أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - حسين سرمك حسن: الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العراق -4-..















المزيد.....

حسين سرمك حسن: الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العراق -4-..


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 3849 - 2012 / 9 / 13 - 16:59
المحور: الادب والفن
    



رواية – الإرسي - لسلام إبراهيم:
نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العراق -4-


# الإنتقالات بين الأصوات الساردة :
———————————–
لقد برع الروائي في الانتقالات بين الأصوات الساردة، فكان يتحدث عن بطله متنقلا بين ضميري المتكلم والغائب في حركات محكمة ومبررة سرديا من الناحية الفنية والنفسية. ففي المواضع التي لا يمكن أن يستكشف أعماق البطل الدفينة وانفعالاته وأفكاره الخاصة إلا هو نفسه يتسيّد السرد بضمير المتكلم ، ولكن حين تبدأ عين الكاميرا السردية برصد حركة البطل من “الخارج” يتسيّد الخطاب ضمير الغائب – ولا أعلم كيف يُسمّى غائبا وهو حاضر أمام عينيك ؟! – . إن اللعب على أوتار الضمائر الساردة ينبغي أن يكون مدروسا ومخططا له وبقصدية واضحة، لا أن يكون لعبا سرديا مجردا كما حصل لدى روائيين معروفين، فصارت هذه التقنية عبئا على النص لا امتيازا ومصدر إثراء وغنى. في موقف ملتهب وممزق يناجي "سلام" ذاته في حوار داخلي يعاتب فيه عمته الوحيدة مثله لابتعادها عنه وعدم تحدثها معه :
( تأخذني التباريح والوجد إلى حافة النحيب :
- لماذا يا عمّة؟ أنت مثلي قانطة وحيدة في هذه المساءات الحزينة. لماذا لا نطرد وحشتنا ولو إلى حين بحديث ما، أي حديث يخلصنا من فداحة الصمت والرعب . نادني يا عمّة. نادي ولو مرة واحدة ودعيني أنزل إلى جوارك. حدّثيني عنك، عن أبي، عن حزنك الدامي، عن ابنك الغائب … – ص 44) .
وبعد هذا النشيج الذاتي الذي يكشف حاجاته الذاتية للتواصل هربا من الوحشة الخانقة ، ينتقل الروائي باقتدار إلى تصوير حالة بطله في ضجعته في جوف ظلمة الإرسي :
(تشحب الاضواء، تهمد الكائنات الدقيقة وأرواح الظلال. يستلقي على الفراش . يتمدد في الحلكة عائدا إلى لعبة الإنصات وتخمين مواقع سقوط فتات الجص والآجر. سيفرزه الليل نحو بوابة كوابيسه. وأرق سهره القادم من أصوات بواطنه المبهمة. سيوتره صوت محرك سيارة يخفت، صفقة باب، خطى أقدام… – ص 45).

# وهذا المشهد الروائي الباهر :
——————————-
في دراسة نقدية عن (رواية الأحمر) والأسود لستندال قال الناقد الفرنسي “روجيه نيميه” وهو يتحدث عن إحدى صور "ستندال" الفنية التي حفلت بها الرواية الشهيرة والتي ملكت عليه لبه : (هنا .. يجب على المخرج أن يضرب رأس الممثل بقطعة من الديكور ).
وفي بعض الروايات مشاهد فذة تعلق بذاكرة القارئ إلى الأبد. هي مشاهد متخمة بالدلالات الإنسانية المصاغة فنيّا بصورة لا يمكن نسيانها أو مقارنتها بغيرها من المشاهد. إنها لحظات فنية تتجاوز الواقع وتخرقه. هنا تبدأ الحياة بمحاكاة الفن لا العكس. من تلك المشاهد وقفة مدام بوفاري في رواية فلوبير الشهيرة وهي تحاول الانتحار ثم تشاهد المغني الأعمى فيصعد إليها الرصيف وتحجم .. ومنها المشهد الذي ينحصر فيه بطل رواية "كل شيء هادئ في الميدان الغربي" لريمارك مع الجندي العدو الذي يلفظ أنفاسه .. ومنها مشهد أحد شخوص أحلام مستغانمي في روايتها "عابر سرير" وهو يرتعد أمام محاولة المتطرفين تحطيم الباب لقتله .. ومنها محاولة "منيرة" بطلة رواية "فؤاد التكرلي" “الرجع البعيد” الانتحار ومنعها من قبل شقيق زوجها وحديثها الباكي الساحق حزنا ونقمة على الحياة وظلم الناس . وفي رواية (سلام إبراهيم) هذه، هناك مشهد لا نعرف بأية قطعة من الديكور نضرب رأس الممثل بها . إنها قطعة فنية ستكون من كلاسيكيات السرد العراقي. فقد اتفقت العمة معه على أن لا يخبر زوجته بمكان اختفائه في الإرسي. هكذا تمر سنوات لا يرى فيها زوجته وطفله الوحيد. وفي وحشة العزلة وظلمتها يناجي زوجته الحبيبة في مونولوج جارح عن حزنه وافتقاده لها ولأصدقائه وصخب الحياة اليومية :
(صرتُ مثل روح يا حبيبتي؛ روح غير مرئية غادرت الجسد الفاني، روح هائمة، تدور في العتمات والأمكنة، روح تتحاشى التجسّد للأحياء كي لا تثير فزعهم.. تتأملهم من الزوايا والأركان المنسية .. – ص 52 و53).
ووسط هذه التداعيات يسمع صوت زوجته آتيا إليه من الشارع .. تصوّروا ردة فعله وهو يراها حاملة ابنه في الشارع من فتحة الإرسي الصغيرة .. لا هي تدري به .. ولا هو يستطيع مخاطبتها .. ولا يفصل بينهما سوى مسافة بقدر سُمك زجاجة الشباك :
(.. وبغتة اخترقني صوتك. اضطربتُ. توترتُ. تشنجتْ أصابعي الممسكة بإطار الشباك الخشبي. أمد بصري .. أدوّره.. من أين يأتي؟ من الشارع أم من أوهام ذاكرتي؟! أتكونين خلف النافذة؟ .. و.. و.. أسمع نبرتك الفريدة، واضحة قريبة هذه المرة.. وأنت تنادين وتمازحين بنتا جميلة تقف ضاحكة بمواجهة موضعي. أطفر إلى الجهة الأخرى. أرمي بصري من الزاوية المقابلة. لا أرى شيئا. ثمة غشاوة انسدلت على عينيّ، مضافة إلى غشاوة الأتربة المتراكمة على مشبك السيم الصدئ. أصبح من العسير تحديد ملامح الوجوه في ضوء الغروب . أفرك عيني متخلصا من الغشاوة البيضاء. أعاود الحملقة . أقتحمني صوتك هذه المرة قويا.. قريبا، مباشرة خلف النافذة. أشب على أصابع قدمي. أميل مجازفا بالاقتراب من زجاج النافذة. باغتتني قسماتك دانية، لا يفصل بيننا سوى سُمك الزجاج. بخطوك المتأني ووجهك الباسم تدخلين مسافة نافذتي، يباغتني وجه ابننا المدور الجميل، يحدق نحوي ضاحكا وكأنه يراني. أشبّ. أتلظى بناري وأنت تستكملين احتلال فضاء النافذة. تستديرين بقامتك الرامحة نحو البنت الواقفة على عتبة بيت مقابل تبادلينها الكلام.. استديري نحوي يا حلوتي .. أريد أن أراك من هذه المسافة. أريد التحقق من ملامحك التي ضببتها الأحلام والأخيلة والرغائب والذاكرة. أردتك أن تلفتي كما صغيرنا مرة واحدة. ها أنت تشرعين بالخروج من فضاء نافذتي، ودون وعي وجدتني أضرب عارضة النافذة بقبضة مضمومة مما جعلك تجفلين متلفتة صوب عتمة الشباك ، ناظرة بعينين فزعتين.. أتشرب ملامحك المضببة بأغبرة المشبك، والزجاج المغبش بأنفاسي المتلاحقة… تبتعدين. ألاحقك. ستمرين أمام باب البيت. أركض مثل مجنون نحو المدخل. ألصق عيني بثقب المفتاح. يجيء حفيف العباءة أولا .. و.. تقتحمني رائحتك العذبة الظالمة المُعذبة… أستجمع وشل شجاعتي الغاربة كي أستطيع سحب درفة الباب.. يملؤني خيال عناقك.. ضم جسد ابننا .. سأشبع بكاء.. سأبلل رقبتك التلعاء.. سأ .. سأ .. سس .. سس.. أزحزح كفي القابضة أكرة الباب باغيا سحبها .. تعصى متمنعة والسواد يشغل سماء الثقب، ويغيب. تنحل أصابعي وتموت فوق الأكرة ، وجسدك المحتشد النابض يتلاشى في شحوب المساء.
فأسقط متكوما على بلاط المدخل حاضنا الستارة القديمة . أنتحب نحيب مذبوح، وأحدق عبر غلالة الدمع الفائر المنسكب بالمساء الذي احتل الباحة المهجورة بلون ظلامه الشفيف – ص 53-55).

# الفن ليس للفن فقط .. الروائي يؤرخ :
—————————————-
.. وعندما أقول أن الفن ليس للفن فقط – وهذه الأطروحة بدأت مع صيحة “شارل فلوبير” : “مدام بوفاري هي أنا” ، التي أطلقها في قاعة المحكمة، عندما حوكم عن روايته “مدام بوفاري” فصارت شعارا أوغلت الفلسفة الغربية المادية في توظيفه بصورة مؤذية خصوصا على أيدي الأخوين بارت ودريدا – عندما أقول ذلك ، فلكي نحفظ للعقل البشري مهابته وتماسكه ، فأي فن للفن هذا الذي لا يقف – وطويلا ، وبفجاعة – على القدم الأخرى المفقودة للمقاتل الممزق بفعل القذيفة المعادية ؟ – هل ستحسب أمّه أشلاءه ؟ هل ستطلق نداءها التاريخي مثل العمة المفجوعة باغتيال زوجها وهي تقص ظفيرتها الذهبية وتضعها على جسده في التابوت :
-ليش .. ربّي .. ليش ؟
ومن هذا المنطلق الذي يرى أن الفن هو ابن الحياة ، ثم يتحول بالخلاقية الفريدة إلى أبٍ لها ، أجد أن لا خلل كبيرا في إشارته الصارخة إلى الأسماء والتواريخ والحوادث.. وأود التأكيد على حقيقة أن التأريخ الحقيقي يُكتب بمداد الرواية ، وبمداد أرواح المبدعين ، وليس بأقلام السياسيين عليهم لعنة الله . المبدعون هم الذين فضحوا الطغاة وسفالة الحروب وعذابات الأمهات . يثير "سلام" الكثير من الإشكالات : هل يُسمى رفيقه المقطّع صاحب القدم المفقودة شهيداً أم لا ؟ تلخّص أم ألمانية بسيطة جدا خلاصة النقاش السخيف والمدوّخ الذي دار بعد سقوط هتلر ، وهل الحرب عادلة أم غير عادلة ، بالقول : ” كل حرب ٍ يُقتل فيها ابني هي حرب عادلة ” . الرواية الآن تُجرّد من قضايا الإنسان المركزية وفي مقدمتها النضال ضد القهر . هي – مع الشعر – “ديوان العرب” الذي ينبغي أن يحافظ أولا على ذاكرة متداوليه . حسب ميلان كونديرا فإن “صراع الفرد ضد السلطة، هو صراع الذاكرة ضد النسيان”..
وعليه ، وحينما يشير "سلام إبراهيم" الروائي ملتحما بسلام الشخصية إلى مناضل زاهد هو “ثابت حبيب العاني” الذي تتلمذ على كتاباته ، بالقول “من شخصيات اليسار المعروفة وكان صاحب امتياز صحيفة “طريق الشعب” العلنية في السبعينيات.. هذا المناضل أصيب- وهو أصلا مريض بالقلب- بالسلاح الكيمياوي.. فإن هذا توثيق وتأصيل وحفاظ على الذاكرة الممزقة.. الآن يطلع علينا “مناضلون” بيّاعو عتيق سياسي .. ويخدعون الناس لأن لا أحد يفضحهم . بعد الاحتلال بأشهر خرج على شاشة التلفاز شاعر معروف قال أمام الملايين كنت أكسر رجلي وأجبسها كي لا أقرأ أمام الطاغية !!وكل العراقيين شاهدوه واقفا في القصر الجمهوري يمدح صدام حسين ويستلم المقسوم ..



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية – الإرسي - لسلام إبراهيم: نطقت بالشهادتين: شهادة الخرا ...
- نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العراق-2-..
- الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العرا ...
- مريم رواية العراقي - سنان أنطوان - العراقي جاء إلى بيْتِهِ، ...
- رواية الإرسي - الفصل 14 الأخير - ساحة الحشر
- رواية الإرسي - الفصل 13 - جحيم في غروب رائق
- الإرسي - الفصل 12 - أحقاد المحبة
- الإرسي - الفصل 11 - التسلل إلى الفردوس ليلاً
- ندوة في القاهرة عن رواية -الإرسي- لسلام ابراهيم
- الإرسي - في برزخ الجبل - الفصل العاشر - ذل العاشق
- رواية الإرسي - الفصل التاسع - صرخة
- رواية الإرسي الفصل الثامن - رؤيا الحجر -
- رواية الإرسي - الفصل السابع - رؤيا المدينة
- الإرسي - الفصل السادس - أخيلة الرغبة -
- الإرسي - الفصل الخامس - نافذة المساء -
- الإرسي - الفصل الرابع - فوهة الخلاص -
- رواية الإرسي - القسم الأول - الفصل الثالث - العمة الجميلة -
- رواية الإرسي - القسم الأول (في برزخ الإرسي) - الفصل الثاني - ...
- رواية الإرسي - القسم الأول - الفصل الأول - المخبأ -
- ولو إلى حين


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - حسين سرمك حسن: الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العراق -4-..