أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - أخي الشهيد كفاح















المزيد.....

أخي الشهيد كفاح


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 4107 - 2013 / 5 / 29 - 06:48
المحور: الادب والفن
    


ص كتبته شوقا لصديقي وأخي الصغير كفاح عبد إبراهيم سوادي عام 1979 حينما أختفى عن أنظار السلطة وعدت لا أراه إلا سرا بعد ان كنا نعيش في غرفة واحدة في بيت أهلي في الحي العصري وظل مختفيا إلى أن أعتقل وأبلغ عن أعدامه في خريف 1983 ومنعت ولم تسلم جثته ولم يعثر عليها في المقابر الجماعية حتى الآن

أخي كفاح

سلام إبراهيم
الحزنُ ناعمٌ، الحزنُ مرٌّ، الحزنُ رماديٌ.
كنتُ رمادياً. أختلُ من نفسي لائذاً بامتداد الشارع ومعلقاً بذيل الشمس الشفقي الممتد إلى السماء من الغرب. لا أعرف مكاني!. ولا ألمح وجهاً أعرفه. أضع قبضتاي في جيوبي وأسير في شارع مجهول، تمر عيناي الساهمتان كظلٍ على الوجوه، تبحر متوحدة مع أشجار نخيل البيوت، مع الرصيف.
الغيوم تسوقها الريح، غيومُ بيضاء كندف الثلج تتخللها بقعٌ داكنةٌ. تساقطت قطراتٌ خفيفةٌ. رشتْ الجادة. رشت شجر الحدائق. رشت النخل. تبللت روحي بالوحشة وامتصني الحنين. حنينٌ حزين حبيب بات لمسه مستحل. أخي الصغير الغريب في مدنٌ أخرى، والذي يمشي معي. في اللب من القلب معي. في اللب من وجه أمي. في موضع المهجة المعذبة. في سعفة فاقمة الخضرة مبتلة بالغيث.
صغرتُ.. صغرتُ عدت بحجم قطرة متساقطة من غيم السماء الداكنة. صغرتُ وتحول أخي الصغير – كفاح ـ وأخواتي وأخوتي الصغار وأمي إلى أناس لا يعرفوني، فغرفت من ماء الشفق الغائب احمرار القلب وخجله وخوفه من هذا الفراغ الهائل المحيط بعيني الحزينتين.
الحزنً قاحلٌ بلون الصدئ
الحزن أزرق بلون البحر
الحزن أسود بلون ثوب العرس السابع
الحزن أفعى تبدل أثوابها الكثار
الحزن بلون الحب، والحب بلون الحزن
الحزن بلون التراب
آلوان ياغربتي القاتلة آلوان، آلوان يا حبيبتي آلوان.
الحزنُ عراقيٌ معفرٌ بحسراتٍ وأوجاعٍ وألم!.
أسير وقبضتاي بجيوب بنطالي، قلبي مكتظٌ بالحنين. امتصني الرصيف وسرى بيّ مع امتداده إلى حواف المعنى، حواف الحب، إلى لب الإنسان.
وجهٌ ينام في قلبي. وجهٌ يختبأ بين كفيَّ.

وحدنا في غرفتنا الدافئة نفترشُ السجاد. يتلمس وجهي بأجفانه السعف. أتلمس كفه بجبهتي المتعبة. أنتصف الليل والصبح في قلبينا ما أنتصف. الضوء باهر يكشف شغف روحينا. نعّبُ من الأسرار ما نعبُ، من الخجل الناعم، من وجوه صبايا الديوانية اليافعة الفاتنة، من فراتها والبراري.
تتعبنا السياسة. ينفعل حانقاً. أصرخ في وجهه بهاجسي عن الشر القادم بالدم والأقبية. يسكت على مضضٍ ويطرق برأسه المحتقن غارزاً عينيه بالسجادة الفقيرة. أمسك بكتفه الناحلة. أتوكئها وأقوم لعمل الشاي. أعود حاملاً أبريق الشاي. نصبه في الأستكان على مهلٍ ونعود إلى حكايتنا الصغيرة. نقهقه من الفرح والحزن مرددين بيت صديقي الشاعر عزيز السماوي:
- دير الفرح على الحزن
وخلي الليالي أدور
وجهي الماي والناعور -
نقهقه من الرماد، من حبنا الضائع لجمال وجوه الصبايا، من مأزق لحظتنا الحرجة، ونرتشف الشاي على مهلٍ قال:
- أحب شعر النجمة!.
هكذا كان ينعت صباياه اللواتي يعشقهن من بعيد.. من بعيد.
حيرته ودهشة عينيه الواسعتين ببوحي لعشقي لوجوه صبايا تصادفني كل يوم تصادفني في شارع او سوق أو من فتحة باب أو من سراب!.قال لي:
- سلام لا تخبلني يومية وحده إلها أسم نجمة نهر نسمة وردة شمس نور تنور نخلة وراح تخّلص الأسماء والصفات
يهلك من الضحك ويأتيني بمزيد من تخطيطات لنساء عاريات في أوضاع مختلفة هن نسوة خياله اللواتي يشكلهن من عشقه الخاطف لوجهٍ صبية خاطف في سوق أو شارع.
صاح المؤذن فدفعنا نحو السحر وحافة الفجر الذي سرعان ما تسللتَ خطوطه الفضية الباهتة من نافذة غرفتنا المطلة على حديقة البيت.
به كنت ألمس ثمرة الحب ونقاء المشاعر وأمان الصدق وشغف العاشق الولهان. لم نعرف الأطباق ليلتها وفي الليالي التالية. لم نعرف!. لم نعرف تعب السهر ولا تعب الروح، مثل عاشقين نسيا الدنيا والكون وصارت اللحظة لديهما أبداً.
سهرنا نعمر قلبينا بالحب والرماد والصبايا والحكايات!.
نرتشف الشاي ونقهقه!.
كان كفاح ناحل الطول كقلبي!.
شفافاً كالفجر الذي ملأ النافذة وجاء بضجة العصافير!.
ضايقني الفجر بحكمته وهو يعلن قيام الكائنات، ضايقني وباب غرفتنا انفتحت عن وجه أمي الحزين وصوتها العميق الهابط حتى جذر القلب:
- ليش ما نايمين لسه راح تتمرضون وتموتوني!
لهب كلامها قلبينا. ضحكنا وقلنا لها بصوت واحد:
- لا عليك يا أمي!.
وهرعنا نحوها. أغرقناها بالقبل حتى راحت تقهقه فرط الغبطة.
حملقنا بالفجر وخطى أمنا تغيب في عمق البيت، حملقنا في مرايانا حتى دنوت مني وقلت:
- لنخرج إلى الدنيا!.
عند باب بيتنا لفحتنا نسمات الفجر الباردة. سهونا للحظات نتأمل بشرود زوايا السماء.. سماء حي العصري بالديوانية سماءٌ فريدةٌ ليس لها شبيه، وجوه العمال الصلدة المشققة كجذع نخلة وهي تسعى نحو رزقها المأمول، وجوه صبايا لم يزل رذاذ النوم يرش قسماتهن الناعسة الجميلة المتوجهات نحو فرن الخبز القريب، صبايا خرجن لجمع روث الحيوانات بأكياس، كل شيء مطلي بفضة الفجر وجهك ووجهي والصبية والبيوت والعمال والضوء والنسمة وحيرة قلبينا.
درنا في شوارع العصري، نستشنق عبق الطفولة من روح حجر جدران البيوت، لم أجد في عمري اللاحق كله أجمل من لحظاتنا في ذلك الفجر الفريد.
قلت بغتة:
- غدا سأسافر!.
أوجعني قلبي وبان الوجع في وجهي، فأردفت:
- لا تقلق بعد أسبوع سنلتقي!.
وكان الوضع مضطرباً!.
للحب طعم السفر
للحب طعم فواكه الجنة
للحب طعم التراب
طعم السفر
طعم نبي شريف
للحب طعم الحزن
مرارة غسقٍ يلون غريب بوطنه
ذهب.. سافر.. لكنه لم يعود
ذهب يبحث عن الماء المقدس
عن وجه الحسين
أنت شجرة لأحزان الناس أخي
أغنية لقلوب لا تعرف الفرح أخي
أسيرً و قبضتاي بجيوبي، السماء تنث رذاذاً، تبللت بأحبابي، برذاذهم المتساقط من السماء، تبللت بروحي بجروحي بحزني العميق بأشواقي بك يا أخي الحبيب يا كفاح يا حبيب
يا ملون مهجتي بمعناك
يا قريب!.
8/12/1979
العراق/ ال بدير صباحاً



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق يضيع فنانيه قتلا ونفياً
- من رسائل الكاتب العراقي نصير عواد إلى سلام إبراهيم
- توضيح حول طباعة ديوان -وضوح أول- للراحل طارق ياسين
- حسين سرمك الحلقة 9 الأخيرة: رواية الإرسي: نطقت بالشهادتين
- حسين سرمك حسن8: الإرسي نطقت بالشهادتين
- حسين سرمك 7 رواية الإرسي: نطقت بالشهادتين
- الإرسي 6 حسين سرمك حسن: الرواية نطقت بالشهادتين
- في مديح العمة حسين سرمك: الإرسي نطقت بالشهادتين -5-
- حسين سرمك حسن: الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة ...
- رواية – الإرسي - لسلام إبراهيم: نطقت بالشهادتين: شهادة الخرا ...
- نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العراق-2-..
- الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العرا ...
- مريم رواية العراقي - سنان أنطوان - العراقي جاء إلى بيْتِهِ، ...
- رواية الإرسي - الفصل 14 الأخير - ساحة الحشر
- رواية الإرسي - الفصل 13 - جحيم في غروب رائق
- الإرسي - الفصل 12 - أحقاد المحبة
- الإرسي - الفصل 11 - التسلل إلى الفردوس ليلاً
- ندوة في القاهرة عن رواية -الإرسي- لسلام ابراهيم
- الإرسي - في برزخ الجبل - الفصل العاشر - ذل العاشق
- رواية الإرسي - الفصل التاسع - صرخة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - أخي الشهيد كفاح