هل للمدينة ثقافة ؟ (نعم)

إدريس الغزواني

الحوار المتمدن-العدد: 4019 - 2013 / 3 / 2 - 17:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

عادة ما ننظر إلى المدينة و الفضاء الحضري على أنها مساحة فيزيقية يتخللها فسيفساء من البنايات المتراصة فوقها ذات بنية شطرنجية منظمة وفق قالب إداري و ترابي , سياسي و اقتصادي, و كذا يسيرها مجموعة من الأشخاص المحسوبين على السياسة و الذين يتعاملون مع المدينة على أنها مقاولة نربح منها مجموعة من الملايير الدراهم كل سنة ,لهذا نجدهم في حلبة المصارعة وقت الانتخابات لا لشيء إلا للنيل بالمقعد الذهبي للجماعة الحضرية . و لكي لا نبتعد عن الموضوع المهم بالنسبة إلينا و هو ثقافة المدينة أو الثقافة الحضرية, يجب أن نستحضر أولا ما المقصود بالمدينة ؟ . تشكل المدينة ظاهرة اجتماعية بامتياز ارتبط وجودها بوجود المجتمع الإنساني, و اختلف نمطها باختلاف الحقب التاريخية, و كانت محل اهتمام من طرف الفلاسفة و المفكرين على مر العصور. إن إعطاء تعريف واضح للمدينة أمر لا يستهان به باعتبارها ظاهرة معقدة تولدت عن تفاعل عدة عوامل متشابكة.و من ثم اختلف العلماء في تعريفهم للمدينة و ظهرت تعريفات مختلفة حسب و جهة نظر كل عالم. إن المدينة في نطر المرحوم محمد الدهان "هي مجال الممكن ,حيث من المفروض أن يحدث ما هو جديد و يجد كل واحد مبتغاه " .بحيث "هناك نوع من الشاعرية يتميز بها المجال الحضري حيث تتغير الوجوه و الصور مثل حلم يحرك الرغبات الخفية....كل وجه نلتقيه هو في حد ذاته لوحة طبيعية تعكس ملامحه أحزان و أفراح صاحبه و يختصر تاريخه الشخصي". كما تعرف المدينة أيضا على أنها "تجمع إنساني موسع ’وفي نفس الآن نسق من الأفراد و من المؤسسات المترابطة و المتوافقة ’ونظام مجالي يهيئ للإنسان ظروف عيش بعيدا عن الوسط القروي". من هنا نستشف أن هناك جوانب ثقافية تتشكل منها المدينة, لكن ثمة منطقا اقتصاديا عقلانيا هو الذي يتحكم في المدينة أكثر مما هو منطق يرتبط بثقافة بعينها.فالثقافة هي نسق أو مجموعة من القيم و المعايير العقلانية و غير العقلانية. إذن كيف يمكن الجمع بين التصور الاقتصادي العقلاني للمدينة و منطق الثقافة أو الحديث عن ثقافة داخل المدينة ؟ باعتبار أن هذه الثقافة هي مجموعة القيم قيد يكون مما لاشك فيه البعض منها عقلاني كقيم الحداثة و القيم العلمية والقيم التكنولوجية, لكن ثمة قيم ذاتية مرتبطة بالفاعلين ذاتهم أو القيم السيكولوجية كالرغبات و الحاجيات وخلافه من الأشياء الذاتية. إذن إلى أي حد يمكن التوفيق بين قيم الحداثة و القيم العلمية وقيم التكنولوجيا وقيم التطور و قيم التدبير العقلاني للموارد المالية والبشرية داخل المدينة , وكل هذا منطق اقتصادي تحدث عنه فيبر ,تحدث عنه أدام سميث و تحدث عنه كل الاقتصاديين الذين كانوا يتصورون أن المنطق العقلاني أو التصور العقلاني هو الذي استند عليه التطور الرأسمالي في أوربا . و ب ين التصور الثقافي للمدينة باعتبار أن هذا التصور الثقافي يجرنا إلى مجموعة من القيم الذاتية التي ترتبط بالتجربة الذاتية أو رغبات أو حوافز للموظفين في الجماعات الحضرية, بمعنى آخر جوانب لا عقلانية في التفكير. إذن لحل هذه الإشكالية يجب التأكيد على أن هناك تطور المدينة وفق تصور اقتصادي إلى وقت قريب و هو التصور التقليدي الذي كان سائدا , لكن مع مجيء السوسيولوجيا و الانتروبولوجيا بدا تحول نوعي حيث أضحت الثقافة بصفة عامة هي المدخل الجديد و الرئيسي للمدينة باعتبار انه لا يمكن بأي حال أن نختزل المدينة ضمن تصور اختزالي تبسيطي باعتبارها تنتج فقط تبادلات تجارية و عقارية و خدماتية بقدر ما أنها بحد ذاتها مؤسسة اجتماعية تنتج العلاقات الاجتماعية و أنماط من السلوك وقيم وتصور وتمثلات وتنتج السلطة . أي في أحشاء المدينة ذاتها هناك علاقات السلطة. إذن لا يمكن بأي حال أن نركن إلى تصور اقتصا دوي يختزل المدينة في جوانبها المادية أو الاقتصادية بقدر أن ثمة تصور سوسيولوجي جديد يجمع بين الجوانب الاجتماعية و الثقافية و ينظر إلى المدينة باعتبارها مؤسسة اجتماعية تنتج مجموعة من العلاقات الاجتماعية و أنماط التفكير وأنماط سلوك و انساق الثقافات و خلافه من الأشياء . إن ثقافة المدينة هي ثقافة ملموسة ترتبط بالواقع المعيش من حيث نمط اشتغالها و قواعد تسييرها و كذا مجموعة من العناصر التي تتحكم فيها.تعرف ثقافة المدينة بأنها مجموعة من المعارف و القيم و المهارات و الاتجاهات و السلوكيات التي تمارسها الإدارة العليا للمدينة أي من داخل المؤسسة أو من خارجها ,و التي تقوم على مبدأ التوافق .إن ثقافة المدينة بناء محكم يرتبط بمجموعة من قواعد السلوك و التوجهات العامة التي يخضع لها مختلف الفاعلين داخل المدينة . إذن لا يمكن النظر على ثقافة المدينة في معزل عن فضائها الاجتماعي و الثقافي, إن الأمر إذن يتعلق بقيم مشتركة و اتجاه نحو تحقيق هدف مشترك بين مختلف الفاعلين داخل المدينة و بالتالي تنتج ثقافة.

#إدريس_الغزواني (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات