خالد الحروب
الحوار المتمدن-العدد: 3971 - 2013 / 1 / 13 - 16:50
المحور:
الادب والفن
الرواية العربية بخير وتشق طريقها بثقة. هذا ما يمكن قوله عند التأمل في نوعية وتعددية الاعمال التي تتقدم للفوز بجوائز الرواية العربية السنوية المختلفة. الجائزة العالمية للرواية العربية (او البوكر العربية كما اصطلح على تسميتها) توفر لنا كل عام وقفة مراجعة مهمة للإطلاع على ما وصلت إليه صنعة الفن الروائي في البلدان العربية. نظام الجائزة يعتمد الاعلان عن قائمتين طويلة (من ستة عشر عنواناً) ثم قصيرة (من ستة عناوين) هي الافضل من قائمة الروايات الكلية التي تتقدم للمنافسة كل سنة وتزيد عن مائة وعشرين عنوانا في المتوسط كل عام. اختيار القائمتين القصيرة والطويلة يتم من قبل لجنة تحكيم مستقلة من مثقفين ونقاد ومتابعين وهي لجنة تتغير سنويا. لجنة هذا العام يرأسها الاكاديمي والكاتب المصري جلال امين ومن اعضائها رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات.
في شهر تشرين ثاني (نوفمبر) الماضي اعلنت اللجنة القائمة الطويلة بعد قراءة كل الرويات, والاسبوع الماضي وعقب اجتماعها في تونس اعلنت عن القائمة القصيرة. القائمة الطويلة تضم خليطا من روايات بأقلام كتاب وروائيين مشهوريين مثل إلياس خوري (سيناكول), وربيع جابر (طيور الهوليدي إن), وابراهيم نصر الله (قناديل ملك الجليل), وواسيني الاعرج (اصابع لوليتا), وكذلك روايات اخرى بأقلام شابة لم تكن معروفة مسبقا. مفاجأة هذا العام تمثلت في ان القائمة القصيرة خلت من الاسماء الكبيرة, وسيطرت عليها اسماء شابة وصاعدة ومن بينها سوف يتم اختيار الرواية الفائزة بالجائزة الاولى هذا العام ويتم الاعلان عنها في ابو ظبي في شهر نيسان (ابريل) القادم على هامش معرض ابو ظبي الدولي للكتاب. الروايات الست التي وصلت الى القائمة القصيرة هي: يا مريم للعراقي سنان انطون, وأنا, وهي, والاخريات للبنانية جنى فواز الحسن, وسعادته السيد الوزير للتونسي حسين الواد, ومولانا للمصري إبراهيم عيسى, والقندس للسعودي محمد حسن علوان, وسائق البامبو للكويتي سعود السنعوسي.
تسنى لي حتى الآن قراءة اربع روايات (هي مولانا, والقندس, وانا وهي والاخريات, ويا مريم) من الست التي تضمنتها القائمة القصيرة ومن تلك القراءة واستنادا الى الانتاج الروائي العربي السنوات القليلة الماضية بالإمكان القول فعلا بأن الرواية العربية بخير وانا تتقدم. كل واحدة من هذه الاعمال تقدم نصا ادبيا يخرج من قلب الواقع المحلي الذي تناقشه (المصري الديني الاستغلالي في مولانا, والسعودي الاغترابي الذاتي الحائر في "القندس", واللبناني الاجتماعي الانثوي في "انا وهي والاخريات", والعراقي الطائفي المتشظي في "يا مريم"). الروايتان الاخريتان تندرجان في ذات الهم المحلي وموضوعاته الشائكة, فكما يقول بيان لجنة التحكيم تعالج "سائق البامبو" ظاهرة العمالة الاجنبية ومظالمها في الكويت, في ما تعالج "سعادته السيد الوزير" الفساد السياسي في الواقع التونسي.
هكذا إذن يستمر النص الروائي العربي, والادبي بشكل عام, في منازلته التاريخية مع التابوهات الثلاثة التقليدية في المجتمع العربي: السياسة والجنس والدين. في كل واحد من المجتمعات العربية من دون استثناء لا تتحكم هذه التابوهات وحسب في رقاب الافراد وتقمع تطلعاتهم وانطلاقهم, بل تتحول وتتمأسس في شكل عمليات رقابية وتسلطية بيد نخب تستغل الخطوط الحمر وتراكم مصالح خاصة بها مدعية الدفاع عن المجتمع والمحافظة عليه. يتحالف السياسي مع رجل الدين مع شرطي الآداب في تخليق وضع اجتماعي م مشوه وتشويهي يقف في وجه عجلة التاريخ ويطارد الافراد وارواحهم ويكبت كل اشراقة ابداع فيهم. النداء غير المنطوق في النصوص الروائية العربية الفائزة في القائمة الطويلة والقصيرة كما في النصوص الروائية الاخرى الرحبة سواء التي شاركت في المسابقة ام لم تشارك وعلى مدار السنوات الاخيرة الماضية هو نداء الحرية والانعتاق. إنه النداء الوحيد الذي يستحق ان نقف وراءه جميعا ويستحق الظفر بكل الدعم وكل الشرعيات. والحرية هنا لا تقتصر على الحرية السياسية وحسب, بل تتعداها الى الحرية الاجتماعية والدينية والجنسية وان يكون الفرد لا غيره هو المسيطر على ذاته.
لا يعني ذلك قصر معيار الحكم على جودة اي نص روائي او ادبي على "الموضوع/المضمون" حتى لو كان في رفعة نداء الحرية والانعتاق. فالنوع الادبي في المبتدأ والمنتهى يجب ان يُحاكم من منظور ابداعي وادبي, ويجب ان يتقولب المضمون وموضوعه في الشكل الابداعي المعني شعرا, ام مسرحا, ام رسما, ام رواية كان. فالشكل والصنعة الادبية في نهاية المطاف هي التي تعطي العمل المكتوب هويته الابداعية وتحميه من الوقوع في مباشرة الخطابية والوعظية المباشرة. من دون الشكل واللغة والحذق الادبي والتصويري والمناورة في التركيب والتقديم والتأخير والحبكة السردية النصية تتحول الرواية او النص الادبي الى مقالة اجتماعية او سياسية نقدية جافة لا روح فيها. ما التجديد في النصوص الروائية الجديدة إن كانت تحوم في معظمها في مساحة الثالوث المحرماتي: السياسة والجنس والدين, وأليست بهذا الأسر الاختياري في في إطار هذا الثالوث تحكم على نفسها بالرتابة والتكرار وملل الكاتب والمكتوب؟ الجديد فيها هو الشكل والقالب الذي يتم قولبة الموضوع فيه وتقديمه بشكل جذاب وكأنه لم يُعالج من قبل. هذا الشكل الجديد هو ما نراه مثلا في "يا مريم" عندما يعالج انطون سنان معاناة المسيحيين في العراق من تعصب الجماعات السلفية وتفجيراتهم للكنائس وللاحياء المسيحية, او ما نراه في "مولانا" حيث يبدع ابراهيم عيسى في تصوير الداعية التلفزيوني الذي تهمه مصلحته الذاتية على اي شيء آخر, او في "القندس" حين يتألق محمد حسن علون لغة وتركيبا وخيالا في تشريح معاناة ابن الرياض المشتت بين اجيال الماضي وتطلعات المستقبل وانتاجات المجتمع لأفراد متماثلين/قنادس.
الجائزة العالمية للرواية العربية, والتي أسسها مثقفون عرب في المنطقة والمهجر وبالإستئناس والاستفادة من تجربة جائزة البوكر البريطانية للرواية, استطاعت وخلال خمس سنوات من عمرها ان تعزز من حضور الرواية العربية محليا وعالمياً. ولعل نظام اعلان القائمتين الطويلة والقصيرة وما يرافقهما من جدل ومتابعة للروايات ومفاضلة بينها ونقد ولغط يخدم التعريف بالروايات المتناقسة ايضا. يُضاف الى ذلك ان آلية التحكيم تحافظ على اكبر قدر ممكن من النزاهة حيث لا تتدخل الجائزة ومجلس امنائها في اختيار الروايات او تفضيل احداها, فذلك مُناط بعمل لجنة التحكيم بشكل حصري, وهي اللجنة التي لا يتم الاعلان عن اسماء اعضائها الى بعد الاعلان عن القائمة القصيرة وذلك لحماية الاعضاء من الضغوطات ومحاولات التأثير المباشرة ة وغير المباشرة. بقي ان ننتظر لنر من يفوز في الجائزة لهذا العام.
#خالد_الحروب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟