الحرب الاهلية من منظور اقتصادي معاصر

صادق رشيد التميمي

الحوار المتمدن-العدد: 4055 - 2013 / 4 / 7 - 21:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يذهب الاقتصادي الانكليزي بول كولير(Pual Collier) الى ان الدوافع الكامنة والمستترة للحرب الاهلية لاتمت بصلة للمفاهيم الاخلاقية او القيمية وان الحافز الرئيسي للحرب يكمن في الطمع بغنم السلطة والاستئثار بامتيازاتها جازما بان المتمردين هم على الجانب الخاطئ وان المنظور الاقتصادي لايفرق بينهم وبين عصابات الجريمة المنظمة ليؤكد حقيقة ان حشد الرأي العام للجماعات الاهلية الداعمة والمنخرطة بالصدام يتم اغواءها عبر خطاب بلاغي للمطاليب ولهذا السبب يقر كولير ان المنظور الشعبي تضليلي واذا كانت هذه الرؤية فيها نوع من الانكار لعمليات الصيرورة التاريخية لجذور النزاع واعتبار تاثيرات العوامل الخارجية مجرد مصادفة حتى لاتمنح اي مشروعية للتمرد فانها في الصميم تدعم منطق ان ثمة وهم ايدلوجي يجب حسابه في موازين قوى الواقع كقوة ارتكاز في شن وادامة الحرب الاهلية. يرى كولير ان من بين اهم الاسباب التي تجعل شرط الحرب الاهلية احتمال ممكن من منظور اقتصادي هو القدرة التمويلية للجماعات المتمردة كما هو الحال مع القوات المسلحة الثورية في كولومبيا او الدعم المالي للجيش الجمهوري في ايرلندا الشمالية من المهاجرين الايرلنديين (Diaspora) الذين تجذرت اعمالهم التجارية في الولايات المتحدة. في دراسته لتاريخ الحروب الاهلية للفترة الممتدة من اواسط الستينات وحتى التسعينات يحدد كولير ثلاثة عوامل مهمة متظافرة معا او بشكل منفرد وراء اندلاع الحرب الاهلية يأتي في مقدمتها وجود المواد الاولية المصدرة كالماس والنفط والنمو المنخفض للاقتصاد لفترة طويلة وكذلك الاختلاط الديني والعرقي عندما تكون هناك جماعة اثنية مهيمنة في السلطة. يعتقد كولير انه مهما كانت الافكار التي تقبع خلف المطاليب نبيلة فانها لايمكن ان تبرر الحرب الاهلية ذاك ان كلف الحرب الاقتصادية وفضائعها الانسانية لاتبرر اي مطاليب مهما بدأت مشروعه حاملا بقسوة على افكار التضحية بالنفس والصراع البطولي ضد القمع معلنا انها مجرد خطابات ذو لغة تأثيرية لتبرير الاستيلاء على السلطة ونهب الثروة وان نشاط المتمردين لايختلف عن نشاط قطاع الطرق والعصابات الجنائية او افراد حرب العصابات فالمطاليب الموضوعية وحدها غير قادرة على تمويل الصراع العنفي بمعزل عن الدوافع والمطاليب الشخصية لقادة التمرد لهذا فهو لايظهر اي نوع من التسامح مع المتمردين ودائما يصنفهم على انهم اعضاء في منظمة اجرامية. يعتقد كولير ان الشفافية العالية والفعالة للحكومة قادرة على احباط مساعي المتمردين في ان يكون لهم نفوذ شعبي وكذلك فان الانفاق على التعليم والرعاية الطبية في المراكز المدنية والارياف قادرة على تحويل المجتمع الى خصم للمتمردين بدلا من ان يكون حاضنة لهم كما ان حرية الصحافة من الممكن ان تساهم في الحد من الفساد الذي يمكن ان يكون متكئ قوي لتبرير نشر ودعم التمرد.ان كولير ممكن ان يقايض استمرار وجود قتلة في سلم السلطة مدعومين اثنيا بموجب عقد التسوية السياسي للحرب الاهلية مقابل استقرار البلد المحترب واندماجه في الفعاليات الاقصادية العالمية مقترحا على الحكومة استخدام سياسة العصا والجزرة (Stick and Carrots) ذاك ان الاعتبارات الاخلاقية ربما تشتغل ضد الامكان الواقعي الذي يجنح الى أولوية الاستقرار وفقا لأشتراطات مصالح متمركزة عالميا لذا يغدو سوأل ماهو مصير الاستقرار الناجم عن تسوية جوهرها تأصيل للابتزاز؟ مؤجلا باعتباره احتمال قابل للضمور والتلاشي كلما تأصلت مصالح الجماعات السياسية بمرور الزمن. يقترح كولير وصفة لمابعد الحرب الاهلية لتجنب الانتكاس والعودة مجددا لها تتمثل بخلق نظام فعال للتدقيق والتوازن
(The System of checks and balance)
وعدم الانفاق العالي على التسليح لان من شان العسكرة ان تشجع الحكومة على التنصل من اتفاق التسوية فهو يعتقد بان وجود تاريخ طويل للحرب الاهلية يعزز امكانية اشتعالها مجددا فالعراق على سبيل المثال غرق في دوامة حروب اهلية متعددة كانت تقف وراءها توافر جميع العوامل الثلاثة. ان كولير الاقتصادي الليبرالي ربما يرى ان حكومة شفافة مع جيش محدود الانفاق والنفوذ وتجذر مصالح اقتصادية وامتيازات سياسية داخل الدولة لصالح المتمردين قد يقود الى الاستقرار باعتبار اصبح لهم مصلحة مباشرة بالدفاع عن الدولة تمنعهم من تأجيج غرائز العوام وقذفهم مجددا في الاقتتال غير ان العراق يظهر استثناء عن ذلك فالعوائد الريعية الهائلة مع مؤسسات ضعيفة تعمل تحت سطوة جماعات دينية واثنيه بمعزل عن تبني آليات الدولة الحديثة والتصالح مع الافكار الديمقراطية جعلت من الفساد حتمي ومتأصل لصالح طغم مالية فاقم شهوة صراعها على السلطة ووفر لها أسس تمويلية للتلويح بالحرب الاهلية اذ ان سياسة الفساد والرشوة من اجل دمج التمردات قادت الى تأصيل منطق مشروعية استخدام سياسة حافة الهاوية لزعزعة الاستقرار الاجتماعي اذ تلاشى الخط الفاصل بين الامتيازات السياسية والنهب المنظم وتلاشت معه فكرة حيادية الدولة عن الحكومة مما يدعو الى التسأول فيما اذ كانت الحروب الداخلية التي عصفت بالعراق كانت حروب اهلية طبقا لمنظور كولير؟

#صادق_رشيد_التميمي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل