أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - باسم الخندقجي - بريد ازرق جداً














المزيد.....

بريد ازرق جداً


باسم الخندقجي

الحوار المتمدن-العدد: 4028 - 2013 / 3 / 11 - 21:41
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


في هذا اثناء توجه زوجتي و ابنتي لزيارة ابني باسم في سجون الاحتلال علما بأنني لم أشاهد باسم ولم اقم بزيارته منذ 3 شهور لقد فوجئت اليوم بورود رسالة منه و هي مقالة بعنوان بريد أزرق جدا ..
تصوروا ايها الرفقاء الاعزاء سلطات الاحتلال الاسرائيلي تطلب من ابني باسم تعويض اهالي القتلى الذين قتلو في العملية العسكرة في سوق الكرمل وذلك اثناء اعداد محكمة جديدة له يطالبونه بمبلغ 45 مليون دولار ان سخرية القدر نحن الشعب الفلسطيني ان دمائنا رخيصة جدا امام الدم اليهودي الازرق المقدس في جميع انحاء العالم .
والد الاسير باسم خندقجي
نابلس

بريد ازرق جداً

كان وهماً صباحياً بالتمام و الكمال.. يمتطي بكوريته بكل ما أوتي من سرابٍ ليدكني و يدهشني و يُريدني هشيماً مؤقتاً..
فكرتُ و قلتُ: ممّن هذا المظروف البريدي الأبيض؟.. لم أتبيّن ملامح العنوان من بعيد.. إذ كنت فيما يسمى داخل الغربة الحديدة بالجلسة الثقافية.. وسط حشدٍ صغير من أخوة و رفاق الأسر, يناقشون تداعيات المعدية و الربيع العربي.. عندما جاء أحد الإخوة إلى باب الغرفة حاملاً بيده اليمنى أو اليسرى مظروفاً بريدياً: " هذا للرفيق باسم".. استلمه احد الإخوة منه و ألقاه على برشي- ما يشبه السرير- مما حرمني من فتح هذه الهدية الصباحية لحين انتهاء الجلسة.
نظرت إلى ذلك الأبيض من بعيد.. ممن هو.. هذا الدَسِم اللذيذ الغموض.. ثم نالني الوهم..
"هل استيقظتْ أخيراً بعد غياب ثماني سنوات و طفلينْ جميلينْ أحدهما يحمل اسماً من حلمي؟"
نعم هو منها.. إذ إن هذا هو حجم بريدها دائماً في سالف الغربة.. متوسط كالبحر الملقى على غرب الخارطة.. ثم تردد بعض الشيء في العبور إلى الجانب الآخر من شارع الوهم السريع.. و فلتُ مهدّئاً تطلعاتي.. لربما هو من تلك المعجبة التي أدهشتني جداً و جداً في متابعتها لكتاباتي المتواضعة جداً و جداً.. و لكنني عدتُ مجدداً إلى دهشتي الأولى و حزني الأول و عبرت الشارع.. إذ قد تكون هي من أرسلت هذه الرسالة من وراء البحار بعد كل هذا الغياب. لربما استيقظتْ على حلم ما.. لرما مسّها شغفٌ مبيّت.. أو قرأتْ ما كتبته خصيصاً لها من برقيات حب نيسانية.. و أرادت بعد هذا العمر المُرهق أن تفاجئني معاتبةً:
"أما زلتَ أنتَ أنتْ طفلي الذي لن يكبر أبداً؟".
اُلقي نظرة أخرى بعد أن غبتُ و غابت عني النقاشات الصاخبة في الجلسة.. و خشيتُ أن يسألني احد عن وجهة نظري فيما يشبه الثورة المعدية.. لهذا توسلتُ المظروف و تَوَسَلني.. و هربتُ إليه.. تشبثتُ به بعينين من أهلٍ و عشق و سيجارة لم تنطفئ بل تأججت أكثر بنيراني.
شارفت الجلسة على الانتهاء.. الآن سأذهب.. سأمضي إلى البريد الملقى على عتبة صباحي.. كم سأكون طفلاً.. كم سأكون مجنوناً و محظوظاً و حزيناً و فرحاً و تائهاً و شاعراً إذا كان هذا المظروف منها هي التي غابت في طيات المجهول و رحلت بعيداً عن ظلال أحلامنا معاً.
حسناً انتهت الجلسة.. و مُجمل ما تحدثتُ به هو: "يعطيكم العافية" لا اقل و لا أكثر..
غادر الشباب الغرفة.. و هرعتُ أنا بكل لهفة و رجفة و دقة قلب صوب المظروف البريدي النائم على وجهه.. التقطّهُ كالطفل الذي يتعرف على التفاصيل الأولى لحياته القادمة بترقبٍ و دهشةٍ و حذر.. قلبته.. كان أزرقَ الحبر بعنوان مطبوعٍ باللغة التي أمقتها.. و مختوماً بختم الكيان الذي أدمى و شرّد شعباً بأكمله من أرضه..
يا للمفارقة!.. يا ربَّ كل شيء ما هذا؟!
فتحتُ المظروف.. و إذا به دستة أوراق مطبوعة بلغتهم.. ثم قرأتُ رغماً عني و عن اختناقي ما استطعتُ إليه فهماً من حروفهم:
دعوى قضائية.. المُدعي: فلان.. المُدّعي عليه: أنا و مجموعة رفاق.. موضوع الدعوى: المطالبة بدفع تعويضات "لضحايا" العملية التفجيرية.. بقيمة أحدى أربعين مليون دولار.. ثم تفاصيل عن العملية التي وقعت في أوج الانتفاضة الثانية و عن دوري بها..
غابت عني صورة من توهمتُ بريدها من يدي.. و تبعثر في داخلي كل ما ترتب عن ذلك الوهم.. و حضر بكامل زينته و ألقه شعبي الصامد في وجه الاحتلال و برد الإنساني و النسيان الذي يسعى إلى المساس بذاكرته بحفنة مساعدات و منح و قروض مسموعة.. ثم ضحكتُ من هذا البريد الأزرق الغاشم الذي تلاعب بمشاعري لبضع لحظات.. مما سيدعوني بدوري إلى رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية أطالب فيها بتعويضي عمّا أصابني من خذلان و توتر بعد أن اعتقدت بان هذا البريد من الذين أحبهم..
و ضحكتُ أيضاً حد الرثاء لأنهم القوا القبض على عمري و أصدروا بحقي حكمهم الجائر.. أفلا يكفيهم أن اقبع في سجنهم الظالم ثلاثمائة سنة ؟
و ضحكتُ أكثر حد العبث لأنهم لو طالبوا بأربعين مليون دولار فقط لكنتُ دفعتها فوراً من جيبي الخاص.. و لكن من أين سآتي بالمليون المتبقي بعد كل هذا الدمار الإنساني و الروحي و العاطفي و الأخلاقي الذي أصاب هذا الكوكب الأحمق بأكمله؟!



#باسم_الخندقجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوراق من المعتقل . عندما أكون وحيداً
- اوراق من المعتقل . الورقة الخامسة عشر . انحصار اليسار
- ثلاث رقصات في الخريف
- طقوس المرة الأولى .. الكاتب: ساري جرادات
- أوراق من المعتقل . الورقة الرابعة عشر .صناعة الدور التاريخي ...
- اوراق من المعتقل .الورقة الثالثة عشر. الفجوة ما بين النظري و ...
- اوراق من المعتقل . أعدُكِ بالأمل
- أوراق من المعتقل . لنا كَنْزَةُ موسى . -الزيارة-
- بَرَدَى يهجرُ مجراه
- خطا في العنوان
- أوراق من المعتقل . الورقة الثانية عشر . المناقشة و الانتقاد
- أوراق من المعتقل . الورقة الحادية عشر . مركزية ديمقراطية أم ...
- أوراق من المعتقل . الورقة العاشرة . الصحوة الإسلامية
- الفلسطيني السلبي
- أوراق من المعتقل . الورقة التاسعة . كيفية التفاهم مع الظروف ...
- أوراق من المعتقل . الورقة الثامنة . إعادة إنتاج النظرية .
- أوراق من المعتقل . الورقة السابعة . عن أية اشترا كية نتحدث ؟ ...
- أوراق من المعتقل . الورقة السادسة . الاشتراكية المنسجمة مع خ ...
- اوراق من المعتقل . الورقة الخامسة : يسارنا .. اليسار الجديد ...
- ثمة شيئ مُحدد


المزيد.....




- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - باسم الخندقجي - بريد ازرق جداً