أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - رواية الإرسي الفصل الثامن - رؤيا الحجر -















المزيد.....

رواية الإرسي الفصل الثامن - رؤيا الحجر -


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 3778 - 2012 / 7 / 4 - 14:42
المحور: الادب والفن
    



رؤيا الحجر

لبث ساكناً في حلكة ملساء شديدة، فالرؤية شبه مستحيلة في هذا العماء المباغت. تحسس جسده بأصابعه صاعداً نحو الإبط الأيسر، موضع الإصابة التي أطاحت به من الأعالي، فانغمست أطرافها بدفقٍ ساخنٍ أخذ يسح مبللاً قميصه الخفيف. فَرَشَ راحته ساداً فم الجرح الصغير العميق. كانت في منبت الجنح الأيسر. تحسس ساعديه. لم يكن ثمة أثرٍ للجناحين.
ـ أَ كنت في كابوسٍ آخر؟!.. لا.. لا..
إنهُ يتذكر بوضوح تفاصيل رحلته بصحبة جارته ـ نادية ـ في مدينة الرعب من لحظة إيقاظه حتى الصعود إلى البرج.. فالطيران، ثم ألم الضربة الماحقة والسقوط من ذلك العلو الشاهق.
ـ أي يد سحرية تلقفتني وحطتني بعناية على سطح هذا الحجر الأملس الصلد، فأنقذتني من اصطدام كان لو حدث سيحولني إلى أشلاء.
همد في الصمت، يحملق في ضفائر الفحم المتراقصة، مطمئناً لخاطر اليد الخارقة الرحيمة المتواجدة في الجوار. اصطبر إلى أن انحلت الضفائر وبهتت، فرأى أول ما رأى الجناحين مكسَّرين ومبعثرين على مسافة متر من وقفته المنتصبة:
ـ أكنتُ واقفاً كل هذا الوقت!.
وجد نفسه داخل تجويف عميق له شكل مشكاة بحجم الإنسان محفورة في جدارٍ من رخام، وأمامه على فسحة صغيرة أنتشر ريش يابس، والفسحة تنتهي بسلمٍ رخامي ضيق تضيع درجاته الهابطة في أمواج الظلام. حاول أن يحرك ذراعه مرة أخرى ليضغط على موضع النزف، لكنه وجد ذراعه المسبلة متصلبة ودفق الجرح تحجر. حاول أن يتزحزح دون جدوى. مفاصله، ليست المفاصل وحسب بل كل الأجزاء الظاهرة من جسده أحس بها تكتسي بصلادة الرخام. وحدها العروق الدفينة حارة يسري في جوفها السائل العجيب. أراد التأكد من تحجر بشرته والعظام القريبة إليها. دور حدقتيه محملقاً بجدار التجويف. أبحر في يم الحجر ومراياه، في فضته المخلوطة بالرماد السابح في فضاء فسيح مفتوح في آماد جدار التجويف. وفي ظلالها الواهنة الشفافة رأى في مواجهته بعمق الرخام كائناً من الحجر يقف ساكناً له نفس قامته ويحدق نحوه بعينين مرعوبتين. أراد أن يقول شيئاً.. حاول تحريك شفتيه.. تخيل أنه قال شيئاً لكنه لم يسمع سوى ارتداد الكلام في العروق الدفينة النابضة.. هسيس حجر في الصمت. أعاد الكرة، فارتد الكلام غائراً في محيطات بواطن الرخام الساكنة.. في أبديتها.
ـ يا إلهي .. يا إلهي من الذي صبني حياً وأدملني في صلادة الرخام!
يا إلهي .. يا إلهي .. يا إلهي .. أنا فزع من هذا السكون المدوي والصمت المقيم وحلكة الفضة.. إلهي.. إلهي.. خذ بيدي أنا عبدك المسكين.. أنا من أنس وحدتك في الكون.. أنا من اختبرت بكينونته قدرتك..إلهي.. إلهي..! خذ بيدي في محنة الحجر هذه.. خذ.. خذ.. أنا عبدك الأبدي..خذ!.
الصمتُ سادرٌ في بحور الرخام الأبيض، على سطحه الأملس الناعم. الصمت سادرٌ في جبهة الشاخص الناصعة في مرآة الرخام قبالته. سادرٌ في العنق، في كتلة الجسد القائم في رماد الرخام اللامع. كتلةٌ لها مقاس وأبعاد جسده. وعندما عاود تحريك حدقتيه شاهد بوضوح حركة الحدقتين المعكوستين في رحم الرخام بنفس اللحظة:
ـ أأكون هذا المنعكس في جدار المشكاة؟. أأكون هذه الكتلة الرخامية بقامتها الفارعة الساكنة عدا خرزتي العينين الجاحظتين من التجويفين الضحلين للمحجرين الواسعين الموشكين على التحجر في بهمة الرخام وسكونه؟!.
ـ أأكون أنا المصبوب رخاماً؟!. أأكون قد متُّ عند سقوطي من السماء وخرجت روحي لتلج كتلة الحجر وتكون بهذا الشكل المندرس في الأعماق المجهولة؟!.
ـ أيستحيل الإنسان بعد الفناء إلى كائنٍ من حجر مدفون في أحشاء البواطن العميقة؟!.
ـ أ أخلد في هذا الانصباب الأبدي في تجويف المشكاة أحدق في انعكاسي بظلال الرماد والفضة الناصعة؟!.
ـ يا إلهي.. أي رعبٍ هذا.. أي سرٍ مهولٍ جعلتني أطلع عليه.. أي عذاب.. أي عذاب.. أي!.
إلهي يدك.. إلهي الرحيمة يدك!
المباركة يدك..
الجليلة يدك..
القادرة يدك..
إلهي مدها وخلصني..
مدها.. وانتشلني من غور الرخام.. من سكون متاهاته.. من صمت التحديقة الأبدية هذه.
إلهي.. ذرني في الريح.. في السماوات.. في الماء.. في النار.. في الفراغ.. في الخاطر.. في اللا معنى.. في المعنى.. في أتفه ما كان وما سيكون..
إلهي.. ذرني.. ولا تحجرني..
ذرني.. ولا تحجرني..
إلهي.. إلهي.. يا إلهي!.
الصمت سادرٌ في أحشاء الصخر. الصمت سادرٌ في الكلام. الصمت داوٍ في السكون، في الرأس، في التحديقة الضائعة في مرايا الحجر الناعم.
استدارت الحدقتان الموشكتان على التحجر محملقةً باتجاه سلالم الرخام الضيقة، في انحدارها الخفيف الغائب في بحر الظلام. ودَّ لو باستطاعته الخروج من أحشاء الرخام والنزول على السلم الداكن في رماد ضوء ابتدأ يلوح في الأحشاء العميقة بحجم ثقب إبرة راح ينخرم متسعاً قليلاً.. قليلا. أصبح خيطاً يدفقُ شلالاتٍ من نور فجري خافت فضحت شساعة قاعة عالية. جدرانها الرخامية مليئة بتجاويف لها شكل المرء في وضع الانحناء. تؤدي إليها سلالم تصعد من فضوة مدورة تحيط بحجرة قائمة في مركز القاعة. عدد لا يعد من السلالم الموصلة إلى تجاويف الحيطان. الحجرة الوسطى مدورة مقببة، محززة السقف بحروف لغة لم يستطع معرفتها. لها أبواب يفصل بينهم عارض ضيق من الرخام، أبواب تدور مع استدارة جدرانها وتقابل درجات السلالم الصاعدة، وفي أعلاها نوافذ صغيرة بحجم نصف آجرة مسدودة بزجاج مشجر بزخارف مبهمة يتسرب منها ظلال ضوء باهت الزرقة يموت حول حافتها. كل باب حجري شفاف تعلوه نافذة، وكل باب يؤدي إلى سلالم طويلة تؤدي بدورها إلى تجاويف الجدران الشاهقة التي لم يستطع أن يطول سقف القاعة رغم أنه دور حدقتيه باتجاه الجدار المقابل،وتتبع قدر ما يسمح به وضعه انطلاقة الرخام نحو الأعالي.. تلك الانطلاقة الأبدية، الدائبة في سكونها المستمر. طوف في السكون متجهاً نحو الضوء الراشح من الطرف البعيد. أحدَّ البصر فرأى أبوابًا هائلة تنفتح على متاهة الأزقة والساحات والشوارع والبنايات . امتدادًا مترامي الأطراف، مشربًا بالأزرق المعتم، نفس متاهة المدينة التي جابها بصحبة ـ نادية ـ. في الصمت البارك خلف الدرفة العظيمة، في الفسحة العريضة التي استبانت من مشكاته العالية.. ظهرت ناقلة تسحب أقفاص حديد مكتظة ببشر ناحلين عراة مقيدين بالسلاسل. وقفت الناقلة تلو الناقلة في طابور منتظم طويل، وترجل من باطنها رجال ضخام، مشدودي القامات، ملامحهم ضائعة في الظلال لمظاهرتهم مصدر الضوء. فتحوا أبواب الأقفاص الخلفية. وقاموا بشّد العراة ظهراً لظهرٍ في حزم متجاورة ملأت عتبة الباب العظيمة، ثم اختفت الناقلات برجالها في عمق متاهة المدينة. حدق بالحزم البشرية الملتفة وكأنها وردة متفتحة، بهياكل الأجساد بارزة العظام، بالرؤوس المطأطئة وكأنها أطراف أوراق زهرة. أطال التحديق يراوده إحساس قوي بألفة هذه الكتل الحميمة. سكنت حدقتاه في محجريهما عند تذكره مشهد استخراج هذي الكتل العارية من الفجوات الخفيضة أسفل الجدران ورعبه لصق ـ نادية ـ.
ـ إذن أنهم يلقون بالضحايا أمام هذا الباب ويذهبون.. لكن لماذا؟ وماذا سيجري لهم بعد ذلك؟
احتدم السؤال. وعاد يدّور عينيه محملقاً في الباقات المصفوفة، في تبعثر أعضائها الناحلة، في درفة الباب المواربة المنطلقة عامودياً نحو سماء السقف البعيد،في السلالم الكثار، في التجاويف المشغولة والفارغة. تمدد السكون واستطال محشوداً بالترقب، بأجسادٍ تنتظر المجهول على عتبة مشرّبة بالأزرق المعتم. فكر في الانشغال في عدْ التجاويف والسلالم وأبواب الحجرة المقببة. عدَ وضيع العدْ. عاود العد وضيعه إلى أن وقع بصره المتنقل بين السلالم والأبواب والتجاويف على كتلٍ تنفصل من العتمة الكائنة بين سلمٍ وآخر. أول ما ظهر منها وجوهها الحجرية ذات الأبواز المستدقة، وعيونها الخرزية داكنة الخضرة، وآذانها الطويلة المنتصبة، ثم أجسادها البشرية بكتلها الصخرية دقيقة النحت. لم يختض هذه المرة، بل تتبع بهلع الأقدام الحجرية الخارجة من حلكة الحيطان في خطوها الثقيل، وهي تصطف منتظمة في طابورين طويلين يتجهان نحو الباب الموارب أنهضت الأيدي الحجرية الحزم البشرية حزمة.. حزمة وقادتها عابرة العتبة. من موضعه العالي لاحظ مدى الرعب الأخرس والصراخ المخنوق في الوجوه المصبوبة بالصمت، والمستسلمة لأذرع الحجر وهي تتقدم نحو الحجرة المقببة وسط القاعة، والتي احتدمت نوافذها وأبوابها بلون شمس المغيب. كان يحملق في الوجوه المفجورة بصراخها الأخرس على ضوء الجمر لحظة فك القيد، ودفعها في أتون الحجرة المضطرم من خلال الأبواب الواقعة في الجهة الأخرى. وجوه تنصهر بالرعب وضوء النار. تغيب بأجسادها الناحلة لتظهر من الأبواب المقابلة مفخورة، تدفعها أذرع من أرجوان نحو أذرع الكائنات الثعلبية التي تلقي بالجسد المتحجر على ناقلة حجرية ذات أربعة مقابض وتحملها صاعدة إلى تجويف من تجاويف جدران القاعة الرخامية. تابع أول ناقلة، فرآهم كيف أركنوه داخل المشكاة المعلقة عائدين بها فارغة متقاطعين مع عددٍ لا يحصى من الهابطين الصاعدين من وإلى حجرة الفخر المتأججة. لا يدري هل أغفى على إيقاع الخطو الصامت والحركة الرتيبة المستمرة، لكنه انتبه على الأجساد الحجرية المتحركة وهي تتجه نحو الأمكنة التي طلعت منها وتغيب.
ـ أهذا ما فعلوه بيّ أيضاً ؟!.
ـ يا رب السماوات والحجر..
ـ يا رب الصمت والنار أنقذني .. أنقذني ..أنقذني!.
استصرخ صمت الحجر، برودة أحشائه. استصرخ البنفسج المعتم الهابط على أبراج المدينة ومآذنها وقبابها وعماراتها الشاهقة. استصرخ والمساء يرش رذاذه بتؤدة. استصرخ الخرس المكين ثم همد في وقفته الساكنة في جوف المشكاة حالماً بإغفاءة كسولة في العلية المعتمة، بالإنصات الفارغ من المعنى لصوت تساقط فتات آجر السقف الرتيب، بإطلالة الصباح من الفجوات الأربعة، بالضجيج المستيقظ من أحشاء نهار المدينة، بالطيور المرفرفة وهي توكر على نوافذ قبة الباحة، بصمت عمته، بالتلصص من نافذة الزقاق، بوجوه الصبايا والشيوخ والأطفال المضببة بالغبار المتراكم بين ثقوب السيم الصدئ، بلذة رؤية وجه صديق قديم، رفيق طفولة، زميل دراسة. ومن هموده الحالم رأى خلف عتبة الباب الهائلة، في بنفسجها الباهت قفصًا صغيرًا تسحبه عربة توقفت وترجل منها الرجال الضخام. فتحوا باب القفص، واستخرجوا زوجته عارية مدماة مقيدة، لم تستطع السير، فحملتها الأذرع القوية وألقت بها على العتبة المرتفعة، إلى حين ظهور الكائنات المنفلتة من الجدران التي قادتها نحو الحجرة المضطرمة. جالت صرخته بفضاء الحجر خرساء، متحجرة والوجه النبي، المُعَذَّبْ، العَذبْ يتلظى بالفزع ووهج النار، الوجه الحبيب، وجه الأزهار، وجه الدنيا، وجه العمر، وجه الروح، وجه الأحلام، وجه الكون.. وجهها في اللحظة الماحقة قبل إيلاجه في أحشاء الحجرة من بابها غير المرئي من مكانه. الوجه النابض المتألق بلون الجمر يغيب. الروح تغيب. ومن الباب المقابل لتجويفه ظهرت مفخورةً من رخام بقدها الأهيف، ساكنة بين أذرع الأرجوان الممدودة نحو الأذرع الحجرية المنتظرة التي وضعتها بأناة على الناقلة الحجرية. كان يحملق مأخوذاً بالتضاريس البهية المسفوحة على النقالة في تحديقتها الأبدية الرانة نحو سماء الحجر البعيدة. لم يرتقوا بها السلالم المؤدية إلى متاهة تجاويف الجدران بل انحرفوا بخطوهم الثقيل وقبضاتهم الملتفة حول المقابض صوب دهليز فاغر بين السلالم. وغابوا في جوفه. سادت الحلكة مع انطباق درفة الباب العظيمة، فأندرس في باطنها موشكاً على الجنون. وفيما هو يبرك في عجزه انبثق من جدار مشكاته أربع ثقوب بحجم نصف آجرة مضاءة بوشل نور فجري أغبش. أطل من إحداها. وجدها تستلقي على دكة مرتفعة تعلو قليلاً عن الجوانب الغاطة في الظلال، يغطي نصف جسدها طولياً إزار حجري. أبحر في نصف تضاريسها الظاهرة.. فخذها، خاصرتها، نهدها، ذراعها، وقدمها الأيسر المنحوت، في ملامحها الملونة برذاذ الفجر وبقايا العتمة.
.. أي تكوين هائل انصب مطبعاً صلادة الصخر؟
.. هل تنبعث الروح ثانية في خرس الصلصال المفخور؟
.. هل سأعانق فتوة التكوين الحي الأملس، الناعم الطري، وأرتحل جائباً وهاده وسهوله وقممه الصلبة الراجفة الممعنة في الاحتكاك والتدوير، الابتعاد والاقتراب، التأوه والاضطرام، فالركون إلى ساحل الموجة الهادئة وحافات الإغفاءة اللصيقة؟
ـ هل ثمة خلاص من سكون الحجر؟
ـ هل.. يا رب الأعماق الدفينة، يا راعي شؤون الواقفين والراقدين، النائمين والساهرين المفخورين على دكك وحجر، وسلالم وناصيات، وتحت قباب، وفي تجاويف الأعماق ؟
ـ هل ثمة أمل ؟.. أم أن الوقفة والرقدة في التجويف وعلى الدكة أبديتان، أبدية الحجر ؟
ارتعد في تحجره المبحر في السكون، من فكرة المكوث الأبدي داخل هذا التجويف الرخامي المصقول كمرآة، والإطلالة الكاوية من الثقوب على جسد الحبيبة نصف عارٍ، الغارق في سبات الحجر. ارتعد من ثبات الزمن والضوء، من المكان وهذا السكون السادر الفائر في أحشائه الساخنة بجوف الصلصال. ارتعد ناظراً نحو انعكاس هيئته في مرآة جدار الرخام، اهتز وعاود الحملقة متفحصاً جلال الجسد المسفوح على دكته في بقعة ضوء الفجر الهابطة، يحملق .. يحملق .. ويحملق في الساق الظاهرة المرتفعة قليلاً، في سواد ما بين الفخذين الساقط في الظل الكثيف، في النهد النافر الصلب وحلمته الأكثر دكنة على قبته اللامعة شديدة التكوير، والسارحة إلى ما تحت الإبط، في الوادي الفاصل بين القمة الأخرى المخبوءة تحت الإزار، في خطوط الأضلاع المتدرجة نحو مهاوي الخاصرة، والبطن وفنجان صرتها الملفوفة، في عظم الحوض البارز المتصل بانطلاقة تدوير الفخذ المتين المرتفع على مهلٍ حتى صابونة الركبة الصغيرة الضائعة بلدانة لحم الصخر الهابط بمنحدر الساق المدمك، في استكانة القدم الصغيرة وأصابعها الرقيقة المغروزة بسطح الدكة اللين ساعة التكوين.
ـ يا رب الشهوات.. يا من احتشدت بعروقي.. قل لرب الحجر أن يفك إساري!.
سطعَ ضوءٌ.. أترع الجسد المستلقي بلمعة اللحم الحي، وجعله يتحرك ملقياً عنه الغطاء، لينقلب على بطنه. ظهر تكور المؤخرة البارزة العالية في شقها الوسطي الظليل، وانحدارها الحاد نحو مرآة الظهر، والمتدرج نحو تدوير الفخذين المتلاصقين. كاد يطفر من أحشاء الكتلة المتصخرة خلف نوافذ السحر والمؤخرة تتزحزح مع حركة الرأس الضائع بكستناء الشعر الناعم الطويل المنثورة خصلاته على مساحة الدكة القريبة من الرأس. سطع ضوء وخبا مما كثف من الظلال المحيطة بالدكة. ومن غورها امتدت يدٌ بشرية بأصابعها البيضاء المليئة بالشعر الفاحم والمزينة بخواتم الذهب. امتدت زاحفةً نحو الجسد المستلقي. لامست بشرة الردف العاري. دلكته هابطة نحو أسفل الفخذين، صاعدة على قبته البيضاء نحو منخفض انطلاقة الظهر.. غادية رائحة، رائحة غادية. تعصر فردتي الردفين عصراً رقيقاً في مرة.. عنيفاً في أخرى، لتندس ما بينهما. أحس بالوقع الرتيب لتساقط آجر السقف المنخور مع إنقذاف سائل حار من نتوء وسطه المتصلب مبللاً لباسه الداخلي. همد أواره فراح يتأمل عراك الكتلتين العاريتين على فراش الباحة العريض الواضح في نور الفجر المتسرب من خلال زجاج القبة وجوانبها. يرمق بحياد التفاف الساق بالساق والذراع بالذراع، وتداخل الوسطين الصارخين في تقلبهما العنيف الذي عاد لا يخلف في نفسه أثرا، بل جعله يسرح منصتاً بغبطة إلى صياح الديكة، ودوي فرن خبز هدر في صمت الفجر، ودبيب أنفاس الفجر الأولى. نفض رأسه طارداً روائح وطعوم أمكنة الرؤى المرعبة مبتهجاً بشأن الصباح الذي صدح بغناء العصافير وهديل الحمام وضجيج باعة الصمون والشوربة والحريرة والكاهي والقيمر والشاي في مدخل سوق المدينة المسقوف المجاور. بعد قليل سينهضون، وسيفتح زوج بنت العمة المذياع عالياً ليسمع أخبار الصباح. ستزدهر ضجة النهار في الشارع. عندها سيكون بمقدوره النوم دون خشية، مطمئناً لصخب النهار المغطي على شخيره الذي يجعله كل ليلة جمعة مشبوحاً في أمكنة الكوابيس.



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية الإرسي - الفصل السابع - رؤيا المدينة
- الإرسي - الفصل السادس - أخيلة الرغبة -
- الإرسي - الفصل الخامس - نافذة المساء -
- الإرسي - الفصل الرابع - فوهة الخلاص -
- رواية الإرسي - القسم الأول - الفصل الثالث - العمة الجميلة -
- رواية الإرسي - القسم الأول (في برزخ الإرسي) - الفصل الثاني - ...
- رواية الإرسي - القسم الأول - الفصل الأول - المخبأ -
- ولو إلى حين
- من رسائل الكاتب نصير عواد إلى الروائي سلام إبراهيم -2 - و -3 ...
- تحت سماء كوبنهاجن*.. رواية العراقية – حوراء النداوي –
- من رسائل الروائي حسن الفرطوسي إلى الروائي سلام إبراهيم
- من رسائل الكاتب نصير عواد إلى الروائي سلام إبراهيم
- تجربة القاص العراقي - جنان جاسم حلاوي - مصائر غامضة زمن الحر ...
- الرسائل: نوافذ العمر على ما كناه: عادل تركي، حي العصري، الما ...
- رسالة من زمن الإرسي
- -نهاية النهار- رواية العراقي -محمود سعيد- (علاقة النص بالأحد ...
- الشاعر- علي الشباني - في سنته الأخيرة
- وفاة الشاعر العراقي العامي الكبير علي الشباني صبيحة 2-10-201 ...
- الحياة لحظة: عندما يشبه الثوار جلاديهم: كل شيء جائز عدا خيان ...
- *قراءة في قصص سلام إبراهيم : حين تغدو الكتابة تصفية حساب مع ...


المزيد.....




- حقق إيرادات عالية… مشاهدة فيلم السرب 2024 كامل بطولة أحمد ال ...
- بالكوفية.. مغن سويدي يتحدى قوانين أشهر مسابقة غناء
- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - رواية الإرسي الفصل الثامن - رؤيا الحجر -