أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - المنهج الاجتماعي والأخلاقي للسيد المسيح















المزيد.....



المنهج الاجتماعي والأخلاقي للسيد المسيح


أحمد القبانجي

الحوار المتمدن-العدد: 4062 - 2013 / 4 / 14 - 20:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اعداد: حيان الخياط


إن المدة القصيرة التي تحمل فيها المسيح (عليه السلام) مسؤولية الرسالة وهداية الاُمة والتي لا تتجاوز الثلاث سنوات على أكثر التقادير تجعلنا نتحرق ألماً على ما فقدته البشرية من بركة عظيمة ونتمزق غيظاً على الذين سوّلت لهم أنفسهم من اليهود والرومان أن يحرموا الإنسانية من هذا الفيض الإلهي للمحرومين والبائسين من أجل مناصب دنيوية وثراء مادي لعنهم الله لعناً وبيلاً ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وبالرغم من قصر المدة وجهالة البيئة ومحاربة أحبار اليهود من الفريسيين وغيرهم، إلاّ أن أشعة نوره (عليه السلام) إمتدت من خلال سحب الظلام هذه لتنير الإنسانية في الشرق والغرب قروناً مديدة، ولتبني حضارة سامية لشعوب غربية عديدة ما جاءها من نذير ولا عرفت طعم الأخلاق وحلاوة الإيمان. ولا بأس أن نشير إلى بعض النقاط في مسيرة هذا النبي المبارك ومنهجه الإصلاحي:
1 ـ الأخلاق السامية:
لم يبق من الشريعة الموسوية في ذلك الوقت إلاّ الإيمان الظاهري وبعض المجلدات من توراة موسى ومزامير داود وهيكل سليمان (عليهم السلام)، أمّا على الصعيد العملي وتطبيق الشريعة على أرض الوقع، فلم يبق من تعاليم الأنبياء (عليهم السلام) الأخلاقية والروحية والإرتباط بالله تعالى والإيمان العملي بالمعاد لدى اليهود شيء سوى بعض المظاهر والقشور من الختان والغسل وبعض الإحتفالات والمراسيم الدينية. وحلّ مكانها التكالب الشديد على الدنيا والثراء والخداع والنفاق والإستسلام للعدو الروماني وشيوع الرذيلة وانقسام المجتمع اليهودي عملياً إلى طبقات كطبقة الأحبار والفريسيين المتحجرين والمتزمتين دينياً في الظاهر، وانفصال القاعدة الشعبية عنهم.
وكأن المسيح (عليه السلام) كان يشعر بقصر المدة ودنو الأجل، فشنّ حملة شعواء على هذه السلبيات المقيتة والماديات الجشعة، فكانت دعوته ترتكز على رفض كل اشكال التعلق بالدنيا والميل إلى زخارفها، فكان (عليه السلام) يسيح من قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى اُخرى ليس معه شيء من مال الدنيا غير ثوب واحد يستر به بدنه، وكان يأمر أتباعه بذلك حتى أنّ المتموّلين منهم كانوا يبيعون بيوتهم أو أراضيهم وقواربهم ويأتون بثمنها إلى عيسى (عليه السلام) واصحابه ليقسمها عليهم بالسوية، وضرب لهم مثلاً بأن بدأ هذا التحرك المضاد للدنيا من نفسه، فلم يأوِ إلى بيت ولم تكن له زوجة وأولاد وثروة، فكل ما كان يملكه هو هذا القبس الوهاج وجذوة النور والعشق الشديد لله ولعباده البائسين، فكان يقول لهم:
«سمعتم أنّه قيل لكم: «العين بالعين والسن بالسن» أما أنا فأقول لكم: لا تقاموا الشرير، بل من لطمك على خدك الأيمن فاعرض له الآخر، ومن أراد أن يحاكمك ليأخذ قميصك فاترك له رداءك، ومن سخّرك أن تسير معه ميلاً واحداً، فسر معه ميلين، من سألك فاعطه، ومن استقرضك فلا تعرض عنه.
سمعتم أنّه قيل: أحبب قريبك وأبغض عدوك، أما أنا أقول لكم: أحبّوا أعداءكم وصلّوا من أهل مضطهديكم، لتصيروا بني أبيكم الذي في السماوات، لأنّه يُطلع شمسه على الأشرار والفجار، وينزل المطر على الأبرار والفجار، فإن أحببتم من يحبّكم فأي أجر لكم؟ أو ليس العشارون يفعلون ذلك؟ وإن سلمتم على إخوانكم وحدهم فأي زيادة فعلتم؟ أو ليس الوثنيون يفعلون ذلك؟ فكونوا أنتم كاملين كما أنّ أباكم السماوي كامل.
وإيّاكم أن تعملوا بركم بمرأى من الناس لكي ينظروا إليكم، فلا يكون لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات... وإذا صليتم فلا تكونوا كالمرائين فإنّهم يحبّون الصلاة في المجامع وملتقى الشوارع ليراهم الناس،الحق أقول لكم إنّهم أخذوا أجرهم، أما أنت فإذا صلّيت فادخل حجرتك واغلق عليك بابها وصلّ إلى أبيك الذي في الخفية، وأبوك الذي في الخفية يحازيك...
ولا تكنزوا لأنفسكم كنوزاً في الأرض حيث يفسد السوس والعث وينقّب السارقون فيسرقون، بل اكنزوا لأنفسكم كنوزاً في السماء، حيث لا يفسد السوس والعثّ ولا ينقّب السارقون فيسرقوا، فحيث يكون كنزك يكون قلبك..
لذلك أقول لكم: لا يهمكم للعيش ما تأكلون ولا للجسد ما تلبسون، أليست الحياة أعظم من اللباس.. فلا تهتموا فتقولوا: ماذا نأكل؟ وماذا نشرب؟ وماذا نلبس؟ فهذا كله يسعى إليه الوثنيون، وأبوكم السماوي يعلم أنّكم تحتاجون إلى هذا كله، فاطلبوا أولاً ملكوته وبرّه تزدادوا هذا كلّه، لا يهمكم أمر الغد، فالغد يهتم بنفسه، ولكل يوم من العناء ما يكفيه، لا تدينوا لئلا تدانوا، فكما تدينون تدانون، ويكال لكم بما تكيلون.
لماذا تنظر إلى القذى الذي في عين أخيك؟ والخشبة التي في عينك فلا تأبه لها؟ بل كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القذى من عينك، وها هي ذي خشبة في عينك. أيّها المرأي أخرج الخشبة في عينك أولاً، عندئذ تبصر فتخرج القذى من عين أخيك... فكل ما أردتم أن يفعل الناس لكم، افعلوه أنتم لهم، هذه هي الشريعة والأنبياء.
ادخلوا من الباب الضيق، فإنّ الباب الرحب والطريق المؤدي إلى الهلاك واسع والذين يسلكونه كثيرون، ما أضيق الباب وأحرج الطريق المؤدي إلى الحياة، والذين يهتدون إليه قليلون..».
وهذا المبدأ وإن كان لا يتفق مع مباديء الشريعة السمحاء ومفاهيم الدين المحمدي، إلاّ أنّه كان ضرورياً لعلاج حالة نفسية مترسخة عند اليهود، ألا وهي العشق للماديات والهيام بالدينا، فكان من الضروري مقابلة المرض بضده، وعلاج حلاوة الغذاء بمرارة الدواء، ولذة المحرمات بألم السياط، والإنشداد للدنيا والإفراط في التكالب على زخارفها بالتفريط في تركها واستقذار كل ما يرتبط بها لتخليص الروح من قيودها وتطهير القلب من أدرانها حتى يعتدل المزاج البشري ويبعث الله تعالى الاُمة الوسط:
(وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَةً وَسَطاً).
ومن هنا ندرك لماذا قضى الله تعالى أن يولد عيسى من غير أب، وتأكيد عيسى (عليه السلام) أنّه ابن السماء، وأباه الذي في السماء، كل ذلك لتوجيه بني إسرائيل إلى عالم المعنويات. وتحطيم ما تكلّس على قلوبهم وأفكارهم من الماديات والإيمان بالظواهر الدنيوية فقط، وهذا لا ينافي أنّ عيسى عبد الله، لأنه عندما يقول: أبي الذي في السماء لا يقصد الله عزوجل، بل الربّ كما يصرح بذلك في غير مكان من الأنجيل، والربّ يعني به الروح المقدس أو جبرائيل أو العقل الفعال باصطلاح الفلاسفة الذي بواسطته يدبرّ الله تعالى أمور العباد، كما نجد هذا المعنى في أكثر من آية من القرآن الكريم وهذا أحد الاسباب الذي أوقع المسيحين في خطأ التثليت وقولهم إنّه (عليه السلام) ابن الله، بينما الصحيح أنّه ابن الربّ، بالمعنى المتقدّم.
* * *
2 ـ تصحيح المفاهيم الدينية
مضافاً إلى الجهاد لتغيير الأخلاق السلبية المتأصلة في المجتمع اليهودي كانَ على عيسى (عليه السلام) أن يحارب المفاهيم والاُسس الفكرية السائدة حينذاك والتي تشكل الأساس للبناء الأخلاقي، وقد تأثر اليهود بشكل كبير في هذه المفاهيم السلبية والخرافات الباطلة والعقائد المحرفة من القول بالتجسيد وأنّ الله تعالى له يد ورجل وعين مادية ويجهل بعض الأمور ويغضب بسرعة ومتزمت في تطبيق القانون ومصلحي نوعاً ما، حتى أنّ القرآن الكريم أشار إلى بعض عقائدهم الباطلة في التوحيد:
(وَ قَالَتْ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةً غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا).
وطائفة منهم قالوا بأن النبي عزيز ابن الله بعد أن مات وبعث من جديد:
(وَقَالَتْ اليَهُودُ عُزَيرٌ ابنُ اللهِ).
إلى جانب ذلك نلاحظ الصورة المشوهة لديهم عن الأنبياء(عليهم السلام)واتهامهم لهم بارتكابهم للمنكرات والزنا والخيانة والغدر ما يندى لسماعه الجبين خاصة في ما يتعلق بداود وسليمان(عليهما السلام) مما نستقبح ذكره في هذا المختصر، فكيف يرتكبه نبي معصوم؟!
أضف إلى ذلك المفاهيم الدينية الإجتماعية المتعلقة باستحقار المذنبين وطرد المنحرفين عن الميدان الإجتماعي والاستئثار بالدين من قبل حفنة مرائية ومنافقة من الأحبار والفريسيين، ولذا كان عيسى (عليه السلام)يأوي إليه البؤساء والمذنبين ويبشرهم برحمة الله الواسعة ومغفرته الشاملة للتائبين والنادمين، وما أروع الصورة التي يتحدث بها التاريخ عن تلك العاهر التي جاءت إلى عيسى (عليه السلام) وهو جالس مع بعض أتباعه يناقش اليهود بالحجج القوية وكلامه الصريح الذي ينفذ إلى القلوب قبل وصوله إلى الآذان، ودنت منه رويداً رويداً وقطرات الدموع تنهمل على خديها وجلست عند قدميه مسحورة بكلامه وجعلت تغسل قدميه بدموعها وتجففهما بشعرها وهي تصغي مذهولة إلى حديث المسيح (عليه السلام) عن رحمة الله..
ألا ما أروعه من تجسيد للعواطف الإنسانية المكبوتة وتجييش للأحاسيس الرفيعة:
ومن المفاهيم المغلوطة لديهم قولهم بأنّهم أبناء الله وأحباؤه كما يقول القرآن الكريم:
(وَقَالَتِ اليَهُودُ نَحْنُ أبْنَاءُ اللهِ وَأحِبَاؤهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبْكُم....).
وهذه الفكرة الاستعلائية هي التي جرّت المصائب المتوالية على هذا الشعب المسكين وأصبح منفوراً من جميع الأقوام البشرية، وتصوروا أن تفضيل الله لهم في الزمان الغابر لخصوصية عرقية وقومية متميزة أو نسبهم المتصل بالله تعالى، وبذلك أصبحوا مطرودين حتى من رحمة الله تعالى.
وما اُبتليت به المسيحية من إنحراف فكري وعقائدي كالقول بالتثليث والتجسيد وغير ذلك فهي من الأفكار الدخيلة على الدين المسيحي، وسيأتي تفصيل الكلام عن هذه المسألة لاحقاً، والغرض أنّ المسيح(عليه السلام)كان يؤكد للناس عبوديته لله تعالى كما يقول القرآن حكاية عن عيسى(عليه السلام):
(قَالَ إنّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الكِتَابَ وَجَعَلَني نَبيّاً).
* * *
3 ـ شفاء المرضى وذوي العاهات
من الأعمال الإجتماعية المهمة للمسيح (عليه السلام) والتي تعتبر في الوقت نفسه معجزته على نبوته هو شفاء المرضى والزمنى والأعمى والأكمه وأحياء الموتى كما يقول القرآن عن ذلك:
(وَتُبْريءُ الأكْمَهَ وَالأبرَصَ بإذْنِي وَإذْ تُخرِجُ الموْتَى بإذْنِي...).
ومع أن أخبار هذا الفيض والبركات قد إستفاظت به الكتب التاريخية والروائية مما يدلّ على أنّه (عليه السلام) كان دأبه شفاء المرضى والمعوقين والذين كانوا يحجّون إليه من المدن والقصبات البعيدة، إلاّ إننا لا نملك إلاّ أن نتحسر مرة اُخرى ونتأوه على من بقي من البائسين المعوقين وكيف حرموا سريعاً من هذا الفيض المتفجّر والبركة الدافقة وخاصة اُمهات الأطفال المرضى والمعوقين، ولنا أن نتصور فرح الاُم وهي تحمل طفلتها المقعدة والمصابة بفلج الأطفال إلى المسيح (عليه السلام)، فيمسح بيده المباركة ساقيها الصغيرتين فتقوم من مكانها لتعتنق المنقذ، ويغرق قلب الأم بأمواج العشق الهادرة ووجهها بدموع الفرح المنهمرة، وهكذا كان دأبه أينما حلّ وسار.
فلا عجب لما يذكره المؤرخون في مأساة صلب المسيح (عليه السلام) وكيف أنّ الجنود حينما دقوا مسامير الصليب في يديه ورجليه وألبسه أحبار اليهود تاج الشوك على رأسه إمعاناً في السخرية والشماتة، علا الصراخ والنحيب من الحشد الذي جاء أو جيء به ليشهد المأساة، ولما صدر الأمر بالتفرق رجعت النسوة البائسات والتائبات وهن يقرعن صدورهن ويخمشن وجوههن في عيون دامية ونحيب يجرح القلوب.
وأكثر المسلمين لا يتفاعلون مع هذه المأساة لأنّهم يتصورون أنّ هذا المصلوب ليس هو المسيح (عليه السلام) لتأكيد القرآن الكريم والروايات على عدم قتله. وأنّه شبّه لهم إنهم قتلوه، بل رفعه الله إليه، ولكن سيأتي الكلام في ختام البحث عن حقيقة هذا المصلوب.
* * *
4 ـ تثوير ملكة العشق
لم يكن لعيسى (عليه السلام) قبل نزول الإنجيل شريعة جديدة إلاّ ما كان موجوداً عند اليهود من التوراة والمزامير الداودية ومجمل العقائد اليهودية، فقد كان (عليه السلام) يهودياً مصلحاً شأنه شأن سائر أنبياء بني إسرائيل مثل يحيى وزكريا وداود وسليمان وغيرهم، وقد أدرك أنّ السير الإصلاحي الذي سار عليه أنبياء بني إسرائيل لم يثمر فائدة إلاّ في حدود ضئيلة وقصيرة الأمد وذلك للطوق الذي فرضه علماء اليهود على الشريعة الموسوية على العوام الجهال، ولميل اليهود الغريزي إلى الماديات وتعلقهم الشديد بزخارف الدنيا، الأمر الذي حدى بسليمان أن يطلب من الله تعالى ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده واهتم ببناء القصور الشاهقة ذات الأفنية الخلابة والصروح الممردة من قوارير يجري من تحتها الماء، كل ذلك عسى أن يستميل قلوب الناس إلى دين الله تعالى، وهذه الطبيعة البشرية سارية في جميع الأقوام، إلاّ أنها كانت في اليهود وما زالت أشد وأعتى.
وقد شاهد (عليه السلام) أن تأثير سليمان (عليه السلام) لم يدم طويلاً وخبت شعلته بمجرد أن هدأت أنفاسه وعلم الناس بموته، والأمر الآخر أنّ هذا اللون من هداية الناس إلى الله تعالى لا يدخل إلى القلوب وإن آمنت به العقول وأطاعته الأبدان، والمسيح (عليه السلام) كان يقصد التغيير الجذري الذي ينبع من القلوب فيغسلها من أدران التعلقات الدنيوية والميول الجسدية، فكان أن طرح مذهب العشق لله والإفراط في ذم الدنيا، وهذا هو ما كانت تحتاجه قلوب الناس التي تكلّست عليها أغشية الأهواء والإنجذاب للمظاهر، وهذا هو البلسم الذي يصل به كلامه إلى البائسين والمحرومين وينفذ إلى قلوبهم فينجذبوا إليه إنجذاب الفراش إلى ضوء السراج، فيستطيع بذلك أن يشكل منهم قاعدة مخلصة لشريعته.
وقد بنى المسيح (عليه السلام) فلسفته ـ إذا صح التعبير ـ على دعامتين هما: العشق لله والخير لعباده، وهذا هو كل ما في المسيحية:
«وبلغ الفريسيون أنّه أفحم الصدوقيين، فاجتمعوا معاً، فسأله واحد منهم ليحرجه: يا معلم! ما هي الوصية الكبرى في الشريعة؟ فقال له: أحبب الربّ إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك، تلك هي الوصية الكبرى والاُولى، والثانية مثلها: أحبب قريبك حبّك لنفسك، بهاتين الوصيتين ترتبط الشريعة كلها والأنبياء».
إنّ المسيح (عليه السلام) لم يكن بصدد الإتيان بدين جديد غير ما بشرّ به موسى (عليه السلام) والأنبياء بعده، وإنّما شاهد نقاط الضعف في قومه وعالجها بمبدأ العشق وإكسير المحبة، فانعش به القلوب الظامئة والأرواح المتعطشة إلى نسيم العطف والرحمة.
ولم يكن شفاء المرضى والمعوقين إلاّ طريقاً إلى تسخير القلوب قبل أن يكون مجرد معجزة فانية، وهكذا الحال في معجزات إخوانه من الأنبياء والرسل (عليه السلام)، فقد أنقذت عصى موسى (عليه السلام) بني إسرائيل وعبرت بهم البحر وأغرقت فرعون وجيشه ورفعت لهم الجبل ليستظلوا تحته وسقاهم موسى (عليه السلام) عندما ضرب بها الحجر فانفجرت منه إثنا عشر عيناً، كل ذلك لجذب القلوب وانارتها بسراج العشق، مضافاً إلى كونها معجزته التي هزم بها السحرة.
وأمّا القرآن الكريم فدوره الأخلاقي والعلمي والإجتماعي في حياة المسلمين أوضح من أن يذكر، مضافاً إلى أعجازه الذي لا ينكر.
* * *
5 ـ مواجهة انحراف المؤسسة الدينية
لقد كان الخطر الأساسي الذي يواجه دعوة المسيح (عليه السلام) كامن تحت قلنسوات الفريسيين الصغيرة وطيالس علماء اليهود وأحبارهم، لأنّ هؤلاء كانت لهم القدرة الروحية بين الغوغاء وعوام اليهود فلا يدعون مصلحاً ولا نبياً إلاّ حاربوه أو قتلوه بإسم المحافظة على الشريعة الموسوية والناموس والكتاب المقدس.
والخطر الآخر كان أبعد وأقل تأثيراً من هؤلاء، وهو الجيش الرومي الذي كان يغير على فلسطين بين الفينة والفينة، وكثيراً ما كان الأحبار اليهود يتفقون سياسياً مع الحاكم الرومي على أورشليم وفلسطين المنصوب من قبل ملك الروم مقابل أتاوات وضرائب يدفعونها إليه سنوياً.
فالخطر المباشر والأساس هؤلاء المنافقين الذين يسخّرون أفكار اليهود ويتلاعبون بعقائدهم بإسم الشريعة الموسوية وللدفاع عنها، وهؤلاء لا ينفع معهم النصح والكلام اللين والمجاملات اللفظية للتجربة التي عاشها عيسى (عليه السلام) وسمعها عمن سبقه من الأنبياء(عليهم السلام)، فهذا يحيى (عليه السلام) (أو يوحنا المعمدان في الكتاب المقدس) كيف سخروا منه وحركوا الغوغاء ضده، حتى قتله الحاكم الرومي على غير رغبة منه وبتحريك من بغي، وأهدى رأسه لها.
نعم، لا بد من خوض معركة حاسمة ومكشوفة مع هؤلاء المتلبسين بلباس الدين وتجريدهم من القداسة الروحانية أمام الناس ليعرفوهم على حقيقتهم، ولا ينخدعوا بعمائمهم ولحاهم الطويلة وتمتماتهم الفارغة وظاهرهم المزيف، فكان يخاطبهم على رؤوس الأشهاد ويعنف عليهم هذا النفاق والرياء ويقول:
«الويل لكم أيّها الكتبة والفرسيون المراؤون، فإنكم تقفلون ملكوت السماوات في وجوه الناس، فلا أنتم تدخلون، ولا الذين يريدون الدخول تدعونهم يدخلون».
«الويل لكم أيّها الكتبة والفرسيون المراؤون، فإنّكم أشبه بقبور مكلّسة يبدو ظاهرها جميلاً، وأمّا داخلها فممتليء من العظام الموتى وكل نجاسة، وكذلك أنتم، تبدون في ظاهركم للناس أبراراً، وأمّا باطنكم فممتليء رياء.
أيّها الحيات أولاد الأفاعي، كيف لكم أن تهربوا من عقاب جهنم، من أجل ذلك هاءنذا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة بعضهم تقتلون وتصلبون، وبعضهم في مجامعكم تجلدون ومن مدينة إلى مدينة تطاردون، حتى يقع عليكم كل دم زكي سفك في الأرض».
وقد كان (عليه السلام) حدسه مصيباً واصابت سهامه كبد الحقيقة، وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله):
«إن أخوف ما أخاف عليكم كل منافق عليم اللسان».
إنّ علماء اليهود كانوا قد إستحوذوا على أمور بني إسرائيل السياسية والدينية والإجتماعية وضربوا حوله حصاراً من المعتقدات المزيفة حتى أصبحوا الواسطة بين الناس والله تعالى، وبين اليهود والحاكم الروماني، فمن يخاطر بالخلاف عليهم أو الإعتراض على مقرارتهم يطرد من المجتمع اليهودي ويتّهم بالخروج من الدين والكفر بالناموس ويهوه إله اليهود، وقد يسلم إلى الرومان أيضاً فينزلوا في حقه أشد العقوبات، لأنّ الرومان لا يريدون من اليهود إلاّ الطاعة والسكون، وقد ضمنها لهم أحبار اليهود إلاّ ما كان من بعض الأفراد أو الأنبياء أمثال زكريا ويحيى وغيرهما ممن سُلّم فوراً إلى الرومان بحجة المحافظة على أورشيم والهيكل.
نعم، لقد كان عوام اليهود لاحول لهم ولا قوة، ولم يكن أمامهم سوى الأنقياد والطاعة للأحبار والفريسيين وهم يعلمون بانحرافهم عن الشريعة الإلهية وممارساتهم اللا أخلاقية، ولهذا عندما سأل الراوي الإمام الصادق(عليه السلام) عن السبب في دخول عوام اليهود والمسيحيين النار، ودخول عوام المسلمين الجنّة مع أن كليهما مأمور بطاعة علماء دينه واتباعهم، فقال (عليه السلام):
«إنّما دخل أولئك النار لأنّهم يعلمون من علمائهم واحبارهم الكذب والخداع وحبّ الدنيا، وليس كذلك عوام المسلمين. فإنّهم إذا رأوا من علمائهم الصدق والامانة والتقوى اتبعوهم.» مضمون الحديث.
ولهذا كان بنو إسرائيل ينتظرون على أحرّ من الجمر من يخلصهم من هذا الكابوس الجاثم على صدورهم، وقد وجدت ندءات المسيح (عليه السلام) وبيانه الصريح صدىء طيباً في قلوبهم وشعروا بنبراته العذبة عن الله والرحمة والمحبة تنفذ إلى قلوبهم، فأورقت به أشجار عواطفهم اليابسة،
وأحيت في وجدانهم جذوة الأيمان الخامدة، فكان أن إستجاب له معظم المستضعفين والمحرومين والبائسين، وحتى من الطبقات الدينية المخلصة أيضاً.
* * *
6 ـ حذف الشريعة
ومن جملة الأعمال المهمّة للسيد المسيح (عليه السلام) والتي منحت لدينه ورسالته امتداداً في العمق الروحي والإنساني وكرست البعد الأخلاقي والمعنوي، إلغاؤه للشريعة التي جاء بها أنبياء بني اسرائيل، وبذلك حرر الإنسان المؤمن من التحرك في إطار الطقوس والشعائر الدينية والاهتمام بها على حساب اهتزاز الإيمان والمعنوية.
وقبل الدخول في تفاصيل هذه المسألة لابدّ من الإشارة إلى ما يتوهمه البعض من أنّ بولس الرسول هو الذي الغى شريعة اليهود لا المسيح(عليه السلام)ويتمسكون لذلك بقول المسيح في الانجيل: «ما جئت لانقض حرفاً واحداً من الناموس»، والصحيح ـ كما هو الوارد في الانجيل ـ أنّ المسيح نفسه لم يكن ملتزماً بالشريعة وكان يدعو الناس للإيمان فقط، والإيمان هو الذي يقود الإنسان في دروب الصلاح والخير لا العمل بالشريعة، ومن ذلك ما ورد في انجيل يوحنا (الفصل 8: 1 ـ 12) من إلغائه الرجم على الزانية:
«أمّا يسوع فذهب إلى جبل الزيتون، وعاد عند الفجر إلى الهيكل فاقبل إليه الشعب كله، فجلس وجعل يعلّمهم، فأتاه الكتبة والفريسيون بامرأة اُخذت في زنى، فأقاموها في وسط الحلقة وقالوا له: يا معلم، إنّ هذه المرأة
اُخذت في الزنى المشهود، وقد أوصانا موسى في الشريعة برجم أمثالها، فأنت ماذا تقول: وإنّما قالوا ذلك ليحرجوه فيجدوا ما يشكونه به، فانحنى يسوع يخط باصبعه في الأرض، فلما الحّوا عليه في السؤال انتصب وقال لهم:
«من كان منكم بلا خطيئة فليكن أول من يرميها بحجر» ثم انحنى ثانية يخط في الأرض بخط، فلما سمعوا هذا الكلام، انصرفوا واحداً بعد واحد يتقدمهم كبارهم سناً، وبقي يسوع وحده والمرأة في وسط الحلقة، فانتصب يسوع وقال لها:
«أين هم أيّتها المرأة؟ ألم يحكم عليك أحد؟
فقالت: لا يا ربّ.
فقال لها يسوع: وأنا لا أحكم عليك، اذهبي ولا تعودي بعد الآن إلى الخطيئة».
ومرّة أخرى اعترض عليه اليهود لأنّه يعمل في السبت وهو حرام عندهم، وكذلك عدم تقيّده بالغسل قبل تناول الطعام ممّا كان معروفاً في شريعة اليهود، بل كان يوصي أصحابه بعدم الالتزام بالشريعة، كما ورد في انجيل لوقا:
«وأقام له لاوي مأدبة عظيمة في بيته، وكان على المائدة معهم جماعة كثيرة من العشارين وغيرهم، فقال الفريسيون وكتبتهم لتلاميذه متذمرين: «لماذا تأكلون وتشربون مع العشارين والخاطئين؟
فأجاب يسوع: ليس الأصحاء بمحتاجين إلى طبيب بل المرضى، ما جئت لأدعو الأصحاء بل الخاطئين إلى التوبة.
فقالوا له: إنّ تلاميذ يوحنا يكثرون من الصوم ويقيمون الصلوات، ومثلهم تلاميذ الفريسين، أمّا تلاميذك فيأكلون ويشربون.
فقال لهم: «أبوسعكم أن تصوِّموا أهل العرس والعريس بينهم؟».
وقد رأينا آنفاً في موعظة الجبل كيف ألغى المسيح شريعة اليهود في قوله: قيل لكم.. أمّا أنا فأقول..».
ويشرح بولس الحكمة من وراء إلغاء الشريعة وعدم الالتزام بالأحكام الفقهية في رسالته إلى أهل غلاطية (3 ـ 4) يقول:
«أمّا أنّ الشريعة لا تبرر أحداً عند الله، فذاك أمر واضح، لأنّ «البار بالإيمان يحيى» على حين أنّ الشريعة ليست من الإيمان، بل من عمل بهذه الأحكام يحيا بها.. فقبل أن يأتي الإيمان كنّا بحراسة الشريعة مغلقاً علينا من أجل الإيمان المنتظر تجليه، فصارت الشريعة لنا حارساً يقودنا إلى المسيح لنبرر بالإيمان، فلما جاء الإيمان لم نبق في حكم الحارس، لأنّكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، فإنّكم جميعاً وقد اعتمدتم في المسيح قد لبستم المسيح، فليس هناك يهودي ولا يوناني، وليس هناك عبد أو حرّ، وليس هناك ذكر أو أنثى.. لأنكم جميعاً واحد في المسيح.. فحين كنّا قاصرين كنّا في حكم أركان العالم عبيداً لها، فليس بعد عبداً بل ابن، وإذا كنت إبناً فأنت وارث، بفضل الله».
وفي هذا النص يبيّن الرسول بولس من موقع الدقة والعمق، الفرق بين الإيمان والتدين بما هو التزام بالشريعة، فالإيمان القلبي هو الباعث للحياة ومنجي الإنسان من الوقوع في وحل الخطيئة وهو المحرك للإنسان للسير في خط الصلاح والمحبّة والأخلاق، لا العمل بأحكام الشريعة، فالإيمان هو الحب لله والمسيح والعشق للإنسانية والفداء وبذل الغالي والنفيس في سبيل انقاذ المحرومين والتقليل من معاناة البائسين كما رضي عيسى أن يصلب من أجل الناس وتبريرهم، فالإيمان لبس مجرّد أن يعتقد الإنسان بحفنة من العقائد الدينية الجافة التي تدور في مدرارات الذهن ولا تتجسد على أرض الواقع والسلوك، لأنّ الكثير من الناس ربّما يعتقدون بالمبدأ والمعاد، إلاّ أنّهم لا يتحركون في مقام العمل من موقع البذل والعطاء ونكران الذات والإيثار.. والقرآن يحدثنا عن الشيطان وحتى المشركين أنّهم كانوا يعتقدون بوجود الله، إلاّ أنّهم يعيشون الكفر به: (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ). وهذا يعني أنّ الإيمان لا يتجانس مع حالة الاستكبار، فمن كان يعيش التكبر والغرور والأنانية والتمرد فهو من الكافرين حتى لو كان يعتقد بوجود الله.
وعندما يكون الإيمان هو الحبّ لعيسى والتعاطف معه والولاء له، فهذا يعني الحركة بهذه الاتجاه أيضاً، لأنّ من يؤمن بشيء يتحرك وفق هذا الإيمان ويسلك في حركة الحياة والواقع بما يوحي له إيمانه، ولهذا كان عيسى (عليه السلام) يؤكد للناس أنّ الإيمان به يكفي للخلاص والحياة، بل هو الحياة الحقيقة.
«فأجابهم يسوع: لا تعملوا للطعام الذي يفنى، بل اعملوا للطعام الذي يبقى فيصير حياة أبدية...
قالوا له: ماذا نعمل لنقوم بأعمال الله؟
فأجابهم يسوع: عمل الله أن تؤمنوا بمن أرسل.. الحق أقول لكم: لم يعطكم موسى خبز السماء، بل أبي يعطيكم خبز السماء الحق، لأنّ خبز الله هو الذي ينزل من السماء ويعطي الحياة للعالم.
فقالوا له: يا ربّ، اعطنا الخبز دائماً وأبداً.
قال لهم يسوع: أنا خبز الحياة، من يقبل إليّ فلن يجوع، ومن يؤمن بي فلن يعطش أبداً».
وقال أيضاً: «أنا نور العالم، من يتبعني لا يمشي في الظلام، بل يكون له نور الحياة».
والإيمان بالمسيح يعني بالملازمة الإيمان بالله تعالى.
«من آمن بي لم يؤمن بي أنا، بل بالذي أرسلني، ومن رآني رأى الذي أرسلني، جئت أنا إلى العالم نوراً، فكل من آمن بي لا يبقى في الظلام، وإن سمع أحد كلامي ولم يحفظه فأنا لا أدينه، لأنّي ما جئت لأدين العالم، بل لأخلّص العالم»( ).
والإيمان بالله لا يعني الإيمان بالله الخالق والمولى وربّ الكائنات، كما في اليهودية والإسلام، بل الإيمان بالله الخير والحبّ، لأنّ الله في التعريف
المسيحي هو المحبّة والعشق، ومثل هذا الإيمان كفيل أن يقضي على كل شوائب الأنانية والذاتية والخطيئة، لأنّ الحبّ هو الخروج من سجن الذات والتخلص من مستنقع الرذيلة والخطيئة، لأنّ الإنسان مادام في حصار الأنا فهو واقع في الرذيلة، ولا يصل إلى الإيثار والفضيلة والقيم إلاّ بالحب الذي يكسر عنه قيود هذا السجن ويحرره من عبودية الذات المعتمة، وهذا هو ما نقرأه في حديث عيسى للسامرية:
«وكان يسوع قد تعب من المسير، فجلس دون تكلّف على حافة البئر، وكانت الساعة تقارب الظهر، فجاءت امرأة تستقي، فقال لها يسوع: «اسقيني»، وكان التلاميذ قد مضوا إلى المدينة ليشتروا طعاماً، قالت له المرأة السامرية: كيف تسألني أن أسقيك وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية؟ لأنّ اليهود لا يخالطون السامريين.
أجابها يسوع:
«لو كنت تعرفين عطاء الله ومن هو الذي يقول لكِ، اسقيني، لسألته أنتِ فأعطاك ماءً حياً».
قال له المرأة: يا ربّ لا دلو عندك، والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحي؟ هل أنت أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر، وشرب منها هو وبنوه وماشيته؟
أجابها يسوع:
«كل من يشرب من الماء يعطش ثانية، وأما الذي يشرب من الماء الذي أعطيه أنا إيّاه، فلن يعطش أبداً، بل الماء الذي أعطيه إيّاه يصير فيه عين ماء ينفجر حياة أبدية».
هذا هو الإيمان، وتلك هي معطياته وآثاره، أمّا الشريعة والالتزام بأحكامها فإنّه يسوق الإنسان في خط التحجر والانغلاق والاهتمام بالقشور والشعائر بعيداً عن الاهتمام بالقيم الأخلاقية والمثل الإنسانية لأنّه يحسب أنّ التدين والتمسك بالشعائر هو الذي ينجيه في الآخرة وهو الذي يحقق له إنسانيته، والحال أنّ الإيمان هو لبّ الدين لا التدين، وبما أنّ الإنسان لا يستطيع عادة الالتزام بكلا الأمرين: الشريعة والقيم، فسوف يكون اهتمامه بالشريعة على حساب اهتمامه بالقيم، ولهذا نرى المتدينين في الغالب من أسوأ الناس أخلاقاً، والشاهد على ذلك أنّ العالم لم يشهد جرائم أبشع من الجرائم التي يرتكبها اليهود المتشددون والأرهابيون الإسلاميون أو أفراد حركة طالبان ومن لفّ لفّهم، كل ذلك بسبب أنّ الشريعة مسختهم من انسانيتهم وأماتت المحبّة في ضمائرهم: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالاْخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).
لولا أنّ الشريعة اليهودية تلقن أتباعها بأنّهم الشعب الله المختار وأنّ عليهم السفر إلى أرض الميعاد فلسطين وطرد أهلها منها واحتلالها، لما وجد عاقل يهجر بلاده فى اوربا وأمريكا وروسيا ويترك حياة الحرية والرفاهية ليأتي إلى فلسطين ويعرض نفسه للخطر والموت والقلق ويسحق على كل القيم من أجل وهم اسمه أرض الميعاد!
لولا أنّ الشريعة الإسلامية توجب على أفرادها إقامة حكم الله في الأرض وتبيح لهم الغزو باسم الجهاد وأنّ «الجنّة تحت ظلال السيوف» لما وجد الإنسان له ضمير حيّ يقبل بأن يقتل الآلاف من الأبرياء من النساء والرجال والأطفال في الشوارع والمتاجر والمساجد في أفغانستان وباكستان والعراق والصومال والجزائر بذريعة إقامة الدولة الإسلامية والعمل بما أنزل الله!!
إنّ سبب تخلف المسلمين هو أنّهم تصوروا أنّ الرقي والتقدم والكرامة والرفاه والعدالة تتحقق كلها في ظلّ تطبيق الشريعة الإسلامية والتشبث بالماضي والتراث مع ما يتضمن من أحكام أقل ما يقال عنها أنّها تصلح فقط وفقط إلى تلك العصور البدائية التي كان بنو اسرائيل يعيشون في البادية وكانوا بحاجة ماسة إلى قانون ينظم حياتهم الاجتماعية والاقتصادية وأحوالهم الشخصية، وكذلك كان حال العرب في صدر الإسلام وخاصّة بعد بناء الدولة الجديدة في المدينة، أمّا عيسى فقد وجد نفسه فى غنىً عن صياغة قوانين وشريعة، لأنّ القانون الروماني كان يتكفل ذلك، ولهذا قال قولته الشهيرة: «اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله» ولو كان موسى قد بقي في مصر وتحت سلطة الفراعنة، كما كان يوسف (عليه السلام) من قبل، لما وجد مبرراً لاصدار شريعة خاصة ببني اسرائيل ولاكتفى بالقانون الرسمي للحكومة المصرية وربّما أجرى عليه بعض التعديلات.
وببيان آخر، إنّ عيسى بعث إلى أمة متحضرة نسبياً، وهم اليهود والذين كانوا يمتازون بدين إلهي وأنبياء كثيرون وثقافة جيدة، وكانوا يعيشون في حماية اُمة متحضرة وهم الرومان، الذين عاشوا حضارة مزدهرة ودولة قوية وقوانين متقدمة بما اقتبسوه من أسلافهم اليونانيين وفلاسفتهم ومفكريهم، فكان أن كرس عيسى جهده لإصلاح الخلل الإيماني والأخلاقي في ذلك المجتمع.
ولهذا صارت المسيحية متوافقة أكثر مع الحضارة الجديدة لخلّوها من المعوقات القانونية والتعقيدات الثقافية التي تعيق التطور والمسير في طريق التحضر والتقدم، وهكذا الحال في البوذية والكنفوشية في بلاد الصين واليابان، فنرى أنّ فقدان الأحكام الشرعية في هاتين الديانتين يسّر لتلك البلدان دخول المعترك الحضاري ومنافسة اوربا وأمريكا في هذا الميدان بعدما فتحت اليابان وكوريا الجنوبية والصين الباب لاستقبال الوافد الجديد بكل ما يزخر به ثقافة وقوانين وحقوق إنسان، وليس كذلك حال موسى (عليه السلام) ومحمد(صلى الله عليه وآله) اللذين بعثا إلى اُمّة همجية وقبائل متخلفة تقطن البادية وتسودها ثقافة العداء للآخر والجهل والخرافات وانعدام القوانين والدولة، فكان من الضروري البدء من نقطة الصفر وبناء مجتمع موحّد يقوم على سيادة الدولة وتطبيق القانون، فلهذا لم يكن أمامهما خيار آخر سوى الإتيان بالشريعة لحفظ النظام والاستجابة لمتطلبات المرحلة، وكانت هذه الشريعة في وقتها عنصر قوة في ذلك المجتمع وتشكل معلماً حضارياً متقدماً لتلك المرحلة وساهمت في خلق اُمة ودولة قوية، ولكن مرور الزمان وتطور المجتمعات البشرية وظهور تحديات جديدة وثقافات راقية جعل من تلك التشريعات قاصرة عن مواكبة التطور وإيجاد الحلول للمشاكل الجديدة التي يواجهها الإنسان المعاصر.
* * *
7 ـ تصوير العلاقة مع الله
ونستوحي من النص الآنف الذكر لبولس ومن مجمل ما ورد في الانجيل عن تصوير العلاقة بين الله والإنسان، أنّ الإنسان في هذه الرؤية الدينية تحول من كونه عبداً إلى كونه ابناً، أي تحوّلت العلاقة بين الله والإنسان من علاقة المولى والعبد ـ في الفكر الديني اليهودي والإسلامي ـ إلى علاقة الأب والابن، وتعد هذه الرؤية في صياغة العلاقة بين الله والإنسان نقلة حضارية ومنعطف مهم في الفكر الديني للمسيحية. ومعلوم أنّ العلاقة المبنية على مفهوم العبودية تستدعي حقوق متميزة للمولى على العبد ولا تتضمن الحب الفطري الموجود في علاقة البنوة، فالابن يحظى بحبّ أبيه سواء كان مطيعاً أم عاصياً، وليس كذلك العبد الذي لا يحظى بالحب والرحمة إلاّ في حال الطاعة، ومن هنا نرى التأكيد في النصوص الدينية اليهودية والإسلام على مفهوم التقوى والخشية من الله بخلاف المسيحية التي تؤكد على مفهوم المحبّة المتبادلة بين الابن وأبيه، ويترتب على ذلك أنّ العبد تجب عليه الطاعة المطلقة لمولاه ولا يحق له أن يناقش في الأمر الصادر إليه من مولاه ولا يفكّر في مضمونه وهل أنّه يصبّ في مصلحته أم لا؟ وما هي حدود المصلحة، وما جدوى السير في خط الطاعة والامتثال، المهم أنّه عبد وعليه الطاعة والسير في خط العبودية: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاْنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ). بينما في علاقة الأب والابن لا يكون الابن مكلّفاً بالطاعة المطلقة للأب إلاّ فيما يصبّ في صالحه ويفهم الملاك والحكمة في ذلك الأمر، بل إنّ الله في هذه الرؤية لا يأمر ابنه بل يقدم له النصيحة فقط، والابن بدوره يحقّ له القبول أو الرفض، أي أنّ العلاقة بين الله والإنسان تحولت من تكليف إلى حقّ، فالعبد مكلّف بينما الابن محق، ومن هنا برزت مقولة «الإنسان المحقّ» في العصر الحديث في مقابل الإنسان المكلّف في الماضي، لا أقول أنّ المسيحية في عصرها الأول ابتكرت هذا التحول عن المفهوم الحديث بكل تفاصيله وتداعياته، ولكنّها ساهمت إلى حدّ كبير في تكريس هذا المفهوم في الذهنية الغربية من خلال تحويل العلاقة بين الله والإنسان من علاقة عبودية إلى بنوّة، وهكذا ظهر المفهوم «الحرية».
ويترتب على ذلك أيضاً أنّ المؤمن يجد نفسه ملزماً بتحريك عقله واستخدام حريته في مسيرته السياسية والاجتماعية، في مجالات التقنين والتشريع لا أن يجلس جلسة العبد ينتظر الأوامر والتشريعات الصادرة إليه من الأعلى ليتحرك بصدد امتثالها والعمل بها دون أن يجد في نفسه حاجة لتحريك عقله وتفعيل قواه الفكرية لمعالجة المشاكل والتحديات التي يفرضها الواقع، وما عليه إلاّ أن يبحث في ثنايا النصوص عن الحلول الجاهزة لكل مشكلة وعن الاجابات الواضحة لكل مسألة... وهكذا برزت ظاهرة «العقلانية» في الغرب في مقابل تكاسل العقل الديني في الشرق.
ونستوحي أيضاً من النص المتقدم أنّ الابن يرث أباه وأنّ كل ما للأب فهو للابن، بخلاف المفهوم الآخر الذي لا يدع للعبد شيئاً يملكه، فالعبد وما يملك لمولاه، فالابن الذي يسكن في بيت والده يستطيع أن يقول إنّ هذا بيتي، وليس ذلك للعبد الذي يسكن في بيت مولاه، فإنّه يقول إنّ هذا بيت مولاي وسيدي، ويترتب على ذلك أنّ الابن يجد في نفسه باعثاً قوياً على التصرف في بيته وماله حسب ما يراه نافعاً له، وبما أنّ الطبيعة وكل ما في العالم هي ملك لله تعالى فهي ملك للإنسان أيضاً، وما عليه إلاّ أن يتحرك لإجراء التعديلات على الطبيعة والعالم بما يخدم مصالحه ويحقق رغباته في الحدّ الأقصى لا أنّ يجلس جلسة المتفرج على ظواهر الطبيعة ويعتبرها «آيات» تدلّ على وجود الله فحسب، ومن هنا برز مفهوم «تغيير العالم» في الفكر الحديث في مقابل «تفسير العالم» في الفكر القديم.
ولا يتوهّم القاريء الكريم أنني عندما استعرض هذه المقارنة بين مفهوم البنوة ومفهوم العبودية في تصوير العلاقة الله وأفضّل المفهوم الأول على الثاني، أنني أرى بطلان المفهوم الثاني، أو أخطي المفهوم الديني السائد لدى اليهود والمسلمين والوارد في النصوص الدينية لهم، فربّما كان مفهوم العبودية أصلح لدى الكثير من شرائح المجتمعات البشرية، وخاصة طبقة العوام، من مفهوم البنوة، والإنسان الهمجي المتخلف «كبني اسرائيل في عصر موسى (عليه السلام) أو العرب الجاهليين في عصر محمد (صلى الله عليه وآله) يتفاعل مع مفهوم العبودية أكثر ممّا يتفاعل مع مفهوم البنوة في علاقته مع الله ولا يصلحه إلاّ التخويف والترهيب من غضب الله وانتقامه في حال سلوك طريق العصيان والتمرد، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار الحركة التكاملية للإنسان والمجتمع البشري على امتداد التاريخ البشري فسوف ينكشف لنا ضرورة كل من هذين المفهومين في حركة الإنسان الحضارية، فالإنسان البدوي المتخلف كالطفل الذي لا ينبغي له سوى الطاعة والامتثال لأوامر أبيه، ولكن عندما يكبر وينمو عقله وتنضج عواطفه، فالأب حينئذ لا يعامله معاملة الطفل أو العبد، بل يترك له فسحة من الحرية والاستقلال ليتحرك في حياته بما يوحي إليه عقله ويقرر له ضميره، وهكذا حال الرؤية المسيحية في صياغة العلاقة مع الله بالنسبة للرؤية اليهودية والإسلامية، فلا ينبغي للإنسان المتحضر أو المجتمع الحديث أن يسلم زمام أموره لحفنة من الوعاظ والكهنة يرسمون له طريقه في الحياة باسم الدين والشريعة الإلهيّة ويفرضون عليه اتباعهم وتقليدهم بكل صغيرة وكبيرة في حياته السياسية والاجتماعية والفردية بذريعة أنّهم وكلاء الله على الأرض والواسطة بين الله والإنسان وأنّه لا يكتب له النجاة والخلاص في الدنيا والآخرة إلاّ من خلال تقديم فروض الطاعة والتقديس لهم والسير وراءهم!
نعود إلى ما كنّا عليه، فالمسيح عندما طرح مثل هذا المفهوم في علاقته بالله تعالى وأنّه ابنه، لم يقصد احتكار هذا المقام وهذه العلاقة لنفسه فقط، بل دعا الناس إلى أن يكونوا أبناء الله أيضاً وبالتالي يكونون إخوة له:
«ولا تدعو أباً لكم في الأرض، لأنّ لكم أباً واحداً هو الأب السماوي، ولا تدعو أحداً يدعوكم مرشداً، لأنّ لكم مرشداً واحد وهو المسيح».
«..لأنّ من يعمل بمشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي واُمي».
«إنّي سأصعد إلى أبي وأبيكم، وإلهي وإلهكم».
ومثل هذا المفهوم الديني عن العلاقة بين الله والإنسان ساهم بشكل كبير في تفعيل النهضة الحضارية في العالم الغربي من خلال تقوية المفاهيم الجديدة في واقع الإنسان المعاصر كالعقلانية، وفصل الدين عن الدولة، والإنسان المحق في مقابل الإنسان المكلّف، والتحرر من المرجعيات المقدسة التي تكبل عقل الإنسان وحركته الحضارية وغير ذلك.
ولكن هناك تيار فكري آخر في الغرب يذهب إلى عكس ذلك وأنّ الحضارة الجديدة نشأت من إعراض الإنسان الغربي عن الدين المسيحي وعن الكنيسة التي كانت تقف حجر عثرة في طريق العلم والعلماء وكل فكر جديد، وعلى ضوء ذلك نحن أمام اتجاهين في تحليل دور المسيحية في بناء الحضارة الجديدة، الأول يؤكد على الدور الإيجابي للفكر المسيحي في بناء الحضارة الغربية بما يتضمن من مفاهيم انسانوية وقيم أخلاقية متميزة، والآخر يرى عكس ذلك، والانصاف أنّ الحضارة الغربية الجديدة لم تنشأ من إعراض الإنسان الغربي عن الدين المسيحي بل عن تعاليم الكنيسة الكاثوليكية وإعتراضه على ممارسات رجال الدين، وأحد هذه الاعتراضات التي شكلت منعطفاً مهماً في حركة النهضة هو ما قام به «مارتين لوثر» و«كالفين» من نهضة دينية ضد ممارسات الكنيسة والتي أفرزت المذهب البروتستانتي الذي يعتقد الكثير من المفكرين الغربين ومنهم عالم الاجتماع الالماني «ماكس فيبر» أنّه أحد عوامل المهمة في ولادة الرأسمالية الحديثة.
ومهما يكن من أمر، فالصورة التي يرسمها المسيح للعلاقة بين الله والإنسان تقرب الإنسان نحو الله وتشدّه أكثر نحو الذات المقدسة وتربطه برابطة الحب لا الخوف، وكل إنسان بالغ وناضج يفضل مثل هذه العلاقة والرابطة ويفضل علاقة الحب على علاقة الخوف والخشية، لأنّ الحبّ انفعال لذيذ وإيجابي، والخوف انفعال مؤلم وسلبي، فمن أحب شيئاً
انجذب إليه، ومن خاف شيئاً هرب منه، وبديهي أنّ الله تعالى لا يريد من الإنسان أن يهرب منه بل يريد منه الاقبال عليه.
* * *
8 ـ الانفتاح على المجتمعات البشرية كافة
الخطر الأكيد الذي كان يواجه دعوة المسيح (عليه السلام)هو تأطير الدين بالقومية وإنغلاق اليهود على أنفسهم، مما يؤدي إلى إمتصاص أي تحرك إيجابي داخل عدة قليلة من الناس، ولم يكن دين الله ورحمته حكراً على أحد ولا أنها تأبى أن ينتفع بها جميع الناس، بل أنها وجدت في الأصل للجميع، إلاّ أن بخل اليهود لم يقف عند حد المال والثروة، بل تعداها لإحتكار الدين الإلهي، ونجدهم لحد الآن لا يقبلون غيرهم في دينهم، ولا يعلّمون الناس المعارف الدينية، بل وأكثر من ذلك يروّجون المنكرات والفحشاء في سائر الأقوام والشعوب ليتسنّى لهم تصديق خرافتهم بأنّهم شعب الله المختار وسائر الشعوب همج رعاع وخراف ضالة.
لقد كانت الخطوة التي أقدم عليها المسيح (عليه السلام)بهذا الصدد في غاية الروعة والحكمة، فقد رأى مواقف اليهود السلبية من دعوته ولم يبق معه إلاّالثلة القليلة من الذين اتبعوه، فأمر الحواريين بالأنطلاق في أرجاء العالم الفسيح والتبلغ لدعوته، وأول رسول بعثه خارج دائرة اليهود وفلسطين كان إلى مدينة أنطاكية وحاكمها الروماني، والذي ورد ذكره في القرآن الكريم في سورة (يس)، تقول الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام).
«إنّ عيسى (عليه السلام)لما أراد وداع أصحابه جمعهم وأمرهم بضعفاء الخلق ونهاهم عن الجبابرة، فوجّه إثنين إلى أنطاكية فدخلا في يوم عيد لهم فوجداهم قد كشفوا عن الأصنام وهم يعبدونها فعجلاّ عليهم بالتعنيف فشدّا بالحديد وطرحا في السجن، فلما علم شمعون بذلك أتى أنطاكية حتى دخل عليهما في السجن وقال: ألم أنهكما عن الجبابرة، ثمّ خرج من عندهما وجلس مع الناس مع الضعفاء فأقبل يطرح كلامه الشيء بعد الشيء فأقبل الضعيف يدفع كلامه إلى من هو أقوى منه وأخفوا كلامه إخفاء شديداً، فلم يزل يتراقى الكلام حتى إنتهى إلى الملك فقال: منذ متى هذا الرجل في مملكتي؟ قالوا منذ شهرين، فقال: عليّ به. فأتوه فلمّا نظر إليه وقعت عليه محبته فقال: لا أجلس إلاّ وهو معي، فرأى في منامه شيئاً، أفزعه، فسأل شمعون عنه فأجاب بجواب حسن فرح به، ثم ألقى عليه في المنام ما أهاله فأوّلها له بما ازداد به سروراً، فلم يزل يحادثه حتّى أستولى عليه ثم قال: إن في حبسك رجلين عابا عليك، قال: نعم، قال: فعليّ بهما، فلمّا أتى بهما قال: ما إلهكما الذي تعبدان؟ قالا: الله، قال: يسمعكما إذا سألتماه ويجيبكما إذا دعوتماه؟ قالا: نعم قال شمعون: فأنا اُريد أن أستبرئ ذلك منكما قالا: قل، قال: هل شفي لكما الأبرص؟ قالا نعم، قال فأتى بأبرص فقال سلاه إن يشفي هذا، قال: فمسحاه فبرئ، قال وأنا أفعل مثل ما فعلتما، فأتى بآخر فمسحه شمعون فبرئ قال: بقيت خصلة إن أجبتماني إليها آمنت بإلهكما، قالا: وما هي؟ قال: ميّت تحييانه؟ قالا: نعم، فاقبل على الملك وقال: ميّت يعنيك أمره؟ قال نعم ابني، قال: إذهب بنا إلى قبره فأنهما قد أمكناك من انفسهما. فتوجهوا إلى قبره فبسطا أيديهما فبسط شمعون يديه فما كان بأسرع من أن صدع القبر وقام الفتى فاقبل على أبيه فقال أبوه: ما حالك؟ قال كنت ميتاً فزعت فزعة فإذا ثلاثة قيام بين يدي الله باسطوا أيديهم يدعون الله أن يحيني وهما هذان وهذا، فقال شمعون: أنا لإلهكما من المؤمنين، فقال الملك: أنا بالذي آمنت به يا شمعون من المؤمنين، وقال وزراء الملك: ونحن بالذي آمن به سيدنا من المؤمنين. فلم يزل الضعيف يتبع القوي فلم يبق بأنطاكية أحد إلاّ آمن به».
ونجد في كتب التاريخ إن المسيح (عليه السلام) في آخر ساعات حياته إجتمع بالحواريين. وأمرهم بالتوجه إلى البلدان النائية كأيران وبلاد اليونان ونشر دعوته هناك، وبذلك إنكسر السد الأسرائيلي وفاضت مياه الرحمة الإلهيّة لتغمر سائر شعوب العالم.
وبهذا العمل العظيم إنتصر المسيح (عليه السلام) على علماء اليهود الذين سعوا عاجزين على تطويق دعوته وخنقها في المهد، وكانت أكثر الشعوب المستفيدة من هذه الدعوة الإلهية هي الشعوب الغربية التي لم يحالفها الحظ أن يبعث منها نبي واحد، وفتحت الولايات الرومانية قلوبها إلى هذا الدين الجديد ووجدت فيه ضالتها ومأواها لكثرة الحروب والنزاعات الدامية التي أنهكتهم وأبادت خيراتهم وقتلت شبانهم، مضافاً إلى ظلم السلاطين الرومان الذي لم يكن يدانيه ظلم في التاريخ، وقد تقدم ما كانت عليه حالة الشعوب الأوربية قبل بعث المسيح (عليه السلام) من طغيان السلاطين الرومان والأضطهاد الذي حاق بالشعوب الرومانية واليونانية من ظلمهم.

ـ من كتاب "منهاج الرسل"



#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفتاوى والروايات المتعارضة مع العقل
- هل بقي التوحيد الاسلامي سالماً من التحريف؟
- المجتمع المدني وحقوق الانسان
- ضلع ادم ... خلق المرأة في التراث الديني
- مهزلة نذر عبد المطلب
- نقد كتب الدعاء والزيارة
- من أدلة عدم وجود الله ... دليل وجود الشر
- التفسير التاريخي لظاهرة الايمان بالله
- حقيقة الوحي
- دور المرجعية في عصر الحداثة
- العقلانية في الفقه
- محاضرة العقلانية في عصر الحداثة
- محاضرة العقلانية في الاخلاق
- محاضرة اعرف نفسك
- نقد الحر العاملي ومصنفاته
- محاضرة كيف نعرف الدين الحق؟
- محاضرة المنهج الهيرمنيوطيقي للمثقفين
- محاضرة العقلانية في الشعائر والطقوس
- القراءة المنسية ... مراجعة لنظرية «العلماء الأبرار» القراءة ...
- نقد أحاديث تفسير القرآن


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد القبانجي - المنهج الاجتماعي والأخلاقي للسيد المسيح