|
لعبة السرد في الساحة الشرفية لعبد القادر الشاوي
حليمة زين العابدين
الحوار المتمدن-العدد: 4004 - 2013 / 2 / 15 - 08:38
المحور:
الادب والفن
بعد كان وأخواتها، القصة التي كشفت في جرأة كبيرة أبعاد النقص المحمل به الفعل الماضي "كان"، في تجربة الاعتقال السياسي، وفي زمن كانت محاطة فيه بهالة من القدسية، ساهم في قسط كبير منها، التستر والتكتم عن العاهات والنواقص، التي لا يخلو منها فعل إنساني، فردي كان أو اجتماعي سياسي، اجتماعي مجتمعي، في عالم بلا قضبان أو أسوار إسمنتية تسيجه، أوفي العالم المصطلح عليه بالسجن. وفي نفس السياق وعن نفس التجربة، ولكن من منظور مغاير ومن زاوية للرؤية مختلفة، وبفاصل زمني تجاوز عشر سنوات، تظهر لعبد القادر الشاوي رواية جديدة "الساحة الشرفية" زوبعة أو كالزوبعة تقول للجميع: "إن زمن المراجعة قد دنا، تُراجِع الماضي، تنتقد أيام الدرب والخيانات التي قال بها الجميع مثلما قالوا بالصمود.. نقد للأفكار يشبه الخروج عن ملة الجماعة التي لم تكن بعدها إلا الردة... حديث عن بعض الزعامات المضجرة.. إشارة إلى كثير من التفاهات... لا تسرد البطولات التي يرويها الآخرون عن الماضي كالملاحم ." 1 "كان وأخواتها" رواية كتبها عبد القادر الشاوي عن تجربة السجن وهو لازال معتقلا، فالسارد/الكاتب رهن الاعتقال في زمن القصة وزمن الخطاب، وهو أيضا شخصية منخرطة في الحدث، يعيش وشخوص القصة في نفس الزمان ونفس المكان. لا يروي سوى ما يجري أمامه، يعيشه يتفاعل وينفعل معه، فيخضعه لعملية تحويل تخييلية لحظة لحظة. وكتب الساحة الشرفية بعد أن أصبح السجن ذكرى، فجاء السرد فيها قائما على استرجاع الأحداث الماضية وقد طوعتها عملية التخييل، تعيد بناءها وتركب الشخصيات بطريقة سينوغرافية متلاحمة، واعية بخبايا الذات الإنسانية، بحوافزها الوجودية والاجتماعية الوجدانية والثقافية، وبإبداعية مثيرة ومشوقة، بما تقدمه من إحساس بأبعاد الداخل والخارج عند الشخصية المتحركة في فضاء النص، وبما تقدمه من أسئلة قلقة ومقلقة عن مضمون هاته الشخصية ومضمون العالم الذي يحتويها، السجن وخارج السجن من غير الابتعاد عن جمالية السرد وفنيته القاضية باختيار الإشارة الموحية من مضامين الشخصيات المسرود عنها، وبانتقاء العوالم التي لا تعادي تغيير الرؤية إلى الذات وإلى الواقع، في منأى عن التقريرية المباشرة والعرض السطحي أو التوثيقي لأحداث جرت في الواقع. عوالم الساحة الشرفية لم يكن ممكنا اختزال رواية الساحة الشرفية وإعادة كتابتها في سطور، إن محاولة ذلك هو تجني على العلامة الإشارية فيها، فهي لها لغة كالشعر تماما، تحقق اللفظة فيها تمثيلا للعالم المسرود عبر الصورة الاستعارية أو الرمزية الحاملة لتعدد دلالي، يحيل القارئ على طبقات معنوية تتوسع وتتنامى في أشكال دائرية من أول مقطع سردي إلى نهاية النص نحو:" أستعيد مواقع الخريطة التي طوحت بي، جواب متاهي، حمال شجون، هباط بلاد لم تلدني، فتاح قلوب لم تكرم وفادي، فلا أعثر على وطني. أي وطن هذا الذي يسفكه الماضي، كيف يميتني ويأتي إلي بالهدية الأخيرة طامعا في مغفرتي"2. ليس في الساحة الشرفية متوالية من العلامات اكتفت بالجمالي، من غير النفاذ إلى عمق الذات الفردية والجماعية، في التزام وثيق بقضية إنسانية اجتماعية وسياسية، قضية الإنسان المعتقل في "الساحة الشرفية" من أجل أفكار الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، وقضية الإنسان قاطن "براندة" المسيجة بالخرافة والصراع القبلي والصراع من أجل الحاجات البيولوجية. 1. العلامات الإشارية في صورة الغلاف ما بين التعبير الشعري والمحتوى الحامل لقضية، جدلية محكمة النسيج، يتجلى مداها في لوحة الغلاف، التي تحمل إضافة إلى بعدها الجمالي المتولد من تناسق الألوان وانسجامها، بعدا دلاليا عميق الإشارات، يحتمل أكثر من تأويل، فهي تكشف عن إنسان محاصر بعريه، داخل إطار أحاط جسدا أدميا من غير رأس، وبرجل لا تقوى على الحراك، لأن يسراها مشدودة إلى الخلف، إشارات أيقونية تثير في الذهن أكثر من سؤال، فهي في علاقتها بالعنوان "الساحة الشرفية" توحي بالتناقض، فالساحة كفضاء تستدعي رجلا بلا قيد، لأن الكلمة من الفعل ساح، ومدلوله اللغوي عند ابن منظور في لسان العرب، هو الانطلاق على وجه الأرض كما الماء الجاري، يجد منفذه رغم كل الحواجز التي يمكن أن تحول دون تدفقه. وصِفة هذه الساحة، منسوبة إلى الشرف، والشرف في نسبته للإنسان معناه الرفعة والمجد الموروثان عن الآباء. والشريف من الأرض ما علا وارتفع، وهي معاني تدخل في علاقة تضاد مع إيحاءات لوحة الغلاف. فرأس الإنسان، هامته أو أعلاه محذوف مي لوحة الغلاف، وهذا الإنسان مقيدة رجله إلى السفح. وحين الانفتاح على الرواية يجد القارئ أن "الساحة الشرفية" اسم يطلق على باحة السجن، هذا الفضاء المكاني الذي جرت فيه الوقائع المسرودة، والسجن نقيضه اللغوي كمكان، هو الساحة، وبهذا يخرج العنوان عن معاني الحرية ودلالات الشرف، ليدخل مع إشارات لوحة الغلاف في علاقة تكامل وانسجام. ويصبح الغلاف تكثيفا لمعاني النص. لفظة "رأس" تترد كثيرا ككلمة مفتاح في النص. أما مؤشراتها (الحلم- الوهم- الخبال- الشرود- الذكرى- الفكر...) فلا يخلو منها أي مقطع سردي في الساحة الشرفية. والرأس هو خزان ثقافة الإنسان، ومذكراته ومشاعره، هو ذاكرته وأحلامه، وهو إن كان في لوحة الغلاف يوجد خارج الإطار، فهو في بنية النص مفصول دائما عن الجسد. 2. براندة والساحة الشرفية وترحال لا يتوقف بالرغم من إيحاءات الحرية والانطلاق التي تثيرها في ذهن المتلقي العلامة اللغوية الساحة، ومدلولات السمو والرفعة في الدال الشرفية، هي باحة السجن، ذاك القدر المشؤوم الذي لاحق أبطال الرواية، والذي وصفه السارد "سعد الابرامي" بقوله: "كان السجن باعثا على الانكسار وكان الانكسار كالسعار" وكان يهرب من قهره في أحلام العودة إلى "براندة"، موطنه قبل الاعتقال. "براندة" اسم مؤنث مستعار للوطن، المكان المفتوح في فضاء النص، ولكنه كالسجن تماما، سجن لا متناهي في الكبر، شبهها "سعد الابرامي" بمقبرة يستوطنها آدميون على حافة الموت اليومي". "براندة" التي استوطنت أحلام سعد الأبرامي وهام بها وهو بالسجن، و"غمزت له بالحرية فصدق في لهفةٍ، مرماها الكاذب" 3. وحين غادر المعتقل قبل إنهائه العشرين سنة سجنا التي كان محكوما بها، وعاد إليها، وجدها "كالساحة الشرفية" لا اختلاف بينهما سوى أن "براندة" تحاصرها الجبال و"الساحة الشرفية" تحيطها الأسوار. صدمه واقعها الذي لم يطرأ عليه أي تغيير، واستدعى في ذاكرته زمن ما قبل الاعتقال، وهو زمن رديء وموبوء. رجاله يحكمهم قانون الجهل والانتقام خاضعون لجبروت "القائد بن سلام" متشبعون بادعاءات وتخاريف "الفقيه بن يرماق"، منقادون لأوامر الغريزة التي تفجرها غانيات المبغى المسمى السانية. بعد الاعتقال وجدها تعاني من الجفاف وقهر الطبيعة وأهلها يعانون من الفقر، يتقاتلون لا بسبب المواقف والأفكار، فهم لا يملكون مزية التفكير، وإنما بسبب حاجات الجسد.. يترك "سعد الأبرامي" جسده في براندة ويرحل بتفكيره إلى أجواء المعتقل يستعيد أحداثه الماضية: "في لحظة واحدة تنثال فيها الوقائع كأنها تهبط عليه من السجن الذي كان فيه، جميع الوقائع تقريبا"4. و في عودته الاسترجاعية هاته، يخضره حنينه إلى براندة، وتفكيره في مغادرة السجن "وكم كانت فكرة المغادرة في ذلك الوقت، حتى ولو طافت بالرؤوس، ذات وقع غريب يشي بالتخلي المسبق عن جميع المبادئ والشعارات"5 عودة استرجاعية تحمله إلى وضع مأزوم وتصيبه بالذهول، "فكان يشرد أوقاتا لا يعرف له مقاما ولا وجهة ارتحال بسبب حالته النفسية المؤسية التي كانت إلى الفقد أقرب"6. لماذا هذه العودة إلى السجن وقد أصبح ماضيا، ذكرى لا يمنعه من استعادتها وجود المرأة التي يبحث في دفء جسدها وفي صوتها عن النسيان؟ "ومتى كان يصغي إليها؟ إذا ترك لها الكلام عاتبته على هذا الصدى الذي يخلفه الاجترار المتواصل لمحطات عالم في غاية التصدع، وإذا انتزعته منه، تاه مع التهيؤات التي تأتيه محمولة على نقالة الموتى؟"7. هل لأن السجن ترك بعمق الذات "تشوهات مهما حاول الكثيرون إخفاءها فإنها تطل من تحت جلودهم، لأنهم في الواقع موشومون بالتجربة التي مروا أو يمرون منها؟"8. هل هي معاناة السجن التي صهرت شخوص الرواية في بوثقة الألم، حتى أصبحت ذواتهم مرادفا للسجن ، فلا يستطيعون الاندماج في العالم خارج الأسوار لإحساسهم بالاغتراب والضياع في فضاءاته، "ضياع لا يملكون معه سوى رغبة عبيطة في الاندماج، وواهمة"9. هل هو اجترار التخلص من ماض بإفراغ الذاكرة من مخلفاته عن طريق الاسترجاع الذاتي والموضوعي، المروي للأنا للأنت للآخر أو عبر الكتابة. رغبة تقاسمها "سعد الأبرامي" مع شخوص الرواية ولم تغب عنه كسارد عالم بظاهرها وباطنها. "سأل سعد رفيقه إدريس الموجود خارج السجن بجسده فقط، وقد كان مثله يحتلب الذكريات: "أهذه مجرد ذكريات تحكيها عن الماضي أم تراك تتسلى بالاستعادة الوهمية لكي تتخلص من التركة؟"10. 3. شخصيات زئبقية يقدم السارد عالمه الروائي من خلال شخصيات زئبقية، ليس بوسع القارئ القبض عليها أو نمذجتها أو تنميطها، لأنها لا تحيل على مرجع محدد في ذهن المتلقي، خاصة من عاش التجربة ذاتها أو كان أحد أبطالها الواقعيين، فكل شخصية منها ركبت من متعدد في الواقع، وجعلت منها عملية التخييل شخصية قائمة البناء، يعكس سلوكها ومواقفها الألم الجريح التي تطفح به الذوات من جراء السجن، باعتباره الفضاء المعد لقتل أجمل ما في الإنسان، إنسانيته، ومن جراء مواقف التخوين والإدانة والعزل في حق من تمرد على قيادة التنظيم، أو راجع مواقفه السياسية، أو اختار أن يقضي فترة السجن في منأى عن التجمعات معتزلا الحياة الجماعية ، يعتصره الشعور الأليم بالمهانة والاعتداء الذي يتعرض له الرفاق بالمعتقل، لا من طرف السجان وحسب، ولكن أيضا، من طرف الرفاق الزعماء في الساحة الشرفية، التي كان السارد بارعا في وصفها كمكان زحفت عليه جيوش الجرذان حين انقطعت عنها إفرازات المعتقلين، لدخولهم في إضراب عن الطعام، وكفضاء للمعاناة والآلام، "كان السجن باعثا على الانكسار، وكان الانكسار كالسعار... حين أكون في الزنزانة أبترد، تصفر سحنتي، أرى في المرآة نصف وجه بارد معلول تقدمت إليه الرطوبة ولونت قسماته الصفرة..."11. وكما برع السارد في تصوير أجواء الألم القاتم، برع في التقاط صور الحزن والخيبة والحرمان والاغتراب واستطاع بذلك إدخال القارئ في جو الأبطال المساوي، يسقط في حيرتهم وبحثهم عن المعتدي الحقيقي، أهو الاعتقال؟ أهو هوس الزعامة؟ أسئلة متوارية أجوبتها خلف مغالق النص، الذي لا يكشف عن نفسه لقارئه دفعة واحدة، تتطلب منه عنادا وإلحاحا لولوج عوالمها، وكلها عوالم سحرية، عالم الشعرية المتدفقة مع لمسة الكلمة بلذة الإمتاع، الذي يقود الغوص فيها إلى عالم الأسرار المتوارية خلف بوابة السجن، و ما أن يطرقها القارئ، حتى تنشب الرواية مخالبها فيه، فلا يجد لنفسه فكاكا منها، تأسره كما يأسر السجن شخصيات الرواية، ويجد القارئ نفسه ذاتا فاعلة تتمثل عمق المعاناة التي تعيشها الشخصية ، يسألها أسئلة مغلقة ومستحيلة، وهو لا يدري أيدخل في تعاطف معها، فيكيف دوافعها النفسية ليجد مبررا لسلوكاتها ومواقفها أو يتخذ موقف الرفض منها فيدينها. أيدين "حمدان" الذي تملكه زهو الزعامة فطغى وتجبر على رفاقه ؟ "كان قد اعتقل في فترة سابقة، فادعى لنفسه شيئا من الصمود، جعله في نظر المناضلين الصغار زعيما، لبس الصمت فأتقنه إلى حد الخشوع، فكان لا يتكلم ولكنه يراقب العاملين من سدته العالية... أطاح بمن شاء وأعلى مقام من شاء وجعل حوله الخدم يطيعونه وينفذون أوامره عند الاقتضاء... وكان بينهم أفراد شداد لا يتقنون المضاربات الكلامية نهائيا وصارت القوة التي تمتعوا بها فيما بعد منسوبة إلى عضلاتهم"11. أم يجد مبررا لسلوك حمدان، لأن غيرته على التنظيم الذي من أجله دخل السجن، جعلته يحاسب المتخاذلين والمنهزمين والمنهارين. يسأل القارئ الرواية لماذا كان "مصطفى درويش" سيد الوداعة الممكنة، بالغ الهشاشة والتوتر والانكسار؟ أبسبب جبروت حمدان؟ أم هو لسبب اندحار الحلم؟ أذلك لسبب التعذيب الجسدي والمعنوي الذي يتعرض له في المعتقل؟ يسألها لماذا انتحر "محمد وافي"؟ هل لأنه عدمي كما كان يصفه حمدان؟ ولماذا كتب "إدريس العمراوي" سيرته الذاتية يفضح عبرها المسكوت عنه في سلوك رفاقه وممارستهم؟ لماذا...؟ ولماذا...؟ قلق حائر تعيشه شخصيات الساحة الشرفية ويعيشه معها القارئ. شخصيات الساحة الشرفية، شخصيات متباينة ومتعددة، تم انتقاؤها بمهارة وفنية تلك التي تنتمي لعالم "براندة"، يحكمها قانون الجهل والانتقام، مستسلمة لسطوة "القائد بن سلام"، منقاد جسدها لأوامر الغريزة التي تفجرها غانيات "السانية"، ومستسلم عقلها لادعاءات وتخاريف "الفقيه بن يرماق"، سوى "محمد شكيب" الذي كان بضرب به المثل في النبوغ، يعرف السياسة، ويعارض "ابن يرماق"، خروجه عن الوضع السائد في "براندة" انتهى به إلى الجنون، يرافق "خانة" اليهودية التي تجوب "براندة" نصف عارية، تكشف سوءتها ومعها أسرار كبار رجالات براندة، فاقدة العقل، مشردة، وقد كانت فيما مضى الجسد المثير لكل كبار "براندة". شخصيات متشابهة سلوكاتها في جوانب كبيرة منها مع شخوص الساحة الشرفية، تلك التي قادها مصير اختارته أو لم تختره إلى السجن، تعيش تناقض الأحاسيس والمشاعر والمواقف، فهي حزينة كئيبة أو طائعة مستسلمة أو طاغية متجبرة، تعيش أوضاعا مأزومة ومأساوية، في حالة سكونها إلى الذات، تفجر أسئلتها الوجودية والمصيرية، تراجع تجربتها، تحاكم وعيها الذي قادها إلى السجن "حيث أمضت حلمها" كما كان يقول "مصطفى الدرويش" تهرب بخيالها نحو المرأة التي تواريها أسوار السجن والحاضرة في الذاكرة كزوجة أو حبيبة، وفي الحلم كجسد ورغبة، وفي المزار حاملة قلقها ومعاناتها وخوفها. شخصيات علاقتها ببعضها البعض داخل المعتقل قائمة على التنافر والتضاد، يطبعها الحقد والكراهية "ذلك الحقد الذي استبد "بإدريس العمراوي" لغير ما سبب ظاهر حيال "حمدان" لمجرد أن خيالات هذا الرفيق المهاب زينت له تلك القائمة السوداء التي جعلها مرجعا له في التخوين والإدانة..."12 كما أنها شخصيات تنزع نحو الحب والتعاطف، التسلط والتبعية والتفاهم والانسجام،"كرهت بعضهم وأحببت بعضهم بسبب التناقضات التي كانت تدمرنا"12. أتقن السارد وصف الشخصية في مظهرها الخارجي وأبعادها الاستتيكية وبنفس الدقة التي وصف بها قلقها الداخلي وانفعالاتها وتقلب أهوائها، التقط حركاتها وهي تنفلت بخيالها من تعليب الزنزانة، والطريقة التي تحتال بها لقتل موت قادم لا محالة ، تنتزع رعشة فرحة أو لمسة حنان في نغمة آلة العود، تكسر صمت الليل بالزنزانة الرطبة أو في رشفة كأس خمرة مهربة في غفلة من حارس المزار، كما صور أشكال تحررها من سجنها في الكتابة أو الحلم.ولم يكن الوصف التقنية الوحيدة التي برع فيها السارد، وهو يمتلك قدرة الارتفاع فوق الوقائع والزمان والمكان برؤية من الداخل تتداخل مع رؤية الشخصيات، وتنفذ إلى ضمائرها، وإنما كان بارعا أيضا في اللعب بالزمن يكثفه حد الإفراط، فيجعل بضع شهور تمر في قليل من الجمل، أو يبسطه بنفس السرعة التي جرى بها في الواقع، أو يحذفه تاركا بياضا دلاليا على القارئ ملأه، أو يعود إليه ليملأه بنفسه في مقاطع موالية. فهو يتصرف بكل تقنيات السرد المتاحة، يُدخِل القارئ ببضع جمل في فترة حاضرة من زمن القصة، يطير به فوق أعوام من حياة الشخصية، بمعدل دقائق من القراءة ، يحدث استباقا أو استرجاعا في زمن الخطاب، متنقلا في أمكنة متعددة، من براندة" المكان الذي تنفتح عليه الرواية وتنتهي به إلى الساحة الشرفية، في بنية حلزونية، مع إرجاعات مكثفة تكسر الزمن الخطي للسرد، تعود به إلى درب مولاي الشريف أو إلى مرحلة ما قبل الاعتقال، بنية متشعبة يتداخل فيها الزمان بالزمان والمكان بالمكان، تنجلي عن إبداعية متمرسة متحكمة في لعبة السرد الروائي. حليمة زين العابدين المرجع الساحة الشرفية لعبد القادر الشاوي ط1 سنة 1999 الإحالات: 4:ص220/ 3:ص238/ 2:ص92/1: ص 220/ 8:ص190/ 7:ص239/ 6:ص220/ 5:ص180/ 12:ص114/11:ص 162/10:ص105/ 9:ص219
#حليمة_زين_العابدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في -مديح الصدى* - لأحمد الزنيبر
-
اشتهاء المرارة، قراءة في المحكي السجني -ملح وابزار- لعزيز ال
...
-
قراءة الشخصية في حديث العتمه لفاطنة البيه
-
المرأة في روايات أحمد التوفيق
-
اعترافات امرأة أمام محكمة رمزية للانصاف
-
المرأة والكتابة عن السجن والاعتقال بالمغرب
-
حب رجل ثائر
-
رأي حزب العدالة والتنمية المغربي حول موضوع، الكحول وعقوبة ال
...
-
مدونة الأسرة وسؤال الحداثة
-
الحركة النسائية المغربية الواقع والآفاق
المزيد.....
-
شعرت بالذعر.. مارغوت روبي تتحدث عن ارتجالها صفعة لدي كابريو
...
-
ليبيا.. رئيس النواب والممثلة الأممية يشددان على ضرورة تشكيل
...
-
ليبيا.. رئيس النواب والممثلة الأممية يتفقان على ضرورة تشكيل
...
-
وكالة الأنباء الجزائرية تطلق قسما إخباريا باللغة الروسية
-
جسده لم يتحلل.. أسرة عبد الحليم حافظ تكشف أسرارا جديدة عن حي
...
-
ليبيا.. رئيس النواب والممثلة الأممية يتفقان على ضرورة تشكيل
...
-
هند المدب تشارك في مهرجان مراكش بفيلم وثائقي بعنوان-سودان يا
...
-
الحسناء الإيطالية مونيكا بيلوتشي تخطف الأضواء في مهرجان مراك
...
-
-ا?لف يوم ويوم-وثائقي بمهرجان مراكش يحكي سيرة -الحاج إدموند
...
-
فيلم -الخنجر- ثمرة تعاون بين RT وعمان
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|