أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - بين المعاناة، و الإعلاء من القيمة الإنسانية للشخصية في قصة (ثلاثون رجلا يواجهون الموت) لمحمد البساطي














المزيد.....

بين المعاناة، و الإعلاء من القيمة الإنسانية للشخصية في قصة (ثلاثون رجلا يواجهون الموت) لمحمد البساطي


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 4051 - 2013 / 4 / 3 - 22:08
المحور: الادب والفن
    


تمتزج المعاني الفلسفية العميقة للوجود بدلالات السياق الاجتماعي، و ما تحمله من تناقضات، أو مركزيات محتملة في نص (ثلاثون رجلا يواجهون الموت) للروائي المصري الراحل محمد البساطي، المنشور قبيل وفاته بمجلة العربي عدد يوليو 2012 . و يتميز نتاج محمد البساطي القصصي بالعمق الفكري، و الكثافة التعبيرية للسرد، و المزج بين صيرورة الحياة الإبداعية الكامنة في السياق الواقعي، و الكشف عن الأبنية الاجتماعية ،و الثقافية، و الاقتصادية الفاعلة، و الخفية في تشكيل الشخصيات، و منظورها للعالم.
يقوم النص على رصد الراوي لمعاناة ثلاثين رجلا من الفلاحين المهمشين من داء في البطن يعرضهم لموت وشيك، و لكن النساء يقمن بالتعاون للذهاب بهم إلى المستشفى، ثم يقررن المكوث إلى جوارهم بالمستشفى، و لو بالمساعدات الخارجية البسيطة في الحصول على بعض الملابس، و الحمير للمواصلات، ثم يبكين في النهاية، دون أن ينحاز النص للحياة، أو الموت.
و في النص إشارات مكثفة حول معاني السؤال الفلسفي عن الوجود، و تناظر الموت، و الحياة، و قابلية الاستبدال بينهما، و ازدواجية الحزن، و الإيجابية الأدائية للشخصيات، و اختلاط التهميش الاجتماعي بالصمت، و الانفتاح على الأبعاد الإنسانية، و الروحية الكامنة في المهمش نفسه.
و يمكننا رصد أربع تيمات فنية في النص؛ هي: أسئلة الوجود، و إجاباتها المحتملة، و الإعلاء من القيمة الإنسانية فيما وراء الأحداث، و السرد بين الكثافة، و الأداء، و تعدد مجالات الحدث الواحد.

أولا: أسئلة الوجود، و إجاباتها المحتملة:
يطرح سارد البساطي أسئلة الوجود المتعلقة بالموت، و الحياة، و البحث عن معنى للكينونة الفردية في سياق الكون، و المجتمع من خلال أسئلة وظيفية بسيطة تبحث عن إجابات معلقة، و لكنها تحمل عمقا فلسفيا ، أو من داخل سيطرة نموذج كوني، أو اجتماعي أقوى من الوجود الفردي؛ مما يجعل الشخصية حائرة بين البحث عن مدلول للحدث، أو الاستسلام للصمت الهادئ كما هو في نهاية النص.
لقد بدأ النص بهيمنة المرض المصحوب بمعاناة اجتماعية على ثلاثين فلاحا؛ و من ثم تتناظر الأسئلة المولدة من هذا النموذج الذي يمتص الفردية ، و يضعها في موقف التساؤل حول الموت، و الحياة، و القيمة، ثم تطرح النساء أسئلة بسيطة ، و لكنها محملة بأفكار حول النقص الأساسي في الشخصية، و البحث عن حد أدنى من التكيف مع المعاني الإنسانية الكامنة في عوالمهن الداخلية.
يقول السارد في حوار بين امرأتين:
"– هي وصلت إننا نستلف الهدوم؟ - و فيها إيه؟ الناس لبعض."
و رغم بساطة السؤال، فإنه يسير في اتجاهين؛ الأول يبحث في الوضع الاجتماعي المهيمن على الصوت المتكلم، و الثاني يتحول فيه السؤال إلى حدث إيجابي؛ و هو جمع الملابس؛ و من ثم تحقيق قدر بسيط من القيمة الإنسانية، ثم ينتهي النص بالبكاء الصامت في مواجهة المرض، وتناظره مع هدوء الحياة بالخارج، دون إجابات حاسمة.
هل صار الموت معبرا؟ أم أنه نغمة متواترة، أو صاخبة تشبه تجليات الحياة، و شكولها النسبية المتغيرة؟
الموت مجال يهيمن على تلك المفعولية في الصوت، و في تلك الحوارات التعبيرية التي يجيدها البساطي، و لكنه مجال مجازي مفتوح، و يحتمل إشراقة أخرى للحياة.

ثانيا: الإعلاء من القيمة الإنسانية فيما وراء الأحداث:
رغم هيمنة النماذج الاجتماعية، و المعاناة الجسدية على الشخصيات، فإن المرض يظل غريبا عن الروح الداخلية المتعالية للشخصية، كما يظل الدافع الإنساني دائريا، و ملحا، و في حالة من العمل؛ لأجل نقل المرضى إلى المستشفى، أو الاهتمام بتغطية فلاح مريض، أو مرافقة النساء لرجالهن، و البكاء عليهم.
إن الأحداث السابقة تمثل تجليات للإعلاء من القيمة الإنسانية المقاومة لقهر التهميش، و الكامنة في وعي الشخصيات، و لاوعيها؛ و هو ما يكسب النص عمقا يتعالي على الحدث الظاهر، و هو المرض، و توابعه.
ثالثا: السرد بين الكثافة، و الأداء:
تتميز الوحدات السردية في قصة محمد البساطي بالكثافة ، و الإيحائية التعبيرية؛ و هي تيمة فنية متواترة في نتاجه القصصي، و الروائي؛ فالأحداث تتلاحق دون أن يطغى عليها المنطق الوظيفي للسرد، و لكنها تومئ بمدلول فلسفي، أو اجتماعي، أو فني ذي مغزى.
يقول السارد:
"حملوا المرضى القادمين على نقالات، شطفوا أفواههم، و خلعوا جلابيبهم المتسخة، و أخذوهم في طابور إلى دورة المياه، و غسلوا معداتهم".
و نلاحظ هنا أمرين:
الأول: القدرة الإيمائية للوحدات السردية رغم تبعيتها لمنطق الحكي القصصي؛ و هو ما يكسبها ثراء وظيفيا؛ إذ تعبر عن حالة المفعولية المهيمنة على الشخصيات، كما تدل على تجاوز الشخصية للموقف الذاتي المستقل من الوجود؛ فهي تذوب في حدث أقوى منها.
الثاني: غلبة الأداء على الشخصية؛ فهي لا تملك القدرة على تقديم إجابات، أو أفكار حول تاريخها، و هويتها، و إنما تؤدي فقط؛ و من ثم يصير هذا الأداء محورا جديدا يقع في مسافة فكرية مشتركة بين الكاتب، و القارئ.
رابعا: تعدد مجالات الحدث الواحد:
يعد الحدث في كتابة محمد البساطي مفتتحا لمجموعة معقدة من العلاقات بين مكونات النص القصصي، و التيار الإبداعي للحياة من جهة، و الدلالات الفكرية المتنوعة المولدة من الحدث من جهة أخرى؛ فأثناء الاستعداد لنقل المرضي نجد السارد يشير إلى انتقاء النساء للحمير القوية التي تشبه البغل؛ و كأن تيار الحياة في الكائنات المختلفة يقاوم الموت الظاهر، و بينما يهيمن المرض على الشخصيات نجد القطط تهز ذيولها، و تنظر؛ فالحياة تبدو كمجموعة من المجالات التي لا تعبأ بالانهزامية، و تؤكد التناظر، و التعدد في بنياتها المختلفة.
و قد بدأ النص بعرض إشكالية المعاناة الإنسانية، ثم تولدت من إشاراته معان عديدة، و متباينة؛ مثل أفكار التفاوت، و التهميش، و سؤال الكرامة، و الإيجابية المحتملة، و الموت المحتمل، و غيرها.
د. محمد سمير عبد السلام - مصر



#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية الجمالية، و دلالاتها الثقافية في سيرة (قلب العقرب) لم ...
- مصطفى الأسمر .. و تعدد مجالات الرؤية في رواية متتابعة الموت ...
- التجدد و التفرد و التضاعف .. قراءة في ثلاث مجموعات قصصية
- الكشف عن ثراء النصوص ، و الأفكار في نتاج عبد الغفار مكاوي
- الحكي كنغمات جمالية .. قراءة في مجموعة (الأمنية الأخيرة) لهد ...
- تجدد الذات، و تجدد العالم في قصص مصطفى الأسمر
- اللعب الجمالي، و انفتاح الرؤى التأويلية .. قراءة في ديوان سي ...
- من الآلية إلى تمرد الوعي المبدع .. قراءة في ديوان غازات ضاحك ...
- الإنتاجية الجمالية للتعدد، و الاختلاف .. قراءة في ديوان هكذا ...
- جماليات اللقطة، و التشكيل المجازي للواقع في عالم إبراهيم أصل ...
- العمل الفني ، و الجمهور النشط .. حديث لإيهاب حسن
- الولادة المتجددة للأعمال الفنية عند ثروت عكاشة
- الطاقة الإبداعية للسؤال .. قراءة في رواية اللاسؤال و اللاجوا ...
- من المعاناة إلى السلام الإبداعي .. قراءة في ديوان (من أجل ال ...
- سرد إبداعي للأشياء .. قراءة في رواية هليوبوليس ل مي التلمسان ...
- سيمفونية للموت ، و الحياة .. قراءة في رواية بيوت بيضاء ل هدى ...
- حياة المكان ، و علاماته الثقافية .. قراءة في رواية وردة الني ...
- بين تشكل الهوية ، و جماليات التجاوز .. قراءة في رواية أرضنا ...
- من الهيمنة الرمزية إلى أصالة الإبداع .. قراءة في موسيقى المو ...
- بين الحلم ، و تناقضات الهامش


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - بين المعاناة، و الإعلاء من القيمة الإنسانية للشخصية في قصة (ثلاثون رجلا يواجهون الموت) لمحمد البساطي