|
تجربة الإقتراب من الموت !؟
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4135 - 2013 / 6 / 26 - 20:31
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
تجربة الإقتراب من الموت !؟ كم ترددت في الكتابة عن هذا النوع من التجربة الغير العادية ، بل والخارقة ، التي عشت أطوارها أثناء خضوعي قبل أسابيع ، لعملية جراحية ، بإحدى مصحات مدينة الرباط . فعلا لقد كنت متحرجا كثيرا ، ولم أجرؤ على سرد تفاصيل االتجربة حتى لأقرب الناس لي والمحيطين بي ، مخافة أن يؤخذ كلامي كنوع من عدم الاتزان العقلي ، أو أتهم في اعتقادي الديني ، وذلك لأن التجربة رغم ما يبدو عليها من الطرافة ، ألا أنها لم تكن ضربا من ضروب الرؤيا أو نوعا من أنواع الأحلام ، فقد كانت تجربة خارقة وعصية على الشرح والتفسير ، يصعب على من لم يعش أطوارها ، أن يتصورها ، فبالأحرى أن يصدقها ، لقصور الكثيرين على فهم واستيعاب ظواهرها غير المفهومة أصلا ، والتي وقف جهابذة علم النفس والفلسفة قديما وحديثا ، مغلولي الفكر حيال الغازها الغامضة ، معقوفي الألسن أمام أسرارها ، حائرين في شرح أسباب وطرق حدوثها ، التي لا تأتي في الغالب الأعم ، إلا نتيجة لغيبوبة عميقة ، أو إثر سكتة قلبية ، أو جراء تخدير كلي لأجل إجراء عملية جراحية ، وقلما تحدث أثناء النوم العادي للإنسان .. هذه المقدمة رغم طولها ، فقد كانت ضرورية لتقريب ما عشته مع تجربة "الاقتراب من الموت" الإنسانية الجديرة بالدراسة العلمية و بالتقييم المنصف ، علها تكشف للناس ، بعضا من الأمور السرية الغامضة ، وتريحهم من الكثير من التساؤلات الماورائية الكبيرة ، المتعلقة بالخلق والتكوين والنشأة والتطور والموت والطبيعة ، التي أرقت مضجعهم مند فجر الحياة البدائية ، وتخلق في ذوي القلوب المهمومة بقضية الموت ، بعضا من التوازن العاطفي ، وتنقلهم من وجلهم منه ، إلى الأجواء المتفائل للإيمان وللأمل ، فيؤمنوا بأن الموت لا يأتي ليفني الإنسان ويمحقه ، ويتيقنوا بأنه ليس هو النهاية ، وأنه إنما هو رسول البداية المقدسة الذي يأتي من عند الله لكي ينقل خلقه الذي يحبه ، من دار الأحزان إلى فراديس الأمان والاطمئنان ، وإلى كل ما هو أنقى وأبقى من جنانه ، كما قال بعض من حضروا موت المفكر إسلامي والداعية التركي محمد فتح الله كولن Fethullah Gülen) ) ، أنه سمعه لحظة كانت روحه على وشك مفارقة جسده يهمس بصوت خفيض قائلا : "يا ليت لي القدرة على الكتابة أو الكلام لأخبركم كم هو رائع الانتقال من هذه الدنيا إلى العالم الآخر .. لهذا وذاك ، ورغم الحرج والتردد الذي كاد يفل عزمي ، ويشل عزيمتي ، ويقصم ظهر إرادتي ، قررت سرد القصة الكاملة لهذه التجربة التي عشت ، والتي أقل ما يمكن أن يقال عنها ، أنها كانت كالكابوس الثقيل ، مفاجئة سريعة وخاطفة ، تُفقد صواب كل ذي فكر وعقل رزين ، وقد بدأت بخبر طبي فاجعة ، نزل علي من حيث لم احتسب ، وأدركت من خلاله اني مصاب بما كان في اعتقادي أنه لا يصيب إلا غيري ، والذي كنت اعتقد جازما أني بمأمن من شروره ، فتأجج الخوف في قلبي ، ونمى وتراكم على مشاعري وأحاسيسي ، وأكل الرعب مساحات انشراحي وفرحي وضحكي ، وقلص الحزنمنسوب سروري وسعادتي ، فبهتت روحي ، وتصدع إرادتي ، وانكسرت عزيمتي ، وضاق أفقي ، وتفككت أمالي ، وانهزمت نفسيتي ،اجتاحت كياني الآلام أقصاها وأقواها ، وخنقني البكاء والتهدج والرجاء والارتباك ، وكأني احمل في كل عضو من أعضائي جرحا مؤلما .. فعلا ، لقد كان شعورا قاسيا ومحبطا جدا ، أن تستفيق على خبر مفجع كالصاعقة ، يقتل الأمل في المستقبل . لكنها قوة ارادة البقاء ، وإصرار التشبث بالحياة ، كانت أشد عنادا ، على رفض كل ما انتابني من غريب الشعور بالإحباط ، والانهزامية والاستسلام ، فجنحت بي للتمسك بالأمل والتطلع للمستقبل ، ومقاومتها بطرق كل أبواب التطبيب والعلاج ، وتجريب كل وسائل العلاجات العلمية المتطورة ، والتي رست على إجراء "عملية جراحية إستئصالية " التي استسلمت في النهاية إلى خيارها ، رغم أني كنت ممن يرعبهم منظر الحقنة في يد ممرضة ، وذاك فعلا ما حدث ، حيث كنت في منتهى الرعب ، وكاد يغمى علي عندما رأيت "البناج" وبيده الحقنة التي أفرغ حمولتها في شريان ظهر كفي ، فاعترتني بعدها رعشة خفيفة ارتعدت لها أوصالي ، وشعرت بقشعريرة لطيفة سرت في أطرافي ، وبسكون لذيذ انتشر في جسدي ، وأرخت مفاصلي ، وأثقلت اجفاني ، وأخرست حواسي ، أحسست معها بقوة خفية تشدني إلى الأعلى ضدا على قوانين الجاذبية ، في سياحة نفسية لطيفة في الآفاق اللامتناهية ، ووجدتني ، كالحلم ، كالظل ، أهيم بلا أجنحة ، وبلا قيد ، ولا حجب تمنعني من مجاوزة جدران غرفة العمليات ، كطائر مهاجر إلى دنيا رحبة تشع بالأنوار ، وتتألق بالمباهج والمسرات السماوية .. وأثناء تحليقي عبر الأبعاد المتراكبة الأضواء الباهرة ، والملأى بالذكريات الجميلة ، أحسست ، بل سمعت ، نداء آت من وراء الأفق البعيد على قرب ، القريب على بعد ، يخاطبني قائلا : "نوض على سلامتك ، ما حاس بوالو دابا" ؟ هتفت في فرح الأطفال ، بصوت غير مسموع ، إلا في أغور أعماقي : "لا وما حاس بوااااااااااااااااااللللللللللو" ، وإن كنت ، في واقع أمري ، قد امتلأ قلبي وكل جوارحي ومشاعري ، بأحاسيس تفوق التوقع ، ولا يستطيع أيا كان وصفها أو تقييمها ، حيث كانت خليطا من الرهافة والخفة والشفافية ، واللطف والحلاوة والصدق ، وغيرها من المشاعر الغامضة التي احتضنت كياني ، ولفت حنايا ضلوعي ، واخترقت دواخلي ، واجتاحت أوصالي ، وجعلتني كالريشة ، أسبح في عوالم من الإشراق والخلود والأبدية ، التي شعرت خلالها بسكون وراحة غريبة ، سلت بسحرها روحي ، من كل مآسي الحياة ومعاناتها .. لكن توقف التجربة مع الأسف ، فجأة ،كما بدأت ، وبسرعة خاطفة ، كتوقف التيار الكهربائي عند انقطاعه ، وتوقف معها كلما عشت خلالها من سلام متناغم متوازن لم أعرف مثله من قبل ، وانتهت بتوقفها "السياحة النفسية " الخارقة التي بلغت من خلالها أقسى مدى ، يمكن أن يصله الإنسان في مثل هذه التجربة ، التي عادت منها روحي إلى التجسد الأرضي ، دون أن أدري كيف عادت ، ودون أن أفك طلاسم ذاك السر المهول ، الذي التقيت به وجها لوجه ، والذي ربما كان هو "الموت" الذي طالما تاجر البعض بتخويفنا منه ، كما لو كان هو أسوأ شر في الوجود ، بينما هو في حقيقته ، أبسط ، وربما أجمل وأروع مما يصفون لأنه أعظم خير رتبته العناية الإلهية وجعلته ضرورة طبيعية لكل الناس ، ومكسباً للنفوس المفارقة التي أضنتها هموم العيش ، وكانت في بأمس الحاجة إلى الخلود للراحة بكل مساحاتها "الزمكانية" بأبعادهما الثلاثية والرباعية.. فتحت عيني ، بعد زوال تأثير البنج ، على زوجتي وأبنائي وأهلي والأصدقاء ، المتحلقين - في انتظار فعالا وليس انتظار غفلة - حول السرير الذي مُددتُ فوقه جسماً متداعياً متهدماً ، بلا حول ولا قوة ، وأيقنت لحظتها أني عدت لأهلي وأحبائي ، فتوجهت ، إلى الله تعالى بالصلاة والدعاء بكل إخلاص وذلّة شديدة وبرقة بالغة والدموع في عيني والرجفة والخشية في صدري .. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا حزن يعدل حزن الفقد بالموت ، ولو كان موت كلبة !!
-
اقتباس ، أم سرقة فاضحة ؟
-
القاهرة، عروس النيل وجوهرة أم الدنيا..
-
يوم عامل أزلي!!!
-
شعارات فاتح ماي، و قضايا العمال الكبرى.
-
عندما يكون النضال عفوياً وصادقاً ..
-
القاهرة من الأمكنة التي تزورها فتبقى في القلب.
-
الحدود
-
الخوف من المجهول أشد على الصحة النفسية للإنسان.
-
عيشية الرحيل..
-
المعتقدات الخرافية ومخلوقات الخفاء !؟
-
الأمهات لا يتكررن..
-
البيات أو عسس الليل.
-
حراس العمارات
-
إنسانية الطبيب، نصف العلاج ..
-
انتحرت فتاة او اغتصبت، وماذا بعد؟؟؟؟؟
-
المعتقدات الخرافية ومخلوقات الخفاء !؟
-
تفريخ الأحزاب بمغرب اليوم أية آفاق!
-
ما الذي يخيف الظلاميين في الحب وفي عيده؟؟
-
رد على تعليق
المزيد.....
-
اتصال جديد بين وزير دفاع أمريكا ونظيره الإسرائيلي لبحث -فرص
...
-
وزير الخارجية العماني يدعو القوى الغربية لإجبار إسرائيل على
...
-
يوميات الأراضي الفلسطينية تحت النيران الإسرائيلية/ 1.11.2024
...
-
المركز الإفريقي لمكافحة الأوبئة يحذر: -جدري القردة- خرج عن ا
...
-
جنرال أمريكي: الدول الغربية لا تملك خطة بديلة لأوكرانيا بعد
...
-
الهجمات الإسرائيلية على لبنان وجهود التسوية / 1.11.2024
-
أوستن وغالانت يبحثان فرص الحل الدبلوماسي ووقف الحرب في غزة و
...
-
زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية
-
حسين فهمي يتعرض لانتقادات لاذعة بسبب صورة وحفل عشاء مع وفد ص
...
-
ارتفاع إصابات جدري القردة في أفريقيا بنسبة 500% وتحذيرات من
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|