أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضرار خويرة - كلبان وبندقية / الجزء الأول















المزيد.....

كلبان وبندقية / الجزء الأول


ضرار خويرة

الحوار المتمدن-العدد: 4063 - 2013 / 4 / 15 - 23:22
المحور: الادب والفن
    


الشمس أشرقت والتهمت أشعتها نصف أرض الخيمة ، وهي تنتظر أن يصحو من غيبوبته ، لم تنم طيلة ليلتها تراقب العرق المتصبب من جبينه ، تحاول بقطعة قماش مبلولة تخفيف حمى الجسد الملقى أمامها ... يدها تمتد مرتبكة إلى جبينه ، تخشى أن يصحو وهي تلامسه ، ليست أول مرة تخفف فيها حمى شخص ما ، فهي اعتادت ذلك ، لا تعرف بالضبط مدعاة هذا الشعور ، لكن أناته المخنوقة تلامس قلبها كي لا تتركه دقيقة واحدة ، برغم نداءات أمها لها في خبائهما ، لم تستطع أن تفارقه في هذه الحالة ، كانت تغافل أمها في نومها كي تجلس على رأسه ، تتجاذبها الأسئلة حول هذا الغريب الذي حط دون وعيه ضيفا عليها ، فاستثنائية الظرف تنتصر أمام العادات والتقاليد .
إنه صوتها لاشك أنها صحت الآن ، نهضت من مكانها وارتدّت للخباء ، فداهمها وجه أمها بابتسامة صفراء ..
_ إذا لم تنمي الليلة يا فاطمة ..
_ بلا يا أمي ... لقد صحوت قبلك بقليل
هزت الأم رأسها هازئة من ابنتها :" يا بنيتي أنت تقومين بواجب الضيافة لا أكثر، هل فهمت؟ " .. غاب عن ذهن الفتاة ما لدى أمها من فراسة المشاعر وقيافتها ..
_ لكن يا امي ... يتصبب عرقا ، رأسه يكاد ينفجر من الحرارة .. هل أتركه في هكذا حالة؟
تفرست الأم وجه ابنتها كأنها تستعيد الماضي من ملامحه همست لنفسها : بل قلبك يكاد ينفجر حرارة .. اللعنة على واجب الضيافة ... وانصرفت من أمام ابنتها : هذا عملك يا فاطمة فأحسنيه
أما هو فلا زالت الغيبوبة تستحكم عليه . إلا من أنين يشبه صوت عطشان يطلب الماء : ماء ماء .. لاشك أن حلقه جاف يحتاج ما يقتل حرارته ، فالله يعلم منذ متى وهو في هذه الغيبوبة .
كان يركض كشنفرى العرب الهارب خوفا من حتفه، ولا هدف لركضه أو وجهة سوى مكان ءامن يلوذ بروحه إليه ، استمر يقفز من صخرة إلى أخرى ، وينخفض من منحدر إلى منحدر، ومبتغاه لا زال بعيدا ، فأزيز الرصاص لا زال يناوش أذنيه ويشعر به تحت أرجله،هذا الخوف يعطيه طاقة فيزيائية للركض ، والنهوض من عثراته ليواصل سباقه مع حتفه الذي يلاحقه ، والعرق المتدفق من كل مسامة في جسده يثقل عليه ببعض القش والتراب حين يتعثر ، وفجأة شيء أتى مع الريح قد كان أخذ معه جزءاً منه ، لكنه يواصل في سباق الحواجز يصطدم أحيانا بغصن شجرة يبدو له كظل واه ٍ في سحابة الظلام التي تلفه ، ويتعثر بجذور برزت من الأرض .. جاءت صرخته الأخيرة حين مال وسقط على الجزء المفقود من جسده ...
قفزت من خبائها هارعة إليه .. وجدت الدم ينز من جرحه المعالج بدائيا ، فقد مال على يده المصابة ، إنها تقوم بواجبها كما فهمت من أمها ، لقد عدلت من هيئته ورتبت الوسادة تحت رأسه وبللت عصابة يده بالماء ، وحين همت بالإنصراف داهم سمعها ذات الأنين .. ماء ماء ...
عادت بوعاء من اللبن ، اسندت رأسه على ذراعها وسقته ، كانت تراقب ضعفه وهو بالكاد يستطيع أن يشرب ، شعرت باكتفائه لكنها لم تشأ أن يفارق رأسه ذراعها ، لكن صوت امها الذي باتت تكرهه ، جعلاها تعيد رأسه للوسادة بكل تلك الرقة ، وكأن هذا الرأس رضيعها الأول ، ثم أمعنت تتأمله ، شعره المشعث ولون بشرته ، سمرتها التى أضفى عليها الطين المجبول -- من عرقه وتراب الأرض التي قطعها ليحط مغيبا عن الوعي في خيمتها - رونقا خاصا ، العروق البارزة من ذراعه ، ذقنه البارزة قليلا ، إنها تحلم بفارسها كما قصص الخيال في العصور الوسطى ، وهل من فارس أجمل منه الأن إنه خارج من معركة لتوه ، قالت لنفسها :" ربما يصحو بعد قليل .. يخبرني عن بطولاته .. ( ولعل خيالها جرفها قليلا ) يقول لي ما اسم حصانه ، وكم يحبني" ، إنها غارقة في خيالها ،لم تشعر برحيل الشمس من فضائها وهي غارقة بأحلامها .. "ربما يصحو الأن " قالت في نفسها ... لكن الذ ي جاء هو أبو نايف ، لتصحو ... علق البندقية على العمود الخشبي وسط الخيمة ، واشار بيده يسأل عن حالة ضيفه ....
_ لم يصحو بعد ... لازال على حالته
_ حسنا يا بنيتي .. ربما أهجع ساعتين .. وبعدها أواصل بحثي ...
_ ولكن يا أبي متى سترتاح ... لايستحق الامر ...
لكن سرعان ما ابتلعت كلماتها ، كانت نظراته إليها مثل السياط .. قال لها : اهتمي به يجب أن يتعافى لنقوم بواجب ضيافته ، تمدد الرجل إلى جوار جريحه الذي التقطه من البرية ، يحاول أن يغفو مثله .... أما فاطمة فقد انصرفت تعرض الماء على قطيع الأغنام العائد من رحلته اليومية
وفي خبائهما من وراء الساتر يراقبن أبا نايف ، قالت الأم لابنتها : لم ينم .. لا ادري ماذا حل بالرجل ، أخشى أن يكون قد جن
_ ولن ينام يا أمي .. انت تعرفينه أكثر مني !!
_ ياالله متى نرتاح من هذا العذاب ... كل هذا بسببه !!!
أما هو فظلَّ مستلقيا على ظهره ،عيناه معلقتان في سقف الخيمة ، يسحب أنفاسا من لفافة تبغه الكريه وينفخها، سحابات من الفكر وتمتمات خفيضة : "والله .. لو ضاع هذا الحلال رأسا رأسا سأظفر برأسك وأعلقه مكان البندقية " ، كل مايشغله هو رأس ،لا أنين هذا الملقى بجواره رأسا لرأس ولا انتصاف الليل كما تشير ظلمته .. لقد ضاعت الساعات ولم ينم ، وربما لن يخرج الليلة ، هذا ما فكر فيه قبل ان تدخل عليه أم نايف مرتعشة ، الخوف والقلق ما يبدو من ملامحها
_ مابك يا امرأة ..
_ أبو نايف ... هناك ظل غريب بالقرب من الحظيرة وتحركات ..
فزع من جلسته مسرعا نحو عمود الخيمة ، وخرج يتلاشى في الظلام ، والأم وابنتها تتبادلان نظرات القلق خوفا من غياب يطول ، كما هي عادته حين يخرج منتصف الليل بالبندقية ، لكنه عاد بعد لحظات يسب ويلعن شوكة انغرست في أسفل قدمه، لقد نسي أن يلبس حذاءه ،
_ هل كان هو ..
_ ما رأيك يا بلهاء .. هل كنت أعود هكذا لو كان هو ... أخ .. أخ .. لو تجاهرني بنفسك أيها الكلب
_ ماذا كان إذن يا رجل
_ غزالا استأنس بالماعز ... اللعنة
قالت المرأة في نفسها " يا للغرابة ... تلهيك المصائب عن المكاسب ... " ثم همست لابنتها :" أخشى عليه ان يهلك في بحثه هذا ، أبوك كبر يا فاطمة" ، قرصت أمها : " اصمتي ... إنّه عصبي المزاج الآن " ، ثم انسحبتا من المضافة إلى الخباء ، تدعوان له بأن ينام فهجعة ساعتين لا بد منها لمواصلة العمل مع بزوغ الفجر ، هذا القطيع يحتاج الكثير ،وما جرى مؤخرا دفعه لشراء التبن لاطعامه



#ضرار_خويرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في البدءِ كان
- نشيد المدرسة
- بلاد
- ليالٍ في شتاء الريف
- وللحرية الزرقاء !!
- أفيء إليكِ
- هذي الجزائر
- لي شجرة من سنديان
- سأكتبُ !!
- نومٌ آمِن
- بُرَدُ الكلام
- الغريبان
- في الرمق الأخير من الحب
- عقدين وأكثر
- إلى جمال قعوار
- عن أي شيء تسألين فحولتنا
- الرحلة الأخيرة في الهوى
- كي يمر العمر في ليلة واحدة
- ارتباك الصمت
- أي الاكتشافين اهم ؟؟!!


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ضرار خويرة - كلبان وبندقية / الجزء الأول