أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - 1963- 2011: بين -ثورة- وثورة















المزيد.....

1963- 2011: بين -ثورة- وثورة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4034 - 2013 / 3 / 17 - 23:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


مرت قبل أيام الذكرى الخمسين على "ثورة 8 آذار المجيدة التي قادها حزب البعث العربي الاشتراكي". وتمر هذه الأيام الذكري السنوية الثانية لتفجر الثورة السورية التي يختلف السوريون في تحديد يوم بدايتها، 15 آذار في دمشق أم 18 آذار في درعا؟
|هذا التزامن مناسبة للتأمل والنظر.
كان البعثيون بضع مئات وقت استولى عسكريون بعثيون وناصريون على السلطة قبل خمسين عاما. هذه واقعة أساسية. حزب البعث كان تنظيما صغيرا ومحدود الشعبية على الدوام. قبل الوحدة مع مصر كان حزبا نشطا، يجتذب بفضل "المكون الحوراني" فيه (نسبة إلى أكرم الحوراني) جمهورا فلاحيا، مفقرا مضطهدا، وقطاعا من المتعلمين والمثقفين والعسكريين المنحدرين من الهوامش اجهوية والطائفية للمجتمع السوري، يجتذبهم إليه المكون الخلاصي العفلقي (نسبة لميشيل عفلق). الوحدة مع مصر صغّرت ما كان حزبا متواضعا أصلا. ليس فقط عبر أثر القمع المتمثل في فك التنظيمات السياسية عن قواعدها الاجتماعية المفترضة، وإنما أيضا عبر اجتذاب التيار الناصري عددا لا بأس به من المناضلين البعثيين ومن القاعدة الاجتماعية ذاتها. وكذلك بفعل تفكك حزب البعث عمليا إلى مكونيه الأصليين، البعثي والعرب الاشتراكي. أو عمليا المكون الإيديولوجي المجرد الذي يشبه عفلق، والمكون الاجتماعي الذي يشبه الحوراني.
من انتصر في 8 آذار 1963 هو البعث الإيديولوجي على البعث الاجتماعي. مصير الحوراني يمثل انفكاك التيارين ومصير التيار الاجتماعي. الرجل قضى سنوات الحكم البعثي كلها تقريبا خارج البلد حتى وفاته عام 1996. البعث الإيديولوجي، أو بالأحرى الميتافيزيقي (الأمة الواحدة والرسالة الخالدة...)، سيهزم بدوره على يد العسكريين بعد ثلاث سنوات، بل منذ البداية عمليا، لكنه وفر للعسكريين أدوات لعب ومراوغة مفيدة، بلغ حافظ الأسد مرتبة الإعجاز في التمكن منها.
لم يكن الحكم البعثي الباكر مجردا من بعد اجتماعي (إصلاح زراعي، تأميم، "دعم" حاجات أساسية...)، لكن هذا البعد كان متعاليا على المجتمع فوق تعاليه على الاقتصاد، واستنفد نفسه خلال سنوات قليلة. تغيرت المِلكية بقدر مهم فعلا خلال العقد الأول من الحكم البعثي، لكن تملك التغيير اجتماعيا تراجع حتى عن سنوات "حكم الإقطاع والبرجوازية" السابقة للحكم البعثي وللوحدة مع مصر. مَردُّ ذلك أساسا إلى خصخصة مفرطة لمقر العمومية و"الأمة": الدولة. خصخصة حزبية، لم تتأخر عن الانقلاب إلى قوقعة لهيمنة طائفية ومِلْك عائلي. الميتافيزيقا البعثية أتاحت حجب هذه وراء قناع "قومي" و"تقدمي" سميك.
النقطة المهمة التي نريد إبرازها أن الحكم البعثي كان منذ مبدئه حكم قلة. الطغيان هو الشكل الطبيعي لحكم القلة. وقد أظهر البعثيون في وقت مبكر عزما قويا على ممارسة عنف بالغ القسوة ضد خصومهم، لم يُعرف ما يشبهه في تاريخ الكيان السوري المستقل. مصير الناصريين بعد 4 شهور من الانقلاب، ثم ما لقيته مدينة حماة منهم قبل أن يدفأ الكرسي تحت الحاكمين الجدد، شواهد باكرة، ستتكرر نظيراتها وبصورة أشد وحشية خلال نصف القرن الآفل.
الطائفية، ومنها بخاصة الارتكاز إلى "أقلية"، هي نتاج لمشكلة الأوليغارشية، أو حكم القلة وحل له في آن. يتعذر على حكم ضيق القاعدة أن يستمر دون الاستناد إلى ركيزة طائفية صلبة، ودون أن يوظف في الطائفية لتفريق طيف الخصوم الاجتماعيين والسياسيين.
الثورة السورية تفجرت ضد أوضاع تجمع بين الأوليغارشية والطائفية والطغيان. ليست انقلابا عسكريا دُبِّر بليل، وأنجز بيوم، خلافا للثورة البعثية. قاعدتها الاجتماعية واسعة، وقاعدتها القيمية واسعة أيضا. وأيا يكن القول في سير الثورة ومآلاتها المحتملة، يبدو مؤكدا أن سورية ستتغير في نهايتها بعمق، اجتماعيا وسياسيا ومؤسسيا وفكريا. وهي بهذا ثورة بمعنى أساسي، تغيّر مطلق، سواء تمكن السوريون بعدها من تنظيم التغير الكبير وتملكه اجتماعيا أم أخفقوا في ذلك.
في الثورة اليوم أيضا توتر بين الاجتماعي والإيديولوجي، نميز صنفين من مظاهره. صنف أول يحاول إدراج هذه العملية الاجتماعية الكبرى في إشكالية "انتقال ديمقراطي"، كما عرفها محمد الحداد قبل حين في هذه الصفحة: "تؤطر الفعل الثوري بمبادئ حقوق الإنسان، وتجعل هذه المبادئ أعلى من فعل الثورة ذاته" ("الحياة"، 3/3/2013، والمقالة تساجل دون تصريح ضد مقالتي "عن الانتقال الديمقراطي والثورة الديمقراطية، "الحياة"، 17/2/2013). وبما إن تعقيد عملية الثورة يفيض على هذا الإدراج من كل الجوانب، لا يبقى أمام أصحابها غير سياسة الأسف واللوم، الأسف على أن الأمور لا تسير كما يقرر مخططهم الذهني، واللوم على رؤوس من يرون المخطط ضيق أصلا وغير حساس للعمليات الواقعية.
لكن هناك ضرب آخر من المصادرة الإيديولوجية للثورة، يتمثل في مجموعات إسلامية الجهادية، بخاصة "جبهة النصرة". قبل حين وزعت الجبهة منشورا في مدينة الرقة التي خرجت من سيطرة النظام قبل نحو أسبوعين يفتي في شأن الديمقراطية، مستندا إلى مأثور عقيدة "الحاكمية الإلهية" التي ترى في الديمقراطية انتزاعا للسيادة والتشريع من يد الله ووضعها في يد البشر. لا يفتح مثل هذا الطرح بابا للمزايد باسم الإسلام على حياة الناس وحاجاتهم ومطالبهم العادية، بل هو يؤسس لسلطة طغيان بلا ضفاف. فبما أن الخالق السيد المشرع لا يحكم مباشرة، وبما أن من يحكمون بشر مثلنا، ليسوا آلات ولا ملائكة، وليسوا مبرئين من نوازع البشر من طمع وأنانية وجشع، فإن الحاكمية الإلهية أساس فكري محتمل لتجديد شباب الطغيان، وعلى أسس أكثر قداسة.
لا نستطيع اليوم تصور الصيغ التي يظهر فيها وينحل هذا التوتر بين الاجتماعي والإيديولوجي، عمومية الثورة وتملكها الخاص. محاولات التملك الخاص للثورة لها حليف قوي: عدوان النظام. وتوسع النظام في حربه خلال عامين ما انفك يدفع إلى تجذر نفسي وعقدي وعسكري، يستجيب له بأكفأ صورة أقلية نشطة: الإسلاميون، والجهاديون منهم بخاصة.
لكن اتساع الثورة الاجتماعي والقيمي هو السند الأقوى للحد من هذه الميول التسلطية للأقلية الجديدة. وسيكون المجتمع السوري في وضع أفضل لمقاومتها عند التخلص من أقليتنا الحاكمة الراهنة.
لدينا رصيد مبدئي كبير في مواجهة البعثيين الجدد، عامان من الثورة بمشاركة فعلية من قبل ملايين. لم يكن لدى السوريين ما يناظر هذا الرصيد في مواجهة البعثيين القدامى.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرقة... صورة -مستعمرة داخلية-
- يوم سقط التمثال
- التناقض الكبير للثورات العربية
- ثورة في المملكة الأسدية
- ثلاثة أشكال للعنف في الثورة
- من مجتمع القضية الكبرى إلى مجتمع المشكلات الصغيرة
- -من بدل دينه فاقتلوه-!
- ثلاثة أشكال للنزعة السلمية في الثورة السورية
- استحضار كربلاء في -قلعة العلمانية-!
- عمر عزيز
- قطع رأس أبي العلاء
- عن الانتقال الديمقراطي والثورة الديمقراطية...
- ثورة أكثر، سياسة أكثر
- سورية الفلسطينية... -النظام- الإسرائيلي
- ... ولكن أين هو -الحل السياسي-؟
- هل هناك عرب في سورية؟
- تحطيم متعدد الأشكال للمجتمع السوري
- اقتراح معاذ الخطيب: خطأ إجرائي وصح سياسي!
- ما هي مشكلتنا مع -جبهة النصرة-؟
- المرحلة الأخطر في الثورة السورية


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - 1963- 2011: بين -ثورة- وثورة