أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (9)















المزيد.....

الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (9)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 4048 - 2013 / 3 / 31 - 11:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الطائفية السياسية وتخريب الكل الوطني

مما لا شك فيه أن الأمراض الكبرى هي نتاج تراكم. وأنها لا تظهر للسطح إلا بعد أن تكون قد مرت بكل طرق العبث المميز لانتهاك ابسط مقومات القواعد الضرورية التي كتبتها مؤلفات الصحة والوقاية. والسياسة لا تخلو من هذه الحكمة في حال فهمنا لمهمتها الحقيقة على أنها العلم النظري والعملي الضروري بالنسبة لوقاية المجتمع من الإصابة بأمراض خطرة مزمنة. ولعل اخطر هذه الأمراض في الظروف الحالية العراق هو "الطائفية السياسية" الآخذة في التحول إلى مرض مزمن شامل. وخطورتها الكبرى تقوم في أنها تشكل من حيث المقدمات والنتائج خطوة هائلة للوراء لا تعني بالنسبة للعراق من حيث التاريخ والجغرافيا سوى الرجوع إلى همجية لم يعرفها في تاريخه الكلي. أما من الناحية العملية فإنها تشكل نكوصا إلى ما قبل الدولة. وهو أمر لا يعني سوى رجوع العراق إلى ما قبل التاريخ. والقضية هنا ليست فقط في أن العراق هو احد المصادر التاريخية الكبرى لفكرة الدولة والقانون والثقافة، بل ولتعارض ذلك مع طبيعة تكونه الذاتي بوصفه كينونة سياسية تاريخية ثقافية.
فالطائفية مكون اقرب إلى الغريزة، وكيان مضاد للتاريخ بوصفه وعيا ذاتيا، كما أنها ممارسة تتعارض كليا مع منطق العقل والعقلانية. كل ذلك يجعل منها شكلا من أشكال البنية التقليدية المنغلقة والأكثر تخلفا للاجتماع والسياسة والفكر والثقافة. وهي بنية عادة ما تحملها القوى الهامشية أو المهمشة. من هنا مفارقة ظهورها في مرحلة الانتقال من التوتاليتارية إلى الديمقراطية، ومن هنا أيضا خطورة تحولها إلى منظومة تحكم مساره اللاحق. وفي كلتا الحالتين نقف أمام ظاهرة غاية في التناقض، هو عين التناقض المميز لزمن التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية، التي جسدت بصورة نموذجية أسلوب الطائفية السياسية. مما أدى بها في نهاية المطاف إلى أزمة شاملة دفع المجتمع والعراق ثمنها، بما في ذلك ثمن تبلور الطائفية السياسية الجديدة التي أخذت القوى الهامشية (القومية الكردية) والمهمشة (الشيعية) في حمل لوائها. وفي هذا يكمن سر التقائهما. لاسيما وأنها قوى تختلف اختلافا كبيرا يصل حد التضاد من حيث الرؤية القومية والمذهبية والإيديولوجية. وهو أمر يشير إلى إنهما كلاهما يسيران في اتجاه الخروج عن منطق التاريخ الثقافي للعراق. وهي الحالة التي تعكس وتكمن فيها بقدر واحد دراما العراق وسر أمراضه المزمنة والخطرة. بمعنى إننا نقف أمام استعادة جديدة للصدامية ولكن بوجه آخر. حقيقة أن هذا التحول سوف لن يدوم طويلا. فهو يتعارض من الناحية الظاهرية مع ما كان يجري الإعلان عنه في البرامج والمواقف قبل سقوط الصدامية من جهة، لكنه يستجيب من الناحية الفعلية إلى حقيقة نواياها ومدى إدراكها لماهية السياسة ووظيفتها العملية من جهة أخرى. بمعنى البقاء ضمن تقاليد ونفسية المؤامرة والمغامرة. وهي تقاليد ونفسية ما قبل تاريخية.
إذ عوضا عن أن يجري التسريع في حل الإشكاليات التي عانى ويعاني منها العراق المعاصر، بمعنى تأسيس حقيقة الهوية الوطنية العراقية والعمل من اجل انجاز نموذج النظام الديمقراطي السياسي والمجتمع المدني والثقافة الحرة والدولة الشرعية، نقف أمام ارتكاس مريع من حيث المضمون يعبر بدوره عن هامشية القوى السياسية "الكبرى" في ظروف الانتقال من التوتاليتارية إلى الديمقراطية. وهي حالة فريدة من نوعها في التاريخ المعاصر. إلا انه يمكن فهمها. وذلك لان التحول الذي جرى في ظروف العراق الحالية لم يجر بقوى ذاتية، بل بمساعدة خارجية. مما أعطى وسوف يعطى لعملية الانتقال هذه تناقضاتها الخاصة ومذاقها المر. فالحرية، هذه الكلمة الحلوة، مرة المذاق في أفواه القوى السياسية التي ارتقت إلى سدة الحكم في عملية انتخابية هي الأولى من نوعها في تاريخ العراق المعاصر. وفي هذا تكمن دون شك مفارقتها الهائلة، بوصفها خطوة هائلة إلى الأمام في ميدان الحرية، وخطوتان إلى الوراء في مجال إعادة المؤقت في ميدان الحياة السياسية. لكنه الثمن الضروري فيما يبدو بالنسبة للعراق من اجل ارتقاء فكرة الحرية وغرسها في الوعي الاجتماعي. بمعنى المرور بطريق الآلام الضرورية من اجل الشفاء من أمراض التوتاليتارية المزمنة.
فالقوى السياسية المنتصرة هي الثمرة المرة للتوتاليتارية وزمنها الفارغ. من هنا فراغها الفعلي فيما يتعلق بالمستقبل. فهي قوى تمثلت فكرة الزمن وليس التاريخ. من هنا سيادة المؤقت في صيرورتها وكينونتها. بعبارة أخرى أخرى، إننا نقف أمام صدامية دينية قومية مذهبية هي الصيغة المركبة والأكثر خطورة للطائفية السياسية التي جسدت الصدامية المقبورة نموذجها "العلماني" المزيف. وفي هذه التركيبة الجديدة يكمن مضمون وخصوصية الطائفية السياسية الجديدة في العراق.
فإذا كان الانقسام والتجزئة الطائفية في العراق ظاهرة لها جذورها ومقدماتها التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية، التي يمكن إرجاعها عموما إلى مرحلة ما بعد سقوط بغداد في منتصف القرن الثالث عشر حتى بداية ظهوره الجزئي الجديد في بداية القرن العشرين، فان إعادة ترسيخها في مرحلة التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية قد دمر كل القيم المتراكمة في تاريخ الدولة العراقية الحديثة. مما أدى إلى إرجاع العراق إلى بداية مرحلة انتقالية جديدة. لكن الممارسة العنيفة للطائفية السياسية الجديدة التي تتزعمها قوى"الأقوام الصغيرة" من مذهبية شيعية وعرقية كردية قد اخذ يصيب بعدواه القوى جميعا ويجبرها على التخندق وراء طوائف ما قبل الدولة والمجتمع المدني. وهو أمر يشير إلى أن هذه القوى هي الممثل النموذجي المعاصر للانحطاط والتخلف الاجتماعي.
ذلك يعني أنها قوى لا تعمل من حيث الجوهر إلا على التمسك العنيد بالبنية التقليدية والعمل من اجل استمرارها في مختلف أشكال التمايز الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. فهي الشروط الملازمة لبعث نفسية الانغلاق من اجل استثمارها السياسي. وهي ظاهرة متشابهة في كل مراحل التاريخ وعند جميع الأقوام والأديان دون استثناء. إلا أن خطورتها في تاريخ العراق المعاصر تقوم في محاولة إفراغه من روح المعاصرة. وهي محاولة اقرب ما تكون إلى مغامرة بليدة. وذلك لأنها تتعارض مع تيارين كبيرين مكونين لكينونة العراق والمهمات الضرورية لمعاصرة المستقبل فيه وهما، أولا أن حقيقة الهوية العراقية تكمن في تاريخه الكلي بوصفه عراقا وليس تجمع أعراق. ومن ثم لا يمكن حل أو تفكيك وحدته الذاتية، وثانيا أن معاصرة المستقبل تفترض تذليل البنية التقليدية وتفسخها المورث من المرحلة التوتاليتارية والدكتاتورية.
من هنا مجافاة المساعي السياسية للقوى العرقية والمذهبية في جعل الطائفية السياسية أسلوبا لاستحكام سيطرتها. وذلك لأنها مساعي لا تفعل في الواقع إلا على ترسيخ قيم ومفاهيم الجهل الذاتي. بمعنى أنها تعيد إنتاج الصدامية من حيث كونها خروجا على منطق الاستعراق واستفراغا للتاريخ واجترارا للزمن العابر، أي للمؤقت فيه. وهي مجافاة عرضة للزوال السريع لكونها تأتي من قوى تعرضت هي نفسها أكثر من غيرها للتهميش السياسي والاجتماعي في تاريخ العراق المعاصر، واقصد بذلك الشيعة. فعوضا عن السعي الجدي من اجل تذليل الطائفية المفتعلة للصدامية نرى توجها مؤدلجا ومنظوميا لغرس الطائفية السياسية في العراق، من خلال تصنيع وتقديم ما يمكن دعوته بالطائفية السياسية الشيعية. وهي اخطر أنواع الطائفية في تاريخ العراق المعاصر. وخطورتها تقوم في ثلاث قضايا كبرى، الأولى في كونها تشكل نكوصا عن مبدأ التشيع، ثانيا في كونها تشكل خروجا على منطق الاستعراق، وأخيرا في كونها تشكل خضوعا لنفسية الأقلية وذهنيتها.
ولعل صورتها الأولية التي تتسم بقدر كبير من الخداع السياسي الذاتي والزيف الاجتماعي يقوم في مساعي القيادات الدينية الشيعية للاستحواذ على الشيعة. وهي محاولات تشير من حيث مضمونها السياسي والاجتماعي إلى سيادة نفسية وذهنية الطائفية السياسية. بمعنى العمل من اجل تحويل الشيعة إلى طائفة.
والشيء نفسه يمكن قوله عن الطائفية السياسية الآخذة في التبلور والارتقاء إلى مصاف "الوعي الذاتي". فهي دون شك الصيغة الأكثر تخلفا وانحطاطا للطائفية. وذلك لأنها لا تخلو من إدراك علني ومبطن لما تسعى إليه. ذلك يعني أنها ليست محكومة بنفسية الانتماء الغريزية والوعي العادي للعوام، بل وبوعي التخطيط العملي للمهمات السياسية بمعايير الطائفية. وهي الحالة التي برزت في بادئ الأمر بعبارات ومواقف "عدم تمثيل السّنة" أو إبعادهم عن المشاركة في إدارة شئون الدولة، والتأكيد من جانب "ممثلي" السّنة عن "مرارة الإحساس" بهذا الواقع وما شابه ذلك.
فالطائفية "المرفوضة" من جانب السلطة الصدامية البائدة وأتباعها العلنيين والمستترين التي كانت تجاهر أمام الملأ عن "معاداتها" للطائفية، أخذت تبرز إلى السطح بوصفها برنامجا ورؤية سياسية أكثر مما هي رد فعل. وهو واقع يشير إلى فاعلية الطائفية بمعناها السياسي كما هو جلي في ظهور واستتباب اسم "المثلث السّني" على لسان المعارضين والمؤيدين. وهو مثلث وهمي من حيث الانتماء العقائدي والمذهبي، لكنه فعلي من حيث الزمن السياسي والإداري للسلطة وأجهزتها القمعية على امتداد عقود طويلة في العراق.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (8)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (7)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (6)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (5)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (4)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (3)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (2)
- الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (1)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (6)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (5)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (4)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (3)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (2)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (1)
- التصنيف العقلي والثقافي للفلسفة والأديان عند الشهرستاني
- الفلسفة والكلام الإسلامي في منهج الشهرستاني
- الفلسفة وموقعها في المنهج التصنيفي والبحثي للشهرستاني
- المنهج النقدي والتدقيق العلمي للفكرة الفلسفية عند الشهرستاني
- -الحقيقة العقائدية- وقلق البحث عن اليقين في الموسوعات الإسلا ...
- -الحقيقة العقائدية- وقلق البحث عن اليقين في الموسوعات الإسلا ...


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (9)