أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاصي علي عفارة - القبعة















المزيد.....

القبعة


عاصي علي عفارة

الحوار المتمدن-العدد: 4026 - 2013 / 3 / 9 - 12:18
المحور: الادب والفن
    


(القبعة)
تلك القبعة (خاصتي) الساترة رأسي من ملمات الصقيع, الدارءة عني القليل من أشعة الشمس, بمظلتها الصغيرة, تجعلني من الأنتلجنسيا الحاقدة على المجتمع والدين والدولة, والجنس الفكري والجسم الإنساني.
جاز سؤال أحد الرفاق عنها, وعن تمسكي بها, رغم اهترائها (الجزئي) تمسكي بروحي الذاهبة دوماً باتجاه الله, رفيقي هذا من المتأكدين, الأكيدين بأن لا شيء يربطني بكل أشياء البشر الزائلة الرزيلة, فقد أزلتها من حسابي, قبل زوالها الطبيعي, حارقاً مراحل طويلة, وقافزاً على الجغرافية ولاوياً عنق التاريخ.
حسناً يا أيها الرفيق الخلق. إليك حكايتها وسبب شغفي بها, وتعلقي بأستارها, كما رواها لي مورثي إياها, والذي مات عن عمر الورد.
قبل رحيله بأيام معدودة أخذني من يدي إلى غرفته الصغيرة, الصامدة, أمام غزو كل أصناف وأشكال أعواد الكبريت الشيطانية, في الغرفة تلك, قام الرجل إلى خزانته المحكمة الإقفال, وأحضر صندوقاً أسوداً, مزين بأصداف شديدة البياض,وضعه أمامي.
وقال: انظر جيداً إلى هذا الصندوق, واستمع رجاءً , وعند الإشارة من رأسي بالموافقة بالاستماع والنظر إلى صندوقه ذاك, تابع كلامه...
هذا الصندوق ورثته عن أبي, الذي مات عجوزاً جداً, في مرضه الأخير, أشار لي إلى مكانه, وقال لي بعد موتي افتحه, وستجد به كل أسرار الكون, فتش جيداً في كل زاوية فيه, لا تنسَ ذلك يا ولدي الشقي بحياته.
حملناه بعد أن مات إلى تربته, وما أن واريناه الثرى, حتى عدت مسرعاً, وأخذت الصندوق إلى مكان آمن, وجعلت أضرب على قفله حتى انفتح, وجدت هذه القبعة وتحتها بعض الرسائل, وإيصالات مدفوعة عن بكرة أبيها .
قرأت كل موجوداته حرفاً حرفاً, وتفرجت على صوره جيداً, ها أمي وهي تحلب المعزة, وأنا جالس بحضنها محصوراً بإحكام من يمسك عصفوراً بيده جيداً خائفاً من فراره , هذه أختي التي ماتت بالهواء الأصفر, هذا أخي الكبير الذي مات جائعاً يوم جف حليب أمي ولم يلائمه حليب أخر.... الخ
وللأمانة كان هناك الكثير من الطرافة في إنشاء هذه الرسائل, حيث تختلط العامية بالفصحى لتشكل لهجة ثالثة يتكلم بها ربما أهل مالطا.
أمسكت القبعة, فقلبتها بين يدي, لأجد في إحدى زواياها ورقة ملفوفة جيداً بقماش أبيض,أصفر على مر الزمن, فتحتها مدارياً إياها قدر الإمكان. وفيها ومنها أخذت ذلك السر العظيم, الذي كان سبباً كافياً لإسعادي وسبباً أكيداً لكل شقائي.
كانت هذه الورقة عبارة عن وصية, معنونة أعلاها بـ ‘إلى ولدي الحبيب... تقول الوصية.
احذر يا ولدي.. إذا أردت حياة الدنيا بكل مباهجها, مزق هذه الورقة التي بين يديك , أما إذا اخترت الخلود الأبدي فتابع القراءة, واتبع الوصية بروحها.
يا ولدي, يا وحيدي, إذا خيروك بين الطعام الطيب, مقابل الطعام الخشن, مقابل كرامتك, فاختر الخشن, منه, وإذا منعوا عنك حتى أخشنه, مقابل كرامتك, فمت جائعاً وضع في حسابك الغذاء الإلهي الفاخر الذي ستجده في الحياة الأخرى.
يا نور عيني إختر السير في طريق الفقراء, الفقراء المنسجمين مع فقرهم, احذر من فقراء يمدون الأغنياء وهم راضون, احذرهم هؤلاء أغبياء وحقراء قبل أن يكونوا من الفقراء... إختر طريق المضطهدين المسحوقين فهو طريق الأنبياء والأولياء الصالحين.
لا ترمي يا ولدي التراب في الآبار, لا تقذف حجرة على شجرة, اترك العصافير تقيم على أشجارك, احرسها, أطعمها من خبزك ، اسقها من ماء الله, إنها أرواح المساكين وهبها الله أجنحة وجسداً صغيراً وريشاً, ريثما, يعد لها العدة, لتكون من الواصلين.
امشي يا بني على الطريق دون أن تنظر ورائك, فلو أرادك الله أن تنظر إلى الخلف, لخلق عيناك في مؤخرة رأسك.
إذا أصبحت صاحب سطوة يا بني, فأقم الحق بالقوة, ليكون الحق قوياً على الباطل, دع قدمك تطأ عنق الظالم, ويدك تربت على كتف المظلوم.
لا تتعصب لشيء يا ولدي.... فالمتعصب أعمى لا يرى, كالصخرة تماماً ، تطرف في نصرة المظلوم, الجائع عن استغلال, المنفي عن بطل.
كلم الآخرين حسب عقولهم.
تعلم من المعلمين , وعلم الجاهلين, وإذا خاطبك أحد الجاهلين بجهله فاجهل عليه.
الأرض واحدة يا قلبي, واللئيم هنا لئيم هناك. كلما مات ظالم في أقصى الأرض, ارتحم مظلوم هنا.
دونك الطغاة يا قلبي, الذين هم في ضلال مبين.
اعتمد يا حبيبي على ذكاء القلب.
الله محبة ياحبيبي وليس بغضاً ، الله حياة وتسامح وليس قتلاً وانتقاماً ، الله ابتسامة في وجه الشقاء ، الله خلاصة جمال خلقه ، الله عدالة وليس تمييز ، إحذر ياولدي المتمسحين به ، المتحدثين باسمه ، الناهبين ارزاق عباده ، المختبئين خلف ظله الشريف ، هؤلاء لسان حالهم يقول : من بعدنا فليأت الطوفان ، فلتكن سفينة نوح جاهزة دوماً ، من أجل أن يذهبوا مع الطوفان الذي ينشدوه لوحدهم .
حافظ على شرفك وكرامتك وحريتك, واحرص أشد الحرص على شرف وكرامة وحرية الآخرين, ضع رأس المال تحت حذائك واحرص أشد الحرص من أن تدعه يفكر بالتسلق, على بنطالك, لأنه سيصل الرأس, حين ذاك, انس كل ما كتبته لك. أترك في عهدتك أمك وإخوتك ، فليكن وضعهم أفضل مما كان يوم كنت .
اتركك يا ولدي وأنا مطمئن القلب.
استودعتك كل ما أملكه, فابحث عن الطريق, ... والسلام.
وهنا انتهت الوصية, وبعد أقل من شهر واحد كنت عضواً في الحزب الشيوعي, محارباً في صفوفه.
وجدت بعد أكثر من نصف قرن من وجودي بين ظهرانيه, بأن الأفكار التي ينتجها البشر المتميزون , بحاجة إلى بشر لا يقلون عنهم شرفاً وأخلاقاً وقيماً وعاطفة, ليجسدوها .
وجدت يا صديقي بأن بعض أدعياء الشيوعية, أشد خطورة من الصهيونية نفسها, خاصة عندما يجتاجون الرأس بكل إنتهازية وسفالة, الانتهازيون في كل حزب .... وطن هم الأعداء الحقيقيون على الجنس البشري, إنهم الجراثيم التي تتسلل بخبث إلى الدم, متخذة لونه وقوامه وشكله, والساكت عنهم فيروس متطور عن نوع خبيث من أنواعهم.
خذ هذه القبعة, هديتي لك ولكن بعد موتي .
مات ذلك الرجل الأنقى والشيوعي الذي يمثل ضمير عصره. ومنذ ذلك الحين وأنا أعتمر هذه القبعة.. حتى عندما أنام... وأبحث عن حزبي الشيوعي.
عاصي علي عفارة



#عاصي_علي_عفارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثائر الأممي ارنستو تشي غيفارا
- يا ماريا
- يا سوريا
- صديقي الذي مات
- حوار في الثورات


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاصي علي عفارة - القبعة