أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - نبيل عودة - يوميات نصراوي: مرحى للإنتفاضة!!















المزيد.....

يوميات نصراوي: مرحى للإنتفاضة!!


نبيل عودة
كاتب وباحث

(Nabeel Oudeh)


الحوار المتمدن-العدد: 4122 - 2013 / 6 / 13 - 16:48
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    




ربيع 1989- أخذنا مجموعة شعارات وانطلقنا نحو السوق. مقابل الجامع الأبيض فردنا شعاراتنا فوق صدورنا. بعض الهتافات انطلقت من هنا وهناك.الجمهور أحاط بنا، حوار، تحيات، وجوه تعبق بالمعاناة ، تعابير الغضب تسمع بقوة، كلمات تعج بالقهر، تضامن جارف مع انتفاضة الحجارة. تفاؤل . مطالع أناشيد. إن ما يجري في الضفة الغربية وقطاع غزة، يجعلنا نشعر كم نحن صغار أمام البطولات الفردية والجماعية لأهلنا وأشقائنا في المناطق المحتلة.
عبر المتضامنون مع أهلهم عن الغضب العارم . أمام الغضب العادل لا يجد الإنسان ما يقوله. يفقد مطالع الكلام، أو لا يسعفه ذكاؤه بالكلمة المناسبة.
كان سوق الناصرة، المعروف باسم "سوق الروم" ايضا مكتظا كالعادة أيام السبت.
كان الغضب مكتظا في صدورنا...
فجأة وجدته أمامي..
شرطي تعلو كتفيه شارات لا افهم معناها، اوحت لي انه ليس أقل من ضابط.
للوهلة الأولى ارتعشت. هل حقا ارتعشت؟ ربما بقايا برد؟!
كانت شمس بداية الربيع تبعث الدفء.. بل وتكاد تميل إلى الحرارة قليلا.
- أنت تبدو مسؤولا عنهم.
بادرني الضابط بقوله. نظرت في عيون رفاقي، نظرت في عيني الضابط، مضت لحظة الارتعاش، شعرت بالحيوية، أجبته متأملا تفاصيل وجهه، مستغربا كيف يمكن لوجه بشري أن يخلو من التعابير:
- من حقك أن تفكر بما تشاء.
- هل تعرف أن عملكم يعرقل الهدوء والنظام؟!
لم أميز صيغة السؤال بكلامه، ربما هو يقرر ذلك. بحثت عن تعبير في وجهه، عله يوضح لي الإطار الذي يقصده. لم أجد ما يوضح لي صيغة كلامه، أجبته بهدوء مفتعلا نفس الأسلوب:
- لا أظن. عملنا مشروعا .. ربما عملكم ليس كذلك..
قاطعني:
- هل تعرف أن ما تقومون به هو عمل غير قانوني؟
صيغة السؤال واضحة.. أما وجهه فلا يوحي بشيء.
- إن كنت تريد رأيي، ما نقوم به هو قانوني. من حقي كمواطن أن أعلن عن موقفي من حدث يمسني شخصيا كانسان ويمس شعبي.
- ما تقومون به هو عمل ممنوع.
- انسانيتي تفرض علي أن أحتج على جرائم القتل.
- هذا ممنوع!!
من الواضح انه بدأ يحتد.
- والقتل مسموح ؟! هل تكسير للعظام مسموح وقانوني؟!
- عملكم هو الممنوع.
- كل ما هنالك إننا نعبر عن إنسانيتنا.
- هذا يحتاج إلى تصريح.
- والقتل بالجملة .. أيجري بتصريح؟!
احتد صوته، توترت عضلات وجهه ، تكاثر الناس حولنا كان السبب.اسمعوه ما لا يرضيه.. قال بعنجهية:
- لست هنا لأجادلك.
- لم أدعك لمجادلتي.
- لا تتواقح.
- ابتعد عني ودعني أعبر عن موقفي الإنساني.
- أنت عنيد ووقح.
صاح محتدا. بلعت ريقي شاعرا بالعطش والغضب. نظرت نحو الوجوه المكتظة المحيطة بنا. رأيت الغضب في السمات، التأييد في النظرات، المؤازرة بالهمسات، التشجيع بالحركات. احد المحيطين بنا مد لي زجاجة مرطبات ، ربما عرف ما أشعر به. ربما هو تعبير عن موقفه. شربت نصفها دفعة واحدة وأعطيتها لرفيق بقربي. شيء ما أطربني، ارتفعت معنوياتي. ازداد عنادي. قلت ضاحكا:
- للناس رأي آخر..
انفجر غاضبا:
- هات هويتك..
- بسيطة .. تفضل.
أخذها وسجل ما أراد من تفاصيل، ردها لي، ثم تكلم بهدوء مثير:
- أطلب منك أن تطوي الشعارات وتخلي المكان!
أجبته بهدوء مقلدا هدوئه:
- هذا رأيك.. رأيي أنا يختلف.
- آمرك أن تطويه..
هذه أل "آمرك" جعلتني أجيب بحدة:
- يمكن طي الشعار، لكن كيف أطوي إنسانيتي؟
تكاثر الناس حولنا وبسرعة جعله يتردد في سرعة رد فعله. غير أن الحدة صارت واضحة في كلماته وحركاته.
- معك دقيقتان.. اطو شعارك واذهب من هنا.
فضلت الصمت انتظارا لانقضاء الدقيقتين.
بدأ تجمهر الناس بالتكاثر. كان هذا هو هدفنا منذ لحظة وصولنا ورفع شعاراتنا. كانت فرق أخرى موزعة في أماكن مختلفة من مدينة الناصرة ترفع نفس الشعارات، في ساحة العين ، في ساحة الكراجات ، في منطقة العمارة (جنوب الناصرة) ونحن هنا في السوق.. كانت انتفاضة الحجارة على أشدها، كان القتل اليومي لأبناء شعبنا وتكسير عظام المنتفضين يشكل صورة مرعبة للواقع الفلسطيني. كانت خطتنا ان ننطلق بمظاهرات من عدة مناطق في الناصرة، لتلتقي في الشارع الرئيسي مشكلين مظاهرة ضخمة تضامنا وتأييدا لانتفاضة الحجارة ضد الاحتلال.
تجمهر الناس حولنا أغضبه. صرخ محاولا دفع القريبين للتفرق كل في سبيله. إلا أن صراخه زاد من الاكتظاظ ونرفزته ضاعفت التحدي.
صار في النفوس غضب وفي الجو حدة...
لفت انتباهي وجوده مع فرقة من خمسة أو ستة أفراد شرطة يقومون بتسجيل تفاصيل هويات بقية الرفاق والأصدقاء من حاملي الشعارات وحتى تفاصيل هويات بعض المارة المتضامنين علنا معنا والمتجمهرين حولنا تأييدا لنا.
لمحت فتى يافعا يتقدم من الشرطي ويطلب منه أن يسجل اسمه وانه ليس بحوزته هوية بعد بسبب صغر جيله. الفتى يصر أن يسجل أسمه والشرطي يغضب ويصرخ به أن ينصرف.المنظر لفت انتباه الجمهور الذي بدأ يصفق للفتى الذي شعر نفسه كالطاووس يستعرض ريشه، أو جرأته... صدر هتاف.. ثم هتاف آخر.. تردد بأصوات قليلة.. ثم ازدادت الحناجر عددا وقوة.. كثرت الهتافات.. صار التجمهر حولنا كبيرا.. والجو ازداد تكهربا !!
- انتهى الوقت. اطو شعارك واطلب من زملائك ان يطووا شعاراتهم وأن يتفرقوا.
- انا هنا امثل نفسي. عملنا قانوني، ليس من عادتي تفريق التظاهرات وطي الشعارات.
- ساعتقلك اذن!
أمسكني بذراعي.
- انت تسدي لي معروفا كبيرا.. في غزة والضفة تقتلون وفي أحسن الأحوال تكسرون العظام والرؤوس...
سحبني من ذراعي بفارغ الصبر، مشيت وسط الاحتجاج... وجدت نفسي مندفعا بالهتاف لسقوط الاحتلال، هل هو هتافي أم هتاف رفاقي؟!
لا أدري!!
انفجر الغضب. مئات الحناجر ترعد بالهتافات والأناشيد، كنا كما أذكر خمسة عشر أو عشرين متظاهرا، لكن حناجر لا عد لها ، حناجر شعب بكامله انطلقت تؤكد أن "شعبنا شعب حي ودمه ما بصير مي" وان الاحتلال لن يدوم...
أذكر أن يد الشرطي كانت مطبقة على ذراعي.. لا اعرف كيف افلت منه، كل ما أذكره اني كنت أهتف مع الهاتفين مندفعين بمظاهرة عفوية غاضبة تضم المئات نحو الشارع الرئيسي لمدينة الناصرة...

أوائل 1989



#نبيل_عودة (هاشتاغ)       Nabeel_Oudeh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خرجت من الظل إلى الضوء مباشرة
- لقاء بعد عشرين عاما
- ملوك خالدون
- يوميات نصراوي: عاشت اللحى الثورية !!
- حل الدولتين؟.. ضم 8000 دونم جديد للمستوطنات
- محمد الدرة يقض مضاجعهم
- يوميات نصراوية: نجمة داوود لحماية قفا الولد
- لا ربيع عربي بدون عصر نهضة عربي
- خطة تطهير عرقي يطرحها وزير خارجية إسرائيل المنتظر
- ثلاثة احدات في الذاكرة من استقلال اسرائيل
- شعر بالمحكي من واحة البقيعة للشعراء
- مراجعة لكتاب: حكايتي مع التعليم العربي للأقلية الفلسطينية في ...
- الحاجز 1978 - 2013
- آخر خبر !!
- -حدود الروح-: حوارات مثيرة مع الكاتب اليهودي سامي ميخائيل
- اوباما ودبلوماسية أن يقول ما يرضي الجميع..
- الإئتلاف يقرر رفع نسبة الحسم في انتخابات الكنيست - الرد السي ...
- درس في الفلسفة الواقعية !!*
- 8 ﺁﺫﺍﺭ من أجل تحرر ومساواة ʋ ...
- تطهير عرقي في الأغوار


المزيد.....




- فرنسا: القضاء يوجه اتهامات لسبعة أكراد للاشتباه بتمويلهم حزب ...
- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - نبيل عودة - يوميات نصراوي: مرحى للإنتفاضة!!