الجنوب، بين الغساسنة والمناذرة، وبين القبائل العربية فيما بينها، مرورا بحروب الزكاة والردة والجمل وصفين، والحرة ( ضد عبد الله بن الزبير وأتباعه، بأمر يزيد بن معاوية، ومتابعة عبد الملك بن مروان لهذه الحرب، وقصف الكعبة وقتل ابن الزبير وصلبه)، وبعد ذلك حروب الأمويين والعباسيين والفاطميين، وحروب القرامطة، وحروب الدويلات والإمارات، وصولا إلى أوائل القرن العشرين، حيث اندلعت حروب آل سعود والشريف حسين في مكة، وإلى عصرنا الحاضر، وما حدث في اليمن منذ حرب الإمام والسلال، وانقسام القبائل اليمنية، إلى الحرب بين الشمال والجنوب (صنعاء وعدن)، وحتى يومنا هذا، حيث الحرب الحالية (المذهبية السياسية) في (صعدة) بين السلطة اليمنية، وجماعة (الحوثي)، والصراعات على السلطة، وحروب الثأر، المستمرة بين القبائل اليمنية، وما يحدث أيضا في السعودية، من حروب التكفير والتهميش ضد الشيعة والإسماعيليين. علما أن هاتين الدولتين عربيتان لا معربتين. في الوقت الذي أخذت فيه السياسات والتوجهات (القبلية والمذهبية) تتزايد وتتعاظم في إمارات الخليج العربي، وتؤسس الأحزاب والتجمعات على هذا الأساس.
أما ما حدث ويحدث في الدول المعربة ، فحدث ولا حرج، بدءا من الحروب الأهلية في لبنان، بغض النظر إن كانت أصالة أو وكالة، فقد كان اللبنانيون أدواتها ووقودها. وانتهاء بالسودان الذي تمزقه، ولا تزال، الحروب الأهلية منذ عقود عدة، والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من أبنائه، ومرورا بالعراق التي لا تخفى أحواله عل أحد.
لم يعش الناطقون بالعربية ولم يعرفوا أبدا، حكما ونظاما ديمقراطيا تعدديا، يساوي بين الناس ويكفل حقوق الجميع مهما كانت مشاربهم. ولم يعرف الفكر العربي الإسلامي هذا المفهوم، بل يرفضه جملة وتفصيلا، فالديمقراطية بدعة، وكل بدعة في النار. والمخيلة البدوية لا تتسع إلا لفكر واحد، ولون واحد، ودين واحد، ومذهب واحد، ورأي واحد، وتفسير واحد، وعرق واحد، وقبيلة واحدة، ولغة واحدة، وقراءة واحدة. ولم تقبل هذه الشعوب، بالعيش المشترك مع الآخرين إلا بحد السيف، وسطوة الاستبداد.
نعم إن هذه الشعوب والقبائل والمذاهب والاثنيات، ترضخ وتقبل أن تتعايش على مضض مع بعضها بعضا، تحت نير القمع والاستبداد. مما يعني أنها إن ملكت حريتها وخيارها، تهب مطالبة بالانفصال لتشكل كيانها الخاص بها كما تراه وتشتهيه، وتمليه عليها عقليتها وثقافتها ومصالحها، فقد أدركت وأيقنت، عبر تاريخها الطويل، استحالة حصولها على حقوقها، والمساواة مع شركائها في الوطن، في ظل حاكم لا ينتمي إليها.
فما هي مرتكزات هذه الدعوات؟ هل هي قومية أم دينية؟
إن كانت تستند إلى الروابط قومية، فما هي القواسم المشتركة التي تجمع بين سكان المشرق العربي، وسكان المغرب العربي؟ حيث اللغة (العربية) المحكية في المغرب غير مفهومة على الإطلاق في المشرق! والمثل الشعبي يقول بلهجة الاستغراب والاستهجان: (شو لمَّ الشامي على المغربي؟) أي أنهما لا يمكن أن يجتمعا معا، وإن اجتمعا، فإن اجتماعهما مستغرب بل مستهجن. فليس ثمة ما يجمع بينهما. أي ما الذي يجمع بين سكان بلاد الشام وسكان المغرب، أو سكان السودان؟ وثقافاتهم مختلفة كل الاختلاف. بل ما الذي يجمع بين سكان السودان أنفسهم، ولغاتهم متعددة؟ وإن كان ثمة ما يجمع بينهم فلماذا هذه الحروب الأهلية الطاحنة القائمة في كل مكان من السودان منذ عقود؟ ثم ما الذي يجمع بين سكان الجزائر وسكان اليمن أو السعودية؟ وما الذي يجمع بين سكان الصومال، وسكان العراق؟ ولماذا لم تستطع القبائل الصومالية أن تتفق فيما بينها وتوحد بلادها حتى الآن؟ ولماذا لم يستطع سنة وشيعة العراق الاتفاق على صيغة موحدة؟ ولماذا أُعلنت الحرب ضد أكراد العراق وأودت بحياة عشرات الآلاف؟ وأخيرا وليس آخرا، لماذا لا تسمح السعودية للمسيحيين العرب (وأقول العرب) الذين يعملون على أراضيها بممارسة شعائرهم الدينية؟ وكيف يمكن للسعودية أن تقيم وحدة مع دولة عربية أخرى تضم مسيحيين بين مواطنيها؟
وإن كانت الروابط دينية، فما هي القواسم المشتركة التي تجمع بين الوهابي، والحبشي (نسبة إلى المسلمين الأحباش)، والشيعي، والزيدي، والدرزي، والأباضي، والإسماعيلي، والأيزيدي، والأحمدي، وغيرهم من المذاهب الإسلامية المختلفة التي أصبح كل منها دينا قائما بذاته، يعتبر نفسه الفرقة الوحيدة الناجية، ويتهم ويكفّر بقية المذاهب (الأديان)؟ وهل سيكفل المذهب الحاكم – في حال الوحدة – حقوق أتباع المذاهب الأخرى؟ أم أن المقصود سيطرة، وتوسيع نفوذ، واستئثار، مذهب معين على بقية المذاهب؟
وإذا افترضنا جدلا – وهذا ضرب من المستحيل – أن من الممكن صهر هذه المذاهب (الأديان) في بوتقة واحدة، باعتبار أن أصلها واحد! فهل ثمة ما يضمن ألا يتهم المتشددون الإسلامويون، المسيحيين العرب والمعربين، سكان البلاد الأصليين، ويكفرونهم، أو على الأقل ألا يطبقوا عليهم أحكام أهل الذمة، ويفرضوا عليهم الجزية صاغرين؟ وفي تشدد وأفعال الجماعات الإسلاموية في مصر ضد الأقباط دليل بيّنٌ على ذلك.
لماذا لم تُكتب الحياة للوحدة السورية المصرية، وتم الانفصال بينهما؟ ولماذا غادر الكويتيون بلادهم عندما غزاها العراقيون؟ ولماذا يستخدم جميع العرب عبارة (الاحتلال العراقي للكويت) وشاركوا عسكريا في القضاء عليه؟ وتحتفل الكويت بما تسميه الاستقلال؟ ألا يوجد ما يجمع بين هذين البلدين؟
لماذا لم يتوحد العراق وسوريا منذ عام (1963) حين تولى الحكم في البلدين الحزب القومي نفسه، والذي يرفع عاليا شعار الوحدة العربية؟ ولماذا لم يُكتب النجاح لمحاولات الوحدة بين سوريا ومصر والعراق، بالرغم من أنهم استبدلوا أعلامهم بعلم موحد؟ ثم لماذا ترفض الصحراء الغربية أو المغربية (البوليساريو)، الوحدة مع المغرب؟
إن البلدان الناطقة بالعربية، بحكم التركيبة السكانية المتعددة والمختلفة مذهبيا وقبليا واثنيا، وتزايد الجهل والأمية والبطالة والفقر، وبحكم العقلية البدوية التي ساهمت في ترسيخ واستمرار هذا الواقع المتخلف، وسياسة التجهيل والتكفير والتخوين، ورفض الاعتراف بالآخر، والانتهاك المريع لحقوق الإنسان، والقمع والاستبداد، واستئثار فئة قليلة بالمال والسلطة، والغياب الكلي للديمقراطية، والتمسك الشديد بالخرافة، ومفاهيم وفكر القرون الوسطى، ونبذ العقل وإحلال النقل وتحريم الاجتهاد، جعل هذه البلدان تسير بسرعة مذهلة، نحو الاقتتال والانقسام، لا نحو الوحدة، التي يبدو أنها وهم وسراب، وشعار غير قابل للتحقيق.



#سعد_الله_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خالفوا الكفار يرحمكم وينصركم الله
- الأحزاب الدينية والحرية وبناء الأوطان
- الرعيان يحتقرون المرأة، ويسفحون الملايين تحت قدميها
- الماكينة الإخوانية
- قانون الأحزاب السورية، وما تسرب منه
- التعصب الديني في البلدان العربية
- جماعات حقوق الإنسان
- حقوق الإنسان...جعلوها مركوبا – نماذج
- الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية 2
- أبو زيد الهلالي بين التزويق والتلفيق والتجهيل
- الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية 1
- مسيحيو العراق بين القتل والتهجير
- استثمروا في صناعة الإرهاب
- استطلاعات الرأي وأعراب الجزيرة
- النقاب والحجاب والعورة والإرهاب
- من ينقذ الإسلام والمسلمين؟
- فجّر واقتل واذبح... يكافئك الشيطان
- يخافون على الله من أعدائه
- نعم للأسرى، لا للفساد
- أيضا وأيضا مناهج التعليم


المزيد.....




- بيع ساعة جيب أغنى رجل في سفينة تايتانيك بمبلغ قياسي (صورة)
- ظاهرة غير مألوفة بعد المنخفض الجوي المطير تصدم مواطنا عمانيا ...
- بالصور.. رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -الم ...
- -إصابة بشكل مباشر-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مقر قي ...
- واشنطن تعرب عن قلقها من إقرار قانون مكافحة البغاء والشذوذ ال ...
- إسرائيل تؤكد استمرار بناء الميناء العائم بغزة وتنشر صورا له ...
- حزب الله يقصف مستوطنة ميرون ومحيطها بوابل من الصواريخ
- وزير الخارجية الفرنسي يستهل جولته في الشرق الأوسط بزيارة لبن ...
- مفتي سلطنة عمان معلقا على المظاهرات الداعمة لفلسطين في جامعا ...
- -عشرات الصواريخ وهجوم على قوات للواء غولاني-.. -حزب الله- ين ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد الله خليل - الوحدة العربية من الحلم إلى الوهم