أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عبد اللطيف - ميخائيل باختين ومفهوم الحوار عند دستوفسكي بترجمة لسعدي عبد اللطيف / الجزء الاول














المزيد.....

ميخائيل باختين ومفهوم الحوار عند دستوفسكي بترجمة لسعدي عبد اللطيف / الجزء الاول


سعدي عبد اللطيف

الحوار المتمدن-العدد: 4121 - 2013 / 6 / 12 - 09:40
المحور: الادب والفن
    


تحقق شخصيات دستوفسكي على الدوام وعي ذاتها في الحوار ومن خلاله. فهذا الاخير في كل لحظة موجه الى الخارج: الذات, الآخر, شخص ثالث ما. ولا يمتلك اي وجود حتى لذاته, خارج اطار هذا التوجه الحيوي لنفسه وللآخرين. ويمكن بهذا المعنى القول ان دستوفسكي يعتبر الانسان موضوعا يوجه له الحديث.

لا يمكن التحدث عن الانسان, بل معه فقط. ويعتقد دستوفسكي ان (اعماق القلب الانساني) لا تكشف عن نفسها الا عبر الحوار المكثف. لذا يعتبر تصويرها بمثابة مهمة اساسية لواقعيته بـ (اسمى معانيها). ومن هنا يستحيل سبر دواخل الانسان او ادراكها والاحاطة بها اذا تعاملنا معها بطريقة تحليلية لامبالية ومحايدة, ولا يمكن غور اعماقها اذا تماهينا معها عبر التقمص العاطفي. والفهم الوحيد لما يعتمل في داخل الانسان والطريقة الوحيدة للكشف عنه, او بالاحرى دفعه للافصاح عن كنهه, لايتم الا عبر الاتصال والحوار, اذ يغدو ممكنا تصور دواخل الانسان من خلال رصده في مجرى اتصاله بالآخرين. فعن طريق الاتصال والتفاعل بين انسان وآخر وحسب, يتم الكشف عن (الانسان الكامن) أمام الذات او امام الآخر.

اذن من الطبيعي جدا ان يكون الحوار مركز عالم دستويفسكي, لا باعتباره وسيلة وانما كغاية بحد ذاتها. وهنا لا يستبق الحوار الفعل, لانه الفعل ذاته. فهو ليس أداة لاظهار شكل الشخصية الانسانية او الكشف عنها, انما اكسابها تعبيرا خارجيا فقط, اذ تصبح لاول مرة قائمة بذاتها وليس بالآخرين فقط. ان تكون يعني ان تتصل حواريا بطريقة حميمة وعندما يتوقف الحوار ينتهي كل شيء.

لهذا لايمكن للحوار ان يتوقف اساسا, ولا ينبعي له ذلك. ففي اطار المنظومة الدينية والطوباوية للاشياء, يدفع ديستوفسكي الحوار الى اقصى الحدود, مدركا انه انسجام لانهائي يمتزج فيه الحب والبهجة. وتتحرك هذه الفكرة, في مخطط الرواية, عبر الطبيعة غير الحاسمة اساسا للحوار, وعبر لانهايته المضجرة اصلا والتي تصبح طاغية في لامحدوديتها .

في روايات ديستوفسكي, يمكن اختزال كل شئ الى حوار, الى نواة مواجهة حوارية. فالحوار يمثل الغاية الفريدة, وماعداه وسيلة. لايمكن لصوت بمفرده انهاء او حسم اي شئ انما يتجلى في صوتين هما الحد الادنى والشرط المسبق للحياة والوجود.

ووفقا لمخطط ديستوفسكي فاللانهائية الكامنة في الحوار, تمنعه بحد ذاتها من اكتساب طبيعة آنية بالمعنى الدقيق للكلمة. لان الحوار حول موضوع محدد يوجب استنتاجا، كما ان الحدث يحاول الوصول الى استنتاجه الخاص به, هو ايضا, في حبكة الرواية على اعتباره جزءا اساسيا منها.

ولهذا يتعامل ديستوفسكي مع الحوار دوما على اعتباره جزءا خارجا عن الحبكة اي بوصفه يمتلك استقلالا في خضم العلاقة التي تربط بين الشخصيات في اطار الحبكة, ولو انها هي التي تهيئ للحوار له ذلك. فالحوار الذي جرى بين الامير ميشكين و روجويين لم يكن سوى حوار بين”انسان وانسان” ولا يجري البتة بين ندين, بالرغم من ان التناقس هو ما جمعهما معا. وتقف نواة الحوار دوما خارج الحبكة, مهما كانت متوترة, من اجل تطور الرواية (مثال على ذلك الحوار بين اغلايا وناستاسيا فيليبوفنا). ويهتم الشكل الخارجي للحوار, بالحبكة بصورة عميقة. اما في الاعمال المبكرة, فيبدو الحوار تجريديا في طبيعته وبسيط جدا: انسان يجابه انسانا,”انا” ضد” الآخر”.
وفي الاعمال الاولى بدا”الآخر” تجريدي الشخصية الى حد ما لانه”آخر” بحد ذاته.

لقد تصور بطل رواية” في قبوي” نفسه في فترة شبابه على النحو التالي”انا لوحدي, وهم جميعا معا” واساسا كانت هذه هي الطريقة التي استمر على تصورها خلال بقية عمره. فالعالم بالنسبة اليه ينقسم الى معسكرين يستوطن” انا” احدهما, فيما يقبع في الثاني”هم” اي”الآخرون” برمتهم دون استثناء, بغض النظر عما يكونون. ويعتبر كل انسان قبل كل شئ انه آخر. ويعبر كل انسان قبل كل شئ انه” آخر”. ويقرر هذا التحديد مباشرة الموقف الذي يتخذه من الانسان مختزلا الناس جميعا الى قاسم مشترك” الآخرون” بمن فيهم اصدقاء المدرسة ورفاق العمل وخادمة ابولون والمرأة التي أحبته وحتى خالق هذا العالم, الذي يعارضه بعنف, يدرجون في هذا الاطار, ويتمثل رد فعله حيالهم بصفتهم” آخرون”.

وتعد هذه الخاصية التجريدية نتاجا لامفر منه للخلفية الفكرية التي تقف وراء هذا العمل. وتخلو حياة بطل” من قبوي” من الحبكة تماما. ان الحياة المفعمة ظاهريا بالاحداث حيث يوجد الاصدقاء والاخوة والاباء والزوجات والعشاق, وحيث بمقدوره هو ذاته ان يكون فيها اخا وابنا أو زوجا, عبارة عن شئ مالايراه الا في الاحلام فحسب. أما في الحياة الحقيقية فلا توجد اطلاقا هذه النماذج الانسانية الواقعية. لذا يصبح الحوار الداخلي والخارجي في هذه الرواية تجريديا يشابه الحوار الكلاسيكي الشهير لراسين. اذ تظهر هنا وبوضوح تام لانهائية الحوار الخارجي. ويمكن” للآخر” الحقيقي الدخول الى دنيا بطل رواية” من قبوي” لكن ليس سوى انعكاسا لذلك” الآخر” الذي ينهمك معه وقتئذ في مناقشة داخلية لانهائية لها.

ويغدو كل صوت خارجي حقيقي ممتزجا بالصوت الآخر الذي يتردد صداه على الدوام في اذن البطل. ويجري بالطريقة نفسها دفع الكلمة الحقيقية” للآخر” لتصبح في حركة دائمة, سوية مع جميع العبارات المتوقعة من” الآخرين” ويطالب بطل الرواية من” الآخر” وبطريقة استبدادية تأكيدا كاملا واعترافا بذاته, ويرفض في الوقت ذاته مثل هذا التأكيد والاعتراف, لان ذلك يعني انه سيصبح طرفا ضعيفا مستسلما لانه غدا: مفهوما, ومقبولا, ومعذورا, وهذا لاتطيقه كبرياؤه.

ويبقى بطل رواية” في قبوي” مقاوما لايلين تجاه” الآخر”. فلا الصوت الانساني الحقيقي ولا النقاش المتوقع” للآخر” بامكانهما وضع حد للحوارالداخل اللانهائي.

يتبع الجزء الثاني...

* سعدي عبد اللطيف: كاتب وناقد واعلامي عراقي مقيم في المملكة المتحدة واستاذ سابق للادب الانكليزي في العراق والجزائر. ترجم ونشر عشرات النصوص الفلسفية والشعرية والوثائق السياسية الى جانب ما له من دراسات ومحاولات في النقد الادبي المعاصر والفن.



#سعدي_عبد_اللطيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعدي عبد اللطيف يحاور شاكر لعيبي عن قصيدة النثر المقفاة
- حضارة بابل اضفت على لندن بهجة عميقة
- الكتابة واللغات في العراق القديم
- في ذكرى معرض بابل: الاسطورة والحقيقة في المتحف البريطاني
- نبذة موجزة عن تاريخ المتحف البريطاني
- الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف
- لماذا تجاهل العالم.. الآثاري العراقي الكبير هرمز رسام
- زمن لا تستيقظ فيه الطيور
- ابنة -تشي- تجاهد للحفاظ على صورته كثوري مثالي !؟
- الموسيقى توحد العراق دائما...
- كتاب : كارل ماركس - قصّة حياة- - تأليف: فرانسيس وين/ ترجمة س ...
- كتاب : كارل ماركس - قصّة حياة- - تأليف: فرانسيس وين/ الفصل ا ...
- كتاب : كارل ماركس - قصّة حياة- - تأليف: فرانسيس وين/ ترجمة س ...
- كتاب : -كارل ماركس - قصّة حياة- - تأليف: فرانسيس وين/ الفصل ...
- كتاب : -كارل ماركس - قصّة حياة- - تأليف: فرانسيس وين
- من أجل السلام الذي ترعاه: أحمد مختار مشرفاً موسيقياً في مشرو ...


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عبد اللطيف - ميخائيل باختين ومفهوم الحوار عند دستوفسكي بترجمة لسعدي عبد اللطيف / الجزء الاول