أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أمين شمس الدين - معيار الثقافة الأخلاقي عند الشعب الشيشاني -قوناخلاّ-















المزيد.....



معيار الثقافة الأخلاقي عند الشعب الشيشاني -قوناخلاّ-


أمين شمس الدين

الحوار المتمدن-العدد: 3980 - 2013 / 1 / 22 - 18:57
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


"قُوناخَلاّ"
معيار الثقافة الأخلاقي عند الشعب الشيشاني
КЪОНАХАЛЛА (QONAKHALLA)

تولدت الثقافة الأخلاقية (الأدبية) خلال آلاف السنين، وهي تنمو وتزدهر مع نمو وازدهار الأعراق نفسها التي أنشأتها، وتنتهي بانتهائها. تباد إمبراطوريات عظيمة، وتختفي مدن مزدهرة دونما أثر يذكر، وتدمّر قلاع منيعة، وتتحول الأدوات المعدنية إلى هباء منثور.
فقط، الثقافات الأخلاقية للشعوب هي التي تبقى لمئات القرون، طالما يبقى شخص واحد على قيد الحياة، يحملها في دمه، أو تبقى في ذاكرته. ويستحيل تدميرها بقوة السلاح. ولا يمكن حظرها بقرار أو بحكم إرادي. والثقافة الأخلاقية تعيش في قلوب الشعوب؛ إنها رقيقة هشّة، ودائمة مثل روحه تماما. وبتأثير أسباب متنوعة تنشأ هناك مراحل تاريخية لكل شعب عندما ينسى العظمة التي كانت تتمتع بها أخلاقيات جدوده، ويفقد تجربته الروحية المتراكمة عبر آلاف السنين. وهذه مرحلة عصيبة جدا وخطرة على حياة أي قوم كان وأي دولة. إن الفجوة الروحية واللامبالاة الأخلاقية أو الأدبية لهي أكبر خطر على الشعوب من الحروب الدموية، والكوارث الطبيعية، والأمراض الوبائية، والركود الاقتصادي. "الحلم العقلاني يولِّد العجائب"، وحلم الوجدان- هو الخمول واللامبالاة الروحية والعدمية الأخلاقية. وغياب المناقب الوطنية تولِّد العبودية الروحية. وكل ذلك يُحطِّم العِرق، ويُحَرِّمه من الآفاق التاريخية المقبلة، ويحكم عليه بالموت البطيء تاركا إياه في غياهب التاريخ.
ولكن، لا يوجد لشعب لم يحفظ في لب ذاكرته تجربة أجداده الأخلاقية. ولا وجود لشعب دون تاريخ ثقافي وروحي غني ولم يحظ بإمكانية التشبث حتى في أحلك الظروف التاريخية بالخيط المنقذ للثقافة الأخلاقية القديمة، القادرة على إخراجه من ظلمات الزمن المضطرب.
وبالنسبة إلى الشيشان، فإن ذلك الخيط المنقذ يتمثل في المعيار الأخلاقي الغارق في القِدَم "قوناخَلاّ" (къонахалла) أو qonakhalla، والذي يُعبِّر عن تجربة الشعب الشيشاني الثقافية والروحية، وعن الخصائص الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لوجوده التاريخي.
لقد تشكل المعيار الأخلاقي الشيشاني "قوناخَلاّ" منذ فترة طويلة جدا، وقبل اعتناق الشيشان للدين الإسلامي. وتعود جذوره إلى غابر الأزمان.. إلى عمق عصور بعيدة.
ولا شك بأنه في عصر شعوب الألَـن (في منطقتهم) قد وُجد هذا المعيار. إلا أن الغزو البربري للمغول وتيمور لينك على منطقة القوقاز ترك آثارا واضحة على طبيعة وخصائص هذا المعيار. إن تلك الفترة الزمنية أصبحت فيها الحروب بالنسبة إلى الشعب الشيشاني، أو كما يُسَمّى أيضا بـ "النّاخِيّ"- الألاني عبارة عن حالة عادية وطبيعية. ومما يؤكد قِدَم هذا المعيار السَمات العديدة لتقديس القوناخ من فضائل ومناقب الشخص أو البطل القومي للعِرق النارْتيّ القديم جدا. (والنارْتيون هم أبطال أسطوريون لعموم العِرق القوقازي. لقد حُفِط في الفلكلور الشيشاني تاريخ النارتيين الموغِل في القِدَم. والنارت "بَحارْمات" (пхьармат) (بروميثوس Prometheus) الذي جلب النارَ من السماء وعلّم البشر كيفية استخدامها رغم علمه بأنه سيُحاكم بسبب ذلك بعذاب أبدي- اعتُبر "قوناخ" (Qonakh.
أما تمام عملية تشكل معيار الـ "قوناخَلاّ" فقد حَصَل في المراحل النهائية للعصور الوسطى في فترة خاضت خلالها المجتمعات الحُرّة حروبا ضد الاقطاعية، وكان ذلك في عصر ازدهار الديمقراطية العشائرية (التايبية тайп)، في الوقت الذي أُعلنت فيه القِيَم العليا للمجتمع- الحُرّية، ومن ضمنها الحرية الشخصية.
وفي مرحلة متأخرة بعد ذلك أثّر على الوجه الرُّوحيّ لهذا المعيار تأثيرٌ إسلامي بشكله الصّوفيّ، والذي أصبح بمقتضاه المعنى الرئيس لوجود الإنسان، هو- طريق الكمال الرُّوحي.
والقاعدة الأساسية لهذا المعيار الأخلاقي، هو- تقديس "القوناخ" (الشهم، الأبي، النبيل، المِقدام) أو "الرجل الجدير"، والذي بالنسبة إليه يُعتبر المعنى الرئيس لحياته وعَمَله - خِدمة شعبهِ ومُجتمَعِه ووَطَنه. والمعنى الحَرفي لكلمة "قُوناخْ" يمكن ترجمته "ابن الشعب"، وهذا ليس من قبيل الصدفة، بل هو وجوبي من الناحية التاريخية. وحسب المتناقل من التاريخ والفلكلور كانت أخويَّة "القوناخي" qonakhi (الشُهم أو الأُباة) أحد أهم التجمعات الحربية المُؤَثّرة، والذي لعب دورا مهما في الحياة السياسية لبلاد الناخيّين (تجْمَع كلمة "الناخيون"- الشيشان والإنجوش والباتسبي، وينتسبون لمجموعة لُغوية واحدة- المترجم). دخل في هذا الاتحاد الحربي فقط محاربون من العائلات القديمة النبيلة الأصيلة، والتي وَهَبت حياتَها في خدمة الشعب والوطن.
إن سلوك "القوناخ" ونمط حياته وعلاقاته مع الناس تم تنظيمها بشكل صارم. وأي خروج عن قواعد المعيار، ولو كان بسيطا، كان يكفي لِحِرمانه من هذا اللقب الرفيع. لِذا، ففي ذلك الوقت أصبح مفهوم "قُوناخْ" مرادفا لمفاهيم الشرف والشجاعة والنبل.
وبعدما تلاشى هذا الاتحاد الحربي، أصبح الشيشان وكالعادة يُطلقون اسم "قُوْناخِي" على أولئك الأشخاص الذين اتَّصفوا بخواص أخلاقية ذاتية عُليا، ونذروا أنفسهم لخدمة شعبهم ووطنهم بتفان وإخلاص.
وتحوَّل معيار المحاربين القديم "قوناخَلاّ" إلى معيار أدبي وأخلاقي، أصبح معه أساسه المعنوي يقوم على فكرة "الإنسان الكامل"، أو "الرجل النبيل". وبهذا حُفِظ الأساس الجذري على صيغته القديمة، الذي نظّم سلوك القوناخ في الحرب، وموقفه تجاه العدو والسلاح والموت. وهذا الأساس الجذري يتلاقى نوعا ما مع معيار الفارس الأوروبي، و"بوسيدو" الساموراي الياباني.
والصفة الطبقية التي ظهرت فيما بعد في معيار "قوناخلاّ" لها علاقة بالأنظمة الدينية الأخلاقية، وبشكل رئيس، الصوفية، إضافة إلى إمكانية الحديث عن تقديس مواز ومحدَّد لـ "الإنسان الجدير- قوناخ" مع الكونفوشيوسية، أي النظام الأخلاقي القديم، الذي نشأت فيه فكرة الإنسان الكامل بشكل منتظم وواضح.
وحسب تعاليم الفيلسوف الصيني كونفوشيوس في القرن الرابع قبل الميلاد، والتي تسمى "كونغ- تْزي" (Kong Zi)، فإن حامل كل الفضائل الأخلاقية، هو "تْزْيون- تْزو" (Chun- Tzu) - الرجل النبيل، الذي يتصف بنوعين من الصفات المتفاعِلة مع بعضها البعض: الانتماء إلى الأرستقراطية، والكمال الإنساني. وأن يُصبح الإنسان "تْزْيون- تْزو" لَهُوَ من الأمور الصعبة جدا، لماذا؟ لأنه حتى الأصل الأرستقراطي للإنسان لا يضمَن بأن يكون إنسانا كاملا.
"تْزْيون- تْزو"- عبارة عن شخصية مثالية أو متكاملة، نبيلة، تسعَى إلى إدراك طريق الصّواب، شخصية إنسانية تَتَّبع الطقوس، صادقة في كلامها، أمينة في أفعالها، عادلة في معاملتها مع الناس، صارمة مع نفسها. وهذا الرجل النبيل يخضَع للإرادة السّماوية دون أي اعتراض، ويَطمَحُ دائما إلى العدالة وتأدية الواجب. "وهو قبل كل شيء يرى في الكَلمة عَمَلا، وبعد ذلك يتمسَّك بالقول" [كونْفوشيوس، دروس في الحِكمة، لون- يُوْي، موسكو،1999، ص 23].
الرجل النبيل، الأصيل يتمسَّك باعتدال راسخ [نفس المصدر السابق، ص 46] في كل شيء: سلوكه، لباسه، وفي علاقاته مع الناس. قال كونفوشيوس: "إذا كان الشيء الطبيعي في الإنسان يَتَفوّق على ما تَرَبّى عليه، فَهو يُشبه الفلاّح. إما إذا تفوَّقَت تربيته على طبيعَته، فَهو يشبه العالِم، المولَع بالكُتُب. وحين تتعادل الطبيعة مع التربية، يصبح الإنسان عندها رجُلا نَبيلا (أصيلاً)" [كونْفوشيوس، الفلسفة الصينية القديمة، لُوْنْ- يُوْي، موسكو، 1972، ج1، فصل 2، ص 4].
القانون الأخلاقي (الأدبي) الرئيس لـ تْزْيون- تْزو يسمَّى جن Jen، وتعني الإنسانية: السماحة، الكرم، الشهامة. وهي تشكل درجة أخلاقية عميقة، كثيرة الدلالات، وتُحَدّد كُنه العلاقات الإنسانية المتبادَلة. "الشُهرة والثراء هما ما يسعى إليهما الناس. وإذا كانا قد اكتُسِبَا بطرق غير شريفة، فالرجل النبيل يرفضهما. والفقر والوضاعة هما شيئان لا يُحسَد المرء عليهما. وإن كان لا يستحِقُّهما، فالرجل النبيل لا يَزدَريهما. وكيف لرَجل نبيل الظفر بسُمعَة ما حسنة إذا كان ينبذ الإنسانية؟" [كونْفوشيوس، دروس في الحِكمة، لون- يُوْي، موسكو،1999، ص31].
"جن"- تعني التعامل بالمساواة في العلاقات الإنسانية. إن التعامل والعدالة في العلاقات المتبادَلة بين الناس تَتَحدّد على مبدأ أخلاقي، والذي صاغه لأول مرة كونفوشيوس، وسُمّي في عِلم الأخلاقيات الأوروبي" القاعدة الذهبية في عِلم الأخلاقيات". وعندما سأله المتعلَّم، قائلا: هل من الممكن الاسترشاد بكلمة واحدة طوال الحياة؟ أجابه المعَلّم كونفوشيوس، قائلا: "تلك الكلمة هي- تعامل. لا تفعَل شيئاً للآخرين لا تريده لِنفسِك" [كونْفوشيوس، الفلسفة الصينية القديمة، لُوْنْ- يُوْي، موسكو، 1972- 1973، ج1، ص 167].
في عالمنا هذا، لا يمكن أن يكون الناس متساوين من حيث طبيعَتِهم، ولا من حيث وضعِهم الاجتماعي. ولكن ما يجعل الناس متساوين من حيث العلاقات المتبادَلة هو الانسجام الطَقَسي، وتواؤمه. وهذا يُسمَّى "لي". والذي بإمكانه أن يمنح الناس الإنسانية هو الاحترام البَنَوي filial، ويسَمّى "سياوْ" hsiao.

و تْزْيون- تْزو بالنسبة للكونفوشيوسية تعني مَثَل سامِ أو غاية سامية، لا يمكن أن يصل إليها إلاّ القلائل. وعندما سألوه: هل يَعتَبِرُ نفسَه رجلا نبيلا؟ أجابهم كونفوشيوس، قائلا: " في سعة العِلم والمعرِفة يمكن أن أكون ليس بأقل من الآخرين، ولكن شخصيا، من أجل أن أُصبِح رجلا نبيلاً بحَق، فإنني لم أحقق نجاحا بعد" [كونْفوشيوس، دروس في الحِكمة، لون- يُوْي، موسكو،1999، ص 61].
إن علم الأخلاقيات الكونفوشيوسي ومعيار "قوناخَلاّ" يشتركان بمزايا عديدة، وخصوصا تلك التي تُؤِّل الصفات الذاتية لـ " الرجل النبيل- الإنسان الجدير- المِقدام"، والقوناخ، كما هو الحال عند تْزْيون- تْزو الكونفوشيوسي- "أمين وصادق"، يحترم الأكبر سنا والوالدين، لَبِق في معاملته للناس، يتجنب المثالِب وأولئك الذين يبثُّونها، ويقاضي نفسه فقط، ويَسعى إلى العدالة في العلاقات الإنسانية والرحمة، وقبل كل شيء تجاه الفقراء والضُعفاء. وهو لا يهاب الموت، ويتفادى الاندفاع والتهوّر. و تْزْيون- تْزو مثله مثل القوناخ، يقبل على كل شيء بمقتضى الواجب، وديع الحديث، ومستقيم في أفعاله" [كونْفوشيوس، الفلسفة الصينية القديمة، لُوْنْ- يُوْي، موسكو، 1972- 1973، ج1، ص 164].
أما الاختلاف الجوهري بين علم الأخلاق الكونفوشيوسي وما بين معيار قوناخَلاّ الشيشاني فيكمن في الطبيعة الطبقية للأول: فالعلم الأخلاقي الكونفوشيوسي مبنيّ على اعتبار المقامات في القيم الأخلاقية بالتوافق مع أنموذج التركيب الاجتماعي ودرجة هذه المقامات داخل المجتمع الصيني لذلك الوقت. السماء- القوة العظمى والمثال الأخلاقي. والدولة مُنشأة حسب الإقرار السماوي. أي أن دور الإنسان ومكانته في البيئة الاجتماعية مقدّران سلفا. وطريقة الحكم لقيادة الدولة تكمن في إنسانيتها وفي "تهذيب الأسماء (الشهرة)"، أي أن كل واحد له مكانه اللائق في المجتمع وعند تأدية الطقوس. والاتباع الصارم للطقوس هو أساس التناغم والانسجام الاجتماعي والسلام في الدولة. غير أن الطقوس بدون أن يصاحبها "جن" لن تحمل معها الإنسانية مغزىً أخلاقيا. "الشخص الموجّه لتحقيق غرض معين، والشخص المحب للناس يذهب إلى الموت. وإذا حل ضرر ما بقضية "حُب الناس للإنسانية"، فهؤلاء يُضَحون بأنفسهم لأجلها وهم لا يزالوا يحبون الإنسانية" [نفس المصدر السابق، ص 167].
وبحسَب تْزْيون- تْزو، يمكن أن ينتسب إليه الرجل النبيل فقط، إذا كان من طبقة الأرستقراطيين في الأصل. أما الشخص العادي فلا يمكنه حتى أن يكون قريبا لهذه المُثُـل، حتى ولو استطاع أن يصل إلى حد معين من الكمال الأخلاقي.
وخِلافا للكونفوشيوسية، فمعيار "قوناخَلاّ"- هو نظام أخلاقي ديمقراطي. وهو لا يعرف للطبقية حدودا، ولا التمييز من حيث الكفاءة المُلكية أو النَسَبية. أي أن أي شخص بإمكانه أن يصبح قوناخا (قوناخ) إذا بلغ حدا معينا من المُثُـل الأخلاقية، وكَرّس حياته في خِدمة شعبه ووطنه. إضافة إلى ذلك فإن الاختلاف المهم للقوناخ الشيشاني عن تْزْيون- تْزو الكونفوشيوسي، يكمن في مفهوم الشرف الذي بُجِّـل لدَرَجة المُطلَـق للأول والمناقب الذاتية له.
وبهذا الخصوص، فإن معيار "قُوناخَـلاّ" يتجاوب ولو بقدر محدود مع "معيار الفروسية" الأوروبي في العصور الوسطى.
لقد تولّدت الفروسية ونشأت ما بين العصرين الحادي عشر والثاني عشر كمجموعة اجتماعية منفصلة من حيث النظام الذي تقوم عليه قيمها الأخلاقية، ومن حيث قواعد السلوك.
ومعيار الفروسية في أواخر العصور الوسطى إذا أخذناه بشكله القانوني- هو عبارة عن رد فعل للدور الاجتماعي والسياسي النامي للبرجوازية الصغيرة. [أوصوفسْكايا م.، الفارس والبرجوازية، بحوث في تاريخ الأخلاقيات، موسكو، 1987، ص 73].
إن قواعد أخلاقيات الفروسية تُبرِز نحو شخصية الفارس Knight وسلوكه مطالب مُبالَغ فيها، وصارمة جدا، كما هو الحال بالنسبة إلى المعيار الأخلاقي الشيشاني نحو شخصية القوناخ. وهذا لا يجعل تلك المجموعة الاجتماعية مُغلَـقَة فَحَسب، ولكن يرفعها عاليا من حيث الأخلاقيات ومن الناحية الحربية فوق فئات المجتمع الأخرى.
والطقوس المكَرّسة للفارس انتشرت في بداية القرن الثاني عشر. وتكريس الفارس إنما يعني ترقيته بطريقة سحرية، واصطفائه، وضمه إلى الطبقة الممتازة. وبنفس الوقت تكليفه بمهام، وإدراك رسالته الأخلاقية الموجهة نحو طاعة الله والملِك والعائلات الأرستقراطية، ورعاية الضعفاء. [غوسَينوفا أ. وغيره، علم الأخلاقيات، موسكو، 2006، ص 248].

والمثال الفروسي لم يكن غير قابل للتغيير. وإذا كان ذلك الفارس في بداية العصور الوسطى محاربا خَشنا، وذا نزعة فوضوية، فإنه فيما بعد تحول إلى فارس مدافع (حامي)، انقَلَبَت صفاتُه الرئيسة إلى- الرأفة، والرعاية المسيحية بالضعَفاء والمظلومين. والمرحلة التالية من تطَور مُثُـل الفروسية أصبحت تشكل أنماطا من معايير نبيلة وأصيلة، ودخلت فيها إيديولوجية الحُب، التي ترفع الفارسَ عاليا لفَضَائله المكنونة في داخله، وليس لانتصاراته العسكرية وبطولاته. [نفس المصدر السابق، ص 256].
الفارس- قبل كل شيء، هو خيّال مُسَلّـح. يمتلك قوة جسمانية خارقة. وهو مُعَلِّم في استخدام السلاح، ومن أصل جيد. ويتميز بشكل جَذّاب وبانسجام نفسي. والفارس يتطلَّع دوما نحو الشُهرة، لِذا، فالشجاعة تكون من أهم خصاله. وهو أنوفٌ، ولكن ليس مغرورا. وحتّى لا يصِفُوه بالجُبن فهو مستعِد لأن يُضحي ليس بنفسه فحَسب، ولكن بزملائه أيضا. وهو يكسب المجدَ من سلوكه في المعركة، أكثر مما يكسبه نتيجة الانتصار على العدو. والفارس كما هو الحال عند القوناخ يُفَرِّق بين احترامه للعدو وما بين رغبته في الانتصار عليه في قتال فردي. فهو لا يستَغلّ ضعف عدوّه، ولا يقتُلُ خصما أعزلا.
وعلى الفارس أن يكون شهما وسمحا. والشهامة تجمع كل الخصال الحميدة للفارس (السُّلطة، الشرف، الجود والسخاء)، إضافة إلى الثقافة والمعرفة. [نفس المصدر السابق، ص 256].
إن شهامة الفارس في الحرب تظهر قبل كل شيء في علاقته تجاه العدو المهزوم. ومن المهم عنده المحافظة على حياة عدوه. ليس هذا وحسب، بل وأن يرحَم فضائله الشخصية أيضا، وتقديم الاحترام له كخصم جدير. وفي هذا السياق فإن قواعد علم الأخلاقيات الفروسي يتطابق تماما مع معيار "قوناخ".
لقد تميّز الفارس بكرَمه وسَخائه وبسِعة صدره، أو حتى بالتبذير والإسراف، لأنه مثَّـل الطبقة العليا في المجتمع واهتَدَى بِقِيَمـها. والذي شكّل المصدر الرئيس لثروته ورفاهيته، هي: الحروب وممتلكاته من الأراضي، ودخله الذي يأتيه من الخدمة. أما التجارة والعمل في فلاحة الأرض فكانت بالنسبة إليه غير جديرة، ولا لائقة. علاوة على ذلك تميّز الفارس" بالوفاء بواجباته المتعلقة بأولئك الذين يتساوون معه". [أوصوفسْكايا م.، الفارس والبرجوازية، بحوث في تاريخ الأخلاقيات، موسكو، 1987، ص 85].
وفي علاقاته مع الناس كان على الفارس أن يكون واضحاً وصادقاً وصريحاً. وهولا يَضمر ضغينة أو مودّة لأحد. كما أنه غير ميّال للثناء أو المَديح أو التملُّق. إلا أنه لا يُدين أحدا أو يقاضيه. ولا يخضع الفارس لعقوبة جسمانية. وهو يَمْثُـل أمام القضاء بشَرَف، ويتحمل المسؤولية المعنوية بشكل أساسي. [غوسَينوفا أ. أ.، دوبْكو ي. ل.، علم الأخلاقيات، موسكو، 2006، ص 252 ].
وكما هو الحال بالنسبة إلى القوناخ، فإن الشرف الشخصي للفارس هو الأعلى قيمة، لِذا، فهو يُفَضّل الموت على الذُّل والهوان.
وفي أعماله وتصرفاته ينطلق الفارس كما القوناخ من إدراكه للواجب والشرف. وبالذات من تفسيره لتلك المفاهيم ينبثق جوهر الاختلاف المبدئي بين علم الأخلاقيات الفروسي وما بين معيار القوناخ.
واجب الفارس- معيار أو مقياس طبقي أو فئوي، ويُحَدّد بعلاقاته المتبادَلة مع السيد الأعلى suzerain (أو السُلطة)، والذي هو في جوهر الأمر شكل من أشكال الإكراه أو الإجبار. وهو مُلزَم بتقاسم أي عائد يحصل عليه مع السلطة أو السيّد. وإذا تطلّب الأمر التنازل أيضا عن الالتزامات الأدبية أمام الآخرين. ولا يجدر به الأخذ بأي نصائح، حتى ولو كانت سديدة. وعليه كذلك أن لا يأخذ بعين الاعتبار ارتباطاته الخاصة. [نفس المصدر السابق، ص 250 ]، لا سيما وأن هذا الواجب يُعَوَّض بسَخاء من قبل السُّلطة أو السيد. وعكس ذلك استطاع الفارس أن يلتحق بخدمة سيد آخر أو سلطة أخرى.
واجب القوناخ - إدراك داخلي (نفسي) لِرِسالته المقدّسة في خدمة الشعب والوطن، وهي نفسها الإرادة الطيبة. والشيء المهم بالنسبة للقوناخ لا يكمن في اتباع واجبه فحسب، بل في التوافق والتطابق الأدبي مع رسالته السامية، وإلا غَدَت باطلة، ولا أساس لها.
وإذا تكلمنا عن علم الأخلاقيات للساموراي الياباني، نجد بأن واجب الشخص المُقْطَع vassal (وهو الشخص الذي يُقْطِعُهُ السيد الإقطاعي قطعة أرض مقابل تعَهُّده بتقديم المساعدة الحربية له) أمام سيّده لا يُقاس بالتعويض ولا بمقداره الممنوح له لقاء خِدمته. بل وُجدت بين الطرفين علاقة روحية الطابع. والعلاقة "السيد- المُقْطَع" (رب العمل- الخادم) اكتُمِلَت، أو بكلمات أخرى قُدِّسَت بعلاقات "المعَلّم- التلميذ" أو "الأب- الابن". وهنا يمكننا التحدث عن تأثير معيَّن للكونفوشيوسية، والتي انتشرت في اليابان انتشارا واسعا في العصور الوسطى. في حين كانت الالتزامات المفروضة على الساموراي أقسَى بكثير عن تلك التي فُرِضَت على الفارس. وثمن التناقض أو عدم التوافق كان واحدا، وهو الموت.
وبالمعنى الواسع للكلمة، فإن السامورائيين في يابان العصور الوسطى كانوا من طبقة النبلاء. ومن هذا المدلول، فإن مفهوم الساموراي samurai (الساموراي- تابع عسكري لنبيل ياباني إقطاعي، وهو من طبقة المحاربين الأرستقراطيين اليابانية) يتطابق مع كلمة "بوسي"- أي المحارب bosido. وبالمعنى الضّيق، فالساموراي- طبقة عسكرية لنبلاء ليسوا بأغنياء، والتي أصبحت منذ القرن الثاني عشر تلعب دورا نشِطا في الحياة اليابانية السياسية. وتشكّلَت هذه الطبقة في مُعظَمها من المُقْطَعين، التابعين للأمراء الإقطاع (ديميو) daimio (وهو بارون إقطاعي ياباني)، في حين كان الكثير منهم ملاكين بأنفسهم أيضا. والشيء الوحيد الذي كان يُعتبَر من مناقب الساموراي هو العمَل الحربي، رغم أنه في أحوال معينة كان باستطاعته العمل في فلاحة الأرض. ولكن، لا بأي حال من الأحوال ممارسة التجارة والمراباة.
كان يتم تربية الساموراي منذ الطفولة وتحضيره لمجابهة الحياة القاسية المليئة بالمعارك العنيفة. كان عليه أن يكون قوي البنية ومتحملا للشدائد، وأن يكون باستطاعته استخدام أي نوع من الأسلحة ببراعة وإتقان، وأن يعرف فنون واستراتيجيات القتال، إضافة إلى فنون ركوب الخيل. ومن جهة أخرى تعلّم الأنماط الدنيوية، والكتابة، والثقافة، والتاريخ. وكما كتب "البوسي" الشهير، قائلا: "على الساموراي أن يعرف الكتابة والقراءة، وبعكس ذلك لن يستطيع أن يُدرِك موجِبات الأشياء، سواء الماضية منها أم الحاضرة. ومهما كان الساموراي مجرِّبا وحكيما، فهو حتما سيجابه صعوبات كبيرة يوما ما إذا كان قليل المعرفة". [دايدُودْزي يو، تسُونيتومو يا.، مِسيما يو. كتاب الساموراي، 1999، ص 70 ].
إن حياة الساموراي وسلوكه وعلاقاته المتبادَلة مع السيد (أو السلطة) حُدِّدَت بـ "بوسيدو" bosido- وهي مجموعة قواعد مُدّوَّنة، تناقلت خلال مئات السنين من شخص إلى آخر شفويا. وفقط في القرن السابع عشر ظهرت بشكل مكتوب. إن "بوسيدو" تشبه وبشكل مُدهش معيار الثقافة الأخلاقي الشيشاني "قوناخَلاَّ" къонахалла، وتحديدا في تفسير ومعالجة المبادئ الأساسية للأخلاقيات والأدبيات.
وعلم أخلاقيات الساموراي يقوم على أساس مفهوم "الاستقامة" (أو العدالة). ومن حيث الأهمية يتطابق مع الكونفوشيوسية (جن)- الإنسانية، حب الإنسان، ومع المفهوم الشيشاني لـ "أدْمالاّ" адмалла (admalla)، والتي تشير إلى نفس المعنى الأخير.
وكما كتب البوسي الياباني: "الاستقامة تعني القدرة على اتخاذ القرار السديد بدون تردُّد حسب قواعد سلوكية معيَّنة، وكذلك الموت عندما تحين ظروفه، وتوجيه الضربة عندما يحل وقتها". [نيتوبِه إ.، بوسيدو: الروح اليابانية، كييف، 1997، ص 26 ].
والساموراي الحقيقي عليه أن يكون دائما متماسكا، حافظا لِشعوره، بحيث لا يستطيع أي شيء أن يُخرِجه عن توازنه الروحي (أو المعنوي). وهو يضبط نفسَه في خِضم المعركة، وفي الولائم. ويحافظ على بصيرته النافذة، في أي موقف يصادفه. لِذا فإن واحدة من أهم صفات الساموراي، كما هو الحال لدى القوناخ- رباطة الجأش وتمالك النفس. كما واعتُبِر الساموراي مجرّدا من الشجاعة إذا أفشى عن أحاسيسه لكائن ما يكون، بغض النظر عن أي شعور كامن تجاهه. وهكذا، لا ينبغي على الساموراي أن يُظهر أحاسيسه أي كانت تلك الأحاسيس، سواء أحاسيس سعادة أو أحاسيس حزن الخ. وحتى لو بدا ظاهريا متمالك النفس، فقد وجب على الساموراي أن يكون في داخله رؤوفا ورحيما. وأن تظهر رأفته قبل كل شيء تجاه الضعفاء والذين لا حول لهم ولا قوة. وتجاه العدو المهزوم على الساموراي أن يكون سمحا. وبهذا الخصوص قال السامورائيون: "ليس بصياد ذلك الذي يقتُل طائراً التجأ إلى صدره". [نفس المصدر السابق، ص 37 ].
ورغم شجاعته وروحه القتالية على الساموراي الحقيقي أن يكون مسالما، عطوفا، محبا للخير. وبوسيدو يقول: "حتى لو كانت هناك أشياء تجرح شعورك، إلا أنه توجد ثلاثة أشياء عليك الصفح عنها: الريح التي تشتّت أزهارك، والغيوم التي تحجب عنك القمر، والإنسان الذي يحاول إيجاد ذريعة للنزاع معك". [نفس المصدر السابق، ص 33 ].

والملامح الظاهرية التي تعكس حُب الخير، يجب أن تكون هي نفسها التي تبدي الاحترام واللطف. غير أنها يجب أن تكون محدودة ضمن إطار معين من الوقار والأدب. واللباقة الخارجة عن الإطار المقبول تتحول إلى كذب. [نفس المصدر السابق، ص 46 ].
كل ذلك يبقى قِناعا وحسب، ما لم يكن الساموراي أميناً وصادقاً. والنظام الاجتماعي العالي والأساس للساموراي تطلَّبَ منه مسؤولية هائلة عن ما ينطق به من كلام. وكلمة الساموراي كان لها وقعا كبيرا، بحيث لم تكن بحاجة للتدوين أو التأكيد أو القسَم. والقَسَم بحد ذاته اعتبره الساموراي، كما هو الحال عند القوناخ ذلا وإهانة، لأن ضرورته وضَعَت قدراته التي تقتضي بأن يكون مخلِصا لِكَلِمته في موضِع شُبهة.
غير أن الساموراي المعروف وجب عليه أداء القَسَم بأن يكون وفيّاً لِفِكر ما، ويتفانى من أجل تحقيقه.. ولكنه قال: "كلمة الساموراي أشَدُّ من الفولاذ. وطالما أرسَختُ هذه الكلمة في نفسي، لِمَ إذن أداء القَسَم؟". وبعد ذلك تم إلغاء مراسيم الاحتفالات بأداء القسم. [دايدُودْزي يو، تسُونيتومو يا.، مِسيما يو. كتاب الساموراي، 1999، ص 100 ].
ويشترك القوناخ والساموراي كذلك في موقفهما الواحد تجاه الموت. فالقوناخ جاهز للموت في أي وقت كان، إذا كان الواجب يستدعي ذلك. [تشيسْنوف ي.، المرأة وعلم الأخلاقيات الحياتي في الفكر الشيشاني/ استعراض في علم الأجناس، موسكو، 1994، رقم 5، ص 42 ].
وكل سامورائي، حسَب "بوسيدو" عليه أن يفكر قبل كل شيء بكيفية استقبال الموت الذي لا بد منه. وعليه أن يكون مستعدا لذلك في أي لحظة، وفي القتال، وفي حياة السلم، وعندما يتطلب الأمر الافتراق عن الحياة. غير أنه لا يجب عليه التصرف بحياته أو بحياة غيره بشكل متهور وطائش.
والكَنز الوحيد الذي يُضَحي فيه الساموراي والقوناخ بحياتهما، وبلا تردّد- الشرف (الكرامة). على الرغم من أن البوسيدو استنكر سرعة الغضَب، وعدم الاتزان، إضافة إلى التقبل المنحرف لأي خرق أو خطأ، كالتعدّي على الشرف. وكل ساموراي عرف أن "العار مثله مثل الندبة على قشرة ساق شجرة، تزداد كبرا مع مرور الوقت ولا تختفي". [نيتوبِه إ.، بوسيدو: الروح اليابانية، كييف، 1997، ص 52 ].
والاختلاف المبدئي بين علم الأخلاقيات السامورائي وما بين المعيار الأخلاقي الشيشاني، هو في طابَعه الطبقي. حيث نَرَى بأن "البوسيدو" تُظهِر ثلاث صفات ذات أولوية: "الإخلاص للسيد، السلوك الصائب، الشجاعة". [دايدُودْزي يو، تسُونيتومو يا.، مِسيما يو. كتاب الساموراي، 1999، ص 26 ]. وواجب الإخلاص للسيد شكل المبدأ الأساس لمعيار الساموراي.
إضافة إلى ما ذُكر، ففي حال حدوث عار، فما كان على الساموراي إلاّ أن يُقْدِم على انتحار طُقُوسي- خاركيري، وإنجاز هذه العملية برباطة جأش وبرجولة، مع اتباع كافة القواعد لذلك. والانتحار الطقَسي- هو أحد أهم أشكال "بوسيدو". وهو يُحَدّد بشكل رئيس طبيعته الوطنية، ويُسبِغ عليه صِفة مأساوية.
إن الذهنية الشيشانية والدين استنكرا الانتحار في كل الأزمان، وبشكل صارم للغاية. لِذا، فالإنسان الذي اقترف هذا الذنب، يكون قد حَكَم على نفسه بالخِزي والعار. وخلافا للساموراي، فإن القوناخ باستطاعته استعادة شرفه الشائع، فقط عن طريق الموت الجدير في قتال أو في حرب عادلة، وغير ذلك وجب عليه مغادرة موطنه إلى الأبد، ويحكم على نفسه بالتجوال في الغربة بشكل دائم.
ورغم كون "بوسيدو" معيارا أخلاقيا للنخبة العسكرية الأرستقراطية، إلا أنه أثّر تأثيرا أخلاقيا كبيرا على التاريخ الياباني، وعلى جميع طبقات المجتمع الياباني. وغدا في نهاية المطاف معيارا وطنيا عاما.
لقد أصبح معيار الساموراي في أكثر مراحل التاريخ الياباني مأساوية- الدعامة الأخلاقية الوحيدة، التي انبعثت على أساسها الروح العظيمة للشعب الياباني من الرماد بكل ما في الكلمة من معنى.
وخلافا للبوسيدو، فإن معيار "قوناخَلاّ" الأخلاقي الشيشاني ليس بمعيار وطني عام، بل هو- معيار النخبة الروحانية، والتي تُعتَبَر اليوم في بداية نهضتها في جوف المجتمع الشيشاني. غير أنه لم يَزَل يشكل القِمّة الأخلاقية المُطلَقة، والتي يتمنى كل شيشاني الوصول إليها. [تشيسْنوف ي.، المرأة وعلم الأخلاقيات الحياتي في الفكر الشيشاني/ استعراض في علم الأجناس، موسكو، 1994، رقم 5، ص41 ].
وإذا عدنا إلى معيار الفروسية الأوروبي في العصر الحديث، فنجد بأنه قد تحوّل إلى علم أخلاقي للإنسان النبيل "جنتلمان" gentleman . ومعيار الجنتلمان الأخلاقي، لا شك بأن له كثير من المقارنات مع معيار "قوناخ"، رغم أن الأول كما في معيار الفروسية حمل صبغة طبقية، يُحَدَّد جوهره قبل كل شيء بمنشأه الأرستقراطي.

وحَسَب ر. ستيل (بداية القرن الثامن عشر) اعتُبِرَ جنتلمانا ذلك الشخص الذي "باستطاعته خدمة المجتمَع والمحافظة على مصالحه"، وأثناء ذلك يُمنَح التكريم والتعظيم الذي يمنح لأي إنسان؛ إضافة إلى تمتعه بالفكر النّيّر البعيد عن التحامل وسَبْق الظن؛ وسعة الإطلاع.
والجنتلمان حسّاس، إلا أنه أبعد ما يكون عن الشَّغَف بتجاوز الحدود الأدبية، وهو يزخَر بالعطف والحنان وحُب الخير، مخلص ودؤوب في تحقيق أهدافه. كما ويجب عليه أن يتّصِف بالبسالة والسّخاء. ما يُمَيّزه أيضا قِلّة الكلام، وعدم الثقة بالتقديرات أو التخمينات العاطفية، وهو رابط الجأش، ومتمالك النفس في أصعب المواقف والظروف. كما أنه دقيق في المسائل المتعلقة بالشرف، ومتواضع، وذو أسلوب رقيق وبسيط في التعامل مع الآخرين.
كتب برنارد راسل الغني عن التعريف في القرن العشرين، عندما ناقش موضوعا يتعلق في ميراث علم الأخلاقيات الفروسي في الأدبيات الأوروبية، قائلا: "الإيمان بمبدأ الشرف الشخصي، رغم عواقبه التي غالبا ما كانت غير معقولة، وفي بعض الأحيان مأساوية- يترك وراءه مآثر مهمة. وأن عملية تدهوره أو تقهقره لا تشكل اختراعا بحتا.. وإذا أفرَغنا مفهوم الشرف من غَطرَسة الارستقراطية والنزعة القهرية، عندها يبقى فيه شيء ما يساعد الإنسان في الحفاظ على نَسَق وتنظيم لمبدأ الثقة المتبادَلة في العلاقات الاجتماعية ولتعميمه. لا أريد لميراث الزمن الفروسي هذا بأن يضيع". [أوصوفسْكايا م.، الفارس والبرجوازية، بحوث في تاريخ الأخلاقيات، موسكو، 1987، ص 138].
وإذا كان علم الأخلاقيات الفروسي توارَثَته الأرستقراطية، فإن البرجوازية الصغيرة (أي الطبقة الوسطى) في أوروبا خَلَقت فلسفتها الأخلاقية الخاصة بها، والتي على أساسها وُجِدت القِيَم والمبادئ البروتستنتية. وعلم الأخلاقيات للبرجوازية الصغيرة قَدَّسَ الفرد الذي تَمَيّز بمناقب أساسية، مثل: الاعتدال، الدّقة والإتقان (الحرص وحُسن التدبير)، الكَدّ، السَعي والطّموح إلى الأعمال الدُنيَوية، حُضور الذَهن والضَبط والتنظيم. إن حُسن التدبير ارتقى لِدَرَجة المُطلَق، واستحال في جوهر الأمر إلى نوع من التخَلّي عن جميع المسَرّات والأفراح الحياتية. وتطلَب من الشخص بذل الجهد من أجل الحصول على مقام مناسب في المجتمع بفضل مآثر فردية، وليس بفضل الحسَب والنّسَب (أو الأصل والفصل- المترجم). أي تلك المآثر التي تَحَدّدت في المثابرة والكَدّ، والهدف الموجَّه لإنجاز معيّن، واستخدام أساليب منظّمة.
والشجاعة والأصالة والجود ورحابة الصدر اعتُبِرت من الرفاهيات غير المقبولة بالنسبة لؤلئك الذين اعتبروا المال والثراء مقياسا لكل شيء، والمُثُل الشخصية العليا- الوسطية، من أجل الحصول على وضع مناسب في المجتمع عن طريق الاعتدال والعلاقات المحترمة مع نخبة المقامات.
والقيمة الشخصية للفرد تَحَدّدت بقدر ما بحوزته من رأسمال. وبذلك تميَّز علم الأخلاقيات البرجوازي الصغير بالنفعية إلى الدرجة القصوى فيما يخص الدين والمجالات الروحانية الأخرى. "الفضيلة، ينبغي قياسها بكم هي مفيدة. ومن المستحسن أن يكون الفضل معتدلاً، وسطياً. والأمانة تساعد في القدرة على إيفاء الدَّين. وأن تكون مثقفا مطلوب فقط لتلك الدرجة التي تستطيع معها تطوير المؤسسة. وأن جمال الشيء أو الظاهرة تُحَدَّد بمدى الفائدة التي ستُجنى من ورائها". ومثل هذه الفلسفة وَلَّدَت شخصيات في أعلى درجات اللاروحانية، وقليلة المعرِفة. إضافة إلى أنها غذّت الفردية لأقصى الدرجات، وعدم المبالاة لحياة المجتمع عموما.
إن علم أخلاقيات البرجوازي الصغير، قام بشكل كبير بتحديد طبيعة أخلاقيات ما يُسَمّى بـ "الطبقة الوسطى" في البلدان الأوروبية الحديثة. وما من شك بأنها عانت وتعرّضت لتطور طبيعي معيَّن ومهم، مرتبط بتأثير أنظمة أخلاقية مختلفة، وبتغيرات الظروف الاجتماعية- الاقتصادية. إلاّ أنه بقي كما هو من حيث الجوهر، ذلك الذي ينبُذ تقويم الذات للصفات الأخلاقية العليا والغايات المُثلَى. وهو أيضا يعترف بأن المال هو المقياس الوحيد لكل شيء في المجتمع الإنساني.
وبشكله هذا يشبه علم الأخلاقيات للبرجوازية الصغيرة ولدرَجَة ما المجتمع الشيشاني المعاصر، والذي هو اليوم في حالة أزمة أخلاقية عميقة. ومثل هذا الوضع تفاقم أيضا بسبب الحرب التي داهمت المجتمع الشيشاني في المرحلة الانتقالية من النمط التقليدي إلى مجتمع مدني. وهذا الانتقال صاحَبَه تحوّل في تراكيب المؤسسات الاجتماعية، مع تحطّم نمط الحياة الاعتيادية والمألوفة، وبانخفاض مستوى القيم الأخلاقية التقليدية، والذي أدّى إلى تغَيّر جذري في وعي المجتمع وإدراكه. ليس هذا وحسب، ولكن أيضا إلى انخفاض مرتبة أخلاقيات المجتمع لِدَرَجة معينة.

إن الحرب سارَعَت عملية تفكك المجتمع التقليدي من جهة، ومن جهة أخرى أصبحت أداةً تعيق بشكل مباشر قيام مجتمع مدني. وغدا المجتمع الشيشاني مُدَمّرا وهامشيّاً في المرحلة التي لم تستطع فيها أي عادات وتقاليد وأي مؤسسات حكومية أو اجتماعية التأثير عليه، وإعادة وضعه الطبيعي إلى ما كان عليه قبل الحرب وتنظيمه.
والشيشانيون، الذين فَقَدوا اكتراثهم واهتمامهم نحو قيمهم التقليدية، لم يلتجئوا في معظمهم حتى إلى قيم المجتمع المدني المفتوح. أما التوجّه نحو الدِّين لكثير من الناس فقد حَمَل معه صِبغَة التدنيس والامتهان. ونتيجة لذلك تَعَقّدت الأزمة الأخلاقية بانشقاق ديني (ويعني بذلك التطرف والصوفية والوسطية- المترجم).
أدّت الحروب الدموية، ومقتل أعداد هائلة من المواطنين، وقبل كل شيء الآمنين، أدّت كلها إلى انخفاض مستوى قيم الأخلاقيات عموما وتَعَمُّق أزمتها. وبشكل عام، ورغم أن تلك العمليات التي وُجِدت نتيجة صدمة قوية بسبب تغيّر إيديولوجية الدولة والنمط الاجتماعي- الاقتصادي كانت طبيعية لمجتمع روسيا، إلاّ أنها اتخذَت في الشيشان تحديدا أشكالاً ومعايير مختلفة لأقصى درجة، وذلك لأسباب موضوعية تماماً.
واليوم نرى بأن المجتمع الشيشاني منهمك في البحث عن مخرج لهذا المأزق الأخلاقي. وأن التوجه نحو الإرث الروحاني والأخلاقي لأجدادنا سيعمَل على تحقيق إنجاز ناجح لهذا البحث، كما سيؤدّي إلى نهضة روحية وأخلاقية للشعب الشيشاني. إن جزءا من هذا الإرث العظيم يُشَكّل معيار الأخلاقيات، المسمّى "قُوْناخَلاَّ" къонахалла (qonakhalla).
ومعيار "قوناخَلاّ" لا يشمل كل الأنواع المتعددة لعلم الأخلاقيات الشيشاني، والذي هو عبارة عن عملية معقَّدة لمراحل عديدة. إلا أن "قوناخلاَ" يأتي في قِمّـة تلك العملية، وهو خُلاصتها الأخلاقية ("قوناخَلاّ"- هو المعيار، أما "قُونَخ"- صفة من يتخذ هذا المعيار).
يقوم أساس المعيار على مفهوم الواجب تجاه الوطن والشعب. هذا الواجب يقبل به "القوناخ" طوعاً. وبهذا الصدد فإن مفهوم الواجب декхар (deqkhar) بالنسبة للقوناخ يتناسب تماما مع تفسير إيمانويل كانْتْ Kant Immanuel (1724-1804) (الفيلسوف الألماني، أحد الفلاسفة أعظم في جميع العصور- المترجم، عن قاموس المورد)، والذي سَمّى الواجب- ضرورة الانطلاق من احترام القانون الأخلاقي. [كانْتْ إ. أساسيات الميتافيزيقا الأخلاقية، مختارات في 6 مجلدات، موسكو، 1965، مجلد 4، ص 264 ].
والقوناخ يقوم بواجبه أمام الشعب والوطن انطلاقا من إدراكه الداخلي لهذا الواجب. وهو لا ينتظر أي جزاء أو مكافأة بالمقابل، لا في هذا العالَم، ولا في العالَم الغيبي. وأفعاله يُحَدّدها ليس الخوف من الجزاء على العمل أو من عِقاب سماوي، بقدَر ما تحدّدها طيبة خاطره.
فبالنسبة للقوناخ، فإن ما يَعقب الواجب ما هو إلاّ رسالة مُثلَى، والتي تتطلّب منه بذل جهود أخلاقية كبيرة. والرِّسالة المقدّسة حسب رأي تشيسنوف، مغروسة في التركيبة الشخصية نفسها، والتي يُشكل القوناخ مركزها. وبهذه الخواص ودوره في المجتمع يقترب القوناخ من مقام المنقِذ (المُخَلّص). [تشيسْنوف ي.، المرأة وعلم الأخلاقيات الحياتي في الفكر الشيشاني/ استعراض في علم الأجناس، موسكو، 1994، رقم 5، ص42 ].
"سيد- مجاميد" خاسييف Saed-magamed Khasiev، إتنوغرافي معروف، متخصص في الإنتروبولوجيا الوصفية. وقد أدرج خاسييف في سُلَم القِيَم الشيشانية ثلاثة مستويات (درجات)، هي:
1- "تُسِرّ العين"، أو مرئية، أي تلك التي تسترعي النظر: ويدخل هنا الإنسانية والرفق "أدَمالاّ" адамалла (adamalla)؛ ثم الصفاء، أي صفاء الروح " َﮊنُو" ц1ано (tzano)؛ ثم الجَبين "يُوحْ" (ماء الوجه) юьхь Yueh))؛ ثم الخُلق أو الأدب أو الحِشمة- وهي من آداب السلوك "غيلاّقْخْ" Г1иллакх ghillaqkh))
2- "تُشرِح القلب"، أي تلك الأقل ظاهرية: ويدخل هنا: الرّحمة أو الحنان "قينخِيتَم" къинхетам (qinkhetam)؛ ثم العدالة أو المساواة "نِيسُو" нийсо (niiso)؛ ثم الحياء أو الخجل "إحْ" эхь (ieh)؛ ثم النُبل أو الشهامة أو الوقار "إوْزْدانـْﭽَلاّ" оьздангалла (oezdangalla)
3- "غير مرئية"- "الجذور": ويدخل هنا: الاحترام أو التبجيل "لارَمْ" ларам (laram)؛ ثم الحق أو الصِدق "بَقُو" бакъо (baqo)؛ ثم الشرف أو الكرامة "سِي" сий (sii)؛ ثم الصبر أو التحمّل "سُوبَرْ" собар (sobar).

ويرى العالِم الشيشاني خاسييف أن الفئة "غير المرئية" تحديدا، هي التي تشكل أساس سُلَّم القيم الخاصة بالقوناخ قبل غيره.
والفئة الرئيسة لمنظومة القيَم لِعِلم الأخلاقيات الشيشاني ومعيار "قوناخَلاّ"- هي "أدَمالاّ"، أي الإنسانية والرفق. وهي لا تأتي في تركيبة سُلّم القيم في الدرجة الأولى فحسب، ولكنها القمّة في التركيبة ذاتها، والأساس في نفس الوقت. وهذه الفئة تتسامى في نظام الأخلاقيات الشيشاني، وهي تتخَلَّله كذلك من القاعدة إلى القِمَّة. كما أنها تُحَدّد نوعية وطبيعة القيم الأخلاقية الأخرى. وهكذا فـ "أَدَمالاّ" في النظام الأخلاقي الشيشاني لا تتحدّد فقط بسِمات الإنسانية أو الرِّفق (الرحمة، الحنان، الثأر، التأثر والانفعال، رحابة الصدر)، وإنما أيضا بالحكمة والتعقّل. وحسب العلم الأخلاقي الشيشاني فإن العلاقة نحو العقل والإدراك كمقياس للأدبيات والأخلاقيات ليست بمدلول واحد. فالشيشان لا يأتمنون على الإدراك لوحده (وهذه ميزة تتصف بها الصوفية كمذهب ديني- فلسفي) إن لم يكن آت بصراحة تامة ومن الأعماق. لِذا ففي سُلّم القيم، لا يتحدّد الإدراك كَـفئة منفَصِلة، بِعَكس علم الأخلاقيات الأديغي (أي الشركسي- المترجم)، والذي على سبيل المثال يُبَيّن فيه ب. خ. بغاجنوكوف خمسة مبادئ ثابتة، هي- الإنسانية، الاحترام، الإدراك، الرجولة، الشرف. [بَغاجنوكوف ب. خ.، علم الأخلاقيات الأديغي، نالتشيك، 1999، ص 16-20 ]. والحِكمة، التي تشكل بحد ذاته توافقا وانسجاما للعقل مع الصراحة التامة الآتية من الأعماق (من القلب كما يقولون- المترجم) لا تُعتَبَر فقط الأساس الذي تقوم عليه الإنسانية، وإنما تُعتَبَر كذلك مقياسا للأخلاقيات بشكل عام.
وليس بأقل أهمية أيضا مقياس الإنسانية الذي يقوم على رحابة الصدر والشهامة، وقبل كل شيء رحابة الصدر نحو العدو المهزوم. وهذه القيمة الأخلاقية كانت مهمة عند الشيشان، الذين كانوا في حالة حروب دفاعية مستمرة، لدرجة أنها تركت وراءها أسطورة عنها. كُتِبَت الأسطورة من قِبَل س. م. خاسييف في أواخر ستينيات القرن المنصرم، في إحدى المناطق الجبلية في بلاد الشيشان. تقول الأسطورة: "إن أرواح المقاتلين الشُرَفـاء قلبها الإله إلى بَجَع بيضاء، لِذا، فهي هادئة، مطمئنة البال وجليلة. أما أروح المقاتلين الذين عبَّروا في الحرب عن أحاسيسهم الساخِطة والغاضِبة تجاه أولئك الذين تجاوزوا حدودهم في تصرّفاتهم مع العدو (أي كانوا قساة القلوب- المترجم) تبّا لهم، ومأواهم أسفل أشمخ الجبال. إلى أنهم وٌعِدوا بأن وقت تحريرهم سَيَحين يوما ما.. وإذا غَفَرَت عنهم أرواحُهم التي هَلَكَت معهم، فَسَيغفِر الإله للمقاتلين القُساة، ويَقلبهم إلى بجع بيضاء. أما في البداية فالخالق كان قد حوّل أرواح هؤلاء المقاتلين القساة إلى طيور الغُرنُوق (crane) (ويُسمّى أيضا طير الكُركي- المترجم). لِذا، فَسِرب الغرانيق، وهي تطير كل ربيع نحو الشمال، تبكي بصوت عال وتطلب العفو والمغفرة من تلك الأرواح التي أهلكتها. أما البَجَـع، فتقوم بتلك الرّحلة كلَها طواعية بشفقة ورحمة نحو إخوتها الذين أثَموا وأذنَبوا. وهي تصلّي من أجلهم في الأقطار الظليلة" (القاتمة، بلاد الأشباح- المترجم).
فالشِّدة والقسوة نحو العدو المهزوم والجريح، أو نحو الضَّعيف والذي لا حول له ولا قوة اعتُبِرَ من الأمور غير المقبولة إطلاقا.. وهذا ليس من قبل معيار "القوناخلاّ" فحَسْب، ولكن أيضا من قِبَل علم الأخلاقيات الشيشاني ككل.
إن البطل الرئيس في شعر ألكسندر بوشكين، بعنوان "تازيت" Tazet [بوشكين أ. س.،مختارات في مجلد واحد، موسكو، 1984، ص 201 ] - وهو الأمير الأديغي الشاب، الذي قام بتربيته رجل شيشاني (بناء على طلب والده- المترجم)، يقع (هذا الأميرعند رجوعه إلى بيت أهله- المترجم) في نزاع مع والده، وذلك لِرَفضه طلبَه بقتل تاجر أعزل بسلاحه. وفي حادث مشابه آخر لرفضه قتل عدو جريح لأخذ الثأر منه، وأيضا لرفضه اللحاق بِعَبد شريد والإمساك به. ويرى كثير من الباحثين في إبداعات الشاعر المذكور، أن ذلك السلوك يسلكه تازيت بتأثير الأخلاقيات المسيحية. أما في واقع الأمر، فقد قام بطل القصة بأفعاله من منطلق معيار الأخلاقيات الشيشانية. وليس عبثا أن قال الرجل المُسِن، عندما وجّه حديثه لأبي تازيت، الأمير الأديغي، قائلا (كما جاء في قصيدة بوشكين- المترجم):
"مرّت منذ تلك الفترة ثلاث عشرة سنة
مُذ أتيتَ إلى قريتي الجبلية الغريبة
وسَلّمتني طفلا ضعيفا
حتى أقوم بتربيته وتنشئته
وأجعل منه شيشانيا مغوارا.."

لِذا فـ تازيت سلك في جميع الظروف والحالات سلوك القوناخ، مُظهرا الرحمة نحو الضعفاء، والذين لا حول لهم ولا قوة.
إن الشاعر الروسي العظيم، كان يعرف شخصيا تَيمي بيبولات Taimi Bibolat، القائد الحربي الشيشاني المشهور، والسياسي الحكيم، والدبلوماسي اللامع، والقوناخ الحقيقي. وقد كَتب بوشكين في كتابه "رحلات في أرزروم"، قائلا: "بيبولات المجيد، عاصفة القوقاز.. لقد أبهجني حضوره إلى أرزروم: لقد كان لي عونا وكَفيلاً خلال سلوكنا الممر الخطير في جبال القباردي" [بوشكين أ. س.،مختارات في مجلد واحد، موسكو، 1984، ص 453 ]. لقد كانت لدى الشاعر فكرة وتصور عن معيار "قوناخَلاّ"، والذي انعكس في صورة البطل الرئيس وسلوكه في شعر بوشكين.
والفئة الرئيسة "أَدَمالاّ - أو الإنسانية" – هي الرفق وحب الإنسان والرحمة والشفقة بأنشط أشكالها. والقوناخ قبل كل شيء، هو المُدافع عن الضعفاء، والذين لا حول لهم ولا قوة. والأمل الأخير لهم في هذا العالَم الظالم والمجحف هو العدالة.
يشمل مفهوم الإنسانية أيضا العلاقة الحريصة نحو الطبيعة، ونحو كل الأشياء المحيطة بالقوناخ. وهو يحس بأنه جزء من هذا العالم الكبير، والذي يتساوى في الجميع أمام الأبدية والخلود، سواء كان ذلك إنسانا أم نملة أم شجرة. والقوناخ، وهو يُدرك ذلك، لا يمكنه أن يُسبب أذىً لأي شيء حيّ. لِذا فهو يستخدِم كل ما منحته الطبيعة لنا بحرص شديد، متمسكا بمبدأ القناعة (الضرورة المعتَدِلة).
والفئة التالية من حيث الأهمية في معيار القوناخ، هي- نيسو нийсо، أي العدالة، والتي بواسطتها تُحَدَّد علاقات القوناخ مع الناس. ويتم تفسير ذلك من قِبَل بعض العلماء بـ "المساواة". لكنّ هذا مرتبط بكون نفس أصحاب اللغة يلتقطون في كلمة "نيسو- العدالة" ظلالا لكلمة "المساواة". [تشيسْنوف ي.،الجهد الإثنوثقافي للشعب الشيشاني/ شمال القوقاز: العمليات الإثنوسياسية والإثنوثقافية في القرن العشرين، موسكو، 1996، ص44 ].
والعدالة، كما الإنسانية- هي واحدة من أهم سِمات القوناخ، لأنها توصل علاقاته بالعالَم على أعلى المستويات الاجتماعية والروحية. والعدالة مثل الحُريّة، كانت واحدة من أكثر القيم الأخلاقية المطلوبة في المجتمع الشيشاني في كل الأزمنة. وإذا كانت الحرية مُطلَقة ]يَعتبر الشيشانيون بأن العامل الأهم للحرية هو حق الاختيار الحُرّ. وقد يكون هذا سبب إعطائهم الأولوية للمذهب الديني الصوفي، والذي بموجبه يُترَك للشخص حتّى التقدير المُسبَق في الاختيار ما بين الخير والشرّ[ فالعدالة- تعني التقييد من الحريَّة على مستوى المجتمع. [تشيسْنوف ي.،الجهد الإثنوثقافي للشعب الشيشاني/ شمال القوقاز: العمليات الإثنوسياسية والإثنوثقافية في القرن العشرين، موسكو، 1996، ص47 ]. وأن غياب العدالة في العلاقات الاجتماعية أدّى إلى نزاعات داخلية دموية، وإلى حروب أهلية. وأثناء ذلك كانت الأسباب الأولية لحدوثها خلل في تناسب الأخلاقيات في العلاقات الإنسانية المتبادَلة. لا سيما وأن العدالة وَجَب أن يتّصف بها شخص ذا رسالة مقدّسة، وهي خدمة الوطن.
وفيما يتعلق بـ "النقاوة" أو "صفاء الروح"- فإنها إحدى أهم خواص القوناخ. فبدونها لا يمكن أن يكون الشخص إنسانيا وعادلا حقا. إن صفاء الهواجس والخواطر، والسّعي، والتّنَحي في داخله عن الأمل والرجاء في الحصول على مكافأة أو جزاء في الحياتين الدنيا والآخرة- لَهي من المهام الأساسية السّامية للقوناخ. أما علاقة القوناخ بالدِّين فترتبط عن طريق هذه السّمة. والثقافة الدينية قبل كل شيء آخر تتَحَدّد بالنسبة إلى القوناخ بتأثير التصوّف، لأن الشيشان يعتنقون الإسلام على شكله الصوفيّ. ومن هنا تفضيل المغزى الباطني للدِّين على شكله الخارجي، والبساطة في تأدية الشعائر، وتفَهّم العقيدة كَوَسط شخصي وُدّي للإنسان، وكمدى عال من التحمل الديني وتسامحه. كما يتميّز القوناخ بعلاقاته الخفّاقة نحو الحياة الإنسانية كقيم عُليا، واحترام الفضائل الشخصية للآخرين، بغض النظر عن الحالة الاجتماعية والانتماء القومي والعِرقي. ]يَعتَبر الشيشان الشخصَ قوناخاً من أي قومية كان أو من أي دين، إذا كان جديرا بصفاته الشخصية وبسلوكه لحمل هذه التسمية[. ولهذه الأسباب بالذات، فإن المعيار الأخلاقي أو الأدبي بالنسبة إليه يتمثّل بالشخص ذاته، الذي منحه العلي القدير حريّة الاختيار المعنوي ما بين الخير والشر.. شخصٌ "قادرٌ على الوصول إلى الحُسن والكمال عن طريق إدراكه الخاص، وإيجاد ذاته الحقيقية- أنـا".
[ستيبانيان م. ت.، النواحي الفلسفية للصوفية، موسكو، 1987، ص 50 ].
ترتبط مع "الصفاء الروحي" بشكل مباشر تلك الفئات الأخلاقية مثل "النبل"- إوزدانغَلاّ оьздангалла و"الخُلق أو الأدب"- غيلَّقخ г1иллакх. ويُشكل النبل أو الأصالة فئة أخلاقية عامة، وهي كذلك مقرونة بالإنسانية والعدالة. والنبل يدلّ على الأصل الجيد أو (المنبت الجيد)، وعلى الثقافة الشخصية والروحية الرفيعتين. وهو يمنح الإنسانية السُّمو والصفاء والرّقة. وآداب السلوك (الإيتيكيت) هو التعبير الشكلي للنبل والأصالة. وبالنسبة إلى الشيشانيين لم يكن الإيتيكيت مجموعة من الأنماط السلوكية الرقيقة فحسب، بل طقوس ملهمة، ونظام لِسِمات اجتماعية، التي بقيت بفضله التركيبة الاجتماعية ثابتة ومستقرة. وكذلك الأمر مع الطقس الكونفوشيوسي- "لـي"، حيث ساعد الإيتيكيت في تناسق وانسجام العلاقات الإنسانية المتبادَلة داخل المجتمع. لِذا، فإن القوناخ لم يكن ليستطيع خرق الإيتيكيت ولا في أي حال من الأحوال.
ومن الفئات الأساسية لأخلاقيات معيار القوناخ أيضا: الاحترام- "لارَم" ларам، و الشرف- "سِي" сий. والأول يشير إلى العلاقة التي تدل على احترام القوناخ للعالم المحيط- للناس، وللذاتية الإنسانية. وهذه العلاقة لا تعتمد على الظروف الخارجية، إلا أنها تخصّها من الأصل. وهي قائمة ما دام القوناخ موجود. والثاني عبارة عن إدراك داخلي للإنسان لفضائله الذاتية من جهة، وعلاقة المجتمع وبعض الناس بهذه الفضائل من جهة أخرى. والشرف- هو تلك الثروة لدى القوناخ، التي يحافظ عليها أكثر من حياته. قد يكون هذا مرتبطا بكون "الشرف نهاية القناعة برسوخ الطبع الأخلاقي، والذي بمقتضاه أي سلوك أو عمل سيء يُسيء بدوره إلى كل سلوك أو عمل آخر. وتبعا لذلك فإن الشرف الذي فُقِد لا يمكن استرجاعه أبدا". [شوبينغاور أ.، مؤلفات مختارة، موسكو، 1992، ص 235].
كتب آدم سميث في كتابه "نظرية الأحاسيس الأخلاقية"، قائلا: "الطامحون إلى النجاحات غالبا ما يُبقون على وسيلةً تقود إلى الفضيلة، من أجل الوصول إلى حالة تشدُّ معها غِبطَتَهم نحو الثراء. والطرق المؤدية إلى الفضيلة عادة ما تكون متناقضة. إلاّ أن الإنسان المحب للشرف دائما يتعلّل بأفكار تشدُّه إلى تحقيق حالة متألقة، يُصبح لديه عندَها آلاف الوسائل التي تجعل الناس يُقدّمون له الاحترام، وباستحقاق. عند ذلك يقوم هو بطريقته بتسوية الوسائل السخيفة ونسيانها، والتي سبق وقام بواسطتها تحقيق غاياته.. وعَبَثا محاولاته صرف نظر الآخرين عما اقترفه في الماضي من أعمال عن طريق الجود والسّخاء، والتبذير والإسراف. إضافة إلى تسيير أعمال الدولة..
ومن بين الأجلاء الكبار، ذوي القدرة التي لا حدود لها، ومن المتملّقين الحقراء أمام الوجهاء والعُلماء، ومن بين الأقل نسبة من ذوي الدوافع المُغرِضة، ولكن أكثرهم إطلاقا لصرخات الإعجاب وللهتافات، ومن بين أولئك الذين حصلوا على أمجاد عظيمة وانتصارات مدوية- فإن الإنسان المحب للشرف يقتفي صوت حيائه الباطني وتوبيخ ضميره. وفي حين هو أمام ناظر الآخرين محاط بالمجد والشهرة، إلاّ أنه في إحساسه الداخلي يكون مفضوحا بجُرم ومطوَّقا بهَول مصاحب". ]سميث أ.، نظرية الأحاسيس الأخلاقية، موسكو، 1997، ص 81[.
إن علاقة القوناخ نحو الشرف وكرامته الخاصة المصحوبة بالتوتر والقلق، ليست مرتبطة بالفردية وبمنتهى الأنانية، ولكن بالسُّموّ الأخلاقي لِرِسالته الاجتماعية، والتي يمكن تحقيقها فقط في تلك الحالة التي يتطابق فيها الهدف والوسيلة والشخصية مع المُطلَق ]بعض الباحثين في علم الأخلاقيات الشيشاني يخلطون بين مفهوم "ياح" وما بين مفهوم "سي" (الشرف). فالأول عبارة عن منافسة في الأعمال الطيبة والسلوك الرجولي. ولكن هذه السِّمة هي أكثر خصوصية للكانت кIант (k ant) أو الفتى الشجاع، المقدام، الجريء، والبطل في الأشعار الشيشانية الملحمية "إلّلي" illi عنه عند القوناخ. والفتى الشجاع يتّصف بكل صفات بطل الأشعار الملحمية: القوة البدنية، الرجولة، حُب السِّلم، العدالة. غير أن الهدف الأخلاقي لسلوكه أكثر دُنيَويّة، مقارنة بالرسالة التي ينتهجها القوناخ. وسلوك الكانت، يتّجه أكثر نحو موافقة واستحسان الجمهور وثناءه. وبالنسبة إلى القوناخ، فـ "ياح" كَقيمة أخلاقية لا خلاف عليها. غير أنها لا يجب أن تُلفِت الأنظار. وفيما يخص العلاقة بين الأقرباء من الناس، وبين الأصدقاء فنجدها في غير محلها. وعلى ما يبدو كانت في البداية في محلها في حالة العلاقة مع العدو، الذي استأثر لنفسه الاحترام[.
الصَّبر "سُوبَرْ" sobar- هو عبارة عن فئة مخصوصة في النظام التقديري للمعيار. ويُشاد بأهميتها في المثل الشيشاني: "عُرف القوناخ من صبره" къонах собарца вевза. والصبر له دلائل كثيرة متداخلة في بعضها البعض. ومن المنظور الروحاني- فهو يعني التضحية والصعود إلى مرتبة العذاب النفسي calvary من أجل عمل الخير للناس.
إضافة إلى ذلك فالصبر هو رَباطة جأش وتمالك نفس، وثبات، وجَلَد، ورُجولة. والمَثَل عند الشيشان يقول: "بسالة القوناخ في صَبره" къонахчун майралла- собар. وهكذا، فالصبر، هو الأساس الذي يقوم عليه نظام القيم المعياري "قوناخ".

إذا، فالإنسانية، والعدالة، وصفاء الروح، والنبل، والاحترام، والشرف والتحمل- هي القواعد الرئيسة التي يتألف منها نظام القيم المعياري "قوناخَلاّ". وهذا النظام كنظام تقويم الأخلاقيات، هو نظام مِثالي وكُلّي. والشعب الذي أنشأ مثل هذا النظام، لا يمكن إلاّ أن يكون له مستقبلا عظيما ومشَرفا من الناحية الأخلاقية والأدبية.
إن معيار الأخلاقيات الشيشاني "قوناخَلاّ"- هو بمثابة شاهد فريد من نوعه للفكر الأخلاقي الإنساني. ولا شك من أنه سَيَلعب دورا تاريخيا في إحياء ونهضة الشعب الشيشاني أخلاقيا وروحيا.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
ليتشا إلياسوف
روسلان دوشاييف
الترجمة من الروسية إلى العربية
د. أمين شمس الدين داسي
8/2/2011
المصدر
КЪОНАХАЛЛА
Леча Ильясов, Руслан Душаев
Перевел на арабский язык: ДАСИ Амин Шамседдин



#أمين_شمس_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الفلكلور الشيشاني/ قرب العين
- قصيدة من الشعر الشيشاني المعاصر/ الفتاة الجبلية
- اكتشاف ظاهرة طبيعية لم تكن معروفة سابقا
- روسيا تقوم بتجهيز منطقة ما وراء القوقاز لحالة حرب محتملة ضد ...
- أكاديمية العلوم الشيشانية بين الأمس واليوم
- باسم السلام والإبداع/ إحياء الإرث الثقافي الشيشاني
- روسيا: الحوار هو المخرج الوحيد الممكن للخروج من الأزمة السور ...
- حقيقة عن الأماكن المقدسة في بلاد الشيشان – إنجوش
- قصيدة -شجرة الكستناء- للشاعرة الشيشانية رئيسا أخماتوفا
- الافتراءات والأكاذيب في -الموسوعة الكبرى- الروسية
- خانباشا نورالديلوف/ بطل الاتحاد السوفييتي
- معيار الثقافة الشيشانية
- قصيدة للشاعر الأردني الراحل الأستاذ شمس الدين عبد الرزاق الش ...
- الشيشان ما بين الانفصاليين و-الإماراتيين-
- الشيشان والإنجوش معا ضد الإرهاب
- الشيشان/ قصائد من الشعر الشيشاني المعاصر
- الشيشان/ لا- لعفو عام في الشيشان بعد اليوم
- رئيس جديد لجمهورية الإنجوش/ القوقاز
- تخريب إيديولوجي
- في ذكرى نفي الشيشان والإنجوش في المرحلة الستالينية


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أمين شمس الدين - معيار الثقافة الأخلاقي عند الشعب الشيشاني -قوناخلاّ-