أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال الدين أحمد عزام - كان لي صديق














المزيد.....

كان لي صديق


جمال الدين أحمد عزام

الحوار المتمدن-العدد: 4003 - 2013 / 2 / 14 - 12:54
المحور: الادب والفن
    


كان لي صديق

كان لي صديق يخبرني أن الحياة جميلة، و أن الأيام السعيدة لم تأتي بعد، و أن الأحلام ستتحقق، و أن الألام ستتبدد، و أن الأحزان ستصبح في طي النسيان.
كان لي صديق بدأ معي الرحلة منذ الطفولة. لاحظ انطوائي و خوفي من اللعب مع زملائي. كان يتركهم و يحدثني، يلعب معي من وراءهم خلسة. علم أن بي علة و أن جسدي ضعيف. أشفق علي من هذا المعترك و واكب هدوئي و بطئي فلم أقاسي آلام طفل وحيد. كان يسمعني، يسمع قصصي الخرافية و يضحك على طرائفي و يقص علي حكايات جدته و يمضي كلانا ليله يحلم بقصص الآخر.
كان لي صديق أدرك اختلافي عن الآخرين، عن نشاطهم في الحياة. كان الشباب في أوله بينما كنت في أول شيخوختي؛ مراهق شيخ يتعثر في مشيته العجيبة. كان الساخرون كثر و كان يذود عني و كنت شجاعا بنصرته. لم يسألني يوما عن إعاقتي و لكنه فعل كل ما بوسعه كيلا أشعر بها، على الأقل في وجوده. كان يعلم أني رهن العزلة في الأعياد فكان يقطع من وقته مع أهله و أقرانه ليزورني. يهديني كتابا أو إسطوانة لعبة إلكترونية؛ ينقل العيد إلى قلبي.
كان لي صديق و قد أوشك شبابي يولي و الكهولة تزحف على كلينا مع فارق بسيط؛ هو جعله بسيطا، أني لم أكن يوما جزءا من هذه الحياة. أصبح لدى أقراني أعمالا و زوجات و أولادا و أنا كما أنا، كما تم تصنيفي؛ معاق مريض عاطل محمل بشهادات علمية لم تشفع له في حياة همجية لا قدر للعلم فيها و لا وزن. لم يتحجج بأسرته و أولاده، ظل يقطع من وقته لأجلي، يسمع مني شكواي، يحمل عني آلام الوحدة و المرض، يحكي لي عن أزماته و أوجاعه لا ليصيبني بالغم بل ليشعرني بأني أهل للتحمل عن الآخرين. فعلمت أني لست فقط مريضا يواسَى بل أني أيضا إنسان يواسِي.
كان لي صديق، و قد دب الشيب في الرأس، يوافقني حينا و يختلف معي حينا، فمنع عن نفسي، بصدق حجة اختلافه، مظنة إشفاقه علي أو مجاملته لضعفي.
كان لي صديق تقاسم معي كل الحياة بحلوها و مرها، تقاسم معي تلك التفاصيل الصغيرة التي لا يعلمها إلا إيانا و التي صنعت معرفة كل منا بالآخر.
كان لي صديق بلغت صداقتي له أيما حد، فاستأمنته على سري و استأمنني على سره و كأن كلينا أمسك بيد الآخر طوعا منه و أدخلها في صدره لتمس قلبه. فلم نعد مجرد صديقين جمعهما القدر قسرا بل شقيقي روح تماس قلبيهما إختيارا.
كان لي صديق يخفف عني محنة الأيام الأخيرة و قد أوشكت على الرحيل بعد أن قطع معي هذا العمر الجميل. عمر مضى خفيف الوطء رغم شدة البلاء فقد اجترح معي فيه كل محنة و كل حزن و كل سعادة و كل أمل مستحيل.
و الآن، و الموت يدق بابي، مازال يخبرني أن الحياة جميلة، و أن الأيام السعيدة لم تأتي بعد، و أن الأحلام ستتحقق، و أن الألام ستتبدد، و أن الأحزان ستصبح في طي النسيان.
كان لي صديق...
ليتني كان لي صديق!
تمت



#جمال_الدين_أحمد_عزام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رائحة الليل
- المأوى
- تي
- الجلاد
- فستان الزفاف
- العصفور الأحمر
- ثورة يناير و نظرية الفوضى 1
- ثورة يناير و نظرية الفوضى 2
- وفاء
- رؤية
- زاد الرحلة
- الفنار
- الثورة و الثورية و الثوار


المزيد.....




- بإسرائيل.. رفع صورة محمد بن سلمان والسيسي مع ترامب و8 قادة ع ...
- الخرّوبة سيرة المكان والهويّة في ررواية رشيد النجّاب
- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جمال الدين أحمد عزام - كان لي صديق