أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - القضية الفلسطينية، آفاقها السياسية وسبل حلها - إبراهيم ابراش - الحاجة لإستراتيجية فلسطينية متعددة المسارات















المزيد.....



الحاجة لإستراتيجية فلسطينية متعددة المسارات


إبراهيم ابراش

الحوار المتمدن-العدد: 4114 - 2013 / 6 / 5 - 19:11
المحور: ملف - القضية الفلسطينية، آفاقها السياسية وسبل حلها
    


مقدمة
السياسة ،كعلم الدولة وعلم السلطة، لا تقوم إلا بوجود الإستراتيجية ، فالسياسة بدون الإستراتيجية تتحول لحالة من الفوضى ولفضاء من الأفعال وردود الأفعال يختلط فيها: القانون، القوة ،المصلحة ،الدين ،العواطف والانفعالات ،الأيديولوجيات ،العنف ،الإرهاب الخ ، دور الإستراتيجية عقلنة كل ذلك وتوجيهه لمصلحة الأمة. فالإستراتيجية بما هي رؤية وتخطيط بعيد المدى تحيط بكل المصالح والمخاطر القومية ،تربط الحاضر بالماضي وتستشرف المستقبل وتنطلق من رؤية علمية للواقع بكل مكوناته وتشابكاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،المحلية والدولية ،إنها فن التوفيق بين الإمكانات القومية بكل مكوناتها من جانب والأهداف القومية من جانب آخر، هذه الإستراتيجية هي الأساس الذي تقوم عليه سياسات الدول والكيانات السياسية العقلانية . الإستراتيجية تؤسس على المصلحة الوطنية العليا أو ثوابت الأمة التي هي محل توافق وطني ولا تخضع لألاعيب السياسيين ومناوراتهم .
وضع الإستراتيجيات وتنفيذها مرتبط ارتباطا وثيقا بوجود مؤسسة قيادة ، وهذا ما أكد عليه القائد الاستراتيجي الألماني مولتكه (Helmuth von Moltke) حيث عرف الإستراتيجية بأنها : (الملائمة العملية للوسائل الموضوعة تحت تصرف القائد للوصول إلى الهدف المطلوب) ، كما تعتمد الإستراتيجية على مراكز دراسات وأبحاث ومتخصصين في مختلف المجالات ،وما يميز القيادة كمؤسسة عن رجال السياسة و الزعماء العابرين أو المتطفلين على الشأن السياسي ، أن الأولين يشتغلون في إطار رؤية إستراتيجية للمصالح القومية العليا فيما الآخرون يشتغلون ضمن رؤية ضيقة ترتبط بالمصالح الشخصية والحزبية الضيقة،وهدفهم السلطة ومنافعها ،الأولون يعتبرون أن السلطة أداة لتحقيق مصالح الأمة فيما الآخرون يعتبرون السلطة هدفا بحد ذاته وقد يضحون بمصالح الأمة من اجل السلطة .أية ممارسة سياسية بدون إستراتيجية تصبح نوعا من العبث والتهريج أو مجرد إدارة يومية لشؤون الناس وللازمات السياسية دون إمكانية للانتقال من إدارة الأزمة إلى حلها .
إذا كان المفهوم العام والمعاصر للإستراتيجية لم يعد شأنا يخص الدول فقط بل يتجاوزها إلى المؤسسات والشركات والتعليم الخ ،لأن الإستراتيجية باتت رديف العقلانية في إدارة الكيانات الكبرى،فإن الشعوب الخاضعة للاحتلال وحركاتها التحررية أحوج ما تكون لإستراتيجية كفاحية وسياسية لمواجهة الاحتلال، وقد وعت كل حركات التحرر الحاجة للإستراتيجية فوضعت النظريات حول استراتيجيات حرب العصابات وحرب الشعب والمقاومة الشعبية والعصيان المدني الخ. أهم مكونات إستراتيجية حركات التحرر الوطني هي الاتفاق على الأهداف الوطنية وعلى الوسائل أو الأدوات المفضية لتحقيقها ،ودائما يرتبط نجاح أو فشل استراتيجيات حركات التحرر ليس باختلال موازين القوى مع العدو بل بمدى وجود مؤسسة قيادة قادرة على تعبئة الشعب وحشده حول برنامجها الوطني.
في الحالة الفلسطينية يبرز غياب الإستراتيجية من خلال غياب التوافق على الأهداف العليا أو الثوابت والاختلاف حول الوسائل والاختلاف في تحديد معسكر الأصدقاء ومعسكر الأعداء وحول تحديد الهدف الوطني،وحتى مع القول بان الهدف هو الدولة فإن غموضا والتباسا يسود حول مفهوم وحدود الدولة .هذا الغياب للإستراتيجية أدى لفشل معمم على كافة الأصعدة ،وأدى لحالة تيه سياسي تتخبط فيه كل مكونات النظام السياسي وخصوصا بعد انقلاب حركة حماس على منظمة التحرير والسلطة , لذا فإن حالة الفشل والشلل التي تصيب القضية الفلسطينية ليست قدرا من السماء ولا تعود لإسرائيل فقط ،فالقدر محايد في الشؤون السياسية،وإسرائيل وإن كانت عدوا قويا إلا أن حركة المقاومة والجهاد ما وجدت إلا لمواجهته وليس تبرير عجزها بوجوده، إن الخلل يعود لغياب إستراتيجية فلسطينية واضحة سواء إستراتيجية تعبر عن مرحلة التحرر الوطني وتلتزم بمقتضياتها أو إستراتيجية تعبر عبر مرحلة بناء الدولة وتلتزم باستحقاقاتها ، لذا وفي ظل التباعد الزمني ما بين مرحلة التحرر الوطني التي قامت على أساسها الحركة الوطنية الفلسطينية منتصف ستينيات القرن الماضي والواقع الراهن بما دهمته من متغيرات عربية ودولية وفلسطينية وعلى رأسها الانقسام والاعتراف بفلسطين دولة مراقب ،وفي ظل تعدد الاستراتيجيات الإقليمية والدولية المتصارعة حول المنطقة العربية وفي جوهرها القضية الفلسطينية ، فالأمر يتطلب إستراتيجية وطنية متعددة المسارات لا تقطع مع مرحلة التحرر الوطني ولا مع متطلبات السلام ولكن في نفس الوقت تنفتح على مسارات جديدة للعمل السياسي يؤسس على الاعتراف ألأممي بفلسطين دولة مراقب.
إن أهمية الإستراتيجية تكمن الآن في ظل مرحلة التحول الاستراتيجي نحو الدولة،ففي هذه المرحلة وللمرحلة القادمة لن تنفع تكتيكات وسياسات المفاوضين الفلسطينيين ،بل أن الفريق المفاوض كله لن يصلح للمرحلة الجديدة،كما أن المرحلة تحتاج للانتقال من سياسة التدبير اليومي لحياة الناس والبحث عن الراتب ،إلى بناء إستراتيجية وبرامج ورؤى دولة ،وهو ما سنشير إليه لاحقا.



المحور الأول
أزمة المشروع الوطني كنتاج لغياب الإستراتيجية
إن كان يجوز لنا القول بأن الاختلاف على الأهداف ووسائل تحقيقها أمر محايث للحركة الوطنية الفلسطينية منذ سنواتها الأولى نظرا لخصوصية القضية الوطنية من حيث أبعادها التاريخية والدينية وتداخلها مع قضايا الصراع العربي - الإسرائيلي ، حيث لم تستقر منظمة التحرير على أهدافها وإستراتيجية تحقيقها سوى سنوات قلائل [4] إلا أن اختلافات تلك الحقبة كانت في بيئة عربية ودولية تسمح بشكل من الإستراتيجية الواحدة تسمح بالتعايش بين القوى المختلفة داخل منظمة التحرير،كما أن عدم وجود سلطة ومغانم سلطة آنذاك كان يحد من إمكانية تصعيد الخلافات إلى درجة الاقتتال الدموي.
بعيدا عن الشعارات الكبيرة والأيديولوجيات المخادعة والوعود البراقة فإن العمل السياسي الفلسطيني ومنذ التعاطي مع عملية التسوية السياسية يشتغل بدون إستراتيجية واضحة المعالم الأمر الذي أدى إلى حالة التيه السياسي المعممة ،من المواطن العادي حتى المسئول والقيادي ،من السلطة وفصائل منظمة التحرير إلى حركة حماس، وأصبحت البوصلة السياسية بلا اتجاه عند الجميع ولم يعد بالإمكان إخفاء الحقيقة ،وخصوصا بعد انقلاب حماس على السلطة ومنظمة التحرير في يونيو 2007 ..حالة التيه نلمسها عند السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح [5]، من خلال حالة الحيرة والتخبط ما بين العودة للمفاوضات على أساس الاتفاقات الموقعة أو تغيير مسار العملية السلمية بما يتوافق مع مستجد الاعتراف بفلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة ،ونلمسها في التضارب ما بين الحديث عن مقاومة شعبية وانتفاضة ثالثة من جانب ،وخشيتها من أن تؤدي الانتفاضة إلى فقدان سيطرتها في الضفة أو توظيف حركة حماس للانتفاضة للانقضاض على السلطة من جانب آخر،ونلمسه في التضارب ما بين رغبتها في مصالحة تعيد الاعتبار للشعب الفلسطيني وللمشروع الوطني من جهة ،وخشيتها من مصالحة قد تثير عليها إسرائيل وواشنطن من جهة أخرى.
والتيه الناتج عن غياب الإستراتيجية نلمسه عند حركة حماس ،فتارة تتحدث عن تحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر وتارة تتحدث عن استعداد للاعتراف بدولة في الضفة وغزة ، تارة ترفض المفاوضات وأية اتصالات مع واشنطن وتل أبيب، وتارة تتسلل عبر الكواليس والوسطاء لتستجدي جلسة حوار أو مقابلة مع أي مسئول أمريكي أو أوروبي وأخيرا سمعنا عن اتصالات سرية مع إسرائيليين، تارة تتحدث عن المقاومة فيما هي متوقفة عن المقاومة منذ فترة بل وتتصدى لمن يريد المقاومة انطلاقا من قطاع غزة، وانشغالها بالسلطة وعلى السلطة أكثر من انشغالها بالمقاومة، تارة تقول بأنها تريد المصالحة وتارة تعمل كل ما من شانه إعاقة المصالحة، تعلن أنها اتفقت مع حركات المقاومة على وقف الصواريخ من غزة فترد الفصائل بالقول إنه لم يحدث هكذا اتفاق الخ .غياب الرؤية عند حركة حماس تيه أكبر وأخطر من تيه السلطة لأنه تيه مَن كان الناس يراهنون عليه أن يكون المنقذ.[6]
غياب الإستراتيجية المؤدي لأزمة النظام السياسي الفلسطيني ليس خللا ظرفي عابر، بل خلل بنيوي قبل أن يكون وظيفيا ،خلل صاحب المشروع الوطني منذ نشأته الأولى – وإن بدرجات متفاوتة-،الأمر الذي يستدعي مراجعة إستراتيجية شمولية لمجمل الحالة السياسية الفلسطينية ولا نستثني من ذلك أحزاب اليسار ومؤسسات المجتمع المدني.
قد يتساءل البعض كيف لا توجد إستراتيجية وطنية وعندنا أكثر من خمسة عشر حزبا و فصيلا لكل منها برنامجها وإستراتيجيتها ونصفها يملك ميليشيات وقوات مسلحة؟ كيف لا توجد إستراتيجية وطنية وكل الأحزاب تتحدث عن المشروع الوطني وتحرير فلسطين وتبرر عملياتها العسكرية بأنها من اجل المشروع الوطني والدفاع عن الثوابت الوطنية !، بل وتبرر قتالها مع بعضها البعض بأنه من اجل المشروع الوطني؟كيف لا توجد إستراتيجية وطنية وهناك منظمة التحرير الفلسطينية وميثاقها وقرارات مجالسها الوطنية ولجنتها التنفيذية والمجلس المركزي ؟!.
وقد يقول قائل إن وجود شعب تحت الاحتلال يعني تلقائيا وجود برنامج تحرر وطني أو إستراتيجية تحرر وطني، وهذا قول افتراضي وليس واقعي.صحيح أنه يوجد احتلال صهيوني ويوجد أكثر من اثني عشر مليون فلسطيني يحملون الوطن معهم أينما حلوا وارتحلوا ويربون أبنائهم على حب الوطن و ألتوق للعودة إليه،وصحيح أن قرارات دولية تعترف للفلسطينيين بحق تقرير المصير وبعضها يعترف لهم بالحق في دولة الخ ،ولكن هذه أمور موجودة بقوة الواقع ونتيجة صمود ومعاناة الشعب والتعاطف والتأييد الدولي ،وليس نتيجة تخطيط إستراتيجي ،وقد تضعف مع مرور الزمن أو تشتغل عليها إطراف محلية أو إقليمية ودوليه وتخرجها عن سياقها الوطني من خلال حلول جزئية وتسويات إقليمية،إن لم يكن للفلسطينيين أصحاب الحق مشروع وطني توافقي يلتف حوله الجميع .
إن كانت توجد إستراتيجية وطنية الآن فما هي مكوناتها من حيث الهدف والوسيلة والإطار والمرجعية ؟ وإن كان توجد إستراتيجية وطنية فهل هي إستراتيجية المقاومة والجهاد التي تقول بها حركة حماس وحركة الجهاد ؟أم إستراتيجية السلام والتسوية التي تقول بها منظمة التحرير الفلسطينية ؟. لو كان عندنا إستراتيجية وطنية حقيقية لكان عندنا ثوابت محل توافق وطني،لو كان عندنا إستراتيجية وطنية ما كان الانقسام وما كان فشل المصالحة وفشل مئات جولات الحوار،لو كان لدينا إستراتيجية وطنية ما وُضِعت وثائق متعددة ومواثيق شرف كإعلان القاهرة 2005 ووثيقة الوفاق الوطني 2006 واتفاق القاهرة 2008 ،وورقة المصالحة التي تم التوقيع عليها في مايو 2011 ولم تنفذ حتى اليوم، ،لو كان لدينا إستراتيجية وطنية ما كانت كل المؤسسات القائمة فاقدة للشرعية الدستورية (حسب مقتضيات القانون الأساسي) ولشرعية التوافق الوطني،لو كان لدينا إستراتيجية وطنية ما كان هذا التراشق والاتهامات المتبادلة بالخيانة والتكفير ما بين من يفترض أنهم قادة المشروع الوطني، لو كان لدينا إستراتيجية وطنية ما كان لدينا سلطتين وحكومتين متناحرتين،وأخيرا لو كان لدينا إستراتيجية وطنية ما كان الإلحاح على إجراء انتخابات لتحسم الخلافات حول الثوابت الوطنية وحول القيادة .
إن كل ما سبق من تشكيلات سياسية وبرامج حزبية يؤكد غياب إستراتيجية عمل وطني ، وإن استمر كل حزب وحركة في التصرف باعتباره يمثل البرنامج الوطني و صاحب الإستراتيجية الصحيحة، واستمر في تحميل مسؤولية أي خلل أو تقصير أو عدم إنجاز في مسار القضية الوطنية للآخرين من الأحزاب أو للتآمر الخارجي ،فإن هذا سيؤدي لمزيد من ضياع ما تبقى من أرض وكرامة وطنية. لذا فالأمر يحتاج لتفكير إبداعي خلاق لإعادة بناء إستراتيجية وطنية أو عقد سياسي جديد [7]،وإن كان الحديث عن برنامج وطني جديد وإستراتيجية جديدة يستفز البعض ممن قد يفسرون الدعوة بأنها إقرار بفشل وتجاوز الأحزاب القائمة واستراتيجياتها ،وهي ليست كذلك ،فلنقل إننا نحتاج لاستنهاض الحالة الوطنية على أُسس جديدة.ومن حيث المبدأ فحتى نكون أمام إستراتيجية وطنية يجب توافق الأغلبية على مرتكزات أي مشروع وطني وهي : 1) الهدف 2) الوسيلة أو الوسائل لتحقيق الهدف 3) المرجعية 4) الإطار 5)الثوابت.وسنفصل لاحقا هذه العناصر.
واقع الحال يقول بأن المشروع الوطني الفلسطيني بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية وبنخبه الحاكمة وغير الحاكمة وما يرتبط به وبها ويدور حوله وحولها من إيديولوجيات وثقافات سياسية وتكوينات اجتماعية وبغض النظر عن الشعارات التي ترفعها :المقاومة والجهاد أو التسوية والمفاوضات ،هذا المشروع يعيش مأزقا وجوديا حقيقيا وخصوصا بعد الانقسام الذي فصل غزة عن الضفة ،هذا المأزق يعود لغياب إستراتيجية عمل وطني:إستراتيجية تفكير وتنظير وإستراتيجية ممارسة،وهو غياب في رأينا يعود أساسا للنخب السياسية التي وجدت في حالة الفوضى والتيه ما يخفي فشلها وعجزها .
بدلا من أن تعترف النخب الفلسطينية المأزومة بأخطائها وتفسح المجال لآخرين أو على الأقل تقوم بمراجعة نقدية شمولية تراجع فيها مسيرتها فتصحح ما أعوج من سلوك وتقَوِّمَ ما ثبت فشله من نهج وتحاسب حيث تجب المحاسبة، بدلا من ذلك، تمارس اليوم سياسة الهروب إلى الأمام بطرح خيارات لا واقعية أو بتحميل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية ما يجري ،هذه النخب والأحزاب و بسياسة الهروب إلى الأمام التي تنتهجها تريد أن تبرئ نفسها وتهيئ الشعب ليقبل بتسيدها عليه مجددا في ظل الخراب القائم ولتسوقه نحو عبثية جديدة،عبثية قد تأخذ اسم (كل الخيارات مفتوحة) من طرف نفس النخبة بل نفس الشخصيات التي قادت عملية المفاوضات ثماني عشر سنة بما مكن العدو من تكثيف مشروعه الاستيطاني والتغطية على جرائمه، أو عبثية التلويح بشعار المقاومة والانتفاضة من خلال تطوير حماس للصواريخ وتلويحها بالاستعداد لتحقيق نصر جديد إن حاولت إسرائيل دخول قطاع غزة ،وكأن غزة أكثر قدسية من القدس بحيث لا تجوز المقاومة ولا تُستعمل الصواريخ إلا دفاعا عن الإمارة الربانية في غزة !.
أسباب غياب الإستراتيجية
قبل محاولة استشفاف ممكنات الخروج من المأزق ورؤيتنا للإستراتيجية الوطنية المطلوبة لا بأس من تلمس التحديات التي تواجه استنهاض المشروع الوطني في إطار إستراتيجية وطنية وهي كما نعتقد:-
1) ضعف مؤسسة القيادة وتآكل شرعيتها خصوصا بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية الأخيرة.ذلك أن وجود أكثر من قائد وزعيم كل منهم يتكلم باسم الشعب لا يعني وجود مؤسسة قيادة،مؤسسة القيادة هي التي تجسد الوحدة الوطنية وتحتكر وتمثل القرار الوطني المستقل.
2) غياب فضيلة وثقافة النقد الذاتي عند الأحزاب والنخب، فهذه الأحزاب باتت ضليعة بنقد الآخرين ولكنها لا تنتقد نفسها ،وإن جرت عمليات نقد فداخل غرف مغلقة وبشكل فردي،وفي كثير من الحالات تتم محاصرة بل وطرد ومعاقبة أي مسئول يجرؤ على نقد الحزب أو الحركة علنا.
3) غياب حالة شعبية ضاغطة على القيادات السياسية.وذلك بسبب الشتات والحواجز وارتباط قطاع كبير من الشعب بالسلطتين وبالأحزاب من حيث الراتب والخدمات.
4) انسلاخ الأحزاب عن منظومة وثقافة وقوانين حركات التحرر الوطني.[8]
5) فساد السلطتين وتواطؤ النخب ومؤسسات المجتمع المدني.
6) الجهل السياسي وصيرورة الأيديولوجيات عائقا أمام التفكير العقلاني.
7) غياب استقلالية القرار و الارتهان لأجندة خارجية.إسلامية كانت أو عربية أو أمريكية او إسرائيلية.
8) المراهنة على الانتخابات فقط كحل لأزمة النظام.لم يحدث في تاريخ حركات التحرر أن استمد قادة التحرر شرعيتهم من انتخابات علنية تجري في ظل الاحتلال.
9) ضعف دور الانتلجنسيا – مثقفون ومفكرون وقادة رأي عام -.لأسباب متعددة على رأسها لعنة الراتب والتمويل المشروط. [9]
10) تحول السلطتين والحكومتين في غزة والضفة لهدف بحد ذاته وبات هدف الحفاظ على السلطة سابق واهم من الحفاظ على البرنامج الوطني أو الثوابت الوطنية..وهو ما أدى أيضا لتحويل المناضلين والمجاهدين لموظفين .
11) الانقسام الذي فصل غزة عن الضفة وتداعياته.فتوحيد المنطقتين ضمن برنامج وسلطة واحدة بات يحتاج لموافقة إسرائيلية.
12) ظهور جماعات الإسلام السياسي ببرنامج مغاير للبرنامج الوطني.[10]
13) تواصل الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس.
14) غياب حلفاء دوليين فاعلين ومؤثرين في السياسات الدولية.
15) تخاذل وعجز الشرعية الدولية في تبني إستراتيجية السلام الفلسطينية كما ترفض إستراتيجية المقاومة.
المحور الثاني
مرتكزات الإستراتيجية الوطنية المنشودة
اليوم، لم تعد المراجعة التي تؤسِس لإستراتيجية وطنية جديدة خيارا من عدة خيارات بل ضرورة وطنية.إن لم تأخذ قوى من داخل النظام السياسي الفلسطيني أو من داخل الحالة السياسية الفلسطينية بشكل عام المبادرة فهناك قوى وأطراف خارجية ستأخذها، هذا ناهيك أن مشاريع التوطين والوصاية والأردن كوطن بديل أو الكونفدرالية مع الأردن تخيم على أجواء الحالة الفلسطينية المأزومة اليوم.[11]
منطقة الشرق الأوسط و القضية الفلسطينية خصوصا، لا تسمح بوجود فراغ سياسي ، فتاريخيا كانت أطراف عربية وإقليمية تملأ فراغ غياب الإستراتيجية الفلسطينية حيث كانت الفلسطينيون يخضعون أو يلتزمون اختياريا بالإستراتيجية العربية القومية أو الثورية لبعض الدول العربية . سياسة الترقيع والتلفيق والهروب إلى الأمام والتخفي وراء الأيديولوجيات والشعارات الكبيرة الفارغة أو المراهنة على أطراف خارجية لم تعد تجدي اليوم،الحقوق الوطنية المسلوبة لن تعيدها واشنطن ولا الرباعية ولا جيوش المسلمين والعرب.نعم الشرعية الدولية ضرورية والتضامن العالمي مهم والأيديولوجيات مفيدة كأدوات للتعبئة والتحريض،إلا أن كل هذه الأمور لا تنوب عن الشعب صاحب القضية.
المراجعة الشمولية المؤسِسة لمشروع وطني جديد بإستراتيجية جديدة يجب أن تتجاوز إفرازات المشكلة وتتعامل مع جذورها ومسبباتها الحقيقية.الانتخابات و المحاصصة وتنظيم الأجهزة الأمنية ليست حلولا،حتى تشكيل حكومة تكنوقراط ليس هو الحل.ما سبق هي حلول للسجين لتحسين شروط العيش في السجن وليس لكسر جدران السجن،وإن بقيت مكونات النظام السياسي تتعامل مع الأزمة وكأنها أزمة خلاف بين فتح وحماس على الانتخابات والحكومة والأجهزة الأمنية والمحاصصة الوظيفية الحكومية ...فستبقى المعالجات في إطار التسوية واتفاقات أوسلو أو لإدارة الانقسام ،حتى وإن صرحت غير ذلك.
الإستراتيجية الوطنية المطلوبة تتطلب التعامل مع القضية كقضية شعب قوامه أكثر من اثني عشر مليون فلسطيني في الداخل وفي الشتات، دون تجاهل الأوضاع في غزة والضفة كرفع الحصار عن قطاع غزة ومواجهة الاستيطان والتهويد في الضفة والقدس. من حيث المبدأ فالإستراتيجية الوطنية المنشودة يجب أن تكون إستراتيجية حركة تحرر وطني ما دامت كل فلسطين تحت الاحتلال وما دامت إسرائيل ترفض حق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال ،إستراتيجية تحرر وطني لا تقطع مع كل الوسائل السلمية ومع الشرعية الدولية بغية تحقيق أهدافها .هذه الإستراتيجية يجب أن تحسم من خلال التوافق في الأمور الخمسة التالية التي تشكل مرتكزات أية إستراتيجية تحرر وطني :
1) الهدف
نحن هنا نتحدث عن أهداف شعب خاضع للاحتلال وهي أهداف إستراتيجية متعالية مؤقتا عن المشاكل الفرعية الناتجة عن الصراعات الداخلية وتعقيدات الحياة اليومية والمناكفات السياسية الناتجة عن الانقسام.الهدف الاستراتيجي هو الإجابة عن: ماذا يريد الفلسطينيون؟ أو كيف يرون حقوقهم المشروعة؟ أو ما هو الحق الذي يناضلون من اجله؟.هل يريدون تحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر؟أم دولة في غزة والضفة بما فيها القدس؟أم دولة ثنائية القومية على كامل فلسطين الانتدابية؟أم دولة غزة ؟ أم دولة غزة الموسعة لتشمل أجزاء من سيناء مقابل التخلي عن الضفة والقدس ؟ أم دولة مؤقتة على جزء من الضفة وقطاع غزة ؟ أم تقاسم وظيفي ما بين أجزاء من الضفة والأردن وإسرائيل ؟ أم اتحاد كونفدرالي ما بين غزة وأجزاء من الضفة وربما الأردن أيضا؟ أم الأردن وطن للفلسطينيين- ؟ وهل يقبل الفلسطينيون مبدأ تبادل الأراضي ؟ هل يريد الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة؟ أم يريدونها عاصمة لدولتين؟ هل يريد الفلسطينيون عودة كل اللاجئين إلى قراهم ومدنهم الأصلية ؟ أم عودتهم لمناطق السلطة ؟أم حل مشكلة اللاجئين حسب وثيقة جنيف (وثيقة ياسر عبد ربه) ؟.
الهدف الاستراتيجي يجب أن يجيب عن هذه التساؤلات بدلا من البقاء في حالة تردد وتوظيف خطاب أيديولوجي شعاراتي وعاطفي وانفعالي وساذج ومستفز لا يتناسب مع الممكنات الحقيقية للفلسطينيين ولا تناسب مع المتغيرات التي يشهدها العالم. ليس من مصلحة القيادة الفلسطينية التي تتعامل مع القضية دوليا ترك الهدف مفتوحا حسب التطورات وموازين القوى بحيث يتم الانتقال من هدف لآخر اعتمادا على موازين قوى إقليمية ودولية ليسوا طرفا أصيلا فيها؟.العالم لا يقبل ببرنامج وطني يقول بهدف مرحلي قائم على الشرعية الدولية وهدف استراتيجي معلن يقول بإنهاء دولة إسرائيل[12]. الهدف الوطني يجب أن يميز بين ما نريده كفلسطينيين، وما تريده أطراف عربية وإقليمية توظف القضية الفلسطينية لخدمة أجندتها الخاصة،لأن البرنامج الوطني لن يكون وطنيا إلا تحت راية الوطنية الفلسطينية:قيادة وهوية وانتماء؟الخ.
2 ) وسائل وآليات تحقيق الهدف
الاختلاف حول الهدف أثر سلبا على إستراتيجية التحرير،بحيث باتت الوسائل تتكيف وتتحدد في كل مرحلة حسب الهدف المُعلن أو المُضمر وحسب موازين القوى الداخلية وحسب المصلحة والارتباطات الخارجية لكل حزب وحركة. فهل المقاومة إستراتيجية تحقيق الهدف ؟ أم التسوية السياسية ؟ وإن كانت مقاومة فهل المسلحة أم السلمية ؟ وإن كانت التسوية فهل من خلال التسوية الأمريكية واتفاقية أوسلو والمفاوضات المباشرة ؟ أم من خلال تسوية قرارات الشرعية الدولية كالقرار الأخير الذي يعترف بفلسطين دولة مراقب؟.
المشكلة لا تكمن في المقاومة كما لا تكمن في التسوية السلمية من حيث المبدأ، بل من الخطأ وضع تعارض ما بين المقاومة والسلام و التسوية السلمية،لأن المقاومة ليست قتالا من أجل القتال بل نضال من أجل الحق والسلام ،والمقاومة بدون رؤية سياسية وهدف سياسي قابل للتحقيق تصبح نوعا من العمل الانتحاري أو الارتزاق الثوري والجهادي.المشكلة تكمن في غياب التوافق الوطني حول إستراتيجية محل توافق وطني، فلا يجوز لحزب أو حركة – حماس والجهاد الإسلامي مثلا- أن تنهج نهج المقاومة المسلحة بما في ذلك العمليات الاستشهادية داخل إسرائيل فيما منظمة التحرير تعتمد خيار التسوية السياسية وتجلس على طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين لتنفيذ اتفاقات موقعة،كما لا يجوز لفصائل مقاومة أن تستمر في إطلاق صواريخ والقيام بعمليات عسكرية فيما تلتزم السلطة الرسمية بتهدئة مع إسرائيل،ولا يجوز لحركة حماس أن ترفض التهدئة وتستمر بإطلاق الصواريخ وهي خارج السلطة وعندما تصبح سلطة في غزة تعلن وقف إطلاق الصواريخ بل وقف المقاومة. هذا لا يعني رفض الجمع بين المقاومة والسلام بل رفض وجود استراتيجيات متعارضة بشأنهما،لو كانت المقاومة والمفاوضات تمارسان في إطار إستراتيجية وطنية وتحت رعاية قيادة وحدة وطنية لعضدت المقاومة من موقف المفاوض وأضفت المفاوضات شرعية على المقاومة .
3 ) المرجعية
المرجعية هي موئل الحق والهوية والثقافة،ومنها تُحدد الأهداف ووسائل العمل وهي التي تمنح هوية للمشروع الوطني الفلسطيني،هذه المرجعية إشكال أيضا،بسبب التداخل ما بين التاريخي والديني والسياسي والقانوني الدولي والوطني والقومي والإسلامي،وبسبب الشتات وخضوع أغلبية الشعب الفلسطيني لسلطات غير وطنية لكل منها أجندتها ورؤيتها الخاصة للصراع في المنطقة.عندما تغيب استقلالية القرار وتتداخل الهويات يصبح الحديث عن مرجعية وطنية ومشروع وطني وثوابت وطنية أمرا صعبا.هذا التداخل صاحب مسيرة المنظمة منذ تأسيسها كما أشرنا سابقا وهو تداخل ما زال مستمرا حتى اليوم مع تغير في ترتيب المرجعيات من حيث الأهمية وهو تغير ناتج عن تغير القوى إقليميا ودوليا فحلت واشنطن والغرب محل المعسكر الاشتراكي ،وحلت المرجعية الإسلامية محل المرجعية القومية العربية وزادت المرجعية الوطنية وهنَّا وتراجعا.
المرجعية اليوم تحتاج لإبداع خلاق ما بين الوطنية والقومية والإسلام ،وما بين المرجعية التاريخية ومرجعية الشرعية الدولية،وما بين المرجعية الوطنية ومرجعية الأجندة الإقليمية.ولكن هل أن الاتفاق على المرجعية يكون من خلال الإطار القائم وهو منظمة التحرير الفلسطينية ؟أو من خلال حوارات بين المنظمة والقوى خارجها ؟أم يتم الاتفاق عليها من خلال الانتخابات ؟.هذا ما سنتناوله في المحور الثالث.
4 ) الإطار أو مؤسسة القيادة
الإطار هو ما يستوعب ويوجه كل العملية السياسية الفلسطينية في الداخل والخارج ويتصرف ويتحدث نيابة عن الكل الفلسطيني. لا يكفي أن تكون قيمة الإطار معنوية كما يقال عن منظمة التحرير بأنها الوطن المعنوي للفلسطينيين،بل يجب أن يكون مؤسساتيا جامعا أيضا.قبل ظهور حركة حماس وقبل تأسيس السلطة الوطنية كانت المنظمة تمثل هذا الإطار وقيادتها قيادة الشعب الفلسطيني ،أما اليوم فالحاجة تدعو إما لإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير لتستوعب كل القوى السياسية الجديدة ليس على مستوى الكم فقط بل أيضا على مستوى الكيف أي على مستوى البرامج والتوجهات،أو التفكير بإطار جديد ينبثق عن مؤتمر شعبي وطني لجميع الفلسطينيين في الداخل والخارج .وجود إطار يعني وجود قيادة واحدة وممثل واحد للشعب الفلسطيني يتحدث نيابة عنهم ويتصرف باسمهم في كافة المحافل الدولية.
5ـ ) الثوابت
الثوابت كل ما هو محل توافق وطني،في حالة الاتفاق على العناصر الأربعة المشار إليها أعلاه تصبح ثوابت للأمة.داخل الثوابت يمكن للقوى والأحزاب السياسية أن تختلف ولكن لا يجوز لها أن تختلف حول الثوابت ما دام الشعب يعيش مرحلة التحرر الوطني.بعد إنجاز الهدف وقيام الدولة يمكن للقوى السياسية وللشعب بشكل عام أن يعيد صياغة بعض الثوابت من خلال التوافق أو من خلال الانتخابات والاستفتاء العام .
المحور الثالث
آليات بناء وتنفيذ الإستراتيجية الوطنية
المراجعة الإستراتيجية المؤسِسة لبرنامج وطني جديد يجب أن تشتغل على مستويين و هدفين أحدهم عاجل وقصير المدى والآخر استراتيجي بعيد المدى مع تزامن العمل على المستويين:-
أولا : إستراتيجية تجسيد الدولة أم إستراتيجية بناء وتفعيل منظمة التحرير؟
طغى مصطلح المصالحة الوطنية على غيره من المصطلحات كالوحدة الوطنية والمشروع الوطني والإستراتيجية الوطنية [13]،وإن كان إنجاز المصلحة قد يؤدي إلى التوصل لإستراتيجية وطنية إلا أن الاتفاقات والتفاهمات التي تمت بشان المصالحة لا توفر ضمانة حقيقية بالتوصل لإستراتيجية وطنية مشتركة وخصوصا عندما تحدثت عن الانتخابات التي ستفضي إلى أن يشكل الحزب الفائز في الانتخابات حكومة تقود الشعب بناء على البرنامج السياسي للحزب.وفي رأينا أن الانتخابات إن كانت أداة ومدخلا صحيحا لحسم الخلافات السياسية بين الأحزاب في الدول المستقلة والمستقرة على ثوابت ومرجعيات وطنية فإنها ليست كذلك بالنسبة لشعب خاضع للاحتلال ومنقسما انقساما حادا حول الثوابت والمرجعيات ،ففي مثل هذه الحالة فإن التوافق والتراضي حول الإستراتيجية الوطنية –الأهداف والوسائل- هو الحل الأمثل سواء قبل الانتخابات أو بديلا عن الانتخابات ،فلا قيمة لانتخابات فلسطينية إن لم تؤد لتشكيل حكومة وحدة وطنية .
أولت تفاهمات المصالحة سواء في القاهرة أو الدوحة الأولوية لانتخابات تؤدي لتشكيل حكومة تمارس عملها في سياق سلطة حكم ذاتي ملتزم باتفاقيات أوسلو وبشروط الرباعية ،واليوم وبعد كل ما جرى على الأرض والمتغيرات من حولنا سواء الاعتراف الدولي بفلسطين دولة وإنجاز المقاومة في غزة أو على مستوى استمرار الاستيطان الإسرائيلي ورفض إسرائيل لعملية التسوية وتجاوزها لاتفاق أوسلو وتوابعه ،بعد كل ذلك لا يجوز أن نؤسس لمصالحة على قاعدة اتفاقية أوسلو أو مصالحة تُرجع الأمور إلى ما كانت عليه قبل يونيو 2007.
حتى على مستوى المصالحة بالصيغة المتفق عليها،هل ستسمح إسرائيل بأن تتوحد غزة المدججة بالسلاح والصواريخ والميليشيات من كل الأصناف مع الضفة حيث الاحتلال والاستيطان والمستوطنين والتنسيق الأمني، في حكومة وسلطة واحدة ؟ هل ستجلس إسرائيل تتفرج علينا ونحن نجري الانتخابات ونشكل حكومة ونوحد الضفة وغزة ونقول لإسرائيل فلتذهب مخططاتها وخطة شارون لفصل غزة عن الضفة للجحيم ؟ هل ستخضع إسرائيل للإرادة الفلسطينية بالوحدة وإنهاء الانقسام ؟.
لا نريد أن نقلل من قيمة الإرادة الفلسطينية ولا من جهود الأخوة في مصر لتحقيق المصالحة ولكن الرغبات والإرادة لوحدهما غير كافيين في حالة كحالة الانقسام ،إنهما أساسيان وكافيان لمصالحة مدخلها انتفاضة أو ثورة على الاحتلال،ولكن غير كافيين لمصالحة في إطار تسوية سياسية والتزامات دولية .
منذ عام تقريبا جرت أحداث أدت لتفكيك بعض العقبات أمام مصالحة إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل يونيو 2007 ،وأوجدت مستجدات لم تكن حاضرة عند توقيع تفاهمات المصالحة ،مما يجعل المشهد السياسي الفلسطيني يعج بالمفارقات. فإن كان الربيع العربي الذي أنهى انقسام العالم العربي إلى معسكر ممانعة ومعسكر اعتدال وهو ما كان يغذي ويعزز الانقسام الفلسطيني ويعيق وجود إستراتيجية وطنية، إلا أنه في المقابل عزز من مكانة حركة حماس في غزة .وإن كان توقيع حركة حماس لهدنة مع إسرائيل برعاية مصرية وفر أحد شروط الرباعية وهو وقف المقاومة أو الأعمال المسلحة ضد إسرائيل إلا أن الهدنة في المقابل زادت من حالة فصل غزة عن الضفة ومن دولنة القطاع. وإن كانت موافقة حركة حماس على خطوة الرئيس أبو مازن بالذهاب إلى الأمم المتحدة وقبلها موافقتها في اتفاقية المصالحة في القاهرة على هدف الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة حققت شرطا آخر للرباعية وهو الاعتراف بالشرعية الدولية وبإسرائيل ولو بطريقة غير مباشرة ،إلا أن هذه الخطوة جعلت حماس أكثر قبولا من طرف المنتظم الدولي وبالتالي زادت من تطلعها نحو قيادة النظام السياسي . وأخيرا فإن الانجازات التي تم تحقيقها من خلال مواجهة العدوان على غزة والتصويت لصالح فلسطين في الأمم المتحدة وفرت الشرط الشعبي الفلسطيني أو الداخلي للمصالحة من خلال استنهاض حالة شعبية غير مسبوقة وتفاعل الجماهير في الضفة وغزة ،إلا أن هذه الحالة الشعبية ذات التوجه الوحدوي زادت من قلق ورعب إسرائيل وجعلتها من خلال تحكمها في الجغرافيا أكثر رفضا لمصالحة فلسطينية تعيد توحيد غزة والضفة تحت سلطة وحكومة واحدة.
جاء الاعتراف ألأممي بفلسطين دولة غير عضو ليزيد من تعقيد المشهد السياسي من جهة وجود مصالحة تؤسِس لإستراتيجية وطنية ، جاء هذا الاعتراف في خضم الجدل حول المصالحة وإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير،وحيث أن تفاهمات المصالحة لم تتطرق للدولة الفلسطينية بل ركزت على المصالحة في مستوياتها الثلاثة :الحكومة والسلطة ومنظمة التحرير، فإنه يصبح مطلوبا الأخذ بعين الاعتبار الاستحقاقات المترتبة عن الاعتراف بفلسطين دولة ومحاولة المزاوجة بين العمل من أجل المصالحة بالتفاهمات السابقة والعمل من اجل تحويل قرار الدولة إلى ممارسة على الأرض،وهذا الأمر يحتاج إلى تفاهمات فلسطينية جديدة أو إبداع سياسي،بحيث لا يحدث تعارض بين ثلاثة حالات: الأولى متطلبات إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير كحركة تحرر وطني ،والثانية مصالحة تعيد الفلسطينيين لسلطة حكم ذاتي ولاتفاقية أوسلو ،والثالثة استحقاقات الدولة كنتاج للشرعية الدولة .
دون تقليل من قيمة التفاهمات السابقة حول المصالحة فإن واقعا جديدا قد استجد بعد الاعتراف بفلسطين دولة مراقب ويجب أن نأخذه بعين الاعتبار في عملية المصالحة حتى لا يتحول القرار إلى مجرد قرار يضاف إلى عشرات القرارات الدولية ذات الشأن بالقضية الفلسطينية ، وما دامت حركة حماس كما هو الحال ببقية الأحزاب الفلسطينية وكذلك كل الدول العربية باركت الخطوة الفلسطينية بالذهاب للأمم المتحدة واعترفت بان الهدف الوطني الفلسطيني حاليا هو الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس مع حق عودة اللاجئين ،فيجب أن تتكاتف الجهود حول هذا الهدف وان يكون هذا الهدف حاضرا في عملية المصالحة حتى وإن احتاج الأمر لإعادة النظر في بعض بنودها .[14]
إن أي حديث عن انتخابات أو حكومة أو سلطة يجب أن تكون في إطار رؤية جديدة تسعى لتكريس مؤسسات الدولة الفلسطينية .الانتخابات يجب أن تكون لرئيس دولة فلسطين وليس رئيس سلطة حكم ذاتي،ولأعضاء برلمان فلسطيني وليس مجلس تشريعي لسلطة حكم ذاتي،كما أن إعادة توحيد الأجهزة الأمنية يجب أن يكون في إطار وظيفة جديدة لهذه الأجهزة كأجهزة أمنية للدولة الفلسطينية وليس أجهزة أمنية تنسق مع إسرائيل في إطار التزامات أوسلو .
إن كان الفلسطينيون يريدون تفعيل القرار ألأممي بالاعتراف بفلسطين دولة مراقب وإعطائه قيمة عملية فيجب أن ينتقل مركز الثقل والتوجيه في العمل السياسي الفلسطيني إلى الدولة من خلال ممارسات على الأرض تعكس وتعبر عن الحالة الجديدة ،أو بمعنى آخر دولنة كل المؤسسات الفلسطينية.وفي هذه الحالة كلما خطت الدولة الفلسطينية خطوة للأمام كلما تراجعت مركزية منظمة التحرير والسلطة الوطنية في العمل السياسي،وربما تتحول المنظمة مع مرور الوقت لحزب داخل الدولة كما جرى مع جبهة التحرير الجزائرية بعد الاستقلال. [15]ولكن يبدو أن قيادة منظمة التحرير ما زالت تعيش حالة تردد في خياراتها الإستراتيجية،و لا يبدو أنها مزمعة على الدخول في مواجهة سياسية مع إسرائيل وواشنطن بحيث تبني على القرار ألأممي بالدولة ممارسات على الأرض بإلغاء حكومة سلطة أوسلو وتشكيل حكومة الدولة الفلسطينية وبداية ممارسة أشكال سيادية على الأرض،لذا يبقى مدخل إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير هو الممكن والمتاح ضمن الظروف الراهنة ،مع إدراكنا وتفهمنا للتخوفات التي تثيرها القوى الوطنية من مصداقية حركة حماس في مطالبتها بالدخول في المنظمة وأهدافها من وراء ذلك.
ثانيا : إستراتيجية المسارات المتعددة
بات من الواضح أن أية محاولة لوضع إستراتيجية وطنية تُخرج المشروع الوطني الفلسطيني من أزمته عليها أن تشتغل على عدة مسارات :
1- العودة لإستراتيجية المقاومة
2- تجسيد الدولة الفلسطينية حسب القرار ألأممي .
3- إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير كما نصت مواثيق المصالحة,
4- إنهاء الانقسام المتجسد بوجود سلطتين وحكومتين في غزة والضفة .
نعتقد بأن إستراتيجية وطنية للمقاومة هي الأكثر فعالية في انجاز المصالحة أو الوحدة الوطنية وفي تغيير قواعد اللعبة مع الاحتلال .فتاريخيا ومن تجربتنا الوطنية فإن الصدام مع العدو في إطار إستراتيجية وطنية للمقاومة كانت توحد الشعب وتستقطب التأييد العالمي وتجبر الخصم على تقديم تنازلات[16]، والواقع الدولي والعربي اليوم مناسب في رأينا للعودة لخيار المقاومة الشعبية ،فما دامت شعوب عربية وقوى معارضة تقوم بثورات وتحمل السلاح ضد أنظمة مستبدة وتجد تأييدا دوليا في ذلك ،فإن الشعب الفلسطيني أحق بالقيام بثورة شعبية بل وبحمل السلاح في مواجهة الاحتلال ، لأن الاحتلال أكثر خطرا على الشعوب وتهديدا للسلام الدولي من أنظمة غير ديمقراطية .مع ذلك لن نتوسع في هذا السياق لأن المقاومة أو الانتفاضة عندما تندلع لن تأخذ إذنا من احد ،ولأن المقاومة الشعبية لن تكون مجدية إلا إن كانت في إطار إستراتيجية وطنية . في ظل الانقسام الراهن نخشى أن يتم توظيف المقاومة فصائليا بما يعزز أجندة خارجية أو حسابات القوى الداخلية الساعية للسلطة ،وعليه فأن إنجاز المصالحة الوطنية يشكل مدخلا لتوافق على إستراتيجية المقاومة المطلوبة .
أما المسار الثاني فقد تطرقنا أعلاه إلى تحديات تجسيد الدولة وخصوصا أن القرار ألأممي قرار غير ملزم وهو يتحدث عن دولة مراقب أو غير عضو ،كما لا يبدو أن ظروف ومكونات السلطة الفلسطينية مؤهلة للدخول في مواجهة مع إسرائيل وواشنطن لتجسيد هذا القرار . يبقى الممكن والمتاح هو العمل المتزامن على إنهاء الانقسام وإعادة بناء منظمة التحرير في نفس الوقت ،وعندما نقول ممكن ومتاح لا يعني انه عمل سهل بل يحتاج إلى جهود وإرادة قوية من كل الأطراف بل قد يحتاج للدخول لمواجهات مع إسرائيل وأطراف إقليمية ودولية ساهمت في حدوث الانقسام ومعنية ببقائه.
دون تجاهل الجهد الذي يجب أن يستمر في إنضاج شروط المقاومة والانتفاضة وفي العمل في الإطار ألأممي لحصد مزيد من المكتسبات ،فإن الأولوية يجب أن تركز على إنهاء الانقسام بشكل متزامن مع الاشتغال على إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير .
1- مصالحة إنهاء الانقسام
لأننا لا نستطيع أن نتجاهل وجود القوى السياسية القائمة وخصوصا حركتي فتح وحماس، ولا نستطيع تجاهل وجود سلطتين وحكومتين متخاصمتين، ولا وجود اتفاقات موقعة وارتهان للتمويل الخارجي وشروط الرباعية، لذا يجب العمل على مصالحة أو تهدئة فلسطينية داخلية تعمل على حل إشكالات السلطة والحكومة وإدارة حياة الناس،إنها مصالحة بين السجناء تشكل ضرورة ومدخلا للانتقال لمرحلة تكسير جدران السجن. هذه المصالحة هدفها وضع حد لحالة العداء بين كياني غزة والضفة ووقف المفاعيل السياسية والاجتماعية والقانونية والنفسية للانقسام.إنجاز هذا الهدف المرحلي والعاجل سيتعامل مؤقتا مع واقع فصل غزة عن الضفة وواقع وجود حكومتين وسلطتين،ليست هذه دعوة لتكريس الفصل بل التعامل معه مؤقتا للانتقال لمرحلة جديدة.
هذه المصالحة تحتاج لدرجة عالية من البراغماتية والانحناء للعاصفة والتعامل بعقلانية مع شروط الرباعية ،فحتى لو قررت حركتا فتح وحماس التصالح من خلال الورقة المصرية التي تم التوقيع عليها في مايو 2011 فلن يعود التواصل بين الضفة وغزة في إطار حكومة وسلطة واحدة بدون موافقة إسرائيل أو بدون تسوية سياسية تشارك فيها إسرائيل،لأن علينا تذكر أن إسرائيل انسحبت من القطاع وتقول بأنها لم تعد مسئولة عنه،وعليه فإن مصالحة توحيد غزة والضفة في إطار سلطة واحدة وحكومة واحدة لن يتم إلا من خلال الالتزام بشروط إسرائيل وواشنطن أو من خلال المواجهة معهما وهذا يعني العودة لخيار المقاومة الشعبية .
إذن بدلا من استمرار الحالة العدائية بين غزة والضفة ولأنه يبدو أن الطرفين [17]متمسكين بالسلطة وغير مهيئين للمراجعات الإستراتيجية فيجب عمل مصالحة متدرجة لحين تغير الأحوال.هذه المرحلة من المصالحة تحتاج لاعتراف كل طرف بأن الطرف الآخر شريك في النظام السياسي وله حق تقرير مصير هذا النظام ورسم خارطة المشروع الوطني الجديد،وتحتاج لوقف حملات التحريض والتخوين والتكفير،وتحتاج لوضع حد للاعتقالات المتبادلة،أو بصيغة أخرى تمكين لجنتي المصالحة المجتمعية والحريات العامة من إنجاز عملها بسرعة. ونلفت الانتباه هنا أن ورقة المصالحة المصرية تقوم على أساس مصالحة مؤقتة في ظل استمرار الانقسام لحين من الزمن.
هذه المصالحة الوطنية المؤقتة والتي ستأخذ طابع التقاسم الوطني الوظيفي أو الشراكة السياسية تشكل المدخل للمرحلة الثانية للإستراتيجية الجديدة أو المصالحة الوطنية الإستراتيجية من خلال إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير.لا شك أن هناك مزالق وتخوفات من أن يشجع التعامل مع هذا المفهوم للمصالحة أو التقاسم الوظيفي المؤقت البعض لطرح فكرة الكونفدرالية بين غزة والضفة،حيث الخشية بأن يستغل بعض المستفيدين من حالة الفصل أي نجاح في المصالحة حسب المفهوم المشار إليه أعلاه لتبرير حالة الفصل، أو أن تستغل كلتا الحكومتين التوافق الداخلي لإضفاء شرعية دائمة على وجودها يدفعها للتقاعس عن إنجاز المصالحة الوطنية الإستراتيجية، لتحاشي وقوع ذلك يجب العمل في آن واحد على المرحلة الثانية للإستراتيجية الوطنية،وهناك علاقة تفاعلية أو تأثير متبادل بين المصالحتين ،بمعنى أن أي تقدم في أي مصالحة سيؤثر إيجابا على إنجاز المصالحة الأخرى والعكس صحيح.
خلال هذه المرحلة الانتقالية يكون لحركتي فتح وحماس دور رئيس في إصلاح ما أفسدوه ومع ذلك يجب إبداء رأي فيما يتم الحديث عنه خلال هذه المرحلة ونلخصها فيما يلي:
1 – بالنسبة للانتخابات وحتى لا يتكرر ما جرى في انتخابات يناير 2006 نفضل الاتفاق بداية على ثوابت ومرجعيات المشروع الوطني قبل الانتخابات ،لأن غياب الاتفاق على الثوابت والمرجعيات لن يساعد على حدوث تداول سلمي على السلطة.ونرى أن التراضي والتوافق في هذه المرحلة أهم وأجدى من الانتخابات.
2- إن كانت هناك جدية في إجراء انتخابات بعد عدة أشهر فلا داع لتشكيل حكومة تنتهي صلاحيتها بعد أشهر ،ويمكن للهيئة القيادية المؤقتة أن تتكلف بالإعداد للانتخابات.وخصوصا أننا نعتقد أن إسرائيل لن تسمح بانتخابات قبل اتضاح معالم التسوية والمفاوضات.
3- في حالة الإصرار على تشكيل حكومة يستحسن أن تتشكل من الأحزاب وبعض المستقلين لأن حكومة تكنوقراط لن تستطيع عمل شيء في ظل حالة التجييش عند الأحزاب وستبقى حكومة شكلية، تشكيل الحكومة من الأحزاب وخصوصا من حركتي فتح وحماس يضعها على المحك ويجعلها تتحمل المسؤولية بدلا من أن تقف موقف المتفرج على حكومة تكنوقراط مؤكدة الفشل .
4- الحديث عن حكومة بدون برنامج سياسي هو مجرد هراء، فلا توجد حكومة بدون برنامج سياسي ،لأن هذه الحكومة لن تتعامل مع الفلسطينيين فقط بل مع العالم الخارجي وإسرائيل ولهؤلاء شروط.
2: المصالحة الإستراتيجية في إطار منظمة التحرير[18]
الاشتغال على المرحلة أو المهمة الأولى للإستراتيجية الوطنية يجب أن يكون مواكبا للاشتغال على المرحلة الثانية بل يجب أن يكون الالتزام بإنجاز الهدف الأول (التقاسم الوظيفي الوطني) مشروطا بالالتزام بالهدف الاستراتيجي وهو الاتفاق على الثوابت والمرجعيات في إطار منظمة التحرير،حيث يستحيل التقدم نحو الهدف الاستراتيجي دون إنهاء الانقسام السياسي والبرنامجي.وعندما نقول تساوق الاشتغال على المستويين فذلك لأننا نحشى من أن واقع فصل غزة عن الضفة قد يستغرق وقتا طويلا لأن إسرائيل والقوى المستفيدة من حالة الفصل ما زالت قوية وفاعلة.
هذا التساوق لمساري المصالحة هو ضمان عدم تحول التقاسم الوظيفي الوطني المشار إليه إلى كيانين سياسيين دائمي الوجود. إذا كانت المصالحة الأولى،أي المصالحة العاجلة في ظل الانقسام القائم، تتعامل مع الانقسام الأخير الذي نتج عن أحداث يونيو 2007 ويمكنها أن تقتصر على حركتي فتح وحماس لأنهما سلطتا الأمر الواقع وتتحملان مسؤولية عن الانقسام ،فإن المصالحة الإستراتيجية يجب أن تتعامل مع الانقسام الإستراتيجي السابق على تلك الأحداث والسابق لسيطرة حركة حماس على القطاع،هذه السيطرة وما سبقها وما لحقها من توترات وصدامات مسلحة هي نتيجة وإفراز للأزمة وليست سببا لها.هذه المصالحة يجب أن لا تقتصر على حركتي فتح وحماس بل يجب مشاركة كل القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة وشخصيات وطنية وأكاديمية وثقافية ،داخل الوطن وخارجه.حركتا فتح وحماس لوحدهما ليستا مؤهلتان لاستنهاض أو صياغة مشروعا وطنيا تحرريا.
مدخل هذه الإستراتيجية ليس بالضرورة الانتخابات التشريعية والرئاسية وليس التوافق على حكومة تكنوقراط، بل إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتستوعب الكل الفلسطيني،لو تمكنا من بناء منظمة التحرير على أسس جديدة وبقيادة جديدة فسيكون حل بقية القضايا أيسر كثيرا،لن تنجح أية مصالحة أو شراكة سياسية أو مشروع وطني إن بقي أي فصيل فلسطيني خارج إطار منظمة التحرير الفلسطينية المتجددة،لأن منظمة التحرير ليست حزبا أو فصيلا بل الكيانية السياسية التي يعترف بها العالم اجمع. هذه الإستراتيجية الوطنية الجديدة يجب أن يُعيد الاعتبار للأبعاد القومية والإسلامية والدولية للقضية الفلسطينية على أسس جديدة بحيث تُوظَف هذه الأبعاد لخدمة المشروع الوطني وليس إلحاق المشروع الوطني بهذا البعد أو ذلك.
في هذا السياق نقدم المقترحات التالية حول إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطيني:-
1 ) مجلس تأسيسي للإشراف على إعادة البناء
لا شك أن أول وأهم سؤال يجب التصدي له في سياق الحديث عن إعادة بناء واستنهاض منظمة التحرير هو الجهة التي ستتولى تلك المهمة ،فإذا كانت الأحزاب والسلطتين والحكومتين مأزومين بل تُحملها الجماهير مسؤولية الأزمة فكيف يمكن الاطمئنان إليها لتقوم بعملية إعادة البناء ؟ وإذا كان الشعب يعيش حالة شتات وانقسام حاد فكيف يمكنه تغيير الأوضاع أو الخروج في ثورة ليقول بإسقاط النظام ؟.
ونحن نفكر بوضع الميثاق الوطني الذي سيكون بمثابة دستور الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج والذي يحدد الثوابت والمرجعيات نستحضر ما جرى في مصر وتونس وفي تجارب ثورية سابقة حول وضع الدستور ،فالميثاق سيكون بمثابة دستور الشعب الفلسطيني للمرحلة المقبلة .الآلية التي نراها للقيام بمهمة إعادة البناء هي توسيع الإطار المؤقت المكلف ببحث تطوير منظمة التحرير الذي تم الاتفاق عليه في القاهرة والدوحة من خلال إشراك ممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والاتحادات الشعبية وشخصيات وطنية أكاديمية ومهنية من الداخل والخارج ليصل العدد حوالي المائة والخمسين عضوا و يقوم هذا الإطار بالتوافق على الأعضاء الجدد ،على أن لا تزيد نسبة ممثلي الأحزاب والفصائل عن ثلثي أعضاء الإطار القيادي الجديد .
يصبح الإطار الجديد بمثابة (مجلس تأسيسي) يتكلف بعملية إعادة بناء المنظمة كما نصت على ذلك وثائق الوفاق الوطني وورقة المصلحة المصرية ،ويشمل ذلك صياغة ميثاق المنظمة و يمكن الاستئناس بوثيقة الوفاق الوطني بهذا الشأن ،كما يمكن لهذا (المجلس التأسيسي) الاستعانة بخبراء من جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ،ليُضفى على الميثاق بعدا قوميا وإسلاميا .ويمكن لهذا المجلس أيضا أن يقترح مسمى بديلا لمنظمة التحرير إن لزم الأمر ويتم مراسلة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والعربية لاعتماد المسمى الجديد،أيضا إعادة صياغة وتحديد علاقة منظمة التحرير بالسلطة الوطنية وبالدولة التي اعتمدت كمراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
2) التراضي والتوافق بديل عن الانتخابات
بالرغم من أن الانتخابات عنوان الديمقراطية وهي المقياس الرئيس على شرعية من يتولى السلطة والحكم ،إلا أن آلية الانتخابات ليست مدخلا وحيدا لحل الإشكاليات السياسية لشعب يخضع للاحتلال ومنقسم انقساما حادا أيديولوجيا وجغرافيا ،وقد رأينا كيف أن نتائج انتخابات يناير 2006 بدلا من أن تحل استعصاءات النظام السياسي زادت الأمور سوءا وأدت إلى حرب أهلية ثم الانقسام الذي نعيشه اليوم ،ولذا نرى أن التوافق والتراضي مدخل يجب التفكير به وأخذه بعين الاعتبار في عملية إعادة بناء المنظمة إلى حين توفر الظروف المناسبة للانتخابات . ولذا نرى أنه بعد وضع مسودة الميثاق من المجلس التأسيسي المُشار إليه ومصادقة كل الفصائل والأحزاب السياسية عليه ، يتم عرضه على استفتاء شعبي في الضفة وقطاع غزة وتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة لجميع الفلسطينيين ،ونقترح أن تكون النسبة المطلوبة ثلثي أصوات المصوتين . وإن لم تسمح إسرائيل بإجراء الاستفتاء تتم إجازة الميثاق بالتوافق أو بالانتخاب داخل المجلس التأسيسي.
وفي حالة تعثر إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني كما نصت على ذلك وثيقة المصالحة وفي حالة إقرار الميثاق من خلال الاستفتاء – بأغلبية الثلثين- يصبح المجلس التأسيسي أو الإطار القيادي المؤقت الموسع بمثابة المجلس الوطني الفلسطيني الجديد.
3) إعادة النظر في دوائر منظمة التحرير ومقراتها
مطلوب إعادة النظر في وجود بعض دوائر منظمة التحرير القديمة، والعمل على التنسيق وتوزيع الصلاحيات بين دوائر المنظمة ومؤسسات الدولة الوليدة حتى يتم تجاوز التضارب في الصلاحيات الذي كان يحدث بين مؤسسات المنظمة ومؤسسات السلطة .لا شك أن حالة السيولة السياسية أو عدم الاستقرار في العالم العربي ،وكذا الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية ،سيجعل من الخطورة وضع دوائر منظمة التحرير في مكان واحد ،ولذا نقترح أن تتوزع هذه الدوائر أو المؤسسات مؤقتا في أكثر من مكان. ونرى انه من المفيد أن يكون مقر المنظمة داخل قطاع غزة بعد أن يصبح قطاع غزة جزءا خاضعا للشرعية الوطنية الناتجة عن المصالحة ،ولا مانع من تواجد غالبية مؤسسات المنظمة في الضفة وغزة حتى في ظل الاحتلال ،فحال مؤسسات المنظمة سيكون كحال مؤسسات السلطة ومقرات الأحزاب ،وتتوزع بقية المؤسسات في الأردن ومصر،وفي حالة استقرار الأوضاع العربية يمكن الامتداد إلى سوريا ولبنان.
4 ) مصادر تمويل مؤسسات ونشاطات منظمة التحرير
الأزمة المالية لمنظمة التحرير ترجع في جزء منها إلى أن المصادر الممولة والداعمة باتت تحول المال إلى السلطة بدلا من المنظمة ،ولكون السلطة الفلسطينية همشت المنظمة وألحقتها بها ماليا ،وعليه فإن أزمة السلطة المالية تنعكس على المنظمة والشروط التي تخضع لها السلطة في عملية التمويل تنسحب على المنظمة . الأمور قد تتغير في حالة إعادة الاعتبار للمنظمة بالمصالحة ومن خلال ما سيطرأ على وضع السلطة من تغييرات بعد حصول فلسطين على صفة دولة مراقب .
ومن جهة أخرى وفي حالة إنجاز المصالحة وإعادة بناء التمثيل الفلسطيني ومنظمة التحرير بنية حسنة، يفترض أن الملايين التي تتدفق على الأحزاب مباشرة ستذهب إلى الصندوق القومي لمنظمة التحرير أو لخزينة الدولة، وعلى منظمة التحرير أو الدولة أن تراقب مصادر التمويل الخارجية للأحزاب، كما انه من خلال إعادة النظر في العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة التي يُفترض أن تتحرر من التزامات أوسلو فإن الدول العربية والصديقة ستقدم مساعداتها إلى منظمة التحرير أو المرجعية الجديدة مباشرة وليس إلى الأحزاب أو السلطة .بعد إعادة بناء منظمة التحرير التي ستمثل الكل الفلسطيني يمكن للمنظمة أو للدولة (الفلسطينية) أن تدخل في اتفاقات وتفاهمات مع الدول العربية والإسلامية لتامين تغطية مالية ثابتة للمنظمة ،وللبحث في آلية لجمع مساهمات من الفلسطينيين المقيمين في الشتات كما كان الأمر سابقا حيث كان يتم اقتطاع نسبة 5% من مداخيل الفلسطينيين العاملين في الدول العربية .ويبقى كل هذه الأمور معلقة بما ستؤول إليه المصالحة من جانب وبمستقبل السلطة بعد قرار الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو ،كما أن إعادة النظر باتفاق باريس الاقتصادي قد يوفر مداخل جديدة للفلسطينيين.
5 ) إشكالية الصفة التمثيلية للمنظمة ووظائفها
كما سبق ذكره فإن المجلس التأسيسي المشار إليه سيشكل لأول مرة بالتوافق وهو الذي سيبحث في أمر تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اتفاق المصالحة ،وإن كنا نعتقد انه في ظل تصاعد العدوان والتهديد الإسرائيلي للفلسطينيين في الضفة وغزة ،وفي ظل حالة عدم الاستقرار في العالم العربي،وفي ظل الانقسام الجغرافي وتوابعه ، فإن (التراضي والتوافق) على أعضاء المجلس الوطني سيكون الحل الأنسب . أما بالنسبة للجنة التنفيذية فيجب أن تنتخب من داخل المجلس الوطني الجديد على أساس نسبي حتى يمكن ضمان تمثيل عدد كبير من الأحزاب والشخصيات الوطنية .ويتم انتخاب رئيس المنظمة مباشرة من المجلس الوطني .
وبالنسبة لفلسطينيي الخط الأخضر ، فإن صيغة لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية داخل الخط الأخضر ،تم تجاوزها بعد توقيع اتفاقية أوسلو وقيام السلطة ،وستصبح متجاوزة أكثر بعد قرار الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو ،وسيبقى الأمر منوطا بتداعيات ما بعد القرار . نقترح في هذا السياق وبالنسبة للتجمعات الفلسطينية الأخرى خارج الوطن أن تُشكل ( لجان الأخوة الفلسطينية) أو تطوير وتوسيع مؤسسة (الجالية الفلسطينية) الموجودة في أكثر من بلد . بحيث يفرز الفلسطينيون في كل تجمع ومن خلال التوافق بين القوى الفاعلة في كل تجمع من يمثلهم ويكون عدد المندوبين متناسبا مع عدد التجمع ،وهذا ينطبق على فلسطينيي الخط الأخضر والأردن ولبنان وسوريا وكل دول الشتات ،إلى أن تتاح فرصة إجراء الانتخابات بحرية .
مع أن قرار الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضو مراقب أشار إلى أن ذلك لن يؤثر على الصفة التمثيلية لمنظمة التحرير إلا أننا نعتقد أن تساؤلات كبرى تطرح حول مستقبل المنظمة وقيمتها وصفتها التمثيلية بعد صدور القرار،بالإضافة إلى التخوفات التي يطرحها البعض فيما يتعلق باللاجئين و(الحقوق التاريخية ) وحق تقرير المصير ،وهم محقون،يمكن تبديدها من خلال التمسك بكل القرارات الدولية الخاصة بفلسطين،ومن المعروف أن قرارات الشرعية الدولية لا تسقط بالتقادم،ولا تسقط إلا إذا تم التصويت على قرار دولي من نفس جهة الصدور يلغي القرار السابق كما جرى مع القرار الذي صدر عن الجمعية العامة 1975 حول اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري ،تم إلغائه عام 1992 بتصويت في الجمعية العامة على إلغائه .
6) إشكالية تمثيل الفلسطينيين في الأردن
شهدت الأشهر التي سبقت التصويت على قرار عضوية فلسطين حديثا علنا أحيانا وفي الكواليس حينا آخر حول البديل الأردني وإيجاد صيغة من العلاقة بين سكان الضفة والأردن ،بل تحدث الأمير حسن بوضوح عن عودة الدور الأردني في الضفة .زيارة الملك عبد الله لرام الله يوم الخميس 7-12-2012 وإن كانت زيارة مباركة للرئيس بعضوية فلسطين إلا أننا نعتقد أنها تعبر عن انشغال إن لم يكن قلقا أردنيا من تداعيات الاعتراف بفلسطين دولة على وضع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ومستقبل العلاقة بين البلدين .
سيكون من الصعب إجراء انتخابات في الأردن لعضوية المجلس الوطني أو للتصويت على الميثاق بدون تفاهمات مسبقة بين الرئيس أبو مازن وملك الأردن على أن مشاركة الفلسطينيين /الأردنيين في الانتخابات حالة استثنائية لا تتعدى دلالتها السياسية على المساهمة في إعادة بناء منظمة التحرير ،وأن المشاركة لن تغير شيئا في الوضعية القانونية والسياسية للمشاركين ،وأن مسألة المواطنة ستبقى شانا أردنيا. وفي حالة عدم إجراء الانتخابات ،وهذا ما نعتقد ،يرسل الفلسطينيون في الأردن الذين يريدون ترشيح أنفسهم لعضوية المجلس الوطني بأسمائهم أو قوائمهم إلى المجلس التأسيسي المشار إليه للتصويت عليها .
7 ) حول مصير السلطة الفلسطينية
سيكون مصير السلطة مطروحا للنقاش بعد إعادة بناء منظمة التحرير ،ذلك أن السلطة القائمة سلطة حكم ذاتي منبثقة عن اتفاقية أوسلو ،كما أن أحزاب فلسطينية وخصوصا حركة حماس والجهاد الإسلامي غير مشاركة فيها ،حتى صح القول بأنها سلطة حركة فتح، وفي حالة إعادة بناء المنظمة لتستوعب الكل الفلسطيني ولتصبح مركز الثقل في الحياة السياسية فمن البديهي أن تكون كل الفصائل مشاركة في السلطة ولها رأي فيها.هذا الأمر يتطلب توافق على وجود السلطة ودورها،كما سيتم طرح موضوع الحكومة بعد إعادة بناء المنظمة .هذه التساؤلات أصبحت أكثر إلحاحا وتعقيدا بعد التصويت على قرار قبول فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة ،مثلا هل ستستمر الحكومة كحكومة سلطة حكم ذاتي ؟ أم ستتحول إلى حكومة دولة فلسطين ؟ وهل ستستمر الحكومة والسلطة في إطار مرجعية اتفاقية أوسلو أم ستصبح مرجعيتها القرار الدولي الجديد والأمم المتحدة؟ وهل ستكون علاقة الدولة بمنظمة التحرير نفس علاقة السلطة بمنظمة التحرير؟.
من الملح اليوم التفكير في وضع السلطة والحكومة ، فلا يُعقل بعد إعادة بناء منظمة التحرير والمصالحة ،وبعد الانجازات التي تحققت في الأمم المتحدة وفي جبهة المقاومة أن يستمر الفلسطينيون خاضعين لسلطة حكم ذاتي مرجعيتها اتفاقية أوسلو ،المطلوب أن تصبح منظمة التحرير المتجددة والقرار ألأممي حول الدولة مرجعية للسلطة الفلسطينية، الأمر الذي يتطلب قرارا واضحا من الرئيس بالتخلي عن اتفاقية أوسلو وممارسة السيادة على أراضي الدولة ولو بشكل متدرج . وما بعد إعادة بناء المنظمة وإلى حين قيام الدولة تتولى منظمة التحرير قيادة السلطة والحكومة .
خاتمة
خلاصة القول،إن لم نتدارك الأمر بوضع إستراتيجية وطنية لتحكم العمل السياسي الفلسطيني في ظل المتغيرات العربية والدولية المفتوحة على كل الاحتمالات ، فستستمر القضية الفلسطينية في حالة تيه وسيسير النظام السياسي نحو مزيد من التفكك.حركة فتح ومنظمة التحرير لن تبقيا موحدتين وستسيران نحو مزيد من التآكل والتخبط [19]وكذا الحال مع السلطة الوطنية التي ستتحول لجابي ضرائب ومقدمة لخدمات للمواطنين ، يُفترض أنها من مهام ومسؤولية دولة الاحتلال ، دون أي مضمون وطني تحرري . وحركة حماس ستشهد مزيدا من الانحسار وفقدان الشعبية والتحول إلى حكم شمولي استبدادي كلما توغلت في السلطة والحكم واستمرت ملتزمة بالتهدئة،وقد تشهد انقسامات داخلية وخصوصا بين تيار وطني وتيار أممي مرتبط بجماعة الإخوان المسلمين وتيار سينحو نحو التطرف.بطبيعة الحال لن يكون مصير بقية القوى السياسية بالأفضل،وقد نشهد ظهور العديد من التيارات أو الأحزاب بمسميات المستقلين[20] أو أية مسميات أخرى يقودها رجال أعمال ورجال دين ،إلا أن هذه القوى لن تشكل استنهاضا للحالة الوطنية بل ستزيد من التيه ومن فرص تدخل أطراف خارجية.
التخوفات الأكثر مأساوية، فقدان ما تبقى من الضفة، وقد نشهد قريبا دولنة لقطاع غزة تؤدي لحرب أهلية حول السلطة والحكم. إسرائيل لن تُمكِن الفلسطينيين من دولة ذات سيادة في الضفة الغربية ولو على جزء منها،ولذا فستعمل على خلق المناخ المناسب لفتنة وحرب أهلية في القطاع ،كما سبق وهيأت المناخ لـ (الانقلاب) الذي أقدمت عليه حركة حماس في يونيو 2007.حرب أهلية حول مَن يحكم قطاع غزة:حركة فتح أم حركة حماس؟ وقد تشارك جماعات أخرى في هذه الحرب، كما سيكون للعملاء دور مهم في هذه الفتنة.سكوت إسرائيل عن حكم حماس في الضفة ليس قبولا نهائيا أو موقفا استراتيجيا وليس عجزا، بل لهدف تكتيكي،وعندما تشعر إسرائيل بأنها حققت هدفها من الانقسام وعندما تهدأ الحالة العربية الثائرة وخصوصا في مصر، فستنقل إسرائيل المعركة لقطاع غزة،وهناك نخب من داخل ومن خارج حركة حماس تراودها شهوة حكم غزة بمعزل عن المشروع الوطني بل على حسابه وهي مستعدة للقتال والقتل دفاعا عن مصالحها وشهوتها في السلطة أو خدمة لأجندة خارجية.




________________________________________
[1] - أول استعمال لكلمة الإستراتيجية Strategy كان في المجال العسكري وتعني فن التخطيط في الحرب وهذا ما نلمسه من خلال تعريفاتها الأولى على يد أهم الاستراتيجيين فعرفها كلاو فيتز منذ القرن التاسع عشر وفي كتابه ( فن الحرب) Carl von Clausewitz بأنها (فن استخدام المعارك كوسيلة للوصول إلى هدف الحرب) أما ليدل هارت Basil Henry Liddell Hart‏ فعرفها بأنها (فن توزيع واستخدام مختلف الوسائط العسكرية لتحقيق هدف السياسة).
[2] - ومن المفكرين الذين ربطوا الإستراتيجية بالقيادة مولتكه حيث عرف الإستراتيجية بأنها (الملائمة العملية للوسائل الموضوعة تحت تصرف القائد للوصول إلى الهدف المطلوب)
[3] - يعتبر الزعيم الصيني ماو تسي تونغ أهم من وضع كتب حول إستراتيجية حرب الشعب كما تم تطبيقها في الثورة الصينية ،ويمكن الرجوع لإستراتيجية حرب العصابات وحرب الشعب في الصين وفي تجارب شعبية حول العالم من خلال كتاب : روبرت تايلر ، حرب المستضعفين ،ترجمة وتحقيق محمود سيد رصاص ،لمؤسسة العربية للدراسات والنشر 1981.
[4] - لم يستمر الميثاق القومي الأول لمنظمة التحرير سوى 4 سنوات ففي عام 1968 تم التحول إلى الميثاق الوطني وأدخلت تغيرات على نصوص الميثاق وعلى قيادة المنظمة،وفي عام 1971 اتخذ المجلس الوطني قرارات تعتبر تجاوزا للميثاق وخصوصا عندما تحدث عن العلاقة باليهود والتمييز بين اليهودية والصهيونية ،وفي تلك الجلسة تم تبني فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي يتعايش فيها المسلمون واليهود والمسيحيين .ثم توالت التغييرات والتحويرات فيما يتعلق بإستراتيجية التحرير وبأهداف الشعب الفلسطيني.
[5] - من المهازل السياسية التي تعكس حالة غياب التخطيط والإستراتيجية ما جرى في الانتخابات البلدية في الضفة في أكتوبر 2012 حيث تنافست على المجلس البلدي لمدينة نابلس قائمتان واحدة برئاسة عضو اللجة التنفيذية لمنظمة التحرير والأخرى برئاسة أمين مقبول أمين سر المجلس الثوري لحركة "فتح" الذي أكد أن اللجنة المركزية للحركة كلفته برئاسة قائمة الحركة "قائمة الاستقلال والتنمية" .هذا يعني إما هزيمة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أو هزيمة أمين سر حركة فتح ،وهذا ما جرى مع أمين مقبول .
[6] - إن كان غموض الخطاب السياسي لحركة حماس يدخل في باب التكتيك والمناورة السياسية ،إلا أنه يعود أيضا إلى الأيديولوجية الدينية عند حماس والجماعات الإسلام السياسي التي تعتمد مفهوم (التقية ) الذي يبرر القول على خلاف النوايا الحقيقية بل وتبرر الكذب على من يعتبرون كفارا او من غير الجماعة الإسلامية .
[7] - المشروع الوطني بصيغته المُعبر عنها من خلال منظمة التحرير الفلسطينية بمثابة عقد سياسي يعكس موازين القوى في الداخل الفلسطيني وشبكة التحالفات الفلسطينية الفلسطينية والفلسطينية العربية والدولية ،فقد كان المشروع الوطني بمثابة مشاريع في مشروع واحد أو هو خلاصة التقاء المشروع الوطني الناهض والمشروع القومي العربي والمشروع التحرري العالمي . واليوم فنحن بحاجة لعقد سياسي جديد لأن شبكة التحالفات القديمة ،فالحركة القومية العربية تراجعت لصالح الإسلام السياسي ،والمعسكر الاشتراكي انتهى وحل محله هيمنة أمريكية شبه مطلقة أيضا حدث تغير داخل النخبة السياسية الفلسطينية من حيث برامجها ومصادر تمويلها وأماكن تواجدها - فغالبيتها تتواجد داخل فلسطين وليس خارجها - .
[8] - يعود جزء كبير من الارتباك في إستراتيجية العمل الفلسطيني أن الأحزاب والفصائل الفلسطينية – ما عدا حركة الجهاد الإسلامي - تريد أن تصبح سلطة وحكومة وتمارس العمل الدبلوماسي وفي نفس الوقت ترفع شعارات الثورة والجهاد وفي الحالتين يحدث ذلك في ظل وجود الاحتلال وتحت سمعه وبصره ،وهو أمر صعب إن لم يكن مستحيلا .
[9] - الجزء الأكبر من المثقفين أصبحوا بعد تأسيس السلطة عام 1994 موظفين يعتمدون على راتب السلطة ،وهو أمر يحد من حريتهم في ممارسة النقد الجاد تجاه السلطة خوفا من قطع راتبهم ،ونفس الأمر لجزء آخر من المثقفين الذين استوعبتهم مؤسسات مجتمع مدني ممولة من جهات أمريكية وأوروبية ،حيث يلتزمون في عملهم بالأجندة التي تحددها الجهات المانحة وهذه غير معنية بالعمل الوطني ،بل تقدم الأموال كنوع من الرشوة للنخبة لإبعادهم عن العمل الوطني الحقيقي المتصادم مع الاحتلال .
[10] - مع أن أزمة المشروع الوطني و الإستراتيجية الوطنية قديمة كما سبق ذكره إلا أن ظهور حركة حماس شكلا انقساما سياسيا وأيديولوجيا وثقافيا واجتماعيا حادا داخل النظام السياسي والمجتمع الفلسطيني ،وخصوصا في السنوات السنتين الأخيرتين حيث باتت حكم حماس في غزة جزء من المشهد العام فيما يسمى بالربيع العربي حيث تصعد قوى الإسلام السياسي على حساب القوى الوطنية والليبرالية .
[11] - تعود فكرة الكونفدرالية مع الأردن إلى بداية مسلسل التسوية ،إلا أنها اليوم تعود في ظل أوضاع فلسطينية وعربية أكثر مواتية لتنفيذ الفكرة ،ويتزامن الحديث عن الكونفدرالية مع الأردن مع تسريبات عن مخططات لإلحاق قطاع غزة بمصر أو توسيعه في سيناء ،وكل هذه مخططات هدفها ضرب فكرة الدولة الفلسطينية في الضفة وغزة وقطع التواصل ما بين فلسطينيي الضفة وفلسطينيي القطاع .
[12] - لا نروم من هذا القول إلزام الشعب الفلسطيني بحل الدولتين والتنازل عن بقية فلسطين ،ولكننا نتحدث عن العمل الدبلوماسي والسياسي لمن يريد التعامل مع القضية دوليا ،فالسياسيون يمكنهم صياغة أهداف تدخل ضمن مبدأ أن السياسة فن الممكن ،ولكن لا يُطلب من كل مواطن وحزب أن يُعلن أن هذا هو هدفه وحقه الوطني النهائي ،ما دام لا يريد أن يكون في موقع السلطة السياسية .
[13] - بات مصطلح المصالحة ممجوجا وفاقد المصداقية ليس لعدم إنجاز تقدم في هذا الملف بل لأن المصطلح بحد ذاته يحمل دلالات لا تعبر عن عمق الخلل والأزمة ،فالحديث عن مصالحة بين حركتي فتح وحماس يقلل من أهمية الخلل العميق الذي ينتاب مجمل النظام السياسي .
[14] - حديثنا عن القرار ألأممي بالاعتراف بالدولة لا يعني انه إنجاز كبير وقد سبق وأن كتبنا حول محاذير الذهاب للأمم المتحدة في ظل حالة الانقسام والتداعيات التي قد تترتب عن صدور قرار جديد من الجمعية العامة حول دولة في حدود 1967 بطلب فلسطيني ،وخصوصا من جهة تأثيره على قرار التقسيم والذي صدر أيضا عن الجمعية العامة ويمنحنا حوالي 45% من مساحة فلسطين بدلا من الـ 22% التي يمنحنا إياها القرار الجديد.
[15] - ما جرى في الجزائر جرى بالنسبة مع كل حركات التحرير كفيتنام واللاوس وكمبوديا والمغرب ،حيث أندمج المسلحون بالجيش النظامي وتم حل فصائل المقاومة أو تحويلها إلى حزب حاكم بعد الاستقلال ،وقد جرت محاولات شبيهة في الحالة الفلسطينية حيث تم إدماج جيش التحرير وقوات الفصائل في أجهزة السلطة أو حلها وتم تهميش مؤسسات أخرى للمنظمة وأصبح رئيس منظمة التحرير نفسه رئيس السلطة الوطنية ،ولكن كل محاولات تصفية وإضعاف منظمة التحرير تمت قبل نيل الاستقلال وقبل إنجاز مرحلة التحرر الوطني .
[16] - في بداية السبعينيات وفي أوج ممارسة فصائل منظمة التحرير العمل العسكري ضد إسرائيل داخل فلسطين المحتلة وحتى خارجها ،وبالرغم من تصنيف واشنطن ودول أوروبية عديدة للمنظمة كمنظمة إرهابية ،استطاعت المنظمة أن تنال صفة عضو مراقب في الأمم المتحدة وان تنال اعتراف أكثر من مائة دولة بها كممثلة للشعب الفلسطيني ،وهذا يعود في جزء كبير منه لوجود إستراتيجية وقيادة فلسطينية واحدة ،فالعالم يحترم حركات التحرر التي يحترمها شعبها وتعرف ماذا تريد .
[17] - من الالتباسات في الخطاب السياسي الفلسطيني حول المصالحة اعتبار الانقسام هو بين فتح وحماس ،بينما في الحقيقة هو بين برنامجين : برنامج منظمة التحرير وبرنامج حركة حماس ،ولذا ليس دقيقا موقعة فصائل منظمة التحرير لنفسها وكأنها خارج معادلة الانقسام.كل القرارات التي يصدرها الرئيس فيما يتعلق بالانقسام أو المصالحة أو قضايا الخلاف الفلسطينية إنما يصدرها بصفته رئيسا لمنظمة التحرير وباسم اللجنة التنفيذية للمنظمة ،وليس بصفته رئيسا لحركة فتح .
[18] - نستغرب سلوك فصائل منظمة التحرير وخصوصا حركة فتح في تعاطيها مع منظمة التحرير والمصالحة ،فهذه الفصائل تعترف أن وضع منظمة التحرير وضع متهرئ وأن مؤسساتها شبه مشلولة أو غائبة ،وهذه الفصائل تراهن على دخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي للمنظمة لتتم إعادة تفعيل المنظمة .ولكن السؤال : ماذا إذا رفضت حركتا حماس والجهاد الإسلامي الدخول في المنظمة ؟ هل ستبقى المنظمة على حالها من الدمار والموات ؟ ولماذا لا تقوم فصائل المنظمة بتفعيل وإعادة بناء المنظمة سواء شاركت فيها حماس او لم تشارك؟.
[19] - حتى الآن من غير الواضح علاقة فصائل اليسار و،خصوصا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، بمنظمة التحرير ،فالرئيس يصدر قراراته في كل القضايا التي تتعلق بالانقسام وتداعياته او بالتسوية باسم منظمة التحرير بعد اجتماعات للجنة التنفيذية للمنظمة والتي تتشكل في غالبيتها من الأمناء العامين للفصائل وموافقة هذه الفصائل على القرارات ،وبعد صدور القرارات تنتقد فصائل اليسار هذه القرارات وتتحدث عن الانقسام كانقسام بين فتح وحماس فقط وبالتالي هي غير معنية بهذا الانقسام ! . نفس الأمر لا يعرف المواطن ما المقصود بحركة فتح ،هل هي جماعة محمد دحلان أم جماعة اللجنة المركزية ،أم كتائب شهداء الأقصى أم كتائب أيمن جودة ؟ وما علاقة تنظيم فتح في القطاع بتنظيم فتح في الضفة الغربية ؟.
[20] - من أبرز مظاهر التخبط هو قدرة بعض الأشخاص من التسلل للإطار القيادي المؤقت للمنظمة باسم جماعة المستقلين فيما في الواقع لا يمثلون إلا أنفسهم وقاعدتهم الشعبية لا تزيد عن العشرات .



#إبراهيم_ابراش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العرب: من مقاطعة إسرائيل إلى التطبيع المجاني معها
- لا شرعية لنظام سياسي بدون وجود معارضة
- مصالحة فلسطينية كجزء من عملية تسوية برعاية أمريكية
- واشنطن تتحدث عن سلام في فلسطين وتحشد لحرب على سوريا
- غزة لا تمنح صكوك غفران لاحد
- تغيرات الهوية في المشهد السياسي العربي وتأثيره على خياري الم ...
- العصر الذهبي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط
- ما بعد قبول استقالة سلام فياض
- اتفاقية الوصاية الأردنية على المقدسات وعلاقتها بالتسوية
- إشكالية المسألة الانتخابية في مناطق السلطة الفلسطينية في ظل ...
- انتخاب مشعل والقمة العربية والتنافس على التمثيل الفلسطيني
- مهرجان غزة : الانتفاضة الوطنية المغدورة
- متغيرات البيئة التمكينية للمصالحة الفلسطينية
- غزة تستنهض الوطنية الفلسطينية مجددا
- البيئة التمكينية والفرص المتاحة للمصالحة الفلسطينية
- انجازات تحتاج إلى حاضنة وطنية
- هل الدم الفلسطيني رخيص لهذا الحد؟؟
- حرب الهدنة الإستراتيجية وترسيم الحدود
- المطلوب عقلانية فلسطينية وبطولة عربية للرد على العدوان الإسر ...
- دور المجتمع المدني الفلسطيني في الدفاع عن القضايا الوطنية


المزيد.....




- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- السيسي يصدر قرارا جمهوريا بفصل موظف في النيابة العامة
- قادة الاتحاد الأوروبي يدعون إلى اعتماد مقترحات استخدام أرباح ...
- خلافا لتصريحات مسؤولين أمريكيين.. البنتاغون يؤكد أن الصين لا ...
- محكمة تونسية تقضي بسجن الصحافي بوغلاب المعروف بانتقاده لرئيس ...
- بايدن ضد ترامب.. الانتخابات الحقيقية بدأت
- يشمل المسيرات والصواريخ.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع عقوبا ...
- بعد هجوم الأحد.. كيف تستعد إيران للرد الإسرائيلي المحتمل؟
- استمرار المساعي لاحتواء التصعيد بين إسرائيل وإيران
- كيف يتم التخلص من الحطام والنفايات الفضائية؟


المزيد.....



الصفحة الرئيسية - ملف - القضية الفلسطينية، آفاقها السياسية وسبل حلها - إبراهيم ابراش - الحاجة لإستراتيجية فلسطينية متعددة المسارات