أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين عمر - القضية الكوردية في سوريا: التحوّل الدراماتيكي؟















المزيد.....

القضية الكوردية في سوريا: التحوّل الدراماتيكي؟


حسين عمر

الحوار المتمدن-العدد: 3997 - 2013 / 2 / 8 - 12:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تحدّدت الدولة السورية بحدودها الراهنة والمعترَف بها دولياً بموجب عدّة اتفاقيات ومعاهدات أعقبت اتفاقية سايكس – بيكو، المُبْرَمة بين فرنسا والمملكة المتّحدة في داونينغ ستريت في 16 مايو 1916، والتي قسّمت منطقة الشرق الأوسط بين القوتين العظميين وبرضا روسيا القيصرية وايطاليا. بموجب هذه الاتفاقية، أُخضِع شمال سوريا الحالية للنفوذ الفرنسي، ولكن بعد تفكّك الإمبراطورية العثمانية وقيام الجمهورية التركية، وقَّعَت عدّة معاهدات بينها وبين فرنسا المنتدبة على سوريا لترسيم الحدود، كان آخرها اتفاق الترسيم النهائي للحدود في عام 1939. في إطار هذا التحديد، ضمّت حدود الدولة السورية، التي نالت استقلالها فعلياً في عام 1946، المناطق المستقطَعة جغرافياً من كوردستان العثمانية المشمولة بمعاهدة سيفر، المبرمة في 10 أغسطس 1920 في أعقاب الحرب العالمية الأولى، بين الحلفاء والإمبراطورية العثمانية والتي كانت تهدف إلى تطبيق قرارات مؤتمر سان ريمو المتعلقة بأراضي الإمبراطورية العثمانية. وكانت البنود 62-63-64 من اتفاقية السلام هذه تنصّ على إقامة إقليم ذات حكم ذاتي للكورد. وشكّلت المناطق الرئيسية الثلاث: الجزيرة الواقعة في أقصى الشمال الشرقي التي تشكّل المثلّث الحدودي مع تركيا والعراق والتي يُطلَق عليها تسمية «منقار البطّ»، وكوباني الواقعة في أقصى الشمال على الضفّة اليسرى من نهر الفرات، ومنطقة جبل الكورد الواقعة في أقصى الشمال، الشريط الحدودي مع الدولة التركية والذي تخلّله حالات فصل بين المناطق الثلاث إمّا بسبب التمدّد السكاني العربي في جغرافية هذه المنطقة في بعض المراحل التاريخية أو بسبب تغاضي راسمي الحدود عن حقائق التاريخ والجغرافيا في هذه المنطقة، ولذلك لم يُعتَمَد في الوثائق والمطبوعات السياسية مصطلح « كوردستان سوريا» وإنّما مصطلح «المناطق الكوردية في سوريا». وهكذا، ارتبط مصير جزء من الشعب الكوردي مع جزء من الشعب العربي في إطار سوريا التي لم تكن في أيّ مرحلة تاريخية، لا بأكملها ولا في جزءٍ منها، دولة ذات حدود دولية معترف بها قبل هذا التاريخ.
في مرحلة الانتداب التي امتدّت لعشرين عاماً، أخذت سلطة الانتداب التنوّع المذهبي في سوريا بعين الاعتبار حينما أقامت عدّة دويلات على هذا الأساس كحكومة العلويين ودولة جبل الدروز ودولة سوريا، بينما جعلت سنجق اسكندرون يتمتّع بإدارة خاصّة، ثمّ دمجها بإقامة اتحاد بين الدول الأربع في عام 1923، في حين أنّها لم تولِ الأهمية ذاتها للتنوّع القومي والثقافي وربّما يفسّر ذلك باستمرار الصراعات الدولية على كردستان التي تجلّت نتائجه في اتفاقية سيفر ومن ثمّ اتفاقية لوزان وأخيراً ضمّ ولاية الموصل إلى العراق وبعض المناطق الكردية إلى سوريا. احتكّ الفرنسيون مبكّراً مع الكورد في جبل الأكراد منذ عام 1919 وكوباني في عام 1920 بينما تأخّر الاحتكاك معهم في الجزيرة إلى مراحل متأخّرة من عهد الانتداب. في الجزيرة، تمّ تداول فكرة حكم ذاتي ذي طابعٍ كوردي- مسيحي في سوريا، ففي عام 1932، قدّم العشرات من زعماء القبائل والوجهاء والسياسيين الكورد مع رؤساء طوائف مسيحية « عريضة » تُطالب بإدارة خاصّة في منطقة الجزيرة إلا أنّ سلطات الانتداب لم تستجب لها. ورغم عدّة محاولات لاحقة باتجاه المسعى ذاته إلى أن الفكرة لم تتحوّل إلى مشروعٍ سياسي متحقّق على الأرض.
عانت الدولة السورية المحدثة منذ نشأتها في أعقاب الاستقلال من معضلتين بنيويتين، تمثّلت الأولى في أنّ حدودها فُرِضَت على مكوّناتها من الخارج، فاقتُطِعت أجزاء من جغرافيتها الطبيعة وألحقت بها أجزاء تختلف عنها في هويّتها الغالبة، فيما تمثّلت الثانية في عدم تطابق شكلها ومضمونها مع حقائق ومعطيات واقعها الفعلي، حيثُ أُعلِنَت دولة قومية مركزية في حين أنّها تضمّ في الواقع قوميات وثقافات وأديان وطوائف متعددة. وبالتالي لم تكن معادلاً سياسياً ومؤسسياً موضوعياً لواقعها الاجتماعي المتنوّع.
لم تستطع السلطات التي توالت على حكم سوريا بعد نيلها للاستقلال أن تتجاوز تلك المعضلة وتنتقل بالدولة السورية إلى دولة ديمقراطية تعترف بالتعددية وتقرّها دستورياً، بل ترسّخت، بمرور الوقت وبتعاقب الأنظمة التي استولت بمعظمها على الحكم عبر انقلابات عسكرية، الاتجاهات الإقصائية والإلغائية والدكتاتورية التي دعمت الشكل المركزي للدولة بمركزيات عرقية وثقافية وسياسية. ولتحقيق ذلك، كان لا بدّ لها من اللجوء إلى سياسات الصهر والتمثّل القومي بحقّ المكوّن الأساسي المختلف عرقياً عن القومية السائدة ألا وهو المكوّن الكوردي، فاعتمدت سياسة مركّبة ترتكز على مسارين متوازيين: الأوّل هو سياسة التنكّر للوجود القومي وللحقوق المترتّبة على هذا الوجود؛ أمّا الثاني فتمثّل بمجموعة متكاملة من المشاريع العنصرية التمييزية التي استهدفت بمجملها إلى العبث بالتركيبة السكانية للمناطق الكوردية بما يزيل عنها هويتها الكوردية ويضفي عليها طابعاً عربياً.
في مقابل ذلك، تبنّت الحركة السياسية الكوردية، التي ولِدَت لتمثيل الشعب الكوردي سياسياً والعمل من أجل تأمين حقوقه المشروعة، الأسلوب السلمي في مواجهة تلك السياسة المركّبة وفي المطالبة بحقوق شعبها والعمل في سبيل نيلها. وكان لاتخاذ هذا الخيار جملة من العوامل سوف لن نتوقّف عندها في مقالتنا هذه. وبذلك، وبخلاف القضية الكوردية في الأجزاء الأخرى من كوردستان، حافظت القضية الكوردية في سوريا على طابعها السياسي السلمي ولم تتحوّل في أيّ مرحلة من المراحل إلى صراعٍ أو نزاعٍ مسلّح. ورغم تباين الظروف التي أحاطت بالقضية الكوردية في سوريا في مراحل مختلفة من مسارها ورغم تراوح أساليب الأنظمة في التعامل معها بين الشدّة أحياناً والتراخي أحياناً أخرى ورغم وقوع أحداث ذات طابعٍ محدودٍ في بعض المناسبات إلاّ أنّ هذا الطابع السلمي ظلّ سائداً. جاءت انتفاضة قامشلو في الثاني عشر من آذار 2004 ودرجة القمع والعنف الوحشيين اللذين مارسهما النظام في مواجهتها لتنبئ بكسر هذه المعادلة. لكن امتناع الطرف الكوردي عن الانجرار إلى العمل العسكري وتمسّكه بوسائل النضال السلمي قطع الطريق أمام محاولة النظام لإظهار الانتفاضة السلمية وكأنّها عصيانٌ مسلّح مدبّر ومخطّط له من الخارج.
مع بداية الثورة السورية، وفي أيامها الأولى، اتّخذت الحركة السياسية الكوردية موقفاً حذراً وتباطأت في الانخراط فيها، فيما سارعت تجمعات شبابية كوردية للانضمام إلى فعّالياتها السلمية المتمثّلة في المظاهرات الأسبوعية التي بدأت تنتشر في معظم المدن والبلدات السورية ولكن ظلّ القاسم المشترك بين جميع الأحزاب والحركات والتنظيمات والتنسيقيات الشبابية الكوردية هو التمسّك بسلمية الحراك ورفض الانجرار إلى عسكرته.
بذل النظام جهوداً كبيرة، من خلال ممارساته القمعية وعنفه الفالت من أيّ عقال وانتهاكه الجسيم لحرمة حياة الناس وكرامتهم، في سبيل دفع الحراك نحو العسكرة لقناعته بأنّه من الأفضل له أن يواجه تمرّداً مسلّحاً من أن يواجه حراكاً شعبياً متواسعاً ومتعاظماً وملتفاً حول شعارٍ أساسيٍّ ألا وهو الحرية والكرامة. وحينما لم تفِ جهود أجهزته الأمنية، بما مارسته من قمعٍ وتنكيلٍ واعتقال، لا بإيقاف الحراك ولا بجرّه إلى العنف، زجّ بوحدات الجيش في مواجهة الحراك الأمر الذي أدى إلى بروز ظاهرة رفض أوامر إطلاق الرصاص على المتظاهرين والانشقاق في حالات فردية تطوّرت تدريجياً إلى حالاتٍ أكثر اتساعاً وشمولاً وبذلك تشكّلت نواة ما سميّ لاحقاً بالجيش الحرّ وبالتالي دخول العمل العسكري في صلب الثورة السورية.
في المناطق الكوردية، وفي إطار سياسته الساعية إلى تعميم ظاهرة التسليح والعسكرة، سلّح النظام بعض الفئات وغضّ الطرف عن تسلّح أخرى، الأمر الذي دفع بتلك المناطق إلى الدخول في سباقٍ للتسلّح على نحوٍ صامت لأنّها لم تتحوّل إلى ساحة للعمل العسكري بين النظام والمعارضة. مع بداية تراخي قبضة النظام على هذه المناطق وانكفاء وانحسار حضوره فيها، فرض حزب الاتحاد الديمقراطي P.Y.D سيطرته على العديد من المرافق والقطاعات في بعض المدن الكوردية وعمد إلى حمايتها عبر ذراعه العسكري وحدات الحماية الشعبية YPG لكونه الطرف الكوردي الوحيد الذي أشهر السلاح. في حين أنّ الأطراف التي سلّحها النظام انقسمت بين من يدافع عن بقائه ويهتف باسمه وبين من انقلب عليه وانتظم في كتائب وألوية أعلنت انضمامها إلى معارضيه ولكن طلّ القاسم المشترك بينها هو مواجهة النفوذ الكوردي فبدأت ملامح ومظاهر الاحتقان والتشنّج بالظهور في أكثر من مدينة وبلدة في المناطق الكوردية وبلغت ذرورتها في اندلاع المعارك والمواجهات في سري كانيه والتي لم تنتِه إلى الآن رغم ما يتخلّلها من فترات هدنة أو مهادنة.
استجرّت معركة سري كانيه أطراف عديدة كوردية وغير كوردية إلى العمل العسكري لشعور الكورد عموماً بأنّهم يواجهون لحظة مصيرية تتّصل لا بحقوقهم فحسب بل وبوجودهم أيضاً في مرحلة ما بعد التغيير في سوريا ولشعور بعض العشائر العربية بأنّ المعركة تهدف في جزءٍ منها إلى إخراجهم من دائرة النفوذ في المنطقة وفرض هيمنة عشائر أخرى عليهم وستكون لهذا الأمر عواقب في مرحلة تركيب النظام السياسي الجديد. ولذلك تتداخل في معركة سري كانيه، علاوة على العوامل القومية وعلى التدخّلات الإقليمية، عوامل محلية تتعلّق ببنية النسيج المجتمعي في المنطقة والتي تهدّد بتشعّب النزاع وتعقّده ما لم يتم تداركه قبل فوات الأوان.
هذه الصورة المستجدّة في المشهد السياسي الكوردي توحي بوضوح بانتقال القضية الكوردية من مرحلة النضال السلمي الصرف إلى مرحلة جديدة سيكون العمل المسلّح فيها عاملاً أساسياً ومؤثّراً سواء خلال الثورة وسواءً في مرحلة ما بعد التغيير إذا ما ظلّت السياسة المتّبعة حيال الكورد قائمة على التنكّر لحقوقهم والتهرّب من استحقاقات حلّ قضيّتهم حلاً عادلاً وهذا ما تبدو علائمه واضحة من خلال المواقف المبتسرة للأطر السياسية والتهديدية للجماعات المسلّحة للمعارضة وتناغمها مع التوجّهات الإقليمية المناهضة لمطامح الكورد في نيل حقوقهم المشروعة.
إنّ الطبيعة المجتمعية المتنوّعة لمنطقة الجزيرة ومكانتها الاقتصادية والإستراتيجية وحجم تداخل المصالح الإقليمية والمحلية فيها تتطلّب من المعارضة السورية التي تمثّل الأغلبية المجتمعية في سوريا ومن المرجعية السياسية الكوردية أن تتحلّيا بأقصى درجات العقلانية وأرفع مستويات الحرص لئلا تمنح الغطاء السياسي والمبرر لجرّ المنطقة إلى الاحتراب الأهلي الذي سوف لن يتوقّف بالتأكيد عند حدود محافظة الحسكة وإنّما قد تمتدّ حرائقه إلى مناطق واسعة من البلاد التي ستدفع ثمناً باهظاً من أرواح ومقدّرات شعبها يمكن تفاديها إذا ما أحسنت الأطراف كلّها التدبير السياسي السليم في الوقت المناسب.




#حسين_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلاقة الجدلية بين حقوق الإنسان وحقوق الأقليات
- عن وحدة الدولة ومركزيتها
- ظاهرة الإرهاب وعلاقتها بالاستبداد


المزيد.....




- لمعالجة قضية -الصور الإباحية المزيفة-.. مجلس رقابة -ميتا- يُ ...
- رابطة مكافحة التشهير: الحوادث المعادية للسامية بأمريكا وصلت ...
- كاد يستقر في رأسه.. شاهد كيف أنقذ رجل غريب طفلًا من قرص طائر ...
- باتروشيف: التحقيق كشف أن منفذي اعتداء -كروكوس- كانوا على ارت ...
- إيران أغلقت منشآتها النووية يوم الهجوم على إسرائيل
- الجيش الروسي يعلن عن خسائر بشرية كبيرة في صفوف القوات الأوكر ...
- دونالد ترامب في مواجهة قضية جنائية غير مسبوقة لرئيس أمريكي س ...
- إيران... إسرائيل تهاجم -دبلوماسياً- وواشنطن تستعد لفرض عقوبا ...
- -لا علاقة لها بتطورات المنطقة-.. تركيا تجري مناورات جوية مع ...
- رئيسة لجنة الانتخابات المركزية الروسية تمنح بوتين بطاقة -الر ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين عمر - القضية الكوردية في سوريا: التحوّل الدراماتيكي؟