|
هند وأحمد وبينهما لينا النابلسي - إن أردتم!
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 1143 - 2005 / 3 / 21 - 13:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
-1- من النادر أن يتعرض المثقفون الغارقون بالسياسة للشؤون الاجتماعية، أو إلى حدث اجتماعي كقصة هند الحناوي مصممة الأزياء والديكور المصرية الحسناء والممثل أحمد الفيشاوي ابن الممثل فاروق الفيشاوي وابنتهما الطفلة المتنازع عليها "لينا" التي لم تُعرف بعد هل ستكون من القبيلة الفيشاويّة أم لا؟
لقد هزتني هذه القصة واضطرتني الى متابعتها لمدة أسبوعين لعلاقتها الوثيقة بتموضع الأنثى السيئ والمهان والوضيع في المجتمع العربي، ولتحملها تبعات أخطائها وكذلك أخطاء الذكر الذي يخرج دائماً من مثل هذه الفضائح كالشعرة من العجين، فحلاً كالثور نظيفاً منتصراً، بينما تخرج الأنثى بلعنة العار والزنا والفضيحة الاجتماعية.
-2-
سوف أترك السياسة جانباً هذه المرة، واتحدث قليلاً عن هذه المشكلة التي تشغل الآن بال المجتمع المصري وبال الإعلام المصري المتحمس للفضائح مثل أي إعلام آخر. والذي وجد في هذه القصة مادة غزيرة ليشغل بها الرأي العام المصري عما يجري تحت البساط من تمريرات سياسية وقرارات بالغة الأهمية سلبية وايجابية تحضيراً لانتخابات الرئاسة القادمة.
ولكن هذه المشكلة "الظاهرة" تستحق منا كل الاهتمام لأنها بمثابة ثورة اجتماعية عارمة تحصل لأول مرة في العالم العربي ولفتت انتباه الصحافة العالمية وأساتذة علماء الاجتماع في العالم. وقالت الصحافة العالمية في نيويورك ولندن وباريس وطوكيو عن هذه القضية إنها "صفحة ليبرالية جديدة يفتحها المجتمع المصري". وقالت صحيفة الجارديان "إن مصر تنتظر بفارغ الصبر نتيجة اختبار الحامض النووي الذي حكمت المحكمة بخضوع الفيشاوي والحناوي والرضيعة له وذلك لإثبات أو نفي أبوته للطفلة لينا". وهذه الثورة تقودها مصممة الأزياء ومهندسة الديكور الحسناء المصرية هند الحناوي ووالدها الأستاذ الجامعي د. حمدي الحناوي ووالدتها د. سلوى الحناوي الأستاذة الجامعية أيضاً. وهذه العائلة رفضت وأعلنت على الملأ أن ابنتهما مارست الجنس مع الممثل أحمد الفيشاوي بزواج عرفي ينكره الأخير، وأنها كانت حامل، وأنها ولدت طفلة (لينا) بعد ذلك. فلم يقتلاها والداها، ولم يجهضاها، ولم يتسترا عليها، ولم يرتكبا بحقها ما يُسمى "بجرائم الشرف" القبلية والهمجية. وتلك ظاهرة تستحق منا نحن معشر المثقفين كل اهتمام، ولهذا فأنا أكتب عن هذا الموضوع اليوم.
-3-
قصة هند وأحمد والطفلة لينا (ولا نقول ابنتهما) لأن أحمد الفيشاوي يرفض الاعتراف بلينا كابنة حتى الآن، بدأت عندما أصبحت هند وأحمد صديقين حميمين بل حبيبين، وناما مع بعضهما نتيجة هذا الحب، فحملت هند، وولدت لينا. وكان من الشهامة والاعتراف بهذا الحب وهذا الكرم الذي قدمت فيه هند جسدها للفيشاوي دون عقود أو شهود أن يبادر الفيشاوي إلى اعلان زواجه من هند شرعاً وقانوناً. ولكن يبدو أن الفيشاوي عندما علم بأن هند حامل تخلّى عنها وأنكر علاقته بها كأي شاب نذل ووضيع يقضي وطره من بنت، ثم يتخلّى عنها ويدعها للفضيحة والعار وربما للقتل كما يحصل في جرائم الشرف في معظم المجتمعات العربية ذات الأخلاقيات الزراعية التي تعتبر فيها المرأة ملكية خاصة كالأرض والحيوانات وغيرها.
أنا لست رجل دين، لكي أفتي بقضية هند وأحمد وبينهما لينا.
وأنا لست رجل قانون، لكي أقضي بمشكلة هند وأحمد وبينهما لينا.
وأنا لست عمدة ولا شيخ منصب، لكي اقرر حكم المجتمع في نزاع هند وأحمد وبينهما لينا.
ولكني كاتب ليبرالي لي بعض الآراء العامة (السطحية المرتدة) في هذه القضية بعد أن استمعت وشاهدت حلقتين من البرنامج الذي تقدمه منى الشاذلي على احدى الفضائيات. في الحلقة الأولى تحدثت هند الحناوي، وفي الحلقة الثانية تحدث أحمد الفيشاوي الذي جاء بأمه الممثلة سميّة الألفي وبأبيه فاروق الفيشاوي لكي يُلمعا صورته ويساعدانه على تقديم التبريرات الكافية التي تؤكد بأن الطفلة لينا ليست ابنته. في حين حضرت هند الحناوي لوحدها في الحلقة السابقة ودافعت عن نفسها دفاع النمرة أو اللبؤة عن أطفالها في الغابة الشرسة (الأكولة). وهي قصة تتكرر كل ساعة في المجتمعات العربية المختلفة وتكون نهايتها إما الفضيحة وإما القتل وإما الاجهاض والألم العميق لستر ما كاد أن ينفضح.
-4-
لجأت هند الى رجال الدين لكي يساعدوها على نسب ابنتها لأبيها. ولجأ أحمد الى رجال الدين لكي يبرئوه من نسب هذه البنت. وقيل في هذه القضية أحاديث نبوية كثيرة كان أبرزها ما ردده مفتي مصر السابق الشيخ نصر فريد واصل من حديث نبوي يقول: "لا نسبَ لإبن زنا". وهو ليس بحديث نبوي صحيح، ولكنه حكم من أحكام ما قبل الإسلام (انظر جواد علي: العرب قبل الإسلام، ج5، ص 558) ولم يرد في القرآن. ومن المعلوم أن كثيراً من الأحاديث النبوية مدسوسة من قبل الفقهاء لأغراض سياسية واجتماعية ومالية. وأن عمر بن الخطاب منع رواية الحديث. وأن الأمام الأكبر أبا حنيفة النعمان إمام أهل الرأي، لم يعترف بغير أقل من عشرين حديث من ضمن آلاف الأحاديث المتواترة. وأن رواة الحديث كأبي هريرة والبخاري وعبد الله بن عباس مشكوك في روايتهم. وقد ضرب عمر بن الخطاب أبا هريرة حتى أدماه ومنعه من تلاوة الأحاديث، وقال له "لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القرود أو بأرض دوس" (أرض دوس وطن أبي هريرة الدوسي) (البداية والنهاية، 8/206). وعندما توفى الرسول كان عمر ابن عباس 12 سنة ورغم هذا فقد روى عن النبي 1660 حديثاً! والبخاري هو الذي روى أحاديث نبوية تجيز قتل النساء والصبيان في الغزوات والحروب (كتاب الجهاد، 146). كما روى أحاديث مستهجنة كحديث "يقطع صلاة المرء كلبٌ أو حمارٌ أو امرأة" (كتاب الصلاة، 105). فساوى المرأة بالكلاب والحمير!
ورغم هذا فقد بلغ من تحضِّر العرب قبل الإسلام درجة أنهم كانوا يُلحقون ابن الزنا بأبيه، لقولهم (الولد للفراش وللعاهر الحجر) (صُبح الأعشى 1/435). وأول من حكم بهذا قبل الإسلام أكثم بن صيفي حكيم العرب (زاد المسلم 4/132) . أما إذا كُثر أزواج المرأة فيُلحق المولود بالوالد حسب قول المرأة ( انظروا لاحترام حق المرأة في الاختيار) أو حسب الشبه إن وقع خلاف ذلك. وهو ما يعرف اليوم بكشف DNA الذي أعفانا من مهمة الشهادة المستحيلة لواقعة الزنا، وهي رؤية أربعة شهود عدول للمرود (القضيب) بالمكحل (الفرج) كما قال الفقهاء لاثبات الزنا، حتى أن بعض الباحثين اعتبر أن الإسلام (والعياذ بالله) يشجع بهذه الاستحالة في الشهادة على الزنا.
والسؤال هنا هل كانت هند الحناوي زانية حقاً وإذا كانت زانية فمن هو الزاني؟
أم أن الطفلة لينا نفحة من "روح القدس"؟
لقد اعترف الفيشاوي بأنه نكح هند الحناوي أمام الملايين من مشاهدي التليفزيون المصري، وبإنكاره أن لينا ابنته يعني أنه يتهم هند بالزنا مع رجل آخر، وبأنها من صاحبات الرايات؛ أي العاهرات . أي أنه يرمي حبيبته التي اخلصت له وسلمته نفسها وجعلته ينكحها، بالزنا مع رجل آخر، وتلك هي قمة نذالة الفحول من أمثال أحمد الفيشاوي، وقلة تربية وسوء أخلاق على عكس ما تدعي أمه سميّة الألفي بأنه حسن التربية وسوي الأخلاق.
-5-
ما هو الزنا، قبل أن تأتي الأديان الرئيسية الثلاثة وتحدد لنا ما هو الزنا؟
الزنا في العرف الاجتماعي في الحضارات القديمة، هو أن تمارس المرأة الجنس مع عدد من الرجال مقابل أجر معلوم. والزانية هي الزوجة المحصنة التي تمارس الجنس مع رجل آخر غريب عنها. وكان العبرانيون يعاقبون الزاني والزانية بالرجم بالحجارة حتى الموت.
وعقوبة الزنا وهي الرجم في الإسلام جاءت من الديانة اليهودية (سفر التثنية، الاصحاح 22). ولم يكن الرجم معمولاً به قبل الإسلام إلا عند القلة. وكان أول من رُجم ربيع بن حمدان (صُبح الأعشى، 1/435). والزنا الذي كان يُعاقب عليه العرب قبل الإسلام هو زنا المرأة المحصنة من رجل غريب بغير علم زوجها فقط. وفي المجتمعات المتحضرة وفي الغرب المسيحي عامة لا تُعتبر المرأة زانية أو الشاب زانياً فيما لو مارسا الجنس عن حب وصداقة واختيار وقبول، وبدون مقابل مادي، فيما يسمى "زواج الفرندز" الذي افتى بشرعيته الشيخ اليمني عبد المجيد الزنداني، فقامت الدنيا ولم تقعد في العالم الإسلامي. في حين أن الإسلام قال بزواج المتعة (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) (سورة النساء، الآية 24) وهو الزواج الذي ظل عبد الله بن عباس يجيزه في حالات الضرورة وحرّمه القرضاوي. وهو لا يختلف عن زواج (الفرندز) ولكن دون مقابل مادي أو أجر، في ظل ضيق الأحوال المادية وعدم توفر السكن الكافي وانتشار البطالة في مجتمع كالمجتمع العربي عامة والمجتمع المصري خاصة.
-6-
إذن، ما فعلته هند الحناوي ليس زناً. وابنتها لينا ليست ابنة زنا، ولو كانت ابنة زنا لألقت بها هند على قارعة الطريق ليلتقطها من يلتقطها، ويذهب بها الى دار الايتام أو اللقطاء.
وإذا أنكر الفيشاوي أبوته للينا فلا جُناح على لينا. فنسبها الى أمها أقوى من نسبها لأبيها. فإذا كان نسب الولد يثبت من أبيه بالفراش أو الإقرار أو البينة، فإن نسب الولد من أمه يثبت بمجرد ولادته دون الحاجة إلى إثبات سواء أكانت الولادة من زواج صحيح أم من علاقة غير شرعية.
وفي التاريخ يا سيدتي هند كان هناك من الأعلام الكثيرين من نُسب الى أمه وليس لأبيه. فأمير العراق المنذر في عصر المناذرة قبل الإسلام كان يُنسب لأمه (ماء السماء) فيقال المنذر بن ماء السماء. والشاعر الرمّاح نُسب الى أمه (ميادة) فيقال الرمّاح بن ميادة. والصحابي عبد الله بن مسعود كان يُنسب لأمه فيقال عبد الله بن أم عبد. ومحمد بن علي بن أبي طالب كان يُنسب لأمه (الحنفّية) فيقال محمد ابن الحنفيّة. والفقيه المشهور اسماعيل بن عليّة كان يُنسب لأمه عليّة.. الخ.
فلماذا يا هند لا تنسبي لينا اليكِ، وأنت كأم الأحق بالنسب من الفيشاوي، كما طالبت نوال السعداوي من قبل، ورفض هذه الدعوة القرضاوي (جريدة "الحياة" 24/11/2004).
ويا سيدتي هند الحناوي إذا أثبت كشف DNA بأن لينا ابنة الفيشاوي أو هي ليست كذلك، ورفض الفيشاوي الحاق ابنته بنسبه، ولم تجدِى لها أبا تنسبينها له، فأنا أتقدم بالحاق الطفلة لنسبي.
ولتكن لينا شاكر النابلسي إن أردتِ!
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا بعد -الاستقلال اللبناني الثاني- ؟
-
كيف يغسل الأردنيون عارهم بالعراق؟
-
عار أعراس الدم الأردنية
-
لماذا تحوّلنا إلى تيوس ننطحُ الصخرَ ؟
-
بورقيبة ينهض من قبره
-
أسطورة الحريري في الحياة والممات
-
شمس العراق تسطع على لبنان ومصر
-
الملك عبد الله والإعلام الظلامي
-
الدرس المفيد من العراق الجديد
-
من فلسطين بدأ الإرهاب ومنها ينتهي
-
الحب في زمن الإرهاب
-
لماذا لا ينضم العراق إلى الإتحاد الأوروبي؟!
-
الإصبع العراقي: لله وللحرية
-
أولويات العراق بعد الانتخابات
-
العراقيون يؤدون الأحد صلاة العيد!
-
الانتخابات العراقية بين الشرعية والتبعية
-
صناديق الاقتراع مقابر للرعاع
-
الانتخابات العراقية والامتحان الليبرالي
-
العراق والمصير المنير
-
أول شيخ أزهري يُثني ويُوقّع على -البيان الأممي ضد الارهاب
المزيد.....
-
بايدن يعلق على ما ذكره كتاب عن إرسال ترامب لبوتين أجهزة اختب
...
-
الجيش الإسرائيلي يرد على إعلان حزب الله إصابة جنود إسرائيليي
...
-
مسؤولون إسرائيليون: غارة دمشق استهدفت قياديا بحزب الله
-
ضربة رمزية أم مدمرة؟ أولمرت ولابيد يختلفان بشأن الرد الإسرائ
...
-
السلطات الأميركية تعتقل أفغانيا خطط لهجوم -إرهابي- يوم الانت
...
-
نزوح كبير في فلوريدا الأميركية هربا من -ميلتون-
-
واشنطن: دعوة حزب الله لوقف إطلاق النار تظهر تراجعه
-
الجيش الإسرائيلي يطالب مستشفيات شمال غزة بـ-الإخلاء الفوري-
...
-
إعصار ميلتون يبلغ الدرجة القصوى وبايدن يطلق نداء إخلاء بفلور
...
-
كلمة نعيم قاسم تثير تساؤلات عن -فصل الربط- بين لبنان وغزة؟
المزيد.....
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
-
التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري
/ عبد السلام أديب
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
المزيد.....
|