أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حليمة زين العابدين - اعترافات امرأة أمام محكمة رمزية للانصاف














المزيد.....

اعترافات امرأة أمام محكمة رمزية للانصاف


حليمة زين العابدين

الحوار المتمدن-العدد: 3761 - 2012 / 6 / 17 - 00:27
المحور: الادب والفن
    


كان صعبا عليها، استعادة تجربة موغلة في القدم ، تجربة مؤلمة ودامية أيضا، كما أن بعد الذكرى جعل صعبا استحضارها بتفاصيلها الدقيقة لما أحدثه الزمن من ثقوب بذاكرتها. ولأن الذكريات فقدت تلك الحرارة التي كانت تجعلها تتدفق من غير توقف، فحكيها لم يعد ذا جدوى بالنسبة لها، فما الفائدة في ان تقول إنها عاشت مرحلة الاعتقال السياسي أو ما يصطلح عليه بسنوات الجمر والرصاص كواحدة من عائلات المعتقلين السياسيين ولكن من الدرجة الثانية، لأنها لم تكن أم معتقل سياسي بل زوجته، ولم تعاني من السجن باعتباره قباء محدود المساحة. وإن كان الفضاء الواسع، كله بالنسبة لزوجة المعتقل سجنا متعدد الأبعاد والمساحات، متنوعا في أشكال التعذيب، ليس الجسدي ولكنه التعذيب المعنوي والرمزي، هذا بالإضافة إلى الخوف الذي يأخذ طابع الديمومة والاستمرارية من غير اقتراف أي جرم يستدعي حالة الخوف الهستيري التي كانت تعيشها زوجة المعتقل لا لذنب، سوى أنها زوجة لمعتقل سياسي، ومتهمة بذلك مع وقف التنفيذ، تنتظر في كل لحظة وحين ان تؤخذ للاستنطاق أو أن يقتحم عليها زوار الليل مسكنها إن بقي لها مسكن، وهي لم تختر ان تكون هذه الزوجة، فاغلب زوجات المعتقلين لم يكن يعلمن أنهن سيصبحن زوجات معتقلين سياسيين. فهن لم يكن يعرفن أن أزواجهن يمارسون ما كان محظورا آنذاك، أي أنهم يفكرون بالثورة، وهذا اللاعلم هو أول وأقسى اعتداء على زوجة المعتقل، لاغتصاب حقها في أن تعرف من هو الرجل الذي ستقرن به حياتها، ومنعها من أن تقرر برغبة وإرادة أن تكون زوجة لرجل ينتظره الاختفاء ثم السجن بمدد محصورة بين الخمس سنوات والمؤبد، لتجد نفسها مناضلة في لبوس المرأة التقليدية، لا دور لها سوى تلبية رغبات زوجها المعتقل والوفاء بحاجياته من غير نقاش أو اعتراض، وإذا حدث وحصل لها تحول في شخصيتها ولم تعد تلك المرأة البسيطة والتي لا حول لها ولا قوة بحكم محدودية معرفتها وصغر سنها، أي تلك المرأة التي كانتها ، حين ارتبطت بزوجها المناضل، فإنها لا تجد في نفسها القدرة لإعلان، أنها كائن قابل للتطور والتحول، وبوسعها إدراك أن زوجها بالسجن لأنه آمن بحق الإنسان في حرية الرأي والتعبير، وهي إنسان، لها قناعات امتلكتها بحكم التجربة والخبرة من العالم الذي خرجت إليه بحثا عن زوجها، بحث أقحمها قسرا في السياسة تفكيرا وممارسة، لتجد نفسها تبدع وتمارس مختلف الأشكال النضالية لتختصر مسافة السجن أو لتخفف معاناته عن زوجها ومعه كل المعتقلين السياسيين، وهذه القناعات لم يكن لها حق في أن تتبناها مختلفة عن قناعات زوجها، أو تلتقي مع قناعات سياسيين آخرين لا ينتمون لتياره أو تنظيمه، وإن حدث ذلك، فتلك هي المأساة وهي الحرب الباردة التي تتصرف عدوانية من طرف زوج لا يستسيغ أن يكون لامرأته رأي آخر أو موقف مغاير، حتى إذا تعمق الشرخ وكان الانفصال، تدان وتحاسب وتدفع لتختفي عن الأنظار. وهذا اعتداء ثان ولكنه اشد على زوجة المعتقل.
ثالث اعتداء وهو الأكثر إيلاما أنها لا إمكانية لها لتعلن أنها إنسان لها رغباتها الخاصة والنوعية، تتغير مشاعرها وقد تتبدل تجاه رجل تفصله عنها أسوار وقضبان وآلاف الأيام والليالي، لأنها إن فعلت تلحقها لعنة المحيط الذي توجد به وتعزل كالبهيمة الجرباء، بل ويشوه عرضها وسمعتها، فلا تملك سوى الخضوع ليرضى عنها محيطها. تنتزع عن شكلها اختيارا كل وصف جميل حتى لا تنعت بالتفسخ، تمنع عنها الضحك لأنه لا يصح منها، ذلك أن زوجها يحاصره السجن والمنع من الحرية وعليها أن تتمثل ظروفه، وتعيشها بكل أمانة لتكون تلك الصورة النمطية لكل امرأة نموذج للإخلاص والاستماتة في الوفاء، والتي يرضى عنها المجتمع ويؤشر لها على صك العفة والشرف، ويعترف لها بامتياز، أنها مناضلة طالما استمرت تمثالا محنطا. إنه المجتمع ذاته الذي يعطي هذا المعتقل حق ترك هذه المرأة ، إذا ما نال سراحه مع ما تركه من أشياء تذكره بزمن الاعتقال، فلا يحاسب أو يطالب بالإنصاف وتعويضها عن سنوات من عمرها ارغمت على قضائها بسجن واسع ولا محدود.



#حليمة_زين_العابدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة والكتابة عن السجن والاعتقال بالمغرب
- حب رجل ثائر
- رأي حزب العدالة والتنمية المغربي حول موضوع، الكحول وعقوبة ال ...
- مدونة الأسرة وسؤال الحداثة
- الحركة النسائية المغربية الواقع والآفاق


المزيد.....




- المهرجان الدولي للشعر الرضوي باللغة العربية يختتم أعماله
- -مقصلة رقمية-.. حملة عالمية لحظر المشاهير على المنصات الاجتم ...
- معرض الدوحة للكتاب.. أروقة مليئة بالكتب وباقة واسعة من الفعا ...
- -الحياة والحب والإيمان-.. رواية جديدة للكاتب الروسي أوليغ رو ...
- مصر.. أزمة تضرب الوسط الفني بسبب روجينا
- “شو سار عند الدكتور يا لولو”.. استقبل الان تردد قناة وناسة ا ...
- حل لغز مكان رسم دافنشي للموناليزا
- مهرجان كان السينمائي يطلق نسخته الـ77 -في عالم هش يشهد الفن ...
- مترجمة باللغة العربية… مسلسل صلاح الدين الحلقة 24 Selahaddin ...
- بعد الحكم عليه بالجلد والسجن.. المخرج الإيراني محمد رسولوف ي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حليمة زين العابدين - اعترافات امرأة أمام محكمة رمزية للانصاف