أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - حسين سرمك 7 رواية الإرسي: نطقت بالشهادتين















المزيد.....

حسين سرمك 7 رواية الإرسي: نطقت بالشهادتين


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 3857 - 2012 / 9 / 21 - 20:50
المحور: الادب والفن
    


رواية – الإرسي - لسلام إبراهيم:
نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العراق..

حسين سرمك حسن*



# الأحلام هي الطريق الملوكي إلى مكبوتات اللاشعور :
—————————————————–
ولأن الأحلام هي الطريق الملوكي إلى قلعة اللاشعور كما يقول – فرويد -، فإن "سلام" يقدم حلم يقظة باهر يكشف الكثير من مكبوتاته. ففي لحظة فريدة يمزج بها الواقع بالحلم ، يسمع – وهو يتبصص على جسديّ ابنة عمته وزوجها الملتحمين في باحة الدار تحت بقعة من ضوء القمر المنسرب من نوافذ القبة الزجاجية – صوتاً يناديه:
-تعال.. تعال . تعاااال .
انتفض بكل جسده راغبا بالخروج من هذه الاستيهامات واختلاط الأخيلة والأمكنة والأصوات.. لكن صوت الأنثى الهامس يدعوه للنهوض.. راح يتعالى صادرا من مكان قريب جدا، وكأنه خلف الباب:
- تعال .. قم.. قم .. لا تخف .. انزل
هبطت السلالم المنخورة.. وجدتني أنحرف بأثر الصوت في ممر محفور بالجدار الأيمن لم يكن موجودا أصلا:
-تعال يا بعد روحي.. تعال
نبرة أمومية دافئة ، تبث حنينا شجنا، لها وقع صوت أمّي تارة، ووقع أنثاي البرّية بالغة الفتنة والغواية في أخرى. مزيج فريد يتلون في الصوت القادم من عمق الممر الضحل الذي أفرزني من شق في نهايته، فوجدت نفسي في متاهة صخرية معقدة التضاريس . أقف عند حافة خيوط صخرية كثيفة تنحدر من مرتفع خطوطه شلالات من الضفائر الصخرية تتموج في ضوء خافت ينبعث من أمكنة خفية:
-تعال.. يا بعد روحي..
أيقظني الصوت من هاجس التحجر .. انحدرت خلفه هابطا من جديد في وهاد وسفوح وشقوق وقمم التضاريس. وفيما كنت أنتشل جسدي من تدوير فنجان السرّة الصخرية الواسعة الساحرة ، سمعت الصوت الحميم المثير يأتي من فوهة نفق معتم.. )
يمتد حلم اليقظة الباهر والكاشف والمعقد هذا على مساحة عشر صفحات ( من ص 59 إلى ص 68) ويمكن للقارئ العودة إلى الرواية لاستكماله .. يضيع "سلام" في متاهات صخرية .. ثم في نفق تخترقه أضواء نارية .. وفي الختام تتجلى له دكة مستديرة أسفل نصب لقضيب حجري ؛ دكة محشودة بالبشر العراة … وجوه منغمرة باللذة .. ( وجه أمي وأبي ، أعمامي وزوجاتهم، أخواتي، مهرجان من نسوة أحلامي الحميمات في طفولتي ومراهقتي .. انفصلت عن فخذ العامود الساخن، وتقدمت نحو الدكة المستديرة الصارخة المهتزة أبغي الذوبان في الكل . تقدمت عاريا وكأنني أغوص في قاع لزج. وما أن وطئت حافتها ، حتى أحسست بدفق من سوائل لزجة يجرفني بعيدا ويلقيني في العماء – ص 68).
ويستكمل الروائي حلم بطله في القسم اللاحق (رؤيا المدينة) على مساحة عشرين صفحة (من ص 69 إلى ص 89) وفيه يتعرض لمتاهة جديدة تقوده فيها جارتهم (نادية) زوجة مصلح إطارات السيارات الأعور السكير الذي وجدوه ميتا في الشارع ذات صباح.. والتي كان أبوه يخون أمّه المتمنعة بعد أداء فريضة الحج معها . كان يتبصص على جسدها وأعضائها التناسلية وهو في طفولته .. وتحاصره مشاهد أجسام عراة لجنود وأصدقاء.. وتنتهي هذه الخيالات والاستيهامات بمحاولة للطيران بعد أن نبت له جناحان (جذفت بهما فأحسست بجسدي خفيفا ينفصل عن آجر سطح البرج .. نظرت بامتنان إلى الوجه المؤطر بالعباءة ، فاضطربت رائيا وجه لأمي الجميل العذب يودعني وأنا أغور .. وأغور في الزرقة . وما إن تلاشتْ في الأسفل البعيد حتى شعرت بألم حارق وكأن شيئا اخترقني تحت الجنح الأيسر، فهويت .. هويت من الأعالي إلى عتمة فجوة حالكة . انزلقت في فراغها الفسيح .. المبهم .. سقطت على قعر أملس صقيل – ص 89) .
ثم يأتي حلم ثالث كاستمرار للقسمين السابقين ويحتل اثنتي عشرة صفحة ( من ص 90 إلى ص 101) وهو ذو طبيعة كابوسية أيضا مليء بالرعب والصراخ والاستغاثات بالله كي ينقذه من مأزق، محوره؛ انمساخ ذاته إلى كتلة رخامية ( بقامتها الفارعة الساكنة عدا خرزتي العينين الجاحظتين من التجويفين الضحلين للمحجرين الواسعين الموشكين على التحجر في بهمة الرخام وسكونه – ص 92).
تحاصره الأجساد الحجرية .. وتواجهه متاهة سلالم .. ويوم حساب تشوى به الأجسام في الجحيم .. وبحركة موفقة وبعد صرخة استغاثة (يا رب الشهوات .. يا من احتشدت بعروقي.. قل لرب الحجر أن يفكّ إساري – ص 100) يعود إلى أرض الواقع .. إلى المشهد الذي انطلقت منه الخيالات والاستيهامات الكابوسية وهو مشهد الجسدين العاريين .. مع حركة استمنائية جديدة (همد أواره فراح يتأمل عراك الكتلتين العاريتين على فراش الباحة العريض الواضح في نور الفجر المنسرب من خلال زجاج القبة وجوانبها – ص 101) .
سيكون من الصعب جدا الوقوف على “المعنى الباطن – latent content” لكل حلم من هذه الأحلام الثلاثة الطويلة من خلال تحليل معناها الظاهر – manifest content، لكن من الضروري الوقوف على جوهرها في خلاصة يدعمها التحليل السابق واللاحق. وسنمر سريعا على الطبيعة المحارمية لهذه الأحلام من خلال امتزاج صوتي الأم والزوجة في النداء المغوي : تعال .. يا بعد روحي تعال . ومن خلال امتزاج روائحهما المسكرة في موضع آخر. كما أن وجوه النسوة التي تتخاطف في بداية الحلم الثاني تتكثف في وجه العمة الحانية التي “تستحيل” إلى الجارة “نادية” التي كان يتبصص عليها لتقوده في متاهة المدينة. وكل هذه النقلات محسوبة تزاح - displaced نحوها كبدائل الحفزات المحارمية نحو الأم خصوصا وأن هناك لمحة سريعة في الحلم الأول عن روح المنافسة الأوديبية من خلال توجيه الحالم قضيبه نحو القضيب الحجري الهائل . وفي المركز العميق لأي تأويل تبزغ الزوجة الجسور كبديل يسقط عليه الظل الأنثوي (الأنيما – anima حسب تعبير كارل غوستاف يونغ). إن "سلام" يخاطب حبيبته بـ “أمي الصغيرة” .. ويشعر في مواقف كثيرة وكأنها أم لا زوجة فقط. إنها امتداد محارمي لكنه معوّق بالسطة والتنمر العارم . إنه “يؤمثلها” بطريقة عصابية يشوبها الكثير من القلق والصراع. هي ذات روح عزوم وإرادة تعرضية وسلوك اقتحامي .. وهو متردد يتعلق بأذيالها. وصلت بها الرعونة وعدم التحسب حد ترك المنشورات السرّية في البيت وعدم إخفائها أو حرقها كما تفعل الحركات السرّية عادة. وفي بادرة غريبة جدا طلبت منه إخفاء خاتم الزواج وأن يدعيا أنهما رفيقان لا زوجان!! ولكن بعد أن لمست النظرات والدوافع الذئبية للمقاتلين الآخرين المحرومين طلبت منه أن يخرج الخاتم وتعلن أنهما زوجان !! لقد حاول آمر القاعدة الاستئثار بها لنفسه لولا أن "سلام" أخبره بأنها زوجته !! تحت غطاء الاستقلالية يمرر اللاشعور أحيانا حفزات نرجسية خطيرة ممزوجة بنوازع استعراضية وميل دفين ومورّط للعب دور “الدون جوان” الأنثى إذا لم نستخدم تعبيرات تحليلنفسية أكثر إحراجا. وفي كثير من الأحوال يمرّر اللاشعور حفزاته المسمومة تحت أغطية دوافع الشعور البيضاء المعقلنة. وقد كان جزءا من معاناته المستمرة من حبيبته هو هذا “التمادي الإنساني” مع الرفاق والجرحى منهم خصوصا بصورة تجعلهم يقعون في “حبها” ويحومون حولها متيمين ، وفي بعض الأحوال تُضطر لردعهم بقوة.
وبسبب الموقف المحارمي الماكر ترتبك حياة العاشق حتى في أداء دوره الجنسي. لقد خُصّصت غرفة للرفيقات اللائي التحقن بالثوار . وهنا يطرح "سلام" تساؤلا مريرا ومعبرا عن السبب الذي يجعل قادة المجموعات لا يخصصون غرفا مستقلة للمقاتلين المتزوجين بالرغم من توفرها !! هؤلاء البدو سلوكا يفصلون بين الرجل والمرأة وهم في تنظيمات سياسية تعتنق فكرة التحضر والمساواة. إنهم معصوبون ومرضى نفسيون، والله يستر المرأة حين يقودون شعوبا. وفي غرفة الرفيقات المتزوجات ينسل لمقاتل “الزوج” ليلا ليضاجع زوجته تحت سمع الرفيقات الأخريات وحرقتهن وإحراجهن بعد أن يطفئن الفانوس. كان "سلام" هو الوحيد الذي لم ينسل ليواقع زوجته .. كان يعطل إشباع رغبتها في تمنع طفلي يسوقه العناد في الظاهر :
( في غمرة فيض الشمس الهاطل من حافة القمة، أبحر من جديد في حرقتها وهي تضرب كفا بكف وتحدق نحوه تحديق لبوة تبغي عناق صغارها :
- ما هذا العناد ؟ ولمَ ؟
- ليس عناداً
- ماذا تسمّيه إذن ؟
-ماذا أسمّيه .. ماذا؟ .. ماذا ؟ هكذا.. عناداً كما تقولين
استكانت للحظة في صمت مضطرب قبل أن تقول بنبرة منكسرة، وظلال حزن راحت تطوف في بحر عينيها السوداويين النجلاوين، المحملقتين بملامحه الدانية:
- مشتاقة .. مشتاقة – ص 130 ).
هؤلاء “المربوطين” من الداخل يتمنعون ويترددون ويعجزون أحيانا في الفراش تحت أغطية وذرائع مختلفة ، يأتي بعضها شديد المنطقية و”الشاعرية”. لكنهم “يبدعون” في أحلام اليقظة والخيالات الاستمنائية :
( لا يعرف ماذا يقول ؟ .. ملجوما بعنفوان الرغبة المتأججة في عناقها والالتفاف بجسدها الساخن طوال الليل.. والذي أصبح عريه شديد الحضور في الخلوات والأحلام، في ليالي القاعة الخانقة المكتظة، في ليالي المفارز المضنية، والمبيت في بيوت الفلاحين والرعاة وجوامع القرى البعيدة. الجسد الساطع في لحظات استعار الشهوة التي تزيدها توهجا العادة السرية المستعيدة مجدها القديم، وكأنه رجع إلى بواكير مراهقته الضاجة – ص 131).
طبعا هذا لا يتعارض مع كونهم “نزويين” لأنهم “اندفاعيون” كما قلنا .. كأن يلتصق "سلام" بحبيبته من الخلف وهما بجوار شباك الضريح المذهّب (ص 48) .. أو أن يتملّصا من العائلة ليتجامعا في فندق، فيدس يده – وهما في الطريق إلى الغرفة !! – من كم عباءتها ليلمس جنبها الساخن ونهدها الرامح الصلب القريب (ص 49)..
..وهؤلاء “المربوطين” أيضا يتفنن لا شعورهم في تصميم سبل “الهرب” من موضوع الحب للتخفف من آثام المشاعر المحارمية المتصارعة الهائجة .. ولأن اللاشعور – كما قلت سابقا – يصطاد عدة عصافير بحجر واحد، فإن الاختباء في الإرسي في الوقت الذي حقق له الخلاص القلق والتقرب المحارمي والتبصص الملذ وتعذيب الذات المازوخي وغيرها من الأهداف النفسية المبيتة ، فإنه قد وفّر له “الهروب” من الأنموذج المعضلة : الزوجة.. والالتحام بها “عن بعد” . وها هو يُقدم على خطوة غريبة مضافة .. فقد ترك زوجته الحبيبة امرأة وحيدة بين مقاتلين توّحشت غرائزهم ، ويعرف جيدا، مثلما أخبرته هي أيضا ، أنهم يريدون افتراسها واغتصابها عند توفّر الفرصة السانحة . وها هو يقدم لهم هذه الفرصة على طبق من ذهب. وبعد كل قرار يبدأ الشعور بالذنب الذي يترتب عليه عقاب الذات وتجريحها :
(حمل بندقيته وغادر صوب الوقع الذي وصلته المفرزة، طوال ساعة الطريق ظلّ يحلم بشم روحها المتضوّعة من حروف كلماتها، لائما نفسه على لحظة تركها. فالمشهد ما برح يسطع من جديد بقية العمر. أنتزع جسده من ذراعيها انتزاعا في ذلك الفجر الخريفي الماطر ، وسحب بوهن رسن بغلته المحملة بالسلاح خائضا في وحل الوهدة المؤدية إلى مرتقى السفح. ظل يتلفت بين الفينة والأخرى في ارتقائه إلى وقفتها وسط جمهرة المقاتلين، امرأة وحيدة تلوح بذراعيها إلى أن تلاشت قليلا ..قليلا غاطسة في أبخرة السحب الكثيفة…
شعر لحظتها كأنه ودعها إلى الأبد .
هل كانت تلك اللحظات فاصلة في طبيعة العلاقة ؟
هل غرقها وسط الرجال بالغيوم الترابية الواطئة هو ما أرمد قلبه، وألقاه في باحات قلق سوف يعاشره بقية العمر؟ – ص 149).
بعض المعصوبين لا يستعر شوقهم لموضوعات حبهم إلا إذا رسموا فاصلا مكانيا عنه.. يتألق ويأتلق حين يكون بعيدا أو نائيا أولا.. وهم يهتاجون نحوه وتتأجج اندفاعاتهم إليه عندما “يلوّثوه” ثانيا. تعصف بعلاقتهم الشكوك التي يبثون بذورها السامة في تربة علاقتهم بأنفسهم. هو نفسه وليس غيره رحل وترك زوجته وحيدة وسط عدد كبير من الذئاب المؤجلة انفلاتها لتمزيق فريستها بسبب حضوره كزوج حام لها. والآن غادرها رافعا يده مودّعا بالتحية الرفاقية!! هكذا ببساطة.. وقد ذاقت الأمرّين من سلوكيات رفاقها التحرّشية. كان في المقابل اشتعلت لهفته إليها.. مسعّرة بشكوكه من أن تسقط في أحضان أحدهم. وكان قلقه عارما عندما جاء إلى موقعه رفيق مقرب له شاهد على رقبته آثار خدوش أظفار .. طمأنه هذا مرتبكا ثم ظهر أنه حاول اغتصابها !! لقد ضرب لنا الله العليم أعظم مثل من خلال الخطيئة الأولى على أن الغريزة الجنسية أقوى حتى من أوامر الآلهة.. فتحت عينيه مارس آدم وحواء الجنس ,, والشيوعيون يريدون من مقاتل بسيط في الجبال أن يكون أكثر تحملا ونزاهة من – آدم - عليه السلام!! .
ودائما يكون عند الأحلام بنوعيها : أحلام النوم واستيهامات اليقظة ، الخبر النفسي اليقين الذي يكشف المكبوت اللائب الذي انستر في زوايا اللاشعور المظلمة طويلا. فبعد أن يتعرض "سلام" للضربة الكيمياوية الرهيبة ويوشك أن يفقد ذاكرته وبصره ، يمر من جديد بحالة استيهام مركبة ومعقدة تمتد على صفحات طويلة من الرواية ( من الصفحة 194 الى الصفحة 226) يستعيد فيها مسيرة طويلة من تاريخ حياته الشخصي والعائلي .. خساراته المدمرة وعذاباته في الحياة وفي أقبية الأمن العامة وفي الحروب

# دعونا نقف عند هذا المشهد :
——————————–
في فلم للمثل المعروف “ميل جبسون” عن حرب فيتنام ، يتوقف الجندي المسئول عن الرمي بمدفع الهاون عن الرمي ، وحين يسأله الضابط – يقوم بدوره ميل جبسون – عن السبب، يجيبه الجندي بأن المدفع سخن إلى درجة حرارة عالية وأن وضع قنبلة فيه يعني انفجارها عليهم . هنا يقوم الضابط بفك بنطلونه ويبول على المدفع. مشهد طريف.. لكنني شاهدت بأم عينيّ ، في شرق البصرة ، جنديا خرج من الملجأ ليبول فسقطت قذيفة مدفع بين ساقيه ولم تنفجر .. فبال عليها !! وشاهدت أحد أصدقائي المستشهدين في مجنون، يسحل الكلب مصرانه لعدة أمتار .. وفي إحدى المعارك انفجرت دبابة بلغم واحترقت واستشهد من فيها وشاهد سائق دبابة أخرى سائق الدبابة المشتعلة يريد الخروج بلا جدوى ، فركض نحوه بالرغم من التحذيرات من تفجّر الدبابة المشتعلة .. قفز فوق الدبابة وسحب السائق المحاصر ، فإذا هو نصف إنسان فقط .. عن أي حرب تتحدث هوليود ؟ ما شاهده (سلام إبراهيم) هذا الشاهد الشريف الحي والمعذّب ، ومعه نحن المقاتلين الأحياء الأموات – أكثر بشاعة ورعبا من كل ما تصوره ماكنة هوليود، أو يستوعبه خيال الإنسان الجامح. يقول سلام واصفا وجها جميلا يطل عليه وهو في دوّامة استيهاماته :
(إنه الجندي “عبد فرج” ، الذي لملمت أشلاء جسده الممزقة المقطعة، الملوثة بتراب سهوب شرق البصرة والدماء، ووضعتها جوار بقاياه الملفوفة في بطانية نقعت بصبيب دمه المتدفق، رغم اندماله بجدار الأبدية. جمّعتها باضطراب واضعا كل قطعة بمكانها، وكأنني أريد وصلها من جديد، الكف الصغيرة، الساعدين، وقدم واحدة فقط. ظللت أدور في أنحاء موقع البطرية بحثا عن القدم الضائعة دون جدوى. ترن ضحكته في رأسي . فبالأمس عدنا من الإجازة إلى الجبهة بسيارة تموين الكتيبة القادمة من البصرة. كان يحدثني مرحا عن قدر الإنسان ضاربا مثلا في نفسه:
-الأعمار بيد الله يا أخي . صار لي بالجبهة من أول ما بدت الحرب. يعني قبل خمس سنين.. تدري كم جندي مات بصفي ؟ صرت أضحك من واحد يخاف من الموت.. فلا تهتم.. ذبها على الساطور ..
لم نعثر على القدم الأخرى إلا في اليوم التالي، فدفناها خلف الساتر الترابي وسط نحيب الجنود – ص 209 و210).
.. هكذا هي هوليود العراق .. وتدور السنون .. ويأتي ضيم الاحتلال القذر ، ويطلع علينا مصطلح لم تشهده البشرية في تاريخها المديد .. هو مصطلح عراقي بامتياز .. هذا المصطلح هو “طشت الخردة” حيث أخبرني أحد الأطباء أنه شاهد “طشتا” في مستشفى الحلة لجسد آدمي مقطّع فيه ثلاثة أقدام !!.



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإرسي 6 حسين سرمك حسن: الرواية نطقت بالشهادتين
- في مديح العمة حسين سرمك: الإرسي نطقت بالشهادتين -5-
- حسين سرمك حسن: الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة ...
- رواية – الإرسي - لسلام إبراهيم: نطقت بالشهادتين: شهادة الخرا ...
- نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العراق-2-..
- الإرسي نطقت بالشهادتين: شهادة الخراب، وشهادة إرسي عذاب العرا ...
- مريم رواية العراقي - سنان أنطوان - العراقي جاء إلى بيْتِهِ، ...
- رواية الإرسي - الفصل 14 الأخير - ساحة الحشر
- رواية الإرسي - الفصل 13 - جحيم في غروب رائق
- الإرسي - الفصل 12 - أحقاد المحبة
- الإرسي - الفصل 11 - التسلل إلى الفردوس ليلاً
- ندوة في القاهرة عن رواية -الإرسي- لسلام ابراهيم
- الإرسي - في برزخ الجبل - الفصل العاشر - ذل العاشق
- رواية الإرسي - الفصل التاسع - صرخة
- رواية الإرسي الفصل الثامن - رؤيا الحجر -
- رواية الإرسي - الفصل السابع - رؤيا المدينة
- الإرسي - الفصل السادس - أخيلة الرغبة -
- الإرسي - الفصل الخامس - نافذة المساء -
- الإرسي - الفصل الرابع - فوهة الخلاص -
- رواية الإرسي - القسم الأول - الفصل الثالث - العمة الجميلة -


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - حسين سرمك 7 رواية الإرسي: نطقت بالشهادتين