أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مسعود محمود حسن - هل يمكن صياغة عقل جديد للشرق















المزيد.....

هل يمكن صياغة عقل جديد للشرق


مسعود محمود حسن

الحوار المتمدن-العدد: 4083 - 2013 / 5 / 5 - 23:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



حين تفتح كتاب العقل الشرقي, يمتلأ المكان برائحة الجثث المتفسخة, ويغوص الوعي في مستنقع آسن من المصطلحات والمفاهيم المتعفنة الصدأة. فالطريق إلى العقل الشرقي ملغّم بالاحتقانات الموروثة من عصور الأسلاف والأمم البائدة. في الشرق كأن الجسد وحده يتجدد ويأخذ أشكالا جديدة توائم العصر. أما الوعي فهو قالب مقدس يرثه اللاحقون عن السابقون دون مراجعة أو نقد أو تقييم.
حاول العديد من مفكري الشرق اقتناص العقل الشرقي أو اغتياله بطريقة ما. في محاولة منهم لإعادة صياغة هذا العقل وفق قيم ومفاهيم جديدة معاصرة تمكن المجتمعات الشرقية من اللحاق بالركب الحضاري الذي تأخر عنه كثيراً. وبعد سنوات طوال قضوها في تجاربهم ومحاولاتهم وجدوا أنفسهم ما زالوا في المربع الأول, وأن جهدهم ذهب سدى أدراج الرياح. من هؤلاء على سبيل المثال المفكر السوري أدونيس الذي قدم أطروحة في تغيير العقل الشرقي تقوم على قطع الصلة بينه وبين التراث قطيعة تامة وعامة ومطلقة, سعياً للوصول إلى جيل جديد لا يحمل بوعيه أي مفاهيم وقيم تراثية. نقوم بعدها بملء هذا الوعي بثقافة معاصرة هي مزيج من القيم والمفاهيم والأخلاق التي يسلّم بها كشروط ومقدمات لحياة حضارية صحية إن جاز التعبير. ورغم أن أطروحة أدونيس مهضومة نظرياً إلا أن تطبيقها على أرض الواقع أثبت فشله لأسباب عديدة؛ أولها: أن القطيعة المطلقة مع التراث يعني تلقائياً فصل الإنسان عن الدين. وهذا الفصل لا يتحقق بتاتاً حتى بالنسبة للذين يؤيدونه. بما أن الدين ولا سيما الإسلام متوغل في كافة مفاصل وزوايا الحياة الإنسانية, وإن نجحت في قطعه بمكان ما فأنه سيصل في مكان آخر. السبب الثاني يكمن في البديهية التي أنطلق منها أدونيس, وهي اتهامه الدين صراحة وضمناً بأنه المسؤول عن الأزمات التي تُصيب المجتمعات الشرقية. فهذه الفرضية لم تلق اجماعاً, لا على مستوى المفكرين والمثقفين, ولا على مستوى الشعوب. فكيف يُعقل أن يكون الدين الذي نهض بهذه الأمة هو اليوم سبب شقائه. فالمنطق لا يحتمل أن تصف شيئاً واحداً بصفتين متناقضتين. أما السبب الثالث فيكمن في آلية إزالة كل أشكال التراث وملحقاته من الحياة العامة حتى نضمن أن الأجيال التي بين أيدينا لن ترضع من حلمة التراث مجدداً, أو تشرب حليب الماضي. وهذا الأمر غير ممكن من الناحية العملية فماذا سنقول لأطفالنا لو سألونا مثلاً عن المساجد والكنائس, والصلبان, والكتب المقدسة, والتاريخ الطويل الذي تمتلئ به المكتبات. ثم أليس هذا استبداداً جديداً يريد أدونيس أن نضعه محل الاستبداد القديم. فبأي حقّ نريد مصادرة حرية الناس في الاعتقاد والتفكير. وكأن أطروحة ادونيس ستعيد إنتاج العقل الشرقي القديم بأشكال وممارسات جديدة.
مفكر سوري آخر وهو الدكتور طيب تيزيني قدم أطروحة مختلفة في محاولته لتجديد المجتمعات العربية وإعادة بناء العقل الشرقي في المنطقة. وذهب في أطروحته باتجاه معاكس لأدونيس. فبينما كان أدونيس يدعو لإدارة الظهر للماضي, دعا طيب تيزيني إلى التوغل في الماضي. لكن ليس الماضي القريب المعروف بالإسلام. وإنما إلى ما هو ابعد منه. أي إلى العصور التي سبقت الإسلام. والتي يرى التيزيني أن الإسلام تعمّد وسمها بالجاهلية, بينما هي ليست كذلك في الحقيقة كما يرى الدكتور تيزيني. ويبدأ الدكتور رحلته في الغوص في ذلك الماضي متسلحاً بالمنهج الماركسي في البحث والتحليل. ساعياً لاستخراج كنوز ذلك الماضي السحيق الثقافية والحضارية والاجتماعية والاقتصادية, وإحضارها عبر آلة الزمن السحرية إلى الحاضر لنكوّن منها ورشة عمل كبيرة نعيد فيها صياغة العقل الذي سيحملنا على كفيه إلى المستقبل المشرق. إلا أن الدكتور تيزيني تفاجأ بعد سنوات طويلة من العمل الجاد وفق المنهج الذي طرحه أن المجتمعات العربية تُراوح مكانها. فلا هي ذهبت معه في رحلته إلى الماضي السحيق, ولا هي اتفقت معه على منهجيته الماركسية في إعادة بناء الإنسان والمجتمع.
جاء آخرون وطرحوا المنهج العلمي في التفكير, وقالوا لا علاقة لنا بأديان الناس ومعتقداتهم الخاصة. ما يهمنا هو أن يؤمن الإنسان الشرقي بالعلم كمنهج فكري وسلوك عملي. وهذا كفيل بتغيير عموم الحياة في الشرق وأولها العقل. وبالفعل انتشر المنهج العلمي بين الناس وظهر على طول خارطة الشرق وعرضها أسماء كبار من العلماء والأدباء والفلاسفة في شتى المجالات الإنسانية. لكن رغم ذلك بقي الشرق مستعصياً على التغيير. وبقي العقل الشرقي بآفاته القاتلة, وأورامه الملتهبة سائداً في الشرق. يصول ويجول فيها كما يحلو له. فأينما تولي وجهك في الشرق ترى الحروب والصراعات والطائفية والاستبداد, والعنف, والفقر, والجهل, والفناء! وكأن براهين التغيير العقلي لا تكمن في الإبداعات العلمية والأدبية, وإنما تكمن في الإبداعات الحياتية. أي كيف تريد أن تحيا الحياة, وكيف تريد أن يحياها الآخرون. فليس المهم أن تبتكر تقنية جديدة, لكن المهم هو هل ستقتلني بهذه التقنية الجديدة أم لا؟ وليس المهم أن تنظم قصيدة, أو تُؤلف رواية, أو تُبدع لوحة, لكن المهم هو هل أدبك وفنك مع الإنسان أم ضدّه؟
التربية الأخلاقية هي سبيل الخلاص.
هناك نقاش محتدم في الأوساط الثقافية حول العقل والنفس. وحول أيّهما يتبع الآخر؟ هل العقل هو سيّد الإنسان أم النفس هي السيدة؟ وعلماء التربية يجمعون تقريباً على أن أصل السلوك فكرة. والفلاسفة والعلماء يقولون أن الوعي يتشكل بواسطة أعضاء الحواس وما تدخله إلى الدماغ من مواد من البيئة المحيطة. فمن تعطلت حواسه تعطل عقله. فما نراه ونسمعه ونحسه يتحول بشكل مباشر أو غير مباشر إلى أفكار ومفاهيم وبالتالي يتكون العقل. وأثناء تحوّل مدخلات الحواس إلى وحدات عقلية يظهر دور النفس في الرقابة العامة على هذه العملية. فما تسكت عنه النفس يُعتبر أذناً لأعضاء الحواس باستقباله, وأذناً للعمليات العقلية بتكوينه. وما ترفضه النفس يُعتبر أمراً لأعضاء الحواس بمنعه من الدخول إلى الدماغ, أو حجبه أو تهميشه. كما انه أمر للعقل بنبذه وإهماله. فالعقل يتبع الإرادة كما يقول نيتشه. والإرادة هي إرادة النفس. إلا أن هذه الإرادة ليست موروثة أو فطرية وإنما مكتسبة. وهذا يعني أنه بإمكاننا صياغة نفس خيّرة, كما يمكننا صياغة نفس شريرة. وهذا يعتمد على تربيتنا الأخلاقية. من هنا تكون التربية الأخلاقية التي يتلقاها الإنسان الشرقي هي المدخل الرئيسي لإعادة صياغة عقله. فطالما أن النفس التي هي المراقب العام على الحواس والعقل قد تم تربيته وتزكيته وفق منهج أخلاقي إنساني خيّر فأن جميع المخرجات العقلية ستكون خيرة بالنتيجة. وحينها سنرى أن العقل الشرقي أصبح أليفاً وودوداً, ومستنيراً, ومعاصراً, ومرناً, وإنسانياً, وخيّراً. وستنتهي أزمات الشرق بالتدريج.
مسعود محمود حسن
صحفي سوري



#مسعود_محمود_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة -تَدْكيْنّْ الإسلام- برؤية سينمائية
- فلم -مصففة الشعر-: الجمال يسكن خلف القبح
- النشرة الثقافية
- -كوزموس- فلسفة جديدة للروح والجسد
- الريبان الأبيض: سينما ساخطة على الماضي كي لا يعيد التاريخ نف ...
- الشعب العربي واتخاذ القرار الوطني
- أسرار جديدة عن الشاعر الفرنسي بودلير (2)
- أسرار جديدة عن الشاعر الفرنسي بودلير (1)
- الجيل الرابع من آيديولوجية المقاومة
- حوار الشرق مع الشرق
- المثقف العربي في فخ الإنكليزية
- الحب ومفاهيم أخرى
- البجعة السوداء
- أدب الحرب والدمار في سوريا كمدخل لثقافة منزوعة السلاح


المزيد.....




- الصحة اللبنانية تعلن مقتل 9 أشخاص في ضربات إسرائيلية رغم سري ...
- موسكو ترد على تصريح بذيء لزيلينسكي خلال مؤتمر صحفي مع شولتس ...
- مالطا تسمح لطائرة وفد روسي بالهبوط على أراضيها للمشاركة في ا ...
- ماذا يحدث في شمال غرب سوريا، ولماذا الآن؟
- انسحاب وفد الجزائر من قمة نيودلهي لحظة دخول الوفد الإسرائيلي ...
- تساؤلات عن حقيبة شولتس المعدنية في كييف: هل جلب فيها صواريخ ...
- ترامب يعلن مشاركته في أول فعالية خارجية منذ انتخابه
- لحين تنصيب ترامب.. قوات كييف تكشف أوامر تلقتها تخص مقاطعة كو ...
- كولومبيا.. 12 قتيلا في معارك بين مسلحين حول حقول -الكوكا-
- جنرال لبناني يحذر من اقتراب الجماعات الإرهابية من حدود بلاده ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مسعود محمود حسن - هل يمكن صياغة عقل جديد للشرق