|
مع براعم وضدّ طيور الجنة.. أطفالنا بين الحياة و الموت
أحلام طرايرة
الحوار المتمدن-العدد: 4130 - 2013 / 6 / 21 - 19:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"لقد أصابني الفواق" قالت ابنة أختي ذات الخمسة أعوام بعد أن باغتتها نوبة "حازوقة" أو "زقزيقة" وهي تلك الانقباضات التي تصيب الحجاب الحاجز وتسبب صوتا غريبا يشبه الزقزقة. فاجأتني كلمة "فواق" التي كنت أسمعها لأول مرة وسألتها ماذا تعني فشرحتها لي وأخبرتني أنها سمعتها على قناة براعم للأطفال. تذكرت أنه دائما ما يثلج صدري عندما يصادف أن أتابع برنامجا ما على هذه القناة مع أطفال العائلة ودرجة الكفاءة العالية التي يخاطبون بها الطفل والمعرفة والمتعة المفيدة التي يقدمونها له، وسرعان ما أبدأ بمقارنتها مع قناة "طيور الجنة" التي نادرا ما أرصد فيها النهج الذي تقدمه براعم.
الفرق في الحقيقة واضحٌ في اسم القناتين: "براعم"، تعبيرٌ جميلٌ راقِ عن إنسان بمرحلة عمرية كتلك التي تشبهها في النباتات، مرحلة التكون التي يليها التفتح والانطلاق لنور الحياة بأزهى زهر، هو اسمٌ يحتفي بالحياة. أما "طيور الجنة" فهو اسمٌ وإن بدا رقيقا للوهلة الأولى من خلال كلمتين محببتين لمعظم الناس "طيور" و"الجنة"، إلا أنه صادمٌ لو نظرت إلى معناه المعروف، فهو مصطلحٌ ابتدعه رجال الدين لوصف الأطفال الموتى ومواساة أهلهم بأنهم "طيورٌ في الجنة" الآن. هو اسمٌ يحتفي بالموت إذن.
وهذا نراه فيما تعرضه القناة في تفاصيل كثيرة في اغنياتها – فهي بالمناسبة محطة أغاني، بالذات تلك التي تجمّل وتبجّل الموت الذي على سبيل الشهادة ومنها أغنية منتشرة ومحببة للاطفال ولذويهم والتي يغني فيها أطفال صغار قائلين: "لما نستشهد بنروح الجنة!" في إشارة خطيرة لما ينشأ عليه الأطفال منذ وقت طويل في البلاد العربية- الشرقية منها على وجه التحديد. لكن المؤسف حقاٌ هو أن الأطفال والكبار من قبلهم تلقنوا وتلقمواّ فكرة "الشهادة" كهدف نبيل وغاية سامية- وهي موت وغياب وفقدان في حقيقتها- لينتهي الأمر بالأمة العربية أن تستخدمها فقط لتخدّر بها نفسها. فتصمت الأمة كما صمتت لعقود طويلة مثلا فيما يُقتل أطفال فلسطين ويسمّون شهداء. وكانت هذه التسمية كفيلة أن تخنق غضب الكبار وتكتمه بفكرة تقول أن أطفال لهم يطيرون في الجنة الآن وسيشفعون لهم يوم الحساب بأجر فقدانهم وثواب الصبر عليه في الدنيا! وفي الوقت ذاته، سيكبر الصغار دونما أي شعور بالنقمة على ذويهم وعلى كل الكبار الذين شهدوا موت أقرانهم وسيشهدون موت آخرين، لأن من ماتوا ماتوا شهداء ويحلقون الآن في فضاءات الجنة دونما قيود أو حدود أو حواجز عسكرية. ويزاد على ذلك أن من كبروا يمررون وسيمرروا نفس الرسالة البائسة لأطفالهم القادمين، وستستمر سُنّة تقتيل الأطفال ولن تغضب "الأمة" العربية لذلك كما ينبغي لها أن تغضب ولن تشعر بالذنب، ولن توقفه بطبيعة الحال لا في فلسطين ولا في غيرها، فعلى الأطفال أن يموتوا مرضا أو قتلا لكي يشفعوا لأهلهم الخاطئين الخطائين في الآخرة. هذا ما تقرّه قناة "طيور الجنة" وتحشوه في عقول وقلوب أطفالنا بطرق مباشرة وغير مباشرة، ولهذا يحتفل الأطفال بموتهم مسبقا ويقولون: "لما نستشهد بنروح الجنة".
وتستمر المقارنة، فقناة براعم تفسّر للأطفال بما يتناسب مع مستوى إدراكهم ضرورة أن تتعامل مع محيطك بحب ورفق وانسجام وما سيعود به ذلك لهم بالمنفعة والبيئة السليمة والسعادة ومما سيؤدي بدوره لعالم أجمل سيمنحهم حياة جميلة بالضرورة. فيتعلم الطفل أن أيّا كان ما يقدمه وما يفعله فسوف يؤثر عليه هو قبل أي شخص آخر- وهذا في الواقع ما كانت ستعمله له الحياة لو تركناه لفطرته وسليقته دون تدخل. بهكذا توجه، تتطور معرفة الأطفال بحيث تصنع منهم عندما يكبرون أناسا محبين للحياة ولأوطانهم وللبشرية، أناسا سيحرصون على احترام الأرض وتقدير خيراتها والمساهمة البناءة في تعميرها. أناس يفهمون جيدا علاقتهم بهذا الكون كجزء مهم منه، سيزدهر ويعمر الكون بصلاحه، وسيُدمّر وينهار بفساده.
لكن قناة "طيور الجنة" بالمقابل تقول للأطفال أن احترامهم للكبير وإلقاؤهم التحية على الجار وعدم إيذاء الحيوانات هي أمور يكون الهدف الأول والأخير منها هو تجنب عواقب عدم فعلها. فالأرنب الذي لا يحترم توجيهات أمه كاد أن يكون عشاءً للثعلب ذلك اليوم، والطفلة "سارة" المغرورة يعاقبها الله بأن تسقط أرضا وتكسر كل ما لديها من البيض لأنها لم تلق التحية على جارتهم العجوز، فيما يُعاقب "حميدو" الولد الشقي الذي يطارد ويؤذي قطة بيضاء بريئة بأن تنقض عليه قطة سوداء ليست بريئة وتخرمش وجهه وتشوّهه. فالفكرة المحورية من العمل الصالح هي تجنب "غضب الله" وعقابه الذي سيكون في الدنيا أو سيؤجله للآخرة كما تطرحها أغنيات أخرى، وليست بناء مجتمع صحي وبيئة منسجمة جميلة يتعايش فيها الجميع بسلام. قد يقول البعض: ما الفرق، والمهم النتيجة. ولكن النتيجة أبدا لن تكون واحدة لأن الرسالتين لا تتقاطعان، فالأولى تتحدث عن الحب والانسجام والجمال والنتائج الايجابية، والثانية تنقل الخوف والرعب وترقب العذاب (النتائج السلبية). ولنا أن نتخيل تركيبة الإنسان الذي ستنتجه "براعم" مقابل ذلك الذي تنتجه "طيور الجنة". فالأخير يمكن أن نعرفه جيدا فهو متمثلٌ فينا نحن هذا الجيل، الذين نشأنا في مدارس ومؤسسات دينية على وتيرة "طيور الجنة"، فهذه القناة في الواقع ليست إلا امتدادا طبيعيا للمنظومة التربوية السائدة في هذه البلاد، منظومة الخوف لا الحب.
وقد اتطرق سريعا هنا لحقيقة أن "براعم" تخاطب الطفل العربي بصرف النظر عن أية "تصنيفات" تفصيلية. فيما يبدو جلياّ أن "طيور الجنة" توجه خطابها للأطفال المسلمين، أو بشكل أدقّ للذين ولدوا لعائلات مسلمة، متناسيةً أو متجاهلةً أن في العرب من هم غير مسلمين أيضا، وأن قناة للأطفال لا ينبغي عليها أن تصبغ نفسها بتوجه دينيّ بعينه، وأن الأصل هو ترسيخ الأخلاق والقيم النبيلة والتي هي قيم إنسانية عالمية لا يحتكرها دينٌ دون غيره.
هذه المقارنة عامة، وأعلم ان هناك الكثير الكثير لمقارنته بحيث نخلص في النهاية إلى أنه لا مجال لمقارنة بين النقيضين. وربما يلزم هكذا موضوع بحثاً مستفيضا بعد متابعة كلتي القناتين متابعة حثيثة ودقيقة تحليلية لكل ما يتم إيصاله للطفل العربي والأثر الذي سيتركه ذلك عليه كراشد مستقبلاً. وربما سيقودنا ذلك لتنظيم حملة ترفض طيور الجنة مطالبة إياها أولا بتغيير اسمها ومن ثم تحسين خطابها التعليمي التربوي، حتى ينعم أطفالنا بالحياة بعيدا عن جنة وجهنم الآخرة!
يكفي الآن أن أختم ب: شكرا "براعم"، وسُحقا "طيور الجنة"!
#أحلام_طرايرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كذبة الفقر والفقراء.. إحدى أكبر كذبات التاريخ!
-
هناك مدّعين بيننا فاحذروهم!
-
أن تكون فلسطينياً- اسرائيلياً !!
-
هذه الأرض المقدسة، هل هي حقاً مقدسة؟
-
أيّ خلافة إسلامية ينتظرون؟؟
المزيد.....
-
التردد الجديد 2024 لقناة الأطفال طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
نوتردام بعد الحريق: إعادة افتتاح كاتدرائية باريس
-
الإمارات.. الشيخ محمد بن زايد يستقبل الزعيم الروحي للطائفة ا
...
-
السفير الباباوي يكشف عدد المسيحيين في المغرب
-
ماكرون يستقبل ترامب في باريس قبيل إعادة فتح كاتدرائية نوتردا
...
-
بحضور ترامب ونحو أربعين رئيس دولة وحكومة.. افتتاح كاتدرائية
...
-
الولايات المتحدة الأمريكية ثاني أكبر المانحين لإعادة إحياء ك
...
-
محمد بن زايد يستقبل الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل
...
-
إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام بباريس بعد أعمال ترميم استمرت
...
-
بعد مرور خمس سنوات.. عودة بالذاكرة إلى يوم نشوب حريق كاتدرائ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|