أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - صندوق الحرية الأسود















المزيد.....

صندوق الحرية الأسود


فؤاد قنديل

الحوار المتمدن-العدد: 4107 - 2013 / 5 / 29 - 22:11
المحور: الادب والفن
    



قصة

رغم المنح الإلهية التي تجعل من المدينة الضخمة مكانا رائعا وجاذبا لحسد الغرباء ، فإن الفقر شديد والظلم أشد، وأغلب الخيرات يضع الملك يده عليها ويسمح فقط لأتباعه ومتملقيه أن ينالوا الكثير منها .. سنوات وسنوات وأهل المدينة يؤكدون أن ما يسود البلاد ليس ظلما بالمعنى الحقيقي لكنها إرادة الله وحكمته، وهكذا يسلمون الأمر للرب ، ويمنعهم إيمانهم غير المحدود بحكمة الله ورحمته من التذمر ، إلى أن بدأ عدد من الشباب يسألون ويدهشون ويفكرون ، ثم كونوا جماعات تلتقي وتبسط فيما بين أعضائها أطراف الحديث حول السر في الحالة ، خاصة مع عدم وجود عمل وغلاء الأسعار وكثرة الضرائب، وكلما تناقشوا انتهوا إلى أن هذه الأحوال المتدنية سببها أن الملك وحاشيته يستولون على نصف ما تنتجه المدينة والباقي لأهلها وهم سبعة ملايين.. حاول بعضهم لقاء الملك عدة مرات فلم يسمح لهم بمجرد الاقتراب من أسوار القصر ، ولما كتبوا العرائض مزقها الحراس أمام عيونهم حسب الأوامر الواضحة .
شغلت الشباب فكرة غياب العدل، ورفضوا في الوقت ذاته سؤال الحكيم الزاهد الذي تجاوز عمره مائة وعشرين من السنين .. حاول الشاعر وهو أكبرهم أن يقنعهم بأن عليهم الرجوع إليه في إطار حتمية طرق كل الأبواب للبحث عن حل .
اسمها في الأصل" مدينة السلام " ، لكن الكثيرين من أهلها يميلون لتسميتها " مدينة الشمس والقمر " ، وقد ورثوا الاسم من أجداد الأجداد ، وبصرف النظر عن الاسم فهى من أجمل المدن العربية. تطل على بحر كبير رائع الزرقة ، وتغطيها سماء رائعة الزرقة بسبب صفائها أغلب الأيام.
مدينة ضخمة وكثيفة السكان، ومع ذلك فليست مختنقة لأن بيوتها وعمائرها الملونة موزعة على جبل عال ، قمته لا تتسع إلا لقصور الملك التي تشبه مدينة صغيرة مغلقة بإحكام على من فيها من الحاشية والحراس والحدائق.
يأتي الغرباء إلى مدينة الشمس والقمر كثيرا كي يستمتعوا بالطرقات الرفيعة التي تهبط برشاقة ودهاء من أعلى الجبل فاتحة لها منفذا بين الزهور اليانعة وتمضى متعرجة بين البنايات كأنهار صغيرة من التمر هندي أو القرفة ويراها البعض مثل شعر الجنية الطويل الأسود الممتد من القمة إلى القاع .. يجذب الغرباء مشهد الخضرة الغامقة التي تغطى كل شبر من الأرض وألوان البيوت والنباتات المتعلقة بالعمارات التي لا تزيد أعلاها عن ستة طوابق ، وكم يحبون أن يتأملوا أزياء الرجال والنساء ، كما أنهم منبهرون بجمال الفتيات اللائي يزيد من جمالهن ما يتمتعن به من حيوية ومرح وحب للرقص ، كما تستهويهم مشاهد الحقول المترامية كسجاد من القطيفة الخضراء المرقطة بالبهائم البيضاء والسوداء والصفراء ، وبين شهر وآخر تسقط الأمطار وهى كافية كى يشرب السكان وتمتلئ الخزانات المبنية فوق القمة.
لم يكن ثمة مفر من الذهاب إلى الحكيم الزاهد حيث يقيم في دار صغيرة حولها حديقة على جانب الجبل أدنى القمة بنحو مائتي متر.. قال الحكيم:
- من يطلب العدل عليه أولا أن يطلب الحرية ، ومن يطلب الحرية عليه أن يتعلم كيف يطلبها .
سألوه : وكيف نطلبها ؟
سكت لحظات وعبثت يده المعروقة بذقنه البيضاء ، ثم قال :
- هناك في الميدان الكبير شجرة توت ضخمة ..إلى جوارها في اتجاه مشرق الشمس وعلى عمق مترين هناك صندوق أسود من الحديد.
تنبه الشباب ودنوا منه بسبب صوته الواهن ولهفتهم للمعرفة .. استطرد الحكيم : الصندوق مكون من ثلاث غرف بعضها فوق بعض.. الغرفة الأولى فيها كتاب ضخم لتعليم سبل تحقيق الحرية والثانية لا تنفتح قبل شهر بعد الأولى ومنها تنطلق غربان حديدية تنشر المصائب ..و
شعر الشباب بالذعر وفتحوا عيونهم وأفواههم وقال بعضهم : يا نهار أسود
استطرد الحكيم : ثم غرفة ثالثة أكبر من الغرفتين الأوليين لا تفتح قبل شهر وبها سبائك الذهب.
سأل شاب : وهل يمكن أن نأخذ كتاب الحرية وسبائك الذهب فقط ؟
تنهد الشيخ وقلب عينيه الفارغتين فيما حوله دون أن يرى شيئا ثم قال : الغرف الثلاثة مرتبطة بعضها البعض وتنفتح بالترتيب
الحرية فالمصائب ثم الذهب .
أشار الحكيم لواحد منهم حتى يعاونه على الرقاد، ولما تمدد أغمض عينيه ولم يجب على أي سؤال آخر.
في طريق العودة مضى كل شاب يفكر مع نفسه حتى دعاهم الشاعر للحوار في بيته.. كان شاغلهم هذا الارتباط الذي لا مفر منه بين الغرف الثلاث .. طالت المناقشة وتركزت حول أهمية الحرية التي يمكن أن تفضي إلى العدل والكرامة وإنشاء المشروعات وتشغيل العاطلين وتحسين الخدمات وانتعاش الحياة في المدينة . لكن أكثرهم كانوا يرتعدون من هبوب المصائب فيكفى البلاد ما هى غارقة فيه من مصائب.
استمر النقاش يصعد ويهبط ما بين مؤيد لاستخراج الصندوق ومعارض لمجرد الاقتراب منه حتى دنا الفجر وتفككت الأجساد وكلت العقول فاتفقوا على اللقاء في الغد لمزيد من التشاور مع توسيع الدائرة بحيث يشترك في النقاش أكبر عدد ممكن من الناس ومن نوعيات مختلفة .
في اليوم التالي بدا أن عدد المؤيدين لفتح الصندوق قد زاد، وطلاب الحرية مهما كانت النتائج متحمسون ، وكان البعض وهم قلة مشوقين لفتح الصندوق بغرض التسلية ، وكان البعض غير مقتنع بحكاية الصندوق بوصفها خرافة لا جدوى منها ، وأقنعهم آخرون بأننا لن نخسر شيئا ، ولا بأس من التجربة ، وظل الرعب من المصائب مهيمنا على الجميع حتى من يؤيد فتح الصندوق من أجل الخلاص من الظلم والقهر .
قبل فجر اليوم التالي بساعة كان الشباب قد شرعوا في الحفر وأخرجوا الصندوق الأسود الذي أكله الصدأ، وأوشك على التفسخ .. تجمد الجميع أمامه قبل فتحه. هيمنت عليهم حالة زائدة من الرهبة والرعب .. مضوا يستعيدون كلام الحكيم .. الحرية فالمصائب ثم الذهب .
تسللت إلى الكثيرين راحة بعد أن أوضح لهم الشاعر أن الحصول على الحرية سوف يدفعنا للثورة والحصول على الحقوق المكدسة للشعب لدى الملك المغتصب ، وعندئذ نستطيع مقاومة المصائب إذا طلعت علينا غربانها الحديدية .. وبعد المصائب يحل موعدنا مع الذهب .
قبل أن يهموا بفتحه أسرع أحدهم يقترح :
ماذا لو استخرجنا كتاب الحرية ثم أغلقنا الصندوق وأعدناه إلى موقعه الدفين ونردم عليه حتى نحقق الحرية وبهذا نمنع المصائب من مهاجمتنا ؟
تبادل الشباب النظر ، إلى أن نبهه شاب إلى أن المصائب لن تظهر إلا بعد ثلاثين ليلة قمرية .
فتحوا الصندوق وفتشوا في الغرفة الأولى عن كتاب الحرية فلم يجدوه .. كانت هناك غربان حديدية تنتفض وتطقطق ، ثم طارت بصعوبة فى البداية إلى أن دارت ماكيناتها بسلاسة وانطلقت نعلو وتتفرق وتنبعث من مؤخراتها أدخنة سوداء ، فيما وقعت بعض الغربان على الأرض جثثا هامدة.
استولى على الشباب ذعر شديد وتبادلوا الاتهامات واحتدت نبرة الحوار وسخط الجميع على أنفسهم وعلى الحكيم ، ثم تركوا الصندوق وعاد كل منهم إلى بيته ساخطا ، وما هي إلا ساعة حتى اندلعت بعض الحرائق في بعض المستشفيات وأقسام الشرطة ، وعاد الكثير من العمال إلى بيوتهم بعد أن طردهم أصحاب المصانع . أدرك الشباب أن المصائب كانت تشغل الغرفة الأولى وليست الثانية كما قال الحكيم الذي أودى السن بذاكرته.
ومع ذلك فقد أسرعوا إليه يستوضحون .. وجدوه ميتا . دفنوه وشيعه كل سكان البلدة وهم يبكون بحرقة ، ربما ليس حزنا عليه وإنما الحزن على المصائب أو عليهما معا .
عندما عاد الجميع من المقابر كانت معظم المحلات قد نهبت وتهدمت بعض البيوت وسقطت سيارات من فوق الجبل وسحقت الكثير من الأطفال الذين حان موعد خروجهم من المدارس.
حاول الشباب إغلاق الصندوق فتعذر ذلك عليهم تماما . وظل الحال يمضى من سيء إلى أسوأ إلى أن مرت ثلاثون ليلة قمرية ، والشباب في حالة ترقب دائم ، حتى باغتهم انفتاح الغرفة الثانية وهاجمت عيونهم أشعة سبائك الذهب، فهللوا لدقائق فقط ، فقد ظهر على عجل حراس الملك وحملوا الذهب ، وحاول الشباب منعهم ، لكنهم مضوا سريعا به وجلس الشباب على مقاعد الخيبة دون كتاب الحرية ودون الذهب ، وقد أسر إليهم أحد الحراس أن الملك كان يعلم بقصة الصندوق ، ولم يجد داعيا لاستخراجه وكان يعرف أيضا الترتيب الصحيح للغرف.
بعد نحو ثلاثة أسابيع تراجعت المصائب قليلا فاستبشر الشباب بقرب انقشاع الغمة وقرب موعد انفتاح الغرفة الثالثة حيث يعثرون على كتاب الحرية ، والحرية كفيلة بترميم كل شيء .
بعد أن مرت ثلاثون ليلة قمرية انفتح الصندوق وامتدت أيدي الشباب لتخرج كتاب الحرية وهو الأمل الأخير ، انشقت الأرض عن جنود الملك واستولوا على الكتاب ثم أشعلوا فيه النار بأمر الملك .. حط اليأس الشامل على الجميع ومضى السخط يأكل قلوبهم دون أن يمتلكوا القدرة على التفكير .. بينما الضباب يشمل كل شيء.. البيوت والطرقات والعقول ، و يغطى الأفق والبحر الشاسع الذي ينتظر بلهفة ما يمكن لهذا الشعب أن يفعله من أجل الحرية .



#فؤاد_قنديل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هُوية مصر ليست إسلامية فقط
- تعود سيناء أو يذهب مرسي
- مرسي المالك الوحيد لقناة السويس
- محاكمة النظام أو المواجهة
- التحرك الحاسم ولو بالقوة العسكرية
- جرح مفتوح
- ابحثوا معنا عن .. الرئيس
- لماذا قبلت ؟
- من جرائم الجماعة في حق الشعب
- أخيرا .. يا حبيبتي
- بغيرالعقل والشجاعة .. لن تصبح رئيسا
- ماذا ينتظرون ؟! !
- الحرب الأهلية تدق الأبواب
- الهُوية المصرية بين الإخوان والإنجليز
- من يحكم مصر الآن ؟
- رسالة إلى صديق إخواني
- يا ناس .. وَجَبَت مُحاكمته
- عقلية مرسي
- جماهير لا تعرف معني الوطن
- أري ما لا يراه الناس..!


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فؤاد قنديل - صندوق الحرية الأسود