أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاصي علي عفارة - صديقي الذي مات















المزيد.....

صديقي الذي مات


عاصي علي عفارة

الحوار المتمدن-العدد: 3965 - 2013 / 1 / 7 - 16:27
المحور: الادب والفن
    


صديقي الذي مات
إسماعيل قنوع مدرس الفيزياء والكيمياء مات
مات إسماعيل قنوع.
كيف ؟
نزيف دماغي.ارتفع ضغطه بشكل مفاجئ ،أمسك رأسه بكلتا يديه وصرخ الماً .خرج الصوت من فمه آآآآآ لم يلفظ الحرف الأخير (خ) الموجع ، فربما الآخات المتكررة المكتملة لم تلبي مقدار الألم الذي شعر به .
نقلوه إلى المشفى ، لم يدم بقاؤه في غرفة العناية المشددة دقائق معدودة وهناك أسلم الجسد (ارتاح أخيراً ).ورفعت الروح شارة النصر !؟.
بحثت روحه عن مكان تفر منه هرباً من قفص المتألمين وآهاتهم المكبوتة والمعلنة ورجاء المحبين والدموع المسكوبة الطالبة غفران السماء . لم تجد تلك الروح الحلوة المسالمة المطعونة بخناجر الظالمين الحاقدين القساة مهرباً إلا عندما دخلت تلك الحمامة البيضاء لتلتقط بمنقارها الطري منديلاً أبيض (الأبيض ليس دليلاً على عنصرية اللون بل دليلاً شفافاً على عنصرية الحياة) .
التقطت تلك الحمامة .روح إسماعيل الشفافة التي لم تتلوث بعفن زماننا ،قلة قليلة من يخرجون أنقياء من هذه الحياة كما دخلوها ! ربما لجيناتهم المتوارثة من حملة راية علي بن محمد المكتوب عليها بأحرف من نور السماء ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ..... ) أو تلك المزهوقة بتفاح العباسيين المسموم حين قدموها كهدية لجياع القرامطة المحاربين الباحثين عن العدالة الاجتماعية في أحشاء سكان القصور على هدى جدهم (أبا ذر ) . عادت الحمامة إلى عشها لتطعم فراخها مما حملت ، لتطير وتغرد روح إسماعيل قنوع في أعالي الأشجار بين زرقة السماء والأغصان التي لم تتلوث بأوكسجين من يطلقون كربون حقارتهم . ذكرني رحيل صديقي أستاذ الفيزياء بما قاله الفيلسوف الإغريقي إكتيوس ( عندما يتوقف أحد عن إعالتك والنهوض بأعبائك ، فإنما هو يعطيك الإشارة للتراجع و الانسحاب لقد فتح لك الباب وهو يقول لك (تعال ) . ( إلى أين ؟ ) ( إلى مالا يخيف ، إنما إلى المكان الذي ولدت فيه ، إلى أشياء ودودة وشبيهة بك ، إلى العناصر ) . تلك العناصر التي كان يعددها لنا الأستاذ إسماعيل ، عندما كنا طلاباً في حصة الكيمياء ، كنا ننظر إلى يديه وهي تتشابك لتعلن اتحاد هذه العناصر ، ويفك شباكها ليعلن تفكك هذه الجزيئات إلى ذرات .
من عادة أستاذنا أن يخصص الدقائق الأولى من الحصة لامتحاننا في الدرس السابق ، ينظر إلى الوجوه يختار طالباً يبدو الهلع في عينيه . ولازلت أذكر وربما سأذكر كثيراً وطويلاً، يوم أشار إلي بإصبعه ، أن تعال ، خرجت من المقعد أدعو ربي أن يوفقني للإجابة عن أسئلته ، وأن يكون سؤاله سهلاً ، وكم تمنيت في رحلتي الشاقة من مقعدي إلى أمام طاولته أن يسألني سؤالاً، حمال أوجه ، تدخل فيه الفلسفة أكثر من علوم الفيزياء والكيمياء كأن يقول لي أيهما أولاً البيضة أم الدجاجة ، سأجيبه حينها وعلامات الذكاء والمعرفة ترتسمان على وجهي ، بأن الديناصور هو السابق على البيضة والدجاجة معاً . وقفت أمامه وأنا أتصبب عرقاً وعيناي ملقاة على الأرض ، ووجه إلي السؤال الصاعق ، عدد لي عناصر القوة ؟ وأخذت أفكر عن أي قوة، وأي عناصر، هل يكون سؤاله خطئاً أو أنه غير مكتمل وناقص ليصبح مثلاً عدد لي عناصر قوة محمد علي كلاي ؟
طال صمتي ...... ونفذ صبره فاقترب مني وأمسكني بغرتي التي عفا عنها الزمن فيما بعد ، وجرني يميناً وشمالاً . قلت: أولاً جهة القوة ، جذبني بعدها باتجاهه بغرتي المسكينة فأحسست كأن مساً كهربائياً ضربني في فروة رأسي ، قلت : ثانياً نقطة تأثير القوة شد بعدها غرتي الطيبة الذكر إلى الأعلى جعلني أستند على مشطي قدمي قلت: ثالثاً حامل القوة أنزلني بعدها لأستند على قدمي كاملة ودفعني إلى الخلف محرراً شعري من قبضته قلت: رابعاً شدة القوة
علمنا إسماعيل بأن الماء بسيط وسهل وهو عبارة عن اتحاد ذرتي هدروجين وذرة أوكسجين ( ( H2O والماء ربما يختصر الحياة نفسها . فيما بعد حين خرجت عن سيطرته المدرسية وغزا الشيب رأسي تشبهاً غير مقصود إطلاقا ببياض شعر أبي ، سألني مرة إذا اجتمعت ذرتا هيدروجين وذرة أوكسجين ماذا يفعلان أجبته واثقاً ،بأنهم ربما يشكلون حزباً سياسياً سرياً يكتشف قبل تأسيسه ويزج بالمفكرين في الانتساب إليه في سجون الوحدة والحرية والاشتراكية ، وعلى الأغلب لن يفكروا بالسياسة مطلقاً ، لن يفكروا مطلقاً ، لأنهم على علم أكيد بوبال التفكير في مجتمعنا ناهيك عن السياسة وفي المحصلة سيبلطون البحر!! ...... ضحك إسماعيل حينها كما لم يضحك وكم أحببت ضحكته تلك!! .
احترمنا أستاذنا نحن الجيل الذي تعلم الخوف وتشربه من معلمين يحملون العصا لمن عصى ، من أجل العصا .
احترمنا أستاذنا وأحببناه وإذا كنا نرتجف بحضوره فلم يكن خوفاً وإنما برداً ، نظراً لأن المدافئ المدرسية قد طالها غول الفساد وغدت ديكوراً يقتل البرد نفسياً في النفوس الطامحة إلى الدفء الالهي عمي أبو محمد كما أصبحت أطلق عليه بعد أن تأستذت ولم يعد لقب أستاذ مريح كل حين بين أصدقاء يجلسون معاً بشكل دوري ومتواتر عمي هذا اعتدى على مهنة غير مهنته مع مجموعة من المعلمين أثار حفيظة أصحابها فمن المدرسة إلى ورشة البناء كان يذهب ليوفر قوت عياله . قلت له مرة وأنا أراه يمسك حجر البناء ليرفعه فوق أخيه الحجر الآخر ( كاد المعلم أن يكون معمرجياً ) رد بأغنية يحبها ( عمر سوريا ولبنان وعمر يا معمر العمار).
شريف أستاذي الذي مات ، شريف ونظيف لم يمد يده إلى كروم الأرض ، بساتين الآخرين لم يطأها ، كان والده وجدي الأستاذ فاضل عفارة ( ميخائيل كلاشنكوف العرب ) ، يزرعان أرضاً بالحصة ويقسمان بينهما حصتها من القمح بعبوة من التنك يستخدمانها كوحدة قياس ، تنكة لك وتنكة لي ، هذه لك وهذه لي إلى أن يتبقى تنكة أو بعضها ، فيختلفان كل منهما يريد أن يذهب القمح المتبقي الذي استحال قسمته بالتساوي 100% إلى شريكه ، وفي النهاية يقوم أحدهما بنثر القمح المختلف عليه في الهواء بكل ما أوتي من قوة ليتناثر بعيداً على التراب ويصرخ ليست لي وليست لك إنها لحمامات سيدنا الحسين وإخوتها الطيور ، إنها صدقة عن أولادنا وعيالنا . في العام 1997 من القرن الماضي التقيت مصادفة برجل في مدينة السويداء البعيدة عن قريتي الكبيرة حوالي 400كم .سألني حين عرف بأني من مدينة السلمية إذا كنت أعرف رجلا يعمل مدرساً للفيزياء و الكيمياء يدعى إسماعيل قنوع ، قلت ( ولو) لا أعرف غيره فرح الرجل فرحاً عظيماً لأن الرجلين صديقان أضاعا بعضهما طويلاً في زحمة الحياة وفيما بعد عادت الصلة الوثيقة بين الصديقين ، والزيارات المتبادلة أصبحت على أشدها .درس الرجلان في نفس المعهد وأبت الصدفة إلا أن يكونا معاً في كتيبة واحدة في أثناء حرب تشرين في 1973 م من القرن الماضي قال لي صديقه بأن إسماعيل كان بطلاً في المعركة رئيسه المباشر الضابط الذي اضطهده كثيراً أوقات السلم فر من المعركة عند أول طلقة وفيما بعد رأوه حاملاً على صدره وساماً أما إسماعيل فلم يحمل سوى إنفجارات في رأسه وجروح في صدره طالت أعماق قلبه البريء.
في أواسط الثمانينيات سافر إلى الجزائر كأستاذ معار لمدة عامين ،عندما سألته عن الجزائر أجابني باقتضاب لولا الجزائر لسكنت في خيمة أنقلها من أرض إلى أرض كالغجر في إشارة إلى بيته الصغير الذي يعتز بسقفه العالي .
في العام الأخير لم أعد أرى صديقي أسبوعياً كالعادة كانت تمر أشهر أحياناً دون أن ألتقيه بالرغم من القرب بين منزلينا ، أخذتنا الأحداث في سوريا بعيداً فلم تعد لسهراتنا قيمة نحن الباحثين عن الفرح ( بخرم إبرة) تكفينا كآبة منازلنا والحزن على قتلانا ومعتقلينا ومخطوفينا ، بعد تقليع أظافر أطفالاً أساؤوا إلى نظافة جدراننا ، الشرارة التي أوقدت الحريق الكبير قلت له مازحاً بعد أن عاتبني بشدة لغيابي عنه ( أنتم البعثيون خربتم البلد يالكم من أوغاد لم أعد أرغب بلقاء أي بعثي حتى ولو كان ميشيل عفلق ) ضحك آنذاك بسعادة المتفاجئ بنبرتي الهجومية وتبريري للإنقطاع عنه ، وقال بتهكم أنتم جماعة الجبهة شركاؤنا وحلفاؤنا، أحزابنا الحكومية الغالية كنتم معنا في السراء والضراء تخرجون معنا في الحر والقر قلت لأنكم كنتم تمتلكون المكيفات والمدافئ ونحن قوم اخترنا برودتكم صيفاً ودفأكم شتاءً ولتدبر نفسها الطبقة الكادحة بسواعدها وأدمغتها
يتحول فجأة كلام أبي محمد إلى الجدية .....أنتم شيوعيي الجبهة ماذا فعلتم وماذا تفعلون ؟فأنبهه بأننا نبهنا وحذرنا ، وأعدد له على الفور أقوال رفيقنا في مجلس الشعب ووقوفه الحازم ضد السياسات الليبرالية و الانفتاح على الغرب الاستعماري ، ولقد توجهنا عند أول لحظة في المؤامرة إلى رفاقنا في الأحزاب الشيوعية في العالم شارحين لهم حيثياتها للتضامن مع وطننا وقد وقفت جريدتنا بجانب قناة الدنيا كروح واحدة لجسدين ، وأنتجنا مقولة عجز عن إنتاج مثلها فلاسفة الإغريق وحكماء روما كسرت ظهر أعداء الداخل حيث قلنا ومنذ بداية أول مظاهرة حاقدة على الدولة والمجتمع ( القول يواجه بالقول والفعل بالفعل ) وطورنا مقولتنا هذه فيما بعد ولم نقف عندها لأننا جدليون ماركسيون ونفهم أكثر من كل القوى السياسية أهمية الشعارات الراهنة حيث أصبحت ( القول يواجه بالقول والفعل بسيادة القانون ) فيرد إسماعيل ساخراً ، عظيم ، يعني العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم . فأضيف والواحد منا بيسوى مية .
رحم الله صديقي الجار الطيب المنحاز إلى قيم الجيرة الأخلاقية (الجار قبل الدار) . (ملعون من ينام وجاره جائع ) الرجل الأدمي العصامي حيث العصمة مقارعة الظلم أينما وجد . لم يعد بيننا رجل اسمه إسماعيل قنوع أصبحنا نتحدث عنه من أول لحظة لرحيله بضمير الغائب
طلق أبو محمد الحياة ثلاثة لارجعة عنها ،هذه الحياة التي لم يرتكبها . (صلوا لراحة نفس عمي إسماعيل قنوع لقد كان متعباً جداً)
سنتذكرك بفرح من كان بيننا أيها الرجل الذي إقتسمنا واياه الفرح نكاية بالكآبة وسنترك كأسك مليئة علنا نجد يد أخرى ترفعها لمجد فلسفة الحياة .

( عاصي علي عفارة )



#عاصي_علي_عفارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار في الثورات


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عاصي علي عفارة - صديقي الذي مات