أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مسعود محمود حسن - أسرار جديدة عن الشاعر الفرنسي بودلير (2)















المزيد.....

أسرار جديدة عن الشاعر الفرنسي بودلير (2)


مسعود محمود حسن

الحوار المتمدن-العدد: 4070 - 2013 / 4 / 22 - 14:57
المحور: الادب والفن
    


أسرار جديدة عن بودلير(2)
قراءة سارتر للداندية, وخفايا محاولة الانتحار
الدانــديــــزم :
وهي صورة لبارانوياه الاجتماعية , حدها الأدنى تسريحة شعر و حدها الأعلى محاولة الانتحار إذا ما سلمنا بقول " كريبييه" بأن الانتحار هي أسمى تكريس للداندية عند بودلير .
منهج بودلير الداندي هي صيغة متطرفة تبالغ في فرض الذات, وتأكيدها في الوسط الاجتماعي بسلوكيات ظاهرية تسدل على نفسها نوعاً من الغرابة, والغموض, وهي عناصر فلسفته الجمالية. والداندية تختلف عن النرجسية كونها تتجاوز انبهار وعشق النفس لذاتها, لتبلغ مستوىً آخر, تمكّن بودلير من أن يمتلك عقاراً في المساحة الفكرية للآخرين, ويشيد عليه نصبا مضيئا لذاته يُكسبه الخلود في أذهان الآخرين. الدانديزم كمخطط استراتيجي على المستوى الاجتماعي هو ردة الفعل على عقدة الاضطهاد التي احسّ بها بودلير بعد زواج أمه من المقدم أوبيك, لذا فهي تسعى الى شحن الذات بطاقة متابعة الحياة لتتحاشى سقوطها في منطقة ما بين الحياة و المـــوت، هذا السقوط الذي يشــبه الى حدٍ ما السقوط في العـبـثـية,(لا جدوى العمل, ثمّ لا جدوى الحياة) .
ما تجنّبه بودلير سقط فيه الفيلســــوف الفرنسي "إمـــــــــيل ميشــيل ســيوران "إذ يقول في كتــــــــــابه : "the trouble with being born ":(ما أعرفه في سن الستين كنت أعرفه جيدا في سن العشرين ، أربعون عاما من جهد البحث بكاملها زائدة )،( ليس هناك تقدم في الحياة ثمة تغييرات صغيرة ) . وداندية بودلير هي أن تكون معرفة سن الستين مختلفة تماماً عن معرفة سن العشرين , إذ لا يجب أن يكون هناك تشابه بمضامين الحياة من لحظة لأخرى .
إذن فالدانديزم هي عَقد الحياة بين بودلير و ذاته ، يتيح له العيش وفقا لشروطه, وانسجاما مع تكوينه السيكولوجي. الدانديزم كنظرية في التوجيه السلوكي تحرض على الفرادة والاختلاف لتنصف العالم الى نصفين: نصف بودلير, ونصف الآخرون، وبودلير يخشى غياب نصفه أمام الآخرين ، ويرفض الحضور المشابه ، انه لا يصر إلا على الحضور المميز الذي يشهد له بالعـــظمة " الرغبة يوميا في أن أكون الأعـــظم بين البشر "( اليوميات ، قلبي عاريا ) . إن وجود الاختلاف والانفراد يفترض صحوة فكرية دائمة على الذات, والخروج من دائرة النشاط العفوي لتجنب التشابه والتماثل والمحاكاة والتقليد ، فهؤلاء يقتلون الداندي . وبهذا الشكل يتحول كل آخر من الآخرون الى مرآة يتمعن بودلير من خلالها بذاته لـيطمـئن على دانــديته " على الداندي أن يعمل ما في وسعه كي يكون رائعا باستمرار، عليه أن يعيش و ينام أمام مرآة " .
الدانديزم وفقا لهذه الرؤية تُبادل بين مستويات ( سيغموند فرويد) اللاشعورية للشخصية، بحيث يصبح (الهو،The id) هو مسيّر الشخصية بدلا من (الأنا،The ego) و (الأنا الأعلى،The super ego)، وتنعكس الرقابة لتُفرض على الأنا، وتُلغى الكثير من توصيات الأنا الأعلى, لأن كلاهما يُحلّقان مع السرب, ويراعيان القوانين, والضمير الاجتماعي ،وهذه حالة مناقضة لحالة بودلير الذي يكره الضياع في القطيع, والتشابه, والتطابق مع أفراده.
سيادة (الهو،The id) سمح بإنجاز اختلاف بودلير, وجسّده في الواقع, لكنها وضعته في مواجهة مع المجتمع بأنساقه الفكرية, والاجتماعية, والعقائدية, والتي كان من نتائجها أن ديوانه زهور الشر لم ينشر إلا بعد حذف وتعديلات ، إلا أن هذه المواجهة مطلوبة فهو سعى إليها بقدميه, ويصنفها كإحدى شروط عظمته " الأمم لا تنجب العظماء إلا مرغمة ، إذن لن يكون الرجل عظيما إلا إذا انتصر على أمته جمعاء " . الدانديزم بالمحصلة النهائية تسعى لتوكيد تفوق وعلو بودلير على الآخرين " هل تتصورون دانديّا يخاطب الشعب إلا للسخرية منه ؟ " ، "لايوجد غير ثلاثة أشخاص جديرين بالاحترام: الراهب والمحارب والشاعر، أن تعرف وأن تقتل وأن تبدع، أما الآخرون فأنهم صالحون للاستعمال والسخرة ، مخلوقون للإسطبل، أي لممارسة ما يسمى المهن " .

قراءة جان بول سارتر للداندية:
جان بول سارتر في قراءته لبودلير حجّم كثيرا الداندية, وأعطى ماهيتها معنىً آخر, فقد كتب عنها " إن دانديته دفاع عن خجله " ويرى أن غرابة هندام بودلير وتسريحة شعره التي تلفت الأنظار إليه وميله المفرط إلى الكذب بحسب إدعائه ما هي إلا نشاط داندي مستمر يهدف إلى إبراز بودلير المزيف لحماية بودلير الحقيقي، بودلير المزيّف هو ذلك الرجل الفاقع ، ذو تسريحة الشعر الغريبة ، "الواشي ،آكل الأطفال " وبودلير الحقيقـــــــــي هـــو " الخجول ، المتألم " وكتب سارتر " ما دامت الثرثرات والشائعات تمّزق الشخص المخترع من بنات الخيال فإن الآخر يظل بمنجى " . إذاً سارتر يرى أن وظيفة الداندية هي حماية بودلير الحقيقي من الآخرين .
نقاط الضعف في قراءة سارتر :
أولاً: هناك قصيدة لبودلير بعنوان " المدمر لنفسه " اشتهرت لشهرة هذه الأبيات :
أنا الجرح والسكين
أنا اللطمة والخــــد
أنا الأعضاء والمبضع
والضحية والجلاد
المدقق ليوميات بودلير وقصائده ومنها هذه الأبيات يتيقن من أن ثنائية الأنا وتناقضها هي ذاتيته ، فهو الخير والشر معاً. لقد كتب عن الشيطان في قصائد كثيرة تارة يذمّه كما في قصيدة "برميل الحقد " ، " شفق المساء " وتارة أخرى يمجّده كمـــــا في قصيـــــــــدة " صلوات للشيطان" ، ومع الله يبتعد ويدنو ، وفي قصائد يهجو عشيقتـــــــــه "جان ديفال" وفي أخرى يثني عليها بحرارة ، وعن الحياة كتب في شذراته "النشوة والرعب من الحياة", وكذلك تقلبه بين حب الجسد وحب الروح ،بين "جان ديفال" من جهة و"ماري دوبرين" و"أبولوني سباتييه" من جهة أخرى؛ ووقوفه ضدّ الملكية والانقلابات العسكرية والديمقراطية والبرجوازية. عندما نفهم كل هذه الثنائيات المتناقضة في شخصية بودلير والتي جاهر بها كلها في شعره, ويومياته, ورسالاته لا يبقى هناك دواعي ومبررات للإدعاء بأن هناك بودلير زائف يحمي البودلير الحقيقي كما رأى جان بول سارتر . وتلك التناقضات الحادة التي ذكرناها في شخصية بودلير هي بالأساس جزء رئيسي من الدانديزم، ومن البديهي أن تكون شخصيته كذلك, طالما هي متعطشة دائماً للتمايز والاختلاف ، لأنه إذا وقف مع الخير سيجد الناس طوابير, طوابير أمامه ،وإذا أختار الشر فانه لن يتفاجىء بوجود أنصار الشيطان متحاشدين منذ الأزل ، وضمن هذه الرؤية فانه أختار حالة التأرجح بين الطرفين وخذ هذا مقياساً في كل شؤون حياته ،ليرسم هذا المنهج في نهاية المطاف لوحة واحدة هي الأغمض، الأدهش، الأفرد وبالمحصلة الأعظم .
ثانياً : لسارتر مسرحية بعنوان " الجحيم " يرى فيها أن"الجحيم هو الآخرون" ، وبهذا المعنى يكون من الطبيعي أن ينفر الفرد ويمتنع عن الاتصال تجنباً للوقوع في الجحيم،وسارتر يريد أن يسقط رؤيته, وربما معاناته من هذا الموضوع على بودلير تحت غطاء الخجل ، إلا أن بودلير رغم تعاليه عن الآخرين فهو بعكس سارتر, فهو يتقصّد الاتصال معهم لأنهم يشكّلون المرآة التي تعكس بريق عظمته, التي هي غاية وجوده.
لمـــاذا محــاولة الانتـحار ؟
كنت قد ذكرت في مقام سبق أن بودلير قد بدل مراكز مستويات الشخصية الثلاثة, وقدم الهو على كل من الأنا والأنا الأعلى ، هذا التغيير حرّم الأنا من التمتع بالجنسية الاجتماعية, وما نتج عن ذلك من فقدان الاندماج الايجابي بوحدات المجتمع ومنظوماته, وكتم نوازع الاتصال الفطري, وتعطّلْ بناء العلاقات الودية مع أفراده ولا سيما في محيط الأسرة وتعمّقْ اغتراب الأنا عن قيم وضمير المجتمع . وعلى صعيد الأنا الأعلى فقد بقي حقها في مناشدة المثل الاجتماعية العليا محجوباً, لأنها تسوق الشخصية في النهاية الى حالات التقمص, والتشبّه, والتمثّل, وهي حالات مرفوضة في عرف بودلير . تسلّط الهو المستمر, وقمعه الشديد للأنا والأنا الأعلى, ومصادرته لهوياتهما, دفعهما وبتحريض من قيم المجتمع الى التمرد, والثورة, ومحاولة قتل (الهو), فكانت النتيجة محاولة الانتحار. ولو نجحت تلك المحاولة لكان ذلك انتصاراً رمزياً لأعراف وعادات وقيم المجتمع ، أي انتصاراً للأنا والأنا الأعلى .
وبصياغة أخرى, فأنّ سيادة (الهو) على بودلير- وما صاحبها من إنكار للنظام الاجتماعي العام, ونزوع سادي تمّثل بدرجات متفاوتة في سلوكيات بودلير- تزامن معها في الحقيقة الشعور بالذنب, والذي احتدّ في بعض الأحيان ليتجلى في نزعة مازوشية تغلّبت على ساديته كما حدث في محاولة الانتحار .
أن في اختيار بودلير للسيف في عملية الانتحار – وهي الأداة التي تشير الى التراث بمجمل قيمه وأعرافه ـــ من بين أدوات وطرق أخرى أسهل في الاستعمال برهان جلّي وتوكيد قوي على أن تلك المحاولة كانت انتقاماً للضمير الجمعي والعرف الاجتماعي ضدّ (الهو) وتنكرها للمجتمع .
بودلير من صنف الشعراء الذين يكتبون مذكراتهم شعراً ، فشعره لا ينفصل عن شخصه وما عاشه في الحياة عكسه في قصائده "إني في هذا الكتاب الفظيع أودعت كل قلبي، كل محبتي ، كل إيماني (مموهاً)، كل بغضائي " وحين قرأ الناقد ( سانت بييف) ديوان (زهور الشر) قال لبودلير: "انك قد تألمت جدّاً ولا بدّ يا ولدي المسكين "
بـــــــــودلير أراد من ديوانه (زهور الشر) أن يكون صورة لعظمته كشاعر وإنسان معــــاً ، أنها طريقته في الخلود .

مسعود محمود حسن
صحفي كردي من سوريا
[email protected]



#مسعود_محمود_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسرار جديدة عن الشاعر الفرنسي بودلير (1)
- الجيل الرابع من آيديولوجية المقاومة
- حوار الشرق مع الشرق
- المثقف العربي في فخ الإنكليزية
- الحب ومفاهيم أخرى
- البجعة السوداء
- أدب الحرب والدمار في سوريا كمدخل لثقافة منزوعة السلاح


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مسعود محمود حسن - أسرار جديدة عن الشاعر الفرنسي بودلير (2)