أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد دوير - أزمة الطبقة الوسطي المصرية















المزيد.....

أزمة الطبقة الوسطي المصرية


محمد دوير

الحوار المتمدن-العدد: 4051 - 2013 / 4 / 3 - 12:21
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


لم تعاني مصر مشكلة طائفية عندما كانت الطبقة الوسطي تدير الحياة السياسية المصرية وتناضل ضد الاحتلال الإنجليزي. ولم تعرف هذا النوع من المشكلات الطائفية إبان إدارة الطبقة الوسطي لعجلة الإنتاج والتقدم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.ولكن ما إن وضع الوطن علي موائد التبعية للرأسمالية الغربية ونمط الثقافة البدوية حتي بدأت تتقاذفها كرات اللهب المشتعل الإثنية والعرقية والطبقية والثقافية، فصار الوطن بلدين يفصل بينهما مئات السنين.
***
وعندما اختل ميزان المجتمع المصري اعتبارا من منتصف السبيعنيات بدأ الخلل يدب في أوصال مركز وأطراف المجتمع، حيث تزامنت قوانين الاستثمار العربي والأجنبي بدءا من القانون 43 لسنة 1974 وحتي القوانين الحالية مع تأشيرة السادات التي منحها للتيار الإسلامي علي بياض ليعيدوا رسم خريطة الثقافة المصرية وفق شروط الفكر الوهابي، لحقها درجات متفاوتة من الإزاحة الاجتماعية التي تمثلت في الهجرة من الريف الي الحضر ومن مصر الي دول الخليج والعودة وتغيير نمط الحياة المصرية نحو الاستهلاك المبالغ فيه، ثم تنامي النشاط الرأسمالي الطفيلي عما عاداه من أنشطة مع شركات توظيف الأموال والاقتصاد الأسود وظهور طبقة جديدة ارتبطت مصالحها المباشرة مع بعض الدوائر الرأسمالية العالمية، صاحب ذلك هبوطا حادا في مستوي الذوق العام سواء في السينما أو الأدب أو الفن أو حتي الأغنية. كل ذلك مهد التربة وعبد الطرق نحو ضرورة اختفاء الطبقة الوسطي المصرية بمفهومها الكلاسيكي ودورها التاريخي في الحفاظ علي درجة محددة من اتزان المجتمع المصري والحفاظ علي إنجازاته عبر القرنين الماضيين منذ تجربة محمد علي وحتي اليوم.فالطبقة الوسطي المفترضة هذه أصبح مكانها هو طابور البطالة الطويل إما بسبب عدم التوظيف أو بسبب سياسات الحكومة فيما سمي بالمعاش المبكر أو تصفية قوي الإنتاج الكلاسيكية، وبالتالي فلابد أن يؤثر هذا التغير الهيكلي في الطبقة الوسطي علي دورها ووظيفتها واستعدادها لممارسة دورا ايجابيا لتقدم الوطن أو للحفاظ علي إنجازاته التاريخية.إن غياب الطبقة الوسطي ترك مساحات شاسعة من الفراغ في العقل الجمعي للأمة، تلك المساحات كانت مستعدة تماما لاستقبال حزمة قيم جديدة تماما وغريبة علي طبائع هذا المجتمع، ومن ثم أمكن لهذه القيم الجديدة أن تضرب صلب عقيدة التسامح والتنوع التي اتسمت بها الحياة المصرية فيما سبق.
***
هذه المتغيرات وغيرها الكثير - مما لا يسمح بالاستفاضة في تناوله - أحدث أمرين هامين وخطيرين، الأول تفريغ الطبقة الوسطي من وجودها الحقيقي بكل ما يعني هذا الوجود من معني متصل بدرجة أو بأخرى باستعدادها لامتصاص مشكلات المجتمع قبل وصولها لمرحلة الأزمة والانفجار. الثاني، أصبحت القوي المفترضة لتكوين الطبقة الوسطي هذه " خريجوا الجامعات – الموظفون- التجار – بعض أثرياء الريف- لا يمثلون من حيث وضعهم المالي القوة الواجبة للقيام بمهامهم المطلوبة، فإما سافر بعضهم الي الخليج ليأتي بمال النفط وثقافته، وإما انزوي البعض الآخر في زاوية العمل المتعثر وهبط معظمهم الي ادني السلم الاجتماعي وأصبح معبرا عن فئة المهمشين أو العاطلين. وفي كلتا الحالتين شكلت هذه القوى في بعدها البشري أو بعدها النفطي ذخيرة حية ومتجددة لتيار الإسلام السياسي الذي حقق طفرة خطيرة وقفزة هائلة ساعدته كثيرا في إحكام السيطرة علي جزء كبير من منافذ العقل المصري.ومن بين تلك المنافذ بالطبع القضية المحورية في تكوين الشخصية المصرية وهي التعايش مع الآخر، وهذا الآخر دائما ما كان في عقود سابقة سندا حقيقيا سواء في مواجهة الاحتلال أو في التصدي للاستبداد أو في الدفاع عن تراب الوطن.وإذ بسبب فقدان المجتمع لطبقته الوسطي فقدانا وظيفيا تاما ووجوديا نسبيا ؛ تحولت المفاهيم الدالة علي التعايش الي مفاهيم ضالة للتعايش، فتبدلت النظرة الي الآخر بوصفة خصما أو عدوا يجب التخلص منه أو علي اقل تقدير الحذر والمجافاة، وهذا الموقف السلبي من الآخر ليس موقفا صامتا مختزلا في المراقبة عن بعد بل هو موقف تحريضي قائم علي التحرش بالعقائد وغير راغب في الاستماع الي نصائح الآخرين الذين يعلون من قيم المواطنة، فصرنا أمام خطابين، خطاب رسمي من الدولة والمثقفين والإعلام المعتدل يؤكد علي أهمية قبول الآخر. وخطاب سري أسود يدعو إلي الإقصاء والتهميش تقوده بعض الفضائيات ولكن معظمه مركز في مواقع الانترنت وبعض دور العبادة.
***
إذن من الهام ملاحظة أن قوة الطبقة الوسطي هى الحصن الحقيقي لسلامة الوحدة الوطنية، وإنني علي استعداد تام لتقدير كافة المحاولات التي تبذل من قبل المثقفين المصريين ورجال الدين من الطرفين لتهدئة الأجواء وتصفيتها، ولكن يبقي أن عمق الجرح الوطني اكبر من معالجات سطحية مؤقتة، لأن القضية متعلقة بمسار أمة واختيارتها في التعليم والإعلام والثقافة وذات صلة أيضا بمدي استعداد رجال الدين هنا وهناك لتجديد الخطاب الديني باتجاه القيم المعاصرة وبما يتواكب مع إنجازات البشرية في العلوم الطبيعية والإنسانية.إن مفاهيم الطبقة الوسطي وقيمها تكاد تتطابق مع مفاهيم وقيم الوحدة الوطنية والتي هي التسامح – الحرية – العدالة – الشعور بالملكية العامة أو بالمواطنة- المساهمة في تكوين العقل الجمعي- المشاركة في بناء المستقبل- المساواة- الاشتراك مع الآخر في الجذر الفكري والوطني- الوحدة في إطار التنوع، التجانس الاجتماعي. وكذا سنجد أن مجال عمل الطبقة الوسطي هو ذاته موضع أو حصانة الوحدة الوطنية: كالمؤسسات الدينية- المجتمع المدني – المنظمات الأهلية – الأحزاب السياسية – النخبة المثقفة – الدستور المدني – كافة فصائل الطبقة الوسطي الحية الفاعلة المؤهلة بحكم تكوينها الفكري والاجتماعي للقيام بدورها الحضاري كأساتذة الجامعات والنقابات المهنية – ورجال الصحافة والإعلام والفن والأدب.. الخ.
إن حديثا عن مشكلات الوحدة الوطنية سيظل مجمداً عند رصد ومعالجة الأعراض وليس الجوهر ما لم يتنبه الجميع الي أن مشكلة الوحدة الوطنية هي مشكلة ارتقت الي حد الأزمة عندما اختفي دور الطبقة الوسطي ولن تختفي جذرا وموضوعا إلا إذا أصبح للطبقة والوسطي دورها وهذا الامر يفرض علينا إعادة صياغة المعادلة من جديد.فمحاولات التقارب الديني بين الطرفين – في ظل حالة التدني الفكري الحالية- ليس سوي حديث بين اثنين يسيران علي طرفي قضيب قطار متوازيان لن يلتقيا أبدا، وبالتالي لن تحل تلك المشكلة بعيدا عن التناول العلمي بوصفها ظاهرة نتجت عن تغير هيكلي وجذري في السياسة المصرية في العقود الأربعة الماضية اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا، وبالتالي فإن إعادة تنظيم الواقع المشوه تحتاج الي العودة من جديد الي قيم العلمانية والتنوير والحداثة بكافة مستوياتها.وحقيقة الأمر فان قناعتي بقدرة الثورة المصرية علي التصدي لهكذا أزمة هي قناعة تامة بعدما تمكن الشعب المصري من إقصاء نظام لا يعبر عن الطبقة الوسطي والتأهب لخلع نظام آخر معبر عن تيار مناهض لمفاهيم الوطن والحداثة والوحدة الوطنية.وبناء عليه أطالب القوي السياسية الوطنية والتقدمية بأخذ زمام المبادرة بتحويل الأزمة من أزمة طائفية – حيث التعبير هنا يتجه نحو دغدغة المشاعر لدي الطرفين- الي أزمة وحدة وطنية ذات طابع مجتمعي متفرع اثني وثقافي وطبقي.. الخ والالتفاف حول برنامج وطني والعمل من خلاله.إن ثنائية مسلم ومسيحي ليست هي الثنائية الوحيدة في المجتمع المصري وان كانت هي الأكثر خطورة وظهوراً ولكن هذا لا يعني أن الليبرالية المتوحشة بريئة من الإصرار علي تقسيم المجتمعات وتفكيكها وعلي إلغاء الطبقة الوسطي في بلدان العالم النامي من أجل تسييل المجتمعات ووضعها في فلك التبعية المطبق.



#محمد_دوير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل الاشتراكية فكرة طوباوية ؟ قراءة في - مناخ العصر - لسمير أ ...
- اليسار المصري .. والأزمة العميقة
- المعهد العربي للدراسات الاشتراكية - دعوة للحوار الجاد-
- هل من بديل للاشتراكية ؟
- لماذا أنا اشتراكي ؟
- القيم الثورية .. وأخلاق الثوار
- الثورة المصرية.. تصحح مسارها بعيدا عن النخبة
- أيها السادة.. النظام لم يسقط بعد
- اليسار المصري .. مساهمة في رؤية جديدة
- التنوير العربي .. في اللاهوت والناسوت
- رسالة إلي رفاق الفكر .. الاشتراكيين الثوريين
- التحالف الديمقراطي الثوري
- رؤية معاصر للدولة في الاشتراكية
- جدل العلاقة بين الدين والاشتراكية
- اللإخوان.. وصناعة الوهم


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد دوير - أزمة الطبقة الوسطي المصرية