أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شوقي إبراهيم قسيس - تعلّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الحادية عشرة (11) - في المبتدأ والخبر















المزيد.....


تعلّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الحادية عشرة (11) - في المبتدأ والخبر


شوقي إبراهيم قسيس

الحوار المتمدن-العدد: 4132 - 2013 / 6 / 23 - 02:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


في هذه الحلقة وفي حلقات عديدة قادمة أتطرّقُ بالتفصيل إلى المحور الأساسي لهذه الحلقات، وهو إلغاء تدريس مواضيع نحوية معينة وتغيير أساليب تدريس مواضيع أخرى مع كيفية تغيير هذه الأساليب. موضوع هذه الحلقة هو كيفية تغيير أسلوب تدريس المبتدأ والخبر مع كل ما يتعلّق بهما، وأبدأ بكلمة مختصرة عن "الجملة" أو "الجملة المفيدة".


ألجملة:
يجدرُ لفتُ الانتباهِ منذُ المراحلِ الأولى في الإبتدائية إلى أنّ الجملةَ (أو "ألجملة المفيدة") هي الّتي يتمُّ فيها المعنى، ونظرةٌ سريعةٌ إلى قائمة 6 أدناه تُظهرُ أنّ المعنى لم يتمَّ في تعابير الطَّرفِ الأيمن من القائمة، بينما كلُّ واحدٍ من تعابيرِ الطَّرفِ الأيسرِ أعطى معنىً كاملاً. فالطَّرف الأيسر فيه جُمَلٌ، بينما تلك التي في الطّرف الأيمن لا تُشكِّل جُمَلاً.
وكما ترى، قد تبدأُ الجملةُ باسم (ألبيتُ، ألطّالبُ، ألأُستاذُ، صَديقُكَ) وتسمّى "جملةً إسميّة"، وقد تبدأُ بالفعلِ (سَكَنْتُ، أَكَلَ، تَدْرُسينَ، أَكَلَ صَديقُكَ طَعامَهُ) وتُسمّى "جملةً فعلية"(1). والجملةُ الإسمية قد تحتوي على فعلٍ (ألأُستاذُ يُدَرِّسُ) وقد لا تحتوي على فعل (ألبيتُ كبيرٌ، ألطالبُ الْمُجْتَهِدُ مَحْبوبٌ). وهذا كلُّ ما على الدارس أنْ يعرفَه فيما يتعلَّقُ بالجُمَل.

قائمة 6
في كلِّ سطر: ألكلام في الطرف الأيمن لا يمثِّلُ جُملاً، والكلام فيالطّرف الأيسر يمُِّل جُملاً مفيدة.

ألْبَيْتُ. ألْبَيْتُ كَبيرٌ

في الْمَدينةِ. سَكَنْتُ في الْمَدينةِ

أَلأَكْلُ. أَكَلَ

بَعْدَ الظُّهْرِ. تَدْرُسينَ

أَلطالِبُ الْمُجْتَهِدُ. ألطالبُ الْمُجْتَهِدُ مَحْبوبٌ

أُستاذُ الْعَرَبيّةِ. أَلأُسْتاذُ يُدَرِّسُ الْعَرَبِيّةَ

صَديقُكَ. أَكَلَ صَديقُكَ طَعامَهُ.


ألمبتدأ والخبر:

لعلّ هذا الموضوعَ هو خيرُ ما يمثِّلُ نهجَ تدريسِ القواعد الّذي يوضّحُ الواضحَ ويعقِّدُ البسيط، لذا سوف أعالجه بالتفصيل، وسأطيلُ الكلام فيه.

لننظرْ أوّلاً إلى كتابِ "النّحو الواضح في قواعد اللّغة العربية"، إعداد علي الجارم ومصطفى أمين، والذي كان كتابَ تدريسِ قواعدِ اللّغة في مدارسِ الدّاخلِ الفلسطينيِّ (وربّما في مصر أيضاً) لعدَّةِ عقودٍ من الزمن، وهو في ستّةِ أجزاء، ثلاثة للمرحلة الإبتدائية وثلاثة للثّانوية. وإذا تخطَّيْنا أجزاءَ المرحلةِ الابتدائية الثّلاثة، والتي يوجدُ في تضاعيفِها دروسٌ عديدة عن المبتدأ والخبر، ونظرنا إلى أجزاءِ المرحلةِ الثّانوية نرى أنّ الجزءَ الأوّلَ منها يحوي ستةَ دروسٍ كاملةٍ عن المبتدأ والخبر، وتمتدُّ على أكثر من ثلاثين صفحة. وهذه الدُّروسُ الستة يمكنُ اختزالُها في جملة واحدة فقط، وهي: ألمبتدأ هو موضوعُ الكلام، والخبر هو الأمر الأوليّ الذي نخبرُه عن هذا الموضوع. وسيتَّضحُ حالاً أنّ هذه الجملةَ هي كلُّ ما يحتاجُ الطّالبُ أنْ يعرفَه عن المبتدأ والخبر كي يكتبَ ويتكلَّمَ العربيةَ بشكلٍ صحيح.

يظهرُ أنّ المعنيّين بتدريسِ قواعد اللّغة والمسؤولين عنها (في الداخل الفلسطيني على الأقلّ) قد ضاقوا ذرعاً بأسلوبِ "النّحوِ الواضح" الجافّ والمملّ والبليد، والذي يتَّبِعُ طريقةَ التلقين و (التبصيم)، فاستبدلوه – مشكورين - بكتابٍ جديدٍ عنوانُه "ألجديد في قواعد اللغة العربية"، إعداد د. فهد أبو خضرة، د. فاروق مواسي، و د. إلياس عطا الله - وجميعُهم درسوا قواعدَ اللّغة منَ النّحو الواضح -، وصدرت الطبعةُ الأولى منه (وأُقِرّ للتَّدريس) في عام 1989. بين يدَيَّ الطبعةُ الثّانية (عام 1994)، وفيها 25 صفحةً عن المبتدأ والخبر وقوانينِهما. والحقُّ يقالُ أنّ المؤلِّفين أبلَوْا بلاءً حسناً في تجنُّب أسلوبِ "النّحو الواضح" المقيت، وعرضوا الموضوعَ على الطّالبِ بشكلٍ جذّاب وممتع، وبأسلوبٍ تعليميٍّ ممتاز. لكنْ يبقى السؤال: هل يحتاجُ الطّالبُ إلى كلِّ هذه التفاصيلِ والقوانينِ لكي يتعاملَ مع كلِّ ما يتعلَّقُ بالمبتدأ والخبر بشكلٍ يساعدُه على إتقانِ لغتِه؟ ألجواب: طبعاً لا. وذلك لأنّ كلَّ ما يحتاجُه الطّالبُ هو أنْ يعرفَ (أحياناً وليس دائماً) أين هو المبتدأ وأين هو الخبر في أيِّ تركيبٍ يقعُ بين يديه. وأهمُّ سببٍ لضرورةِ معرفةِ ذلك هو أنّ الجملةَ الإسمية المكوّنةَ من مبتدأ وخبر - وكلاهما مرفوعان - قد يدخلُ عليها أدواتٌ أو أفعالٌ تنصبُ أحدَهما أو الآخر (تحوِّل حركةَ الآخِر من ضمّة إلى فتحة)، ومطلوبُ معرفةِ أيِّ منهما نُصِبَ لضبطِ آخرِه. تحديداً، قد تدخلُ واحدةٌ من "الأحرف المشّبهة بالفعل" السّبعة (إنَّ، أَنَّ، كَأَنَّ، لكِنَّ، لَيتَ، لَعَلَّ، ولا النافية للجنس) فتنصبُ المبتدأ، وقد يدخلُ أحدُ الأفعالِ النّاقصة (كان وأصبح وغيرهما) على الجملة الإسمية فينصبُ الخبر. ولتعيين المبتدأ في أيِّ تركيب ما على الدارس إلاّ أن يسأل نفسه: ما هو موضوعُ الكلام؟ ولتعيينِ الخبرِ يكونُ السُّؤال: ما هو الأمرُ الأوليُّ الّذي نُخبرُه عن هذا الموضوع. وسنرى حالاً أنّ الإجابةَ على كلٍّ من السُّؤالين سهلةٌ في أيِّ تركيب. ولنرَ عدداً من الأمثلة، ونبدأُ بأسهلِها:

1. ألطَّقْسُ بارِدٌ.
واضح أن "الطقسُ" هو موضوع الكلام، وأنّ ما نخبره عنه هو أنّه باردٌ؛ فالطقس هو المبتدأ وباردٌ الخبر.

2. ألبِنْتُ شَعْرُها طَويلٌ.
لا يختلفُ اثنان في أنّ "البنت" هي موضوعُ الكلام، فهي مبتدأ، وما نُخبرُه عن هذه البنتِ هو أنّ "شعرُها طويلٌ"، لذا فهذه الجملةُ الإسمية برمَّتِها هي الخبر. وإذا تمعنّا في جملة "ألْبِنْتُ شَعْرُها جَميلٌ" نرى أنّ فيها موضوعاً ثانياً، وهو شعرُ هذه البنت، لذا فكلمة "شَعْر" في "شَعْرُها" هي أيضاً مبتدأ (ثانٍ) وخبرُه "طويلٌ". ومن يرغبُ يمكنُه أنْ يلفتَ انتباهَ الطُّلّاب إلى أنّ "شعرُها" لوحدها لا تصلحُ لأن تكونَ خبراً للبنت لأنّها لا تخبرُنا شيئاً عنها.

3. ألوقايةُ تَحْمي الْجِسْمَ مِنَ الأَمْراضِ.
موضوعُ الكلام هو الوقاية، والجملةُ الفعلية "تَحْمي الْجِسْمَ" خبرها.

4. عِنْدي سُؤالٌ.
واضح أنّ موضوعَ الكلام هنا هو "سْؤال"، فهو المبتدأ (رغمَ أنّه ليس في أوّلِ الكلام ونكرة)، وما نخبرُه عنه هو أنّ هذا السُّؤالَ هو عندي وليس عندَ غَيري، لذا فشبه جملة "عندي" هي الخبر.
قد يكونُ من المفيدِ لفتُ انتباهَ الدّارس إلى أنّنا نقولُ عنِ الجملةِ الإسمية في (2) والجملةِ الفعلية في (3) وشبهِ الجملة في (4) أنّها في محلِّ رفعِ خبر، وهذا منطقيّ لأنّ ما يكون مرفوعاً أو منصوباً أو مجروراً هو مفردات مُعربة لا جُمل. وأقترحُ ألاّ نُغلِّبَ الطّالبَ بالفلسفاتِ النّحوية مثل: "وشبه جملة "عندي" متعلّقة بخبر محذوف تقديره موجودٌ"، فهو ليس بحاجةٍ إلى ذلك.

5. قال طرفة بن العبد عن نفسه:
كَريمٌ يُرَوّي نَفْسَهُ في حَياتِهِ سَتَعْلَمُ إنْ مُتْنا غَداً أَيُّنا الصَّدي
نرى أنّ الكلامَ يبدأُ باسمٍ مرفوعٍ هو (كَريمٌ)، فنظنُّ أنّه هو المبتدأ. لكنْ حين نسألُ ما هو موضوعُ الكلام؟ نعرفُ حالاً أنَّ كلمةَ (كريمٌ) هي ليست الموضوع، وأنّ موضوع الكلام هو "أنا"، فالشّاعرُ يتكلَّمُ عن نفسِه، وما يخبرُنا عن نفسِه هو أنّه كريمٌ وليس بخيلاً، لذا "كريمٌ": خبر لمبتدأ محذوف تقديره أنا.

لننظرِ الآن إلى جملة "ألطَّقْسُ باردٌ" بعد دخولِ فعلٍ ناقصٍ أو حرفٍ مشبّهٍ بالفعل عليها:

6. كانَ الطَّقْسُ بارداً.
7. ألسَّماءُ صافِيةٌ لكِنَّ الطَّقْسَ باردٌ.
نرى أنّ "كان" في (6) قد نصبت الخبر (بارداً) وأنّ "لكنَّ" في (7) قد نصبت المبتدأ (ألطَّقْسَ)، وهكذا تكلَّمْنا. أقترحُ أنْ يُنظَرَ إلى جملة (6) من زاويةٍ أخرى، وهي أنّ الجملةَ أصبحت جملةً فعلية (تبدأ بفعل)، و "الطَّقْسُ" فاعل كان، و "بارداً" مفعولُها. وذلك بدلاً من أو إضافة إلى: ألطقسُ اسم كان وبارداً خبرها.

لعلّ دخولَ الأفعال النّاقصة والأحرفِ المشبَّهةِ بالفعل على الجُملِ الإسمية هو أهمُّ سببٍ لوجوبِ معرفة أين المبتدأ وأين الخبر في التراكيب المختلفة، وذلك كي نضبط تشكيل أواخرهما. لننظرْ إلى جملة "عِنْدي سُؤالٌ" (4) بعد دخولِ فعلٍ ناقصٍ أو حرفٍ مشبَّهٍ بالفعل عليها:

8. كانَ عِنْدي سؤالٌ

9. أَلَمْ أَقُل لَكَ إنَّ عِنْدي سُؤالاً؟

ولْننظرْ أيضاً إلى قول محمود درويش:
10. كَأَنَّنا أَسْلافُنا، نَأْتي إلى بَيْروتَ كَيْ نَأْتي إلى بَيْروتْ... (من قصيدة "قصيدة بيروت")
لاحظتُ مراراً أنّ البعضَ ينصبُ - كتابةً و/أو نطقاً - كلمةَ (سؤال) في (8)، أو يرفعُها في (9)، أو ينصبُ كلمةَ "أسلافُنا" في (10). موضوع الكلام في قول درويش هو "نَحْنُ"، والّتي عبّرتْ عنها الـ "نا" في "كَأنّنا"، وخبر "نحن" (النا) هو كلمة "أسلافُنا" المرفوعة. وغنيٌّ عن القولِ أنّه لو تزوَّدَ المرءُ منذُ الصِّغر بالقدرةِ على تحديد المبتدأ (موضوع الكلام) وتحديد الخبر (ألأمر الأولي الّذي نقوله عن المبتدأ) لما وقعَ في أخطاء التشكيل. كذلك استمعتُ مؤخّراً إلى ناشطٍ سياسيٍّ يلقي كلمةً في مناسبة معيّنة، وقد انتقد الأنظمةَ العربيّةَ بمرارة في كلمته، واستشهد ببيت شعرٍ شهير لعمر أبي ريشة (شاعر سوري، 1910 - 1990) وهو:

خافوا عَلى الْعارِ أَنْ يُمْحى فَكانَ لَهُمْ لِحِفْظِ الْعارِ في الرَّباطِ مُؤْتَمَرُ

وما صمَّ أُذُنَيَّ هو أنّ النّاشطَ الكريمَ نصب كلمة "مُؤْتَمَرُ" قائلاً [مُؤْتَمَرا]. وواضح أنّ الموضوع في الكلام الذي يبدأ بِكلمة "فَكانَ" هو المؤتمر الّذي عقدوه في الرّباط، أو أنّ فاعل "كان" (أو اسمَها إذا شئتَ) هو "مؤتمرُ" المرفوعة، والمعلومة الأوليّة عن هذا المؤتمر هو أنّه لهم (الرؤساء والملوك العرب) وليس لغيرهم، فشبه جملة لهم هي الخبر. (ألبيت من قصيدة رَوِيُّها راء مضمومة لا مفتوحة).

وهذه أمثلة أخرى تبين وجوب معرفة المبتدأ والخبر من أجل تشكيل صحيح لأواخرهما:

11. إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمةً وَإنَّ مِنَ الْبَيانِ لَسِحْرا

12. "يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أوتِيَ قاروونُ"

13. لَعَلَّ في قِصَصِهِمْ عِبْرةً لِمَنْ اعْتَبَرَ

14. "لَقَدْ كانَ في قِصَصِهِمْ عِبْرةٌ لأُولي الأَلْبابِ"

15. لَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ السُّرْعةُ في الْحُكْمِ

16. إنَّ مِنَ الْعَدْلِ سَماعَ الطَّرَفِ الآخَرَ

17. كَأَنَّ عَلى الشَّجَرةِ حَمامةً

18. كَأَنَّهُ حَمامةٌ عَلى الشَّجَرةِ

19. كانَ عَلى الشَّجَرةِ عُصْفورٌ

20. كَأَنَّ الْحَمامةَ عَلى الشَّجَرةِ

21. كانَتِ الْحَمامةُ عَلى الشَّجَرةِ

إذا نظرتَ إلى الكلماتِ الّتي تحتَها خطّ تدركُ أنّ كلَّ كلمةٍ منها هي موضوعُ الكلام، لذا فهي المبتدأ في كلِّ حالة، وقد نُصبَ هذا المبتدأ بأحدِ الأحرفِ المشبّهة بالفعل، وبقي مرفوعاً بعدَ دخولِ الفعلِ النّاقص. في مثال 18 موضوع الكلام هو طائرٌ معيّنٌ وقفَ على الشجرة وعُبِّرَ عنه بضمير الغائب المفرد (ـهُ)، والخبر الأوّلي عن هذا الطائر هو أنّه يشبه الحمامة ، فكلمة "حمامةٌ" هي خبر مرفوع.

ملاحظة: تُسمّى اللام الّتي دخلت على كلمتَي "حكمة" و "سِحْر" في مثال (11) لام الابتداء، وهي لام مفتوحة تفيد التوكيد. أنظرْ إلى الآية 7 من سورة يوسف: ["إذْ قالوا لَيوسُفُ وَأَخوهُ أَحَبُّ إلى أَبينا مِنّا وَنَحْنُ عُصْبةٌ إنَّ أَبانا لَفي ضَلالٍ مُبينْ"]. ترى في الآية لامَ الابتداء في "لَيوسُفُ" ولاماً أخرى مفتوحةً في "لَفي"، وهي أيضاً لامُ الابتداء وتفيدُ التوكيد، لكنّها (تزَحلَقَتْ) عن المبتدأ (أبانا) إلى الخبر (في ضَلالٍ)، ولذا تُسمّى اللامَ المتزحلقة أو المُزَحلَقة، وقد زُحلِقَت أو تأخّرتْ، ودخلت على الخبر كي لا يُجمعَ بينها وبين حرفٍ آخر يُفيد التوكيد – إنَّ تُفيد التوكيد – دون أيِّ فاصل، فلا يمكنُك أن تقولَ "إنّ لَأَبانا في ضَلالٍ"، لكنْ لك أن تقولَ "لَأَبونا في ضلالٍ" أو "إنَّ أَبانا لَفي ضَلالٍ". وعليه، فاللام في "لَفي" هي اللام المتزحلقة.
أخيراً، لننظر إلى قول أحمد شوقي مخاطباً الرسول في قصيدة "سَلوا قلبي":

سَأَلْتُ اللهَ في أَبْناءِ ديني وَإنْ تَكُنِ الْوَسيلةَ لَهُ أَجابا

وللنظرْ أيضاً إلى قول أبي الطّيِّب في كافور من قصيدة "مِنْ أَيّةِ الطُّرُقِ يَأْتي نَحْوَكَ الْكَرَمُ":

وَلَيْسَ أَقْبَحَ مِنْ فَحْلٍ لَهُ ذَكَرٌ تَقودُهُ أَمةٌ لَيْسَ لَها رَحِمُ

كلمة "الْوَسيلةَ" في بيت شوقي منصوبة لأنّها خبر "تَكُنْ" (أو مفعول "تَكُنْ" إذا شئتَ)، واسم "تَكُن" أو فاعلها مستتر تقديره أنتَ، فالشاعر يخاطب الرسول قائلاً له "إنْ تَكُنْ أنتَ الوسيلةَ إلى الله". يجدرُ التّذكيرُ أنّ المضارع للمخاطَب المفرَد وللغائبة هو واحد (أنتَ إنْ تَكُنْ، وهي إنْ تَكُنْ). كذلك كلمة "أَقْبَحَ" في بيت أبي الطّيِّب قد نُصبَت لأنّها خبر ليسَ، واسم ليس مستتر تقديره هو أو شيءٌ. أمّا كلمة "رَحِمُ" في عجز البيت فهي موضوع الكلام، فهي مرفوعة.


حذف وتقديم المبتدأ أو الخبر:

لا أجدُ أيَّ حاجةٍ لتدريسِ المواضيع الّتي تتكلَّمُ عن حذفِ وتقديمِ المبتدأ أو الخبر، والتي خصَّصتْ لها كتبُ القواعد المختلفة أربعةَ دروسٍ منفصلةً على الأقلّ، والأفضلُ أنْ تدرّسَ فقط في المسار التخصصي. لتتأكَّدَ من أنّ تدريسَ هذه المواضيعِ ليس ضرورياً أنظرْ إلى الأمثلةِ التالية والمأخوذةِ من كتبِ تدريسِ قواعدِ اللّغة:

1. صَبْرٌ جَميلٌ

2. قال الشاعر:
في عُنُقي لَأُسْدِيَنَّ يَداً لِكُلِّ ذي حاجةٍ يُرَجّيها

3. قال عمرو بن أهتم السعدي (شاعر جاهلي مخضرم من قبيلة تميم):
لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلادٌ بِأَهْلِها وَلكِنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ

4. قال أبو الطيّب:
لَوْلا الْمَشَقّةُ سادَ النّاسُ كُلُّهُمُ أَلْجودُ يُفْقِرُ وَالْإقْدامُ قَتّالُ

5. قال أبو فراس الحمداني:
فَقُلْتُ، كَما شاءَتْ وَشاءَ لَها الْهَوى: قَتيلُكِ، قالَتْ: أَيُّهُمْ؟ فَهُمُ كُثْرُ

6. قال الشّاعر:
فَأَكْثَرُ ما تَلْقى الْفَقيرَ مُداهِناً وَأَكْثَرُ ما تَلْقى الْغَنِيَّ مُرائِيا

7. كُلُّ طالِبٍ وَكِتابُهُ

8. نِعْمَ القائِدُ خالدُ بنُ الوليدِ

9. قال الأعشى:
نِعْمَ الضَّجيعُ غَداةَ الدَّجْنِ يَصْرَعُها لِلَذَّةِ الْمَرْءِ لا جافٍ وَلا تَفِلُ

10. قال أبو الطيّب:
وَمَكايِدُ السُّفَهاءِ واقِعةٌ بِهِمْ وَعَداوةُ الشُّعَراءِ بِئْسَ الْمُقْتَنى

في الواقع، لا يحتاجُ الدّارسُ إلى معرفةَ أين هو المبتدأ وأين هو الخبر في أيِّ مثالٍ من الأمثلة العشرة، فالأسماءُ المرفوعةُ في هذه الأمثلة رُفعت لأنّه لم يحدثْ ما يوجبُ النَّصبَ أو الجرّ، وهي أمثلةٌ معظمُها لا يصلحُ لدخولِ ما ينصب المبتدأ (إنّ وأخواتها) أو الخبر (الأفعال الناقصة) عليه. رغم ذلك، فمن يريدُ أن يعرفَ سيكتشفُ أنّ تعيينَ المبتدأ والخبر في كلِّ مثالٍ ليس صعباً كما فد يُظَنُّ لأول وهلة. سنحاولُ، كوسيلةٍ للتسلية، أن نعيّنَ المبتدأ والخبر في كلٍّ منها:

ألمثالُ الأوّلُ هو دعاءٌ للمصاب، وموضوعُ الكلام هو "الصَّبْرُ" أو "صَبْرُكَ"، وما نخبرُه عنه هو أنّه "صبرٌ"، فكلمةُ "صبرك" المحذوفة هي مبتدأ، و"صبرٌ" هي الخبر؛ أمّا كلمة "جميلٌ" فهي صفةٌ (نعت) للخبر.

وفي المثال الثّاني موضوعُ الكلامِ هو "القسمُ / قَسَمي" أو "اليمينُ / يميني"، وهو محذوف ويُفهَمُ من السّياق. وما نخبرُ عن القسم هذا هو أنّه "في عُنُقي" أو "في ذمتي" وأنا متعهّدٌ به؛ فالمبتدأ محذوف والخبر "في ذِمّتي".

حاولْ الآن، كنوعٍ من التّسليه، أن تُدخَلَ إنّ أو كانَ على كلِّ جملة في الممثالَين. إن فعلتَ ذلك تُدرك أنّ الجملة في كلِّ حالة تتحوّلُ إلى جملةٍ تقريريّة إخباريّة يظهرُ فيها المبتدأ المحذوف. فتقولُ المثالَ الأوّلَ: "إنّ الصَّبْرَ صَبرٌ جميلٌ (أو "إنّهُ صَبْرٌ" أو إنّ صَبْرَكَ صَبْرٌ)، أو "كانَ الصَّبْرُ صَبْراً جَميلاً". وتقول المثال الثاني: "كانَ الْقَسَمُ في عُنُقي"، أو "إنَّ الْقَسَمَ في عُنُقي" (أو إنَّ في عُنُقي قَسَماً).

ألمثالُ الثّالث يبدأُ باسمٍ مرفوعٍ ومعرّفٍ بالإضافة (عَمْرُك) اقترنت به لامٌ مفتوحة، وهي لامُ الإبتداء، وهي لامٌ تفيد التوكيد (أنظر الملاحظة أعلاه). وكلمة "لَعَمْرُك" (بفتح العين) هي قسم صريح لا نجدُها إلّا في الأشعار، وهي موضوعُ الكلام، وما نخبره عنها هو أنها قَسَمي أو يميني، فكأنّك تقول: حياتُك قَسَمي. إذن: لَعَمرُكَ هي مبتدأ مرفوع وخبره محذوف. في عجز البيت مبتدأ آخر هو "أخلاق"، لكنّه منصوب لدخول الحرف المشبّه بالفعل (لكِنَّ) عليه.

والمثال الرابع يبدأ بكلمة "لولا" وهي حرف شرط غير عامل يدخل على الأسماء ولا يغيّر حركة أواخِرها، لذا نجدُ أنّ كلمةَ "المشقّةُ" مرفوعة، وهي موضوع الكلام (مبتدأ). وإذا حاولت أن تجدَ الخبرَ فقد تعثرُ عليه في جملة "ساد الناسُ"، فليكُنْ. على أنّ الخبرَ في الواقع هو غيرُ ذلك. حاولْ مرّةً أخرى أن تعيِّنَ الخبر، عندها ستدركُ أنّ الأمر الأوّلي الذي تقوله عن "المشقة" هو أنّها موجودةٌ، وكأنّك تقول [لولا المشقّةُ موجودةٌ]، لذا فالخبر محذوف تقديره موجودة. يسمّي النّحاةُ "لولا" حرفَ امتناع لوجود، لأنّ سيادة كل الناس امتنعت لوجود المشقة. و"لولا" هذه لها ابنةُ عمٍّ هي نصفُها! وهي حرف التمني "لو"، وهو حرف شرط غير عامل أيضاً، ويدخل غالباً على الأفعال لا على الأسماء [لَوْ كُنْتَ تَعْلَمُ ما أَقولُ عَذَرْتَني]، وتُسمّى حرف امتناع لامتناع، فقد امتنعت المعذرة لامتناع المعرفة.

وإذا نظرتَ إلى اسم الاستفهام (أَيُّهُم) في المثال الخامس ترى أنّه موضوع الكلام، ولك أن تجعل كلمة "قَتيلُكِ" المحذوفة، والتّي فسّرتها "قتيلُكِ" قبلها، هي الخبر، لأنّه إذا أجبت عن الاستفهام يكون الجواب: "أنا قَتيلُك"، وأنا مبتدأ، فأيُّهم تكون مبتدأ خبرُه "قَتيلُكِ".

وموضوعُ الكلام في المثالِ السّابع هو أنّنا نشمل جميع الطُّلّاب، لذا فكلمةُ "كُلُّ" المرفوعة هي المبتدأ. أمّا ما نخبره عن "كُلُّ" هو أنّها مقترنة بالكتاب، لذا فالخبرُ محذوفٌ تقديره "مقترِنان". وإذا تمعّنت في هذا المثال ترى أن الاسمَ المرفوعَ في بدايتِه (كُلُّ) قد عُطفَ عليه اسمٌ آخَر (وَكِتابُهُ) مستعملين واو العطف التي تفيدُ المصاحبة، وواضحٌ أنّ الاسمَ المعطوف لا يصلحُ لأنْ يكونَ خبراً.

وإذا حاولتَ البحثَ عن خبرِ "فأَكْثَرُ" في شطرَي بيتِ الشعر في المثالِ السّادس فلن تجدَه لأنّه محذوف، ولك أنْ تقدرَه كما تريد. قد تعتقدُ أنّ كلمةَ "مُداهناً" وكلمة "مُرائِيا" هي الخبر في كلِّ حالة، لكنّ أيّاً منها لا تصلحُ لأن تكونَ خبراً لأنّهما كلمتان منصوبتان بفعل الفعلين قبلهما (يقال في إعراب كلٍّ منهما: حال منصوب بالفتحة).

والأمثلة الثّلاثة الأخيرة يحوي كلٌّ منها فعلاً خاصّاً في صيغتِه يفيدُ المدحَ (نِعْمَ) أو الذَّمَّ (بِئْسَ)، وهو فعلٌ جامدٌ لا زمنَ له ولا يُصَرَّفُ مع الضمائر. وقد صرفت كتب القواعد صفحات عديدة في أحوال إعراب الاسمين المعربين بعد فعل المدح أو الذم (القائِدُ وخالدُ والضَّجيعُ والْمُقتَنى)، وفي تسمية كل منهما (مثلاً، يطلقون على كلمة "خالدُ" في (8) اسم "مَخصوص نِعْمَ")، ويجلبون فعلَيْ المدح والذم كمثال على مواضع حذف المبتدأ أو تقديم الخبر عليه. لا يحتاجُ الطّالبُ إلى كلِّ هذه التّفاصيل كي يُتقنَ لغتَه، ويجبُ الامتناع عن تدريسها وتخويف الطّالب منها في المسارِ العامّ، والأفضلُ أن تُدرَّسَ في المسار التّخصصي فقط. ويكفي لمعرفة التّشكيلِ الصحيحِ أنْ يعرفَ الدّارسُ أنّ كلمةَ "القائِدُ" في (8) وكلمة "الضَّجيعُ" في (9) وكلمة " الْمُقتَنى" في (10) هي جميعها مرفوعة لأنّه لم يحدثْ ما يوجبُ نصبَ أو جرَّ أيٍّ منهما، أو أنّها مرفوعة كفاعل فعل المدح أو الذَّمّ، وكأنّك تقول في (8): "نَعِمَ (أو حَسُنَ) الْقائدُ"، أمّا كلمة "خالِدُ" فهي مربوطة بكلمة "القائِدُ"، فتشكَّل مثلَها؛ وهذا كلُّ ما هنالك.

إلى اللقاء في الحلقة القادمة، وموضوعُها "الأفعال الناقصة والأحرف المشبّهة بالفعل".



#شوقي_إبراهيم_قسيس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعلّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة العاشرة (10) - ألمع ...
- تعلّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة التاسعة (9) - ألمبن ...
- تعلّموا العربية وعلِّموها للنّاس – ألحلقة الثامنة (8) - ألحا ...
- تعلّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة السابعة (7) - ردود ...
- تعلَّموا العربية وعلِّموها النّاس – ألحلقة السادسة (6) - أئم ...
- تعلّموا العربية وعلِّموها للنّاس - ألحلقة الخامسة (5) - تشكي ...
- تعلَّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الرّابعة (4): ألهم ...
- تعلَّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الثالثة (3)
- تعلَّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الثانية (2): في ال ...
- تعلَّموا العربيّة وعلِّموها للنّاس - ألحلقة الأولى (1)
- تعلّموا العربية وعلِّموها للنّاس - ألحلقة الأولى (1)


المزيد.....




- مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
- من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين ...
- بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
- بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي.. ...
- داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين ...
- الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب ...
- استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
- لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
- روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
- -حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - شوقي إبراهيم قسيس - تعلّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة الحادية عشرة (11) - في المبتدأ والخبر