أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين عمر - الثورة السورية ومخاوف الأقليات















المزيد.....

الثورة السورية ومخاوف الأقليات


حسين عمر

الحوار المتمدن-العدد: 4044 - 2013 / 3 / 27 - 15:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الثورة السورية ومخاوف الأقليات

الأقلية تعريفاً هي المجموعة التي تضمّ أقلّ من نصف مجموع أعضاء مجموعة أكبر منها. هنا يبدو أنّ المفهوم ينطوي على بعدٍ محض إحصائي. وتكون المجموعة الأقلوية ذات هوية مغايرة ومتمايزة عن المحيط الاجتماعي السائد من حولها. وقد تعاني من تسلط هذا المحيط والحرمان من ممارسة حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية أو قد تتسلّط عليه بحكم النظام السياسي الأقلّوي بالمعنى الاجتماعي لا بالمعنى السياسي. كما يمكن أن تكون الأكثرية والأقلية/ الأقليات على قدم المساواة في ظلّ نظامٍ سياسيٍّ ديمقراطيٍّ تعددّي لا مكان فيه للتمييز السلبي.
إذاً، ينبني جوهر مفهوم الأقلية على تباين صفات عن مجتمع الأكثرية تَحول دون التفاعل الاجتماعي معه، وقد تكون هذه الصفات عرقية أو لغوية أو ثقافية (دينية)، أيّ أنّ الاختلاف والمغايرة يبقيان اجتماعيين لكنّ هويّة الجغرافيا محسومة.
والأقلية قد تكون أصيلة في انتمائها إلى الكيان الجغرافي والسياسي مع المغايرة في انتمائها الثقافي، كأنّ تكون مختلفة في عقيدتها الدينية أو المذهبية، وقد تكون مهاجرة لظروفٍ مختلفة.
تضمّ سوريا ما ينوف على ثمانية عشر مكوّناً قومياً وأثنياً وطائفياً ومذهبياً. ورغم تباين أحجامها وتاريخها وتوزّعها الجغرافي والديموغرافي، لا يمكن إغفال أيّ منها في تركيبة المجتمع السوري ولا دورها في بناء سوريا التعددية.
لطالما نُظِرَ إلى الأقليات الدينية والطائفية في سوريا على أنها تحظى بالتمييز الإيجابي لدى النظام الذي شيّده حافظ الأسد وورثه عنه ابنه بشار، وخاصّة الطائفة العلوية التي يُثار الجدل والخلاف على حقيقة دورها السياسي من خلال حكمها، عبر آل الأسد، لسوريا على مدى أكثر من أربعة عقود، من المؤكّد جرى خلاله عَلْوَنة وعَيْلَنة (من العائلة) مراكز القرار العسكري والأمني والاقتصادي، الثالوث المحتكِر لصناعة القرار السياسي السوري، الأمر الذي وضع النظام، رغم تراتيله القومية والعلمانية، في موضع الاتهام بالأقلوية الطائفية، على الرغم من أنّ كاتب هذه السطور يعتقد بأنّ الخلطة التي سبكها النظام بإتقان وصنع منها قبضة فولاذية قبضت على روح سوريا لكلّ هذه الحقبة كان هدفها تأبيد سلطة طغمة لا انتماء لها سوى لمصالحها وقد استثمرت فئات من كلّ المكوّنات وان بدرجات متفاوتة تبعاً لنجاعتها في خدمة تلك المصالح. وكذلك الأمر بالنسبة للطوائف المسيحية المختلفة التي جاهرت مؤسساتها الكنسية الرسمية باستمرار بولائها للنظام وحاولت على الدوام أن تلعب دور صلة الوصل بين النظام والمنضوين تحت أسقفها والضامنة لولائهم له.
توجّهت الأنظار إلى موقف الأقليات ودورها في الثورة السورية منذ انطلاقتها، حيث افترّض معظم المعنيين والمهتمين بالشأن السوري أن تُظهر الطائفة العلوية تردّداً وتوجّسا بل وتمترساً طائفياً إلى جانب نظامٍ لطالما وصِمَ بالانتماء إليها وتجسيد مصالحها، وأنّ الحال سوف لن تختلف بالنسبة للدروز وللطوائف المسيحية، حيث ساد الاعتقاد، وهو اعتقادٌ لا يمكن الركون إلى اطلاقيته، لزمنٍ طويلٍ بأنّ تحالفاً يجمع هذه الطوائف، ولذلك سعى الناشطون والقوى المنخرطة في الثورة إلى إرسال إشارات إلى هذه الأقليات تُظهِر لها الطابع السوري الجامع للحراك وتحثُّها على التفاعل معه والانخراط فيه من خلال طرح شعارات تؤكّد وحدانية الشعب السوري وتنوّعه من قبيل: «لا سنية ولا علوية ثورتنا ثورة حرية» و«نحن بدنا الحرية إسلام ومسيحية، دروز وعلوية...» وكذلك تسمية إحدى جُمَع التظاهر باسم «جمعة صالح العلي» وأخرى باسم «جمعة سلطان باشا الأطرش» وثالثة باسم «الجمعة العظيمة» وذلك في إشارات إلى العلويين والدروز والمسيحيين على التوالي.
فيما يتعلّق بالعلويين، لم تظهر في مناطقهم حالات شعبية متفاعلة مع الحراك السلمي للثورة واقتصرت مشاركتهم على تفاعل الناشطين والرموز السياسية الذين شكلوا ظواهر فردية قام بعضها بأدوار متميّزة سواءً في الحضور الميداني وسط الحراك أو على الصعيدين السياسي والإعلامي. في حين بدأت محافظة السويداء، حيث الأغلبية الدرزية، مشاركتها في الحراك من خلال اعتصامات نظّمتها بشكلٍ أساسي الفئات النقابية كالمحامين وسواهم، ثمّ ما لبث أن تزايدت في الأشهر القليلة الماضية أعداد المنضمين إلى النشاطات المعارضة حيث شهدت المحافظة مؤخّراً أكثر من ست مظاهرات مناهضة للنظام. أمّا الطوائف المسيحية ونظراً لتوزعها الديموغرافي على معظم مساحة البلاد، فقد انخرط من صفوفها ناشطون بارزون في الحراك على مختلف المستويات وقدّموا نماذج رائعة مثّلها خيرُ تمثيل الشهيد (الأيقونة) باسل شحادة، المخرج والمصوّر الشامّي الذي ترك دراسته في أمريكا ليلتحق بالثورة ويستشهد في حمص. كما مثّل الأثور من خلال مشاركاتهم المنتظمة، في الجزيرة على نحوٍ خاصّ، في المظاهرات حالة عضوية في الحراك.
مع اشتداد وتيرة عنف النظام ودمويته في قمع الحراك وتحوّل مسار الثورة السلمية نحو العسكرة، بدأ الانحسار التدريجي لا للمظاهرات السلمية فحسب بل وكذلك للشعارات الوطنية والمدنية الراقية التي كانت تعبّر عن الوجه السوري الجامع والتوّاق إلى استرداد الحرية والكرامة وبناء وطن للجميع، وبدأت تبرز باضطراد شعارات دينية اتّخذت على نحوٍ متصاعد منحنى طائفياً تمثّل في طغيان الخطاب والشعار الدينيين وفي تسميات الكتائب وشعاراتها في البداية، ثمّ وبعد توسّع وتعاظم دور التشكيلات المسلّحة من غير المنتمية إلى الجيش الحرّ (المتكون من ضباط وجنود منشقين عن المؤسسة العسكرية) وكذلك تعزّز وجود الجماعات الجهادية من سورية وغير سورية، لم تعد هذه الجماعات تتردّد في المجاهرة بأهدافها المغايرة تماماً للأهداف التي ثار من أجلها الشعب السوري كما لم تخفِ دعواتها الطائفية المتطرفة وتكفير الآخرين والدعوة للانتقام منهم. وقد قامت هذه الجماعات بالعديد من الممارسات التي تجسّد توجهاتهم بدءاً بإلغاء علم الثورة وإحلال العلم الأسود محلّه ومروراً بإطلاق شعارات طائفية مقيتة تدعو إلى نحر طائفة بعينها ووصولاً إلى عمليات قتل بشعة.
عمّق هذا المنحى، الذي أراد أن يُظهر الثورة السورية بغير وجهها الحقيقي كثورة لكلّ السوريين ضدّ الاستبداد ويُصوِّرها كثورة للأغلبية السنّية ضدّ الحكم العلوي الأقلّوي، من حذر المكوّنات المغايرة في هويتها للأكثرية وتحوّل الحذر إلى مخاوف حقيقية جرى التعبير عنها جهاراً مثلما أثار هذا المنحى مخاوف الأطراف والاتجاهات الوطنية الديمقراطية العابرة للانتماءات الطائفية التي شعرت بأنّها مستهدفة بالإقصاء والتصفية.
هذا التصاعد في النبرة الطائفية المترافقة ببعض الممارسات المنعكسة لها على الأرض خلق استقطاباً اجتماعياً مُنْبِئاً بانقسامات عمودية في المجتمع السوري تجاوبت معها النخب السياسية والثقافية وسعت ولا تزال إلى تنظيمها وتأطيرها. ولا أدلّ على ذلك من تشكيل قوى مسيحية سورية هيئة سياسية خاصة بمسيحيي سوريا (فبراير 2013)، أُطلق عليها اسم «سوريون مسيحيون من أجل العدالة والحرية»، ضمّت شخصيات لطالما قدّمت نفسها على أنّها وطنية ديمقراطية عابرة للانتماءات الجزئية، وأعلنت أنّها ستعمل على «هدم الهوّة بين المسيحيين الذين ما يزالون يؤيدون النظام السوري وبين الثورة السورية، لتحقيق موقف مشترك بين أغلبية المسيحيين وأغلبية السوريين.» وكذلك انعقاد مؤتمر باريس في الشهر ذاته بدعوة من المعهد الكردي في باريس وبرعاية جامعة كولومبيا الأمريكية والذي حضرته، إلى جانب قيادات كوردية، رموزٌ أثورية وكلدانية، ثمّ مؤخراً مؤتمر القاهرة (مارس 2013) الذي ضمّ معارضين سوريين من الطائفة العلوية تحت عنوان « كلنا سوريون.. معاً نحو وطن للجميع » في مسعى منهم للنأي بالطائفة عن جرائم النظام وكذلك مناقشة تشكيل « نواة سياسية علوية تمهد للمشاركة في بديل ديمقراطي يكفل لهم حقوقهم »، مثلما تُسمَع أصوات، ولو خافتة، من بين الدروز تدعو إلى التفكير في الانتظام سياسياً بعد أن أعلن المقاتلون الدروز المنشقون عن تشكيل أول مجلس عسكري ثوري لمحافظة السويداء (ديسمبر 2012) علماً أنّ أتباع الطائفة الدرزية، يعيشون في منطقة جغرافية متجانسة سكانياً بجنوب شرقي سوريا.
كلّ هذه الاستقطابات تعكس في الحقيقة تزايد حدّة مخاوف وهواجس المكوّنات السورية على مصيرها ومستقبلها. ولكنّ الدوافع التي تقف خلف هذه المخاوف والهواجس مختلفة. ففي حين تنبع مخاوف أبناء الطائفة العلوية، على المستوى الشعبي العامّ، من احتمالات الانتقام الجماعي المعزّزة باللغة التي باتت تطغى على خطاب الجماعات المتطرفة المتنامية النفوذ، فهي تنبع أيضاً من خشية نخبها الاقتصادية والمالية والسياسية على فقدان امتيازاتها ومصالحها بل وثرواتها في ظلّ النظام الجديد. بينما تنبع مخاوف المسيحيين، الذين يتمّ تصويرهم بمختلف طوائفهم على أنّهم من الفئات المتحلّقة حول النظام والمستفيدة منه، من استذكار النموذج العراقي في مرحلة ما بعد سقوط الدكتاتورية، حيث طحن النزاع الطائفي هناك في طريقه المكوّن المسيحي ودفعه إلى الهجرة المكثّفة إمّا إلى إقليم كوردستان الآمن بالنسبة لهم أو إلى خارج البلاد. أمّا مخاوف الدروز فتنبع من وهمٍ جعله النظام على مدى عقود (حقيقة) وهو أنّهم مستهدفون من الطائفة السنية منذ حكم الشيشكلي (السني الحموي) الذي قصف معقلهم بالطائرات حينما ثاروا على حكمه. وقد استغلّ النظام، الذي مارس إهمالاً وغبناً وقمعاً شديداً بحقّ المحافظة وأبنائها، كلّ حادثة لترسيخ هذا الوهم في ذهن أبناء جبل الدروز.
رغم كلّ جهود النظام في إثارة مخاوف الأقليات من التغيير والتي تكاملت معها جهود الجماعات المتطرفة الملوّث خطابها طائفياً، تُظهر المكوّنات السورية وعيها بأنّ مصالحها الحقيقية تكمن في الانتقال من الاستبداد إلى الحرية وأنّ مستقبلها سيكون أفضل بذلك، ولذلك تسعى من خلال القوى الحيّة فيها إلى المساهمة في بناء سوريا جديدة تستوعب وتمثّل الجميع، سوريا تُبنى وفق مشروعٍ وطني ديمقراطي تعددي يحصّن الجميع ضدّ التهميش والإقصاء أو القمع والانتقام.
حسين عمر- كاتب ومترجم



#حسين_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الاتحاد الديمقراطي وسيطرته على المناطق الكوردية
- تركيا: بين الرياضة والسياسة
- بين حملة « أنا هي» وانتخابات المجلس المحلّي لحلب
- سوريا: عن النظام والمعارضة وحلفائهما
- المسألة السورية: بين التكتيك والإستراتيجية
- بمناسبة الحديث عن الحكومة الكوردية
- القضية الكوردية في سوريا: التحوّل الدراماتيكي؟
- العلاقة الجدلية بين حقوق الإنسان وحقوق الأقليات
- عن وحدة الدولة ومركزيتها
- ظاهرة الإرهاب وعلاقتها بالاستبداد


المزيد.....




- فن الغرافيتي -يكتسح- مجمّعا مهجورا وسط لوس أنجلوس بأمريكا..ك ...
- إماراتي يوثق -وردة الموت- في سماء أبوظبي بمشهد مثير للإعجاب ...
- بعد التشويش بأنظمة تحديد المواقع.. رئيس -هيئة الاتصالات- الأ ...
- قبل ساعات من هجوم إسرائيل.. ماذا قال وزير خارجية إيران لـCNN ...
- قائد الجيش الإيراني يوضح حقيقة سبب الانفجارات في سماء أصفهان ...
- فيديو: في خان يونس... فلسطينيون ينبشون القبور المؤقتة أملًا ...
- ضريبة الإعجاب! السجن لمعجبة أمطرت هاري ستايلز بـ8 آلاف رسالة ...
- لافروف في مقابلة مع وسائل إعلام روسية يتحدث عن أولويات السيا ...
- بدعوى وجود حشرة في الطعام.. وافدان بالإمارات يطلبان 100 ألف ...
- إصابة جنديين إسرائيليين بجروح باشتباك مع فلسطينيين في مخيم ن ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين عمر - الثورة السورية ومخاوف الأقليات