أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الصديق بودوارة - الرائحة














المزيد.....

الرائحة


الصديق بودوارة

الحوار المتمدن-العدد: 3980 - 2013 / 1 / 22 - 02:16
المحور: الادب والفن
    



صعد الجبل .. خطوة هنا وأخرى هناك .. المسافة ضيقة والقدمان لا تتباعدان .. مسارب الجبل تفرض عليك طريقةً محددة لا تقبل التجاوز .. الاستهتار بها يعنى وقوعك .. تدحرجك .. والالتزام يعنى وصولك إلى القمة .
قانون أزلي كتبه الجبل الدائم الخضرة .. خطه بمدادٍ من حجارة بلون تراب الأرض الحكيمة ..
خطوة هنا وأخرى هناك ..
ما بينهما تأمل .. نظرة إلي مكان الخطوة المقبلة .. عندما بدأ العرق يغسل جبينه عرف انه قارب على الوصول .. العرق دائماً مكافأة المكابد وبشارة الوصول .. التعب أيضاً بدأ في الحضور .. حل أولاً في باطن قدميه ثم استدعى له الألم .. كانت حجارة الجبل تشاغبه أحياناً .. تلتحم بالجلد وتتوغل حتى تطرق أبواب لحمه الحي ثم تتراجع مفسحة المجال له ليتقدم أكثر .. تجرأ التعب حتى انتقل إلى الساقين .. كان يتحرك ببطء متزايد ويغير زاوية مسيره باستمرار .. إلى اليمين بعض الشيء .. إلى اليسار .. المهم أن لا يتراجع .. كان الجبل يعيقه ويقدم له العون في نفس الوقت .. تعترضه الحجارة المزدانة بلون الطين وتمد له الشجيرات المتناثرة يداً من عونٍ يحتاجه .. يشرف على السقوط فيتمسك بشجرة بطوم راسخة ورغم مظهرها الهش إلا أنها تحتمل ثقل جسمه وتعينه على النهوض مجدداً .. يواصل المسير وعبر درب ضيق يشق طريقه .. يسرح قليلاً فيخدشه فرع يابس .. يحفر في وجهه جرحاً سطحياً عابراً لكنه يكفى ليقرع له جرس الإنذار .. للجبل مساربه المحددة .. الاستهتار بها يعنى وقوعك .. تدحرجك .. والالتزام يعنى وصولك إلى القمة .
شارف على الوصول .. اخبره بذلك المشهد اسفل قدميه .. كان الوادي يتضاءل .. يصبح اصغر كلما نظر إليه الأصوات أيضاً أخبرته .. كانت النبرات تتقاطع .. وشوشات وهمسات خفية وحفيف عابر .. لم يعيد يميز الكثير مما يسمعه .
الهواء .. هواء القمة يختلف هو الآخر .. اكثر نقاءً لكنه اكثر تكبراً .. وكأنه يأنف من مراودة الأنفاس .. يصبح عصياً على الصدور المحتاجة إليه .. يتمسك بقمته المتعالية ويترفع عن البشر .
تذكر ما قرأه عن قمة الاوليمب .. كان الآلهة يتنفسون هواءً كالذي يتنفسه الآن .. راودته الفكرة فامتلأ بفخرٍ لم يعتده .. انه الآن على القمة .. والهواء الذي يجول في صدره هذه اللحظة هو نفس الهواء الذي جال في صدر زيوس الجبار وهيرا الفاتنة .. امتلأ بالفكرة وانتعش بالخاطرة اللذيذة .. على قمة الاوليمب كانت حفلات الآلهة مترعة بالشراب ومزدانة بالشواء .. كانوا يفضلون ثيران السهول الخصبة وخراف المراعي العامرة بالشحم الوفير .. سافر بخياله بعيداً حتى داعبته رائحة لحوم الثيران المشوية وربما تلاعبت به بقية من خمر الآلهة لأنه تساءل بذهول :
ـ ثور كامل ؟ هذا يعنى مؤونة سنة قمرية لعائلة فقيرٍ مثلى .. أقصد الهٍ مثلى .
أعجبته الفكرة .. فملأت ضحكته المميزة فضاء السكون من حوله فيما كان يمتطى ثوراً مجنحاً لم يذبح بعد ويطير به من أعلى القمة الجليلة ساقطاً بذلك من شاهق الجبل ورائحة الشواء تداعبه وبقية من خمر الآلهة تتلاعب به كما اعتادت دائماً .

البيضاء 1. 8. 2003



#الصديق_بودوارة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية المروضة
- نيتو !!
- فتوى مغرضة
- المرحومة .. جو!!
- الملك .. بلوتوث!!
- قصص
- عصر الالات
- دعونا ندخن
- امة الذين لايقرأون


المزيد.....




- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...
- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...
- أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م ...
- “أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال ...
- نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg ...
- صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
- قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص
- صراع الحب والمال يحسمه الصمت في فيلم -الماديون-
- كيف يبدو واقع السينما ومنصات البث في روسيا تحت سيف العقوبات؟ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الصديق بودوارة - الرائحة