أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بكر ناطق - التبادل الثقافي والنزعة الإنسانية















المزيد.....

التبادل الثقافي والنزعة الإنسانية


بكر ناطق

الحوار المتمدن-العدد: 4102 - 2013 / 5 / 24 - 20:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


حققت ثورة الاتصالات في عالمنا المعاصر تواصلاً معرفياً كبيراً بين الشعوب التي أصبح بإمكانها أن تتفهم الثقافات الانسانية المختلفة وتغور في أعماقها، حتى لو كانت بعيدة عن نطاقها المكاني. وعند مراقبتنا للأحداث المتسارعة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة، نلاحظ أن هذا العالم قد تحول الى كتلة واحدة باختلاف تلاوينها امتزجت فيها جميع الاشكاليات الانسانية في شتى نواحي الحياة، ونشط التأثير المتبادل على أصعدة مختلفة سواء كانت ذات طابع إيجابي تجنح نحو الانعتاق من أغلال التراجع التنموي، أم ذات طابع سلبي تفسح المجال أمام السبات وتبديد الطاقات. ورغم أهمية هذه الثورة في العصر الحالي إلا أننا في الوقت نفسه لا نهمل التواصل الانساني الذي كان موجوداً في التاريخ منذ آلاف السنين. فالعصور القديمة والحديثة لا تنقل إلينا أخبار الحروب وصناع القرار فقط، وإنما تصور لنا القواعد الإنسانية بآدابها وفنونها وتطلعاتها التي تشاركت فيها ضمن مفهوم العلاقات المتبادلة منذ القدم والى الآن.
بعد أن أصبحنا في بداية القرن الحادي والعشرين، لا يغيب عن إدراكنا أن الآداب والثقافات هي عبارة عن نتاج مشترك للأمم كافة لا ينحصر ببقعة واحدة أو يتواجد في زاوية عقائدية منفردة عن غيرها.
عرفنا قصة كليلة ودمنة التي ترجمها ابن المقفع من الفارسية الى العربية وأضاف إليها في بداية العصر العباسي، وهي من جذور هندية، لكنها أخذت رحلتها الأدبية في الشرق القديم، واليوم هي منتشرة بنسخ مترجمة كثيرة عند أغلب شعوب الأرض. كما ونجد حكايات ألف ليلة وليلة التي تطورت بعد الإضافات الشعبية على صفحاتها طوال قرون كثيرة، ولم تصل إلينا كاملة إلا بعد أن مزجت بين طياتها تقاليد وأدبيات حواضر بغداد ودمشق والقاهرة والشرق بشكل عام، ولم يقتصر إنتاجها على شعب واحد، وشارك في صناعتها الجميع، حتى كتاب أوروبا أصحاب الميول الاستشراقية من خلال ترجماتهم وإعادة تخيلهم لأحداثها وفق أهوائهم المتباينة.
كلنا نعلم قصص مجنون ليلى الذي شكلت دراسة تاريخه جدلية بين المؤرخين حول شعره إن كان منحولاً أم لا، وكذلك حول وجود هذه الشخصية التي شكك فيها المؤرخون، باعتبارها من ميثولوجيا الشرق وأشعارها لا تمثل زمناً واحداً، فهي معبرة عن مشاعر الغرام بأساليب شعرية متباينة خلال أزمنة مختلفة. لكن في الوقت عينه نجد أن قصص المجنون تغلغلت في الأوساط الشعبية الأوروبية وغزلت خيوطاً شعرية عكست هيام كل عاشق ينبض فؤاده بالهوى، ولم تكتمل إلا بعد صياغات متعددة لفصولها المتغيرة التي ختمت عند شيكسبير، الذي طالبه جمهوره أن لا يغيب الموت الحبيبين روميو وجوليت، حينما شارف على وضع خاتمته المأساوية التي لا يستطيع أن يحيد عنها.
ألم يكن روبنسون كروزو هو الشخص نفسه الذي عاش وحيداً مع الحيوانات، وعرفناه باسم حي بن يقضان من خلال قصة العالم والفيلسوف العربي ابن طفيل المولود في غرناطة في مطلع القرن الثاني عشر للميلاد، رغم أن مؤلفها البريطاني دانيال ديفو استوحى هذه القصة التي نشرت في العام 1719 من ألكسندر سيلكيرك البحار الاسكتلندي.
أما إذا تجولنا في رحاب الفلسفة بأبعادها المركبة فسنجد التلاقح الفكري بين عقائد الشعوب القديمة من ميتروية الى مانوية وزرادشتية وهندوسية، وصولاً الى الديانات الابراهيمية وما تفرع عنها. ولعل الاحترام الكبير الذي قدمه الاسكندر المقدوني لديانة مصر القديمة باعتباره ابناً للإله آمون، والعبادات في بابل وبلاد فارس وبقية الشرق، وإيمانه بأن الحضارات يمكن لها أن تتفاعل وتتوحد فيما بينها، أكبر دليل على حضور الانفتاح الثقافي والحضاري في حقب زمنية بعيدة. وكذلك نجد تأثر الحركات الباطنية التي ظهرت في بغداد وعلى رأسها جماعة اخوان الصفا وخلان الوفا الواضح بعقائد الشرق وفلسفات الإغريق، ثم نرى كيف انتقلت مناهجهم الى أوروبا خلال العصور الوسطى التي ظهرت فيها الجمعيات الباطنية ذات الدرجات والتعاليم الخاصة باختلاف توجهاتها الفلسفية والمهنية. وتأثر أصحاب الفكر الاشراقي والصوفي عند الاسلام بفلسفات وطرق البوذية والهندوسية. وتم تفعيل المنطق الأرسطي عند كثير من جهابذة الفقه الاسلامي، ونشوء عقائد تقدم العقل على النقل كحركة الاعتزال في التاريخ الاسلامي. كذلك تعد التوجهات العقلانية التي ظهرت في القرون الأخيرة عند الفلاسفة ومحاربتها ثقافة أممية يشترك فيها الجميع. فالصراعات الفلسفية بين توما الأكويني وتراث ابن رشد، رغم تأثر الأول بالثاني أدبياً وفلسفياً، لم تكن ذات مسار يمثل صراعاً دينياً من زوايا محددة، بل كان نموذجاً لمناقشات تدور في عواصم الشرق وأوروبا حول استخدام العقل والمنطق في الوصول الى أعلى درجات المعرفة.
إن الحياة الاجتماعية كانت متداخلة بين مختلف الحضارات. فلم تكن هناك حضارة مستقلة بذاتها، والدليل على ذلك التشابه والتقارب في الممارسات وأساليب العمران وتطور العلوم بين الشعوب القديمة، حيث تشير تجربة بناء السفينة دجلة للعالم الاثاري النرويجي تور هايردل الى أهمية الترابط الذي كان موجوداً بين الحضارات القديمة. فالأهرامات الشاخصة في أرض الكنانة والزقورات في بلاد ما بين النهرين، لها مثيلات عند حضارات المايا والانكا. وحتى الكتاب المقدس بوبول فوه لشعب المايا نجد بعض بنوده تتناسب مع معتقدات الشرق الأوسط في العالم القديم. إذاً التواصل والتفاعل كان موجوداً رغم صعوبة الاتصالات.
لا يهم إن كانت القيمة الضوئية أسوداً أو أبيضاً، فالمصدر واحد والإنسان واحد والتفاعل كان وما زال بين أصناف البشر. فلماذا ينظر البعض الى الآخر باعتباره غريباً عنه ولا يتقبله ؟
تمثل الآداب والثقافات وتاريخهما عملاً مشتركاً بين الجميع، يعبر عن رحلات زمكانية لها ضروراتها في تبلور العقل البشري. فلنعمق ثقافة الحوار والتعاون بيننا، وبما يخدم القضايا الإنسانية في كل مكان ونخرج من دائرة الفئوية الضيقة التي يريد البعض أن يضعنا فيها لأسباب عصبية ونفعية، ونفتح عقولنا تجاه الآخر. فحوار الحضارات لم يبدأ في هذا العصر، إنما عرفه الانسان القديم الواعي بعد أن صقل أول حجارة عمرانية ومعرفية في الأزمنة البعيدة.



#بكر_ناطق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صقر قريش والهروب الى الأمام
- الفردانية وبناء المجتمع


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - بكر ناطق - التبادل الثقافي والنزعة الإنسانية