أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تحطيم متعدد الأشكال للمجتمع السوري















المزيد.....

تحطيم متعدد الأشكال للمجتمع السوري


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3992 - 2013 / 2 / 3 - 13:44
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لا تعطي الأرقام المجردة عن عدد الشهداء والمعتقلين والنازحين واللاجئين فكرة عن مستوى تحطيم المجتمع السوري، البيئات الثائرة بخاصة، على يد النظام الأسدي. الكلام على 42 ألف شهيد من طرف الثورة حسب الأرقام الأكثر تحفظا، وعلى ما ليس معروفا من المعتقلين (تكلم معاذ الخطيب قبل أيام على 160 ألفا). أما اللاجئون القسريون خارج البلد، فربما يقارب عددهم اليوم 700 ألف، وهو في تصاعد مستمر. ويتجاوز مجموع النازحين الداخليين رقم مليونين ونصف. وليس معلوما عد النساء اللاتي اغتصبن، وكذلك الأطفال في المقرات الأمنية.
غير ذلك هناك تدمير ما لا يحصى من الممتلكات من مساكن وورش ومزارع ومحلات تجارية.
وفقدت أعداد يتعذر تقديرها القدرة على العيش البسيط. حتى الخريف الماضي كانت ترى أسر تعيش في الحدائق، وفي كل وقت ترى أمهات يتسولن ومعهن أطفالهن، وتتواتر معلومات عن انتشار الدعارة، مقابل الطعام في مرويات، وبغرض إعالة الأسرة في مرويات أخرى.
هناك ضحايا من طرف النظام أيضا، ربما فوق ثلث عدد ضحايا الثورة. لكن تحطيم بيئات الحياة، وشروطها المادية والاجتماعية، محدود جدا. خص النظام حواضن الثورة بذلك المزيج المميز جدا له من البدائية التقنية والبدائية الأخلاقية، على ما رأيناهما يتجسدان معا في ذلك المشهد لعسكري في طائرة مروحية، يشعل بسيكارته فتيل برميل متفجرات، قبل أن يدفعه بقدمه للسقوط فوق منطقة مأهولة. يستحق هذا المشهد جائزة البربرية التي يمكن تعريفها بالضبط بهذا المزيج من بدائية تقنية وبدائية أخلاقية. عنصرا المزيج مترابطان على كل حال. فبفضل هامش مريح من العنف (سهلته على نحو إجرامي الإيديولوجية الوطنية، وفي وقت أسبق ضرب منحط من الماركسية) تحرر النظام من أي ضغوط في مجال المهارة والكفاءة وحسن التنظيم. الأسدي النمطي هو شخص يفوز بما يشتهي بالسلاح، الشبيح.
هذه البربرية نجت منها البيئات الأقرب إلى النظام: لا تقصف بالبراميل، لا تُطلق عليها صواريخ سكود، لا ترمى عليها القنابل الفراغية والعنقودية، لم يغتصب أحد من أطفالها في فرع الأمن، لم يقتل أحد من الأطباء فيها، لم تنهب ممتلكات فيها، لم يقتل شبابها برصاصة في الرأس قبل أن يرموا مقيدين على ضفة نهر، أو تحرق جثثهم في أماكن مهجورة، لم تترك أحياء وبلدات بكاملها حطاما فيها.
هذا يضاف إلى جريمة النظام الأسدي ولا يقلل منها. فقد فرق بين السوريين وألّبهم على بعضهم، ونزع إنسانية ووطنية جميعهم. وإذا كنا نتكلم على تحطيم المجتمع السوري، فللإشارة إلى دمار يفوق الخيال للرابطة الوطنية، وليس فقط إلى إن فوق 60 ألفا من السوريين قد قتلوا في الحرب الأسدية، وأن مدنا وأحياء وبلدات وقرى، ونفوسا، قد دمرت بالكامل.
ولعل الكلام الكثير على "جبهة النصرة"، والاختصار المتعمد للثورة السورية إلى هذا الفصيل الأقلي فيها، وهو ما جعله النظام نهجا إعلاميا ثابتا له منذ أدرجها الأميركيون على قائمة المنظمات الإرهابية، هو بالضبط مساهمة في التدمير المزدوج للمجتمع السوري: من جهة رد الثورة إلى صراع مع "إرهابيين" (كانوا سلفيين و"عراعير" قبل حين) لا قيمة لحياتهم أو هم صنف أدنى من البشر، وهو ما يسوغ، من جهة أخرى، إبادتهم، وفقا لسنة لا يستطيع الأميركيون والغرب الاعتراض عليها لأنهم من سنّوها: إبادة "الإرهابيين" هي السياسة الوحيدة الصالحة في مواجهتهم!
وهذا يتيح حجب واقع البربرية الفعلية الممارسة يوميا وراء بربرية مفترضة، لها اسم تجاري دولي معترف به. وكلما توسع القاتل في بربريته زادت حاجته إلى بربرة المقتولين.
يساهم في ذلك مثقفون احترفوا المزايدة الفكرية، يشخصون مشكلات مجتمعاتنا في "الرؤوس" لا "الكراسي"، على ما قال مراوغ مزمن. وفقا لهذه الدوغما الرثة التي تنسخ من حيث البنية الاقتصادوية الماركسية القديمة دون تغيير، لكن مع وضع "الثقافة" موضع الاقتصاد، يكون النظام السياسي مظهرا لجوهر مكنون في الرؤوس التي لا يبدو أن فيها شيئا آخر غير هذا الجوهر الفاسد. لسنا هنا حيال مجتمع بشر دنيويين، يريدون أن يسكنوا في بيوت لائقة، وأن تدر أعمالهم عليهم دخولا كافية، وأن يتعلم أولادهم في مدارس جيدة، وأن يبتهجوا بالعيش، وأن تتوفر لهم ما توفره الحياة المعاصرة من فرص وأدوات. لا. يتعلق الأمر بنوع بشري خاص، ميؤوس من صلاحه، هوموإسلاميكس، إن لم يكن التخلص منه مرغوبا، فإنه ليس بالأمر المهم.
والحال أنه إذا كان الأمر كذلك فإن الطريقة المثلى لتغيير العقول هي قطع هذه الرؤوس المريضة، وسيكون القتل الفعلي الممارس منذ 23 شهرا تقريبا دون استراحة تطبيقا لهذه النظرية. أما "الكرسي"، أي نمط ممارسة السلطة، فهو تفصيل، مجرد نتاج للرأس (بالمفرد) المضروب. وإذا بد أن "الرئيس المنتخب"، "الكرسي"، هو من يقتل الناس ويحطم المجتمع ويدمر البلد، فهذا مجرد مظهر خارجي لواقع حقيقي يتمثل في أن الكرسي نتاج للرؤوس، بل لعله ضحية لها إن تعمقنا في الأمر كفاية. كان في هذه النظرية (وهي أيضا نظرية المخابرات السورية) الكثير من السياسة دوما. اليوم تنكشف أنها موقف سياسي مباشر، ولا شي غير ذلك.
وعندي جميع أصحاب هذه النظرية بدون استثناء، الرأس الفاسد هو رأس منسوبين إلى جماعة دينية ومذهبية بعينها، "يصادف" اليوم أن أكثرية ضحايا الثورة منها. هل هذا "الفكر" بريء من هذا التأسيس للطائفية في الثقافة؟ ومن دماء عشرات ألوف الضحايا؟
ليست هذه قضايا إدراك، مشكلات فهم أو سوء فهم. إنها وثيقة الارتباط بمواقع واعية في الصراع الاجتماعي والسياسي بين ثورة السوريين والنظام الفاشي. وبين القاتل الذي يهرس رأس ثائر بكتلة من الإسمنت، و"المفكر" الذي تزعجه رؤوس المقتولين وليس كرسي القاتل، هناك استمرارية في النهج وفي النتيجة. نهج التشبيح الذي لا ينتج قيما إيجابية، مادية أو ثقافية أو سياسية، بل يعتمد المزايدة في السياسة بحيث ينزع وطنية المحكومين، والمزايدة في الفكر لنزع العقل منهم، فضلا عن توسل السلاح لامتلاك الثروة. والنتيجة التي هي الانكشاف التام للمجتمع السوري وتحطيمه المتجاوز لكل حد.
هذا الدمار ليس ابن اليوم. أنه تتويج لحكم نصف قرن.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقتراح معاذ الخطيب: خطأ إجرائي وصح سياسي!
- ما هي مشكلتنا مع -جبهة النصرة-؟
- المرحلة الأخطر في الثورة السورية
- الأسد أو لا أحد/ الأسد أو نحرق البلد: نظام العدمية السياسية
- المراقب المثالي والصراع السوري
- المنسى السوري... المنساة السورية
- في شأن -جبهة النصرة- والسياسة الملائمة حيالها
- ليس لدى -السيد الرئيس- من يشاركه!
- قبول -الحل الإبراهيمي-، وليس رفضه، هو ما يؤدي إلى -الصوملة-؟
- الثورة، الإسلام، وامتلاك السياسة: في نقد -التيار المدني- وال ...
- تحولات صورة الأميركيين أثناء الثورة السورية
- خوارج الثورة السورية و-خوارجها-
- ثلاث قوى منظمة و...ثورة
- تكوين سورية وتاريخها و...الثورة
- الثورة السورية ووضع الثورة المطلقة
- حوار متجدد في شأن الثورة السورية
- الثورة والإسلاميين بين سورية ومصر
- ليس في التاريخ ثورات -ع الكاتالوغ-
- هل نستطيع تصور النظام السياسي السوري بعد الثورة؟
- ثورة سورية أم ثورة إسلامية في سورية؟


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تحطيم متعدد الأشكال للمجتمع السوري