أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تكوين سورية وتاريخها و...الثورة














المزيد.....

تكوين سورية وتاريخها و...الثورة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3941 - 2012 / 12 / 14 - 12:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لم ينظر السوريون إلى تكوين بلدهم وتاريخه وجها لوجه خلال نصف القرن المنقضي. كان هناك دوما حجاب مسدل على جوانب من تكوين سورية والمجتمع السوري، وجوانب أو مراحل من تاريخ البلد.
ليس فقط أننا لا نجد شيئا مكتوبا ذا قيمة بأقلام سوريين عن تكوين سورية الاجتماعي الثقافي، بل إنه بدا أن الوطنية والتقدم يقتضيان، بالأحرى، التكتم على هذا الجانب. بعد زمن من شعار "كلنا عرب" الذي كان يجعل غير العرب من السوريين غير مرئيين، صار يقال "كلنا سوريون"، وليس لوقائع تتصل بتمايزاتنا الموروثة أن تستحق اهتمام المثقفين والناشطين السياسيين منا. غاية ما يمكن أن يقال في هذا الشأن كلام غنائي عن "الفسيفساء السورية الجميلة"، وغالبا دون إدراك من المتكلمين للتضمينات الخطيرة لهذا الكلام، وليس أقلها أن تمايزاتنا الموروثة متحجرة مثل الفسيفساء، وأننا لا يمكن أن نكون شعبا ونطور إرادة عامة، وأن خياراتنا السياسية تنحصر بين طغيان يحجب هذه التمايزات ويُحرِّم الكلام عليها، وبين نظام محاصّة يتيح لكل قطعة من لوحتنا الفسيفسائية تمثيلا "منصفا".
وما يذهب ضحية لهذه المقاربة التحريمية التي تتحرج من ذكر كلمات من نوع مسلمين ومسيحيين وإيزيديين، وسنيين وعلويين ودروز واسماعيليين وشيعة، وصارت تفضل اليوم أن لا نتكلم أيضا على عرب أيضا (لا بأس بالكلام على كرد وسريان وأرمن!)، هو المعرفة بمجتمعنا، وليس التلاعب السياسي المحتمل بالتمايزات الثقافية الموروثة. صحيح أنه ليس للمعرفة أثر مباشر في منع التلاعب السياسي، لكن الجهل مناسب جدا لتسهيل أمر هذا التلاعب. لقد استفاد النظام الأسدي كثيرا من فرض حجاب الصمت على هذا الجانب المهم من تكون المجتمع السوري، بينما هو يتلاعب به من وراء الحجاب بفجور وانعدام ضمير تام، وتحت وابل من التخوين الكثيف.
ولا يعني الإحجام عن تناول التكوين الاجتماعي الثقافي لسورية أن التكوين الاجتماعي الجهوي نال اهتماما جديا، ولا أن التكوين الاجتماعي الاقتصادي هو الذي حظي باهتمام خاص، ولا أننا نكرس جهودنا لتكون الدولة ومؤسساتها. لا شيء من ذلك كله. نحن لا نفكر في أي من هذه التكوينات، لأننا لا نفكر في سورية أصلا. بدلا منها نفكر في أوطان متخيلة: "الوطن العربي"، "الأمة الإسلامية"، "كردستان"...، وهو ما لا يمنع أن يتجه شغفنا وأعمق ولائنا إلى تكوينات جزئية، الجماعة الدينية أو المذهبية أو الإثنية، أو روابطنا العضوية الأضيق، العشيرة والمحلة.
وخلافا لما قد نفترض من أن تناول تمايزات المجتمع السوري يضعفه، ويزرع في أذهان السوريين اختلافاتهم الطائفية والقومية والدينية، نرى أن العكس هو الصحيح، وأن التناول الجدي لهذه الشؤون والإحاطة بما تطرحه علينا من تحديات يقوينا كأفراد تجاه بيئاتنا الأهلية، ويقوي شخصية البلد. الإمساك عن التفكير في هذه الشؤون هو من بين ما يسهم في بقاء الفرد لدينا هشا، ويبقي بلدنا ضعيف الشخصية والجاذبية.
ورغم أن تاريخ الكيان السوري الحديث يقل عن قرن، فلا يكاد يكون معروفا منه غير الزمن البعثي، وبخاصة الحكم الأسدي في صفحتيه. والأصح أن هذا الزمن وحده هو المعترف به وليس المعروف. فيما أُقصي زمن ما بين الاستقلال والانقلاب البعثي الأول إلى الظلام بوصفه "عهد الإقطاع والبرجوازية"، ولا نكاد نعرف غير قليل من الإنشاء البطولي عن زمن الانتداب الفرنسي الذي كان حاسما في تكوين سورية المعاصر، ولا عن الفترة القصيرة المتلجلجة التالية لانسحاب العثمانيين والسابقة للانتداب الفرنسي.
واليوم نحن مهددون بأشياء معاكسة. بأن يحذف نصف القرن الأخير من الذاكرة والبحث، وأن يعتبر مجرد فاصل كابوسي من الطغيان والفساد والطائفية، بينما يُدفع إلى الصدارة زمن ما بين الاستقلال والانقلاب البعثي كنوع من فردوس مستعاد، وأن يُستخدم تاريخ البلد لإضفاء الشرعية على خيارات سياسية مخصوصة.
نحن مهددون بالمثل بأن نتحول من التعفف الكاذب بخصوص التكوين الثقافي لمجتمعنا إلى دفع نخب متنوعة الأصول بسرديات مظلومية وسرديات تفوق خاصة بأصول كل منها، تضفي بها الشرعية على مطالب فئوية متعارضة.
ما يغيب في هذا الحالة هو تمثيل المجتمع السوري والشعب السوري ككل، وما يغيب أيضا هو التفكير في تاريخ سورية كتاريخ لبلد فتي، لا كتقاسم لمراحله وفق اعتبارات إيديولوجية أو سياسية فئوية.
إن صحت هذه التقديرات، فإن ما قد نعاينه في وقت غير بعيد ليس قطيعة مع الزمن البعثي والأسدي بل نسخة مقلوبة منه.
يمكن لذلك أن يكون مفهوما في فترة التحول والمرحلة الانتقالية التالية لها بوصفه أحد أوجه الانقلاب القيمي والسياسي الذي تُحدثِه الثورة، والشرعية الجديدة المرتبطة بها. لكن في غياب مؤسسات بحثية وطنية، ومرجعيات فكرية وطنية محترمة، وما يبدو من انشغال النموذج الرائج من المثقف بالسرديات لا بالتاريخ ولا بأية معرفة منظمة للمجتمع، يحتمل للمؤقت أن يستمر وللاستثنائي أن يدوم، ولمنطق الثورة التأسيسي أن يتحول إلى منطق السير العادي للأمور، وذلك لاعتبارات سياسية حزبية أو فئوية ضيقة. وهذا نسق نعرفه جيدا في سورية من تأبيد "الثورة" البعثية واستخدام شرعيتها المفترضة لتجريم المعارضة السياسية وتقييد المجتمع ككل. هنا أيضا نحن مهددون بمنطق النسخة المقلوبة.
تمثل الثورة، والتحولات الكبرى الجارية والمحتملة في الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية السورية، مناسبة لتحرير التأمل التاريخي والبحث الاجتماعي وتوسيع قاعدة التفكير والكتابة في تكوين سورية وتاريخها على نحو يستوعب تعددية المجتمع ومراحل التاريخ الوطني، ويضعهما في سياق تشكل وطنية سورية قائمة على المساواة والحرية والمواطنة والأخوة بين السوريين.
الوقت المناسب لذلك هو الآن.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة السورية ووضع الثورة المطلقة
- حوار متجدد في شأن الثورة السورية
- الثورة والإسلاميين بين سورية ومصر
- ليس في التاريخ ثورات -ع الكاتالوغ-
- هل نستطيع تصور النظام السياسي السوري بعد الثورة؟
- ثورة سورية أم ثورة إسلامية في سورية؟
- معضلة العلاقة بين العلمانيين والإسلاميين السوريين
- ياسين الحاج صالح - كاتب سوري - في حوار مفتوح مع القارئات وال ...
- بعد تفخيخ دمشق... تفجيرها!
- حوار متجدد في شؤون الثورة السورية وشجونها
- هل الثورة مكتفية أخلاقيا؟
- أخيرا، استراتيجية أميركية حيال الصراع السوري... خاطئة
- الثورة السورية ومسائلنا الكبرى الثلاثة
- حوار في شؤون الثورة السورية وشجونها
- سياسة بين سياسيين، وإلا فحرب بين محاربين
- جماعة -ما تبقى-: السنيون السوريون والسياسة
- جوانب من -الاقتصاد السياسي- للحرب الأسدية الثانية
- الموجة الإسلامية الثالثة والثورة: بعض الأصول والدلالات والآث ...
- الثورة في خطر!
- مأزق الثورة السورية


المزيد.....




- قبل أن يفقس من البيضة.. إليكم تقنية متطورة تسمح برؤية الطائر ...
- كاميرا مخفية بدار مسنين تكشف ما فعلته عاملة مع أم بعمر 93 عا ...
- متأثرا بجروحه.. وفاة أمريكي أضرم النار في جسده خارج قاعة محا ...
- طهران: لن نرد على هجوم أصفهان لكن سنرد فورا عند تضرر مصالحنا ...
- حزب الله يستهدف 3 مواقع إسرائيلية وغارات في عيتا الشعب وكفرك ...
- باشينيان: عناصر حرس الحدود الروسي سيتركون مواقعهم في مقاطعة ...
- أردوغان يبحث مع هنية في اسطنبول الأوضاع في غزة
- الآثار المصرية تكشف حقيقة اختفاء سرير فضي من قاعات قصر الأمي ...
- شاهد.. رشقات صاروخية لسرايا القدس وكتائب الشهيد أبو علي مصطف ...
- عقوبات أميركية على شركات أجنبية تدعم برنامج الصواريخ الباليس ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - تكوين سورية وتاريخها و...الثورة