أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوعيادي - سعيد...رفيقي















المزيد.....

سعيد...رفيقي


محمد البوعيادي

الحوار المتمدن-العدد: 3953 - 2012 / 12 / 26 - 20:23
المحور: الادب والفن
    


ــــــــــــــــــــــ

للوقت ألف طريقة ليجعلنا أناسا آخرين غيرنا..
للموت طريقة وحيدة في جعلنا نحن كما نحن
للصمت ..عناوين كثيرة تقرأنا و نقرؤها على ضوء الرحيل الخافت
للحب، ألف طريقة ليكون حبا و ليكون طعنة في الشغاف
للصدفة وقت واحد تأتي فيه و هو كل الأوقات ثم لا تعود
لك يا سعيد، يا حبيبي كل الوقت و الحب الذي أوكلنا للنسيان و الموت
" الراحلون في وجع الفجر خمسة و الموت سادسهم، رصاصتان في الرسغ و نرقصُ نرقص حدَّ الموت نزيفا ..في نشوة الأصيل يا رفاقي ...أيها الهاربون من دمي أنا المشنوق بأمعاء الحب والوطنْ . لم أمتْ و لا حييتُ لأرقص أكثر تحت قصف "الغيوان" أو قيتارة هاربة من "مشاهب" الزمن المنسي ، دمي شراب في الحانات الجديدة بالشارع الرئيسي و لحمي خبز يابس للجائعين في ركن المدينهْ المهجور، لستُ المسيح و لكن...كم أحببت هذا الوطنْ حد التمزق، كم أحببت المشي على الساحل وحيدا لرؤية النوارس و هي تسبح باسم الموج ، كم تُهت على قلبي في الشوارع الضيقة أعبر نحو استحالة الموت في ذاكرة المكان الرطبة...يا للموت كم يفجعنا في أحلامنا الصغيرة، نحن الذين ندفع ثمن أحلامنا الصغيرة جز أعصاب و هستيريا في أواخر الليل الذي لا ينجلي..."
في لحظة الملامسة، صرختُ، حين ثقبت الرصاصة مقدمة الجمجمة، كان الدم ساخنا و لزجا و القلب يرقص على أنغام غيوانية داغلة في الحزن و الدهشة، سعيد... يا رفيقي، يا خيل الله في أرضه ترمح حلما و حبا دونكيشوتيا، أيها الرمّاح في دنيا الحلم، في اللحظة التي فكرت فيها الرصاصة و شهق فيها الصدر و سال الدم المغدور، كنت بجانبه واقفة، بيني و بين الرصاصة التي مخرت رأسه بضع سنتمترات، كيف جاءه الموت و أضاعني أنا الأقرب إلى الموت منه ، هو الحي بكل جزء من وجهه، من جسده، هو الحي بكل تفاصيل المعنى و الروح، أنا الميتة منذ زمن ليس بالقريب بكل تفاصيل الموت السريري البطيء، حين التقت مقدمة الرصاصة بجدار الرأس الهش انفجر لوحة دموية تشكيلية هائلة كأنها شيء سريالي لسالفادور دالي ، سعيد يا حبيبي، سعيد يا صديقي، سعيد يا أصدق من أحببت ، يا وجعي الدائم و لحظة انفجار في مشيمة الأرض الطيبة، كنت وحيدة بقربه حين انفجر رأسه تشكيلا بصريا أحمر رائعا، سعيد الميت في ذاكرتهم، الحي في قلبي ، الهاجس الشوقي الأعمق .. مات؟.
قبل سنتين ، أذكر بكل التفاصيل المملة، كنت بقربه في المقهى، الرفاق جالسون، يتهامسون عن مخططات ما، فاس..القلعة الصامدة، الحرائق آنذاك كانت يسارية الهوى، و كان الحلم ينمو كلما نما القهر في أروقة الشوارع الخلفية للوطن، الكلب أطلق جراءه في شوارع المدن و حاصر المعاقل الجامعية الأكثر حركة آنها، القلعة الصمدة كانوا يسمون فاس، أباطرة النضالات الشعبية الرائعة، أولئك الحالمون الذين لولاهم لما كان للعالم لون و لا معنى، كنا جالسين ندردش عن الأحوال العامة للشارع الهائج ، بعض النقابات تحملت مسؤوليتها، آخرون انسحبوا كالقطط المذعورة إلى الزوايا المظلمة مسبحين للرعب قانتين، و بقي الطلبة في مهب الموت، يواجهون أحلامهم الدامية بكل ساعات القلق و الترقب، أربعون من كل الكليات و المعاهد رفعتهم أيدي الكلب في ليال السمر الرفاقي الدافئ..الآخرون قالوا: الآن...لنمت جميعا، ليست كرامة المرء أرخص من دمه.
في أحياء المدينة المهمشة، انطلاقا من الأحياء التي يموت فيها الجوعى العراة في كل برد، كان اللقاء الأول ليلا، أنا كنت قرب سعيد، في وسامته البسيطة و صوته العميق، كان شغب الثورة ينمو في هدوء إلهي، أراقبه في كل حركاته، لا يتكلم إلا حين يكون ذلك ضروريا، يصحح مسار الحوار ثم يصمت، كل الرفيقات و الرفاق كانوا ينصتون بعمق لما يقول، يعلمون أن تحليلا صائبا لا يأتي إلا منه، في كل المواقف كان يأتي بالحلول و الخطوات الضرورية للمرحلة...
السنة التسعين بعد الألف و تسعمائة بقليل، أشهر معدودات كنا فيها نختبئ وراء أحلامنا الدامية المجهضة، ذات ليلة كنا نعب الجعة القمحية، وهو مستلق بقربي على جدار الشاطئ الجميل بمدينة الحمام، كان يقول لي بلكنته المتغنجة:
" أنت بّالوما ، حمامة بيضاء في عش خرب..عليك أن تفردي جناحيك للحرية و الاحتراق الحر وإلا ستهلكين و تهلكين معك الآخرين.."
قلت له شيئا عن الحب و الحرب و الخلود، هو الهارب في تشكلات وعيه الحمراء كان يعلم أنها ليست إلا أيام و ينتهي كل شيء، حدثني عن استيهامات الحب و الحرب و الحضارة، فرويد ، ويلهلم رايش وآخرون، لم أفهم شيئا إلى حين حدثني عن الحب فقط دون أن يلغم عقلي البسيط بأفكاره التي لا أفهمها لكني كنت أحبها و أشعر بحميميتها، قلت في دهشة البحر الذي كان يداعب وجهينا السكرانين:
+ كم مرة على المرء أن يعيش ليحقق ما يريد ؟
+ عليه أن يعيش أولا، و يدخن الحشيش مع النبيذ الأحمر، أنا لا أمزح.
+ كيف؟
+ أن يعيش فقط... أتظنين أننا نعيش الآن؟
+ الماء مالح في البحر لكن القناديل البحرية لا تضيء إلا فيه.
+ لأن الملح ليس عازلا كهربائيا يا فتاة ، لكن التراب كذلك، و نحن نعيش في التراب، أنوفنا مغروسة في التراب، الرائحة قوية، أفغمت أنفي، لا أريد أن يكون وجهي في التراب، أتطلع إلى يوم أرفع رأسي عاليا لأحدق في الفضاء اللامتناهي و أضيع في عد النجوم .
رفع عينيه إلى السماء الصافية، كان الكون راسيا و هادئا مثلما كاهن يتبتل في محراب الصلاة، في عينيه كانت شرارتا الموت و الحياة تتقدان في آن، خليط من الدهشة الآدمية الرائعة و الحزن الساري في العروق إلى النخاع، هو الرفاقي المجنون، الكافر بكل شيء ما عدا الحياة، أنا البسيطة في تفكيري المسترخية للذة الأشياء العادية ما كنت لأفهمه، أو كنت لأفهمه لو أراد لي ذلك، كنت ألعب على حبال الشوق، و هو كان يعلم أني عبدة لأهوائي البسيطة، قال في شرود:
+ أتعرفين ؟ كثيرة هي الأشياء الجميلة في الحياة، لكننا لا نملك وقتا لنستمتع بها ، نفكر دائما في أشياء أخرى، لا نفكر في كيف نسعد، نحن فقط نحاول أن نتحاشى الألم أو التورط في الموت، هذا ما أرادوه لنا و قد نجحوا.
+ سعيد..أتحبني؟
+ و ما الغاية من ذلك؟
+ كيف ؟ ماذا تقصد؟
+ سألتك بكل هدوء ما الغاية من أن نحب شخصا ما؟
+ أليس رائعا أن نحب، هناك أشياء لا نفعلها لغاية مادية،الروح يا سعيد الروح.
+ الروح لا تنضج إلا بجسد حر و عقل هادئ يزن الأشياء كما يجب. سافري و لنحب بعضنا و أنت في كندا، أترين؟
+ أنت إذا لا تحبني، تحب الكتب أكثر مني، و تفضل تقبيل التاريخ على قبلة من امرأة تعشقك.
+ أنا أحب شفتي، ردفيك،جيدك و نهديك العاجيين، إنهما من صلب الجسد، والله و الروح كلها أشياء ليست منا، إنها فوقنا أو تحتنا لا أتذكر، أنا أحبك والتاريخ لم يكن إلا لأجل امرأة يا غبية، أتصدقين أن كل المعارك و الثورات كانت بسب النساء وأن الله كان هامشيا في كل هذا التورط؟
+ سعيد أتهلوس؟ لم تشرب كثيرا أتمنى؟
+ أنا أقول لك أنك منبع التاريخ ، غير أنك لا تفهمين، لنعش ما نحن فيه، و دعي النهاية للآخر الذي ينتظر كحمار يحمل أسفارا.
البرد الآتي من البحر دفعني آنها لأنكمش في حضنه الدافئ، كنت أحبه و أحاول التنصل من شخص آخر في مدينة بعيدة، هو كان يعلم أني امرأة التاريخ و الغواية، القديسة الحيوانية في غرائزها الأنثوية البسيطة، كان يناوشني أحيانا حين يناديني "سالومي القديسة" و كان قلبه واسعا كالبحر، لأنه ربما أحبني يوما ما ثم نسي الأمر.
+ سعيد، هناك شخص في حياتي ...
+ هناك نجمة بعيدة في السماء أيضا، دعي نفسك لصدري، قد يؤذيك البرد، النجوم لا تغار من بعضها، لأن السماء تحضنها جميعا إلى أن تحترق و تبقى السماء، لكن للنجمة التي تصعد أولا شرف السبق في الاحتراق.
+ ألا تهتم لما أقول؟
+ أهتم..أنا أحب أن أكون معك، أحيانا أحب الذين لا يفهمومنني، أتكلم عن السجون و الموتى القابعين في أقبية التحلل البطيء، أنت تستمعين لي دون طرح أسئلة أو تذمر، و تحبين ما تحبه امرأة لا تخاف من الخيانة، هذا يكفي للحظة. لكن فكري في النجوم التي جعلناها رموزا لضعفنا البشري، السماء ظلام مهول و هي الأصل، من أول نجمة تظهر إلى آخر نجمة تموت لا شيء أهم من السماء، أشهد أن السماء تفهمني.
+ أنمضي وقتا فقط؟
+ نمضي وقتا لكن ليس فقط...سنموت قريبا و أنت تعلمين. نبوءة المايا أخطأت لكن نبوءة الله لا تخطئ أرجو أنك مؤمنة فعلا.
إلى الفجر ظل يحكي لي عن السينما و الروايات و الأشعار اليسارية الرائعة، غنى لي قصيدة لناظم حكمت، مد يديه إلى وجهي المتكوم على صدره، ضمني ، قبلني في رجفة الخوف ، كنت أحبهما معا، و هو الذي ظل في قلبي، الآخر كان شيئا عصيا على التخلص منه، حين عرفت سعيد، كان للجسد ذوق لذيذ حد الإغماء، و كنت أرجو أن أموت و أعيش حياتين لرجلين أو أكثر، كنت أشبه بوعاء كبير لا شيء يملؤه، عطش الأنوثة الأزلي كان يسمي حالتي و هو يبتسم :
+ استسلمي لعطش الأنوثة المارق، لم تخلق النساء للانتظار و المسافات، الحياة أقصر ما نخطط له.
سعيد المجنون كان يجرحني لكنه يفهمني وحده، الآخرون يحرجونني دائما فأجد ذاتي محاصرة بالتاريخ و الأخلاق المرتوقة البالية، هو كان يقول لي :
+ الحب ظاهرة نفسية للجنس، تمظهر سطحي لرغبة جسدية باطنية، رغبة الموت، نزوع "الطاناطوس" يقاوم نفسه من خلال تدمير الجسد حبا و اختراقا و احتراقا في الجمال، يمكن أن نقول أن اللغة أسبغت عليه لحاف القداسة حبوبتي الصغيرة، أنت امرأة طبيعية جدا لأنك صوت الطبيعة، تصغين بهدوء وعمق لغرائزك، الأخريات كائنات مظلومة بالتاريخ و الشرف و الطهارة، الحب..أنت وحدك تفهمينه يا بوهيمية النزوع، قلبك واسع كبحر وجسدك خريطة بلا مُنتهى، أنت طبيعية جدا في عالم مشوه من القيم و الأخلاق الزائفة..لذلك أنا معك على الشاطئ والشمس تودعنا، ولذلك أحب أن تكون أوقاتي معك أنت بالذات، أنت تسيئين فهم نفسك فقط.
أحاديثنا كانت شذرات هاربة من قوقعة الزمن، أشياؤنا المجنونة كانت فوق كل اعتبار، التاريخ و الرفاق، الخيانة، الوفاء، الحب، المسافة، كنا اثنين واقفين على رصيف الشهوة، وحده كان يفهمني و يعبرني بأنامله نحو العمق، يخترقني بعمق نحو نقطة هاربة من جسدي و تفكيري، كنت أحبه حد الخيانة، لكني لا أرغب في الرحيل من جسدي و تاريخي القريب إلى مرفإه، و هو كان يحبني لكن أفكاره كانت أعمق من الحب الذي أردته أنا، ربما كان يفهمني أكثر من نفسي، لكن وقته كان لأشياء أخرى، كنت هامشية في مساحة قلبه، و مركزية في قلب الآخر، لذلك تعلقت بسعيد، و خططت لنهاية ما مع الآخر، تورط اجتماعي مقيت لابد منه.
على الشاطئ النقي و المساء يبكي رحيل النوارس، نمت على صدره لحظات أطول من كل أزمنة البشر، خالد في تفاهته اللذيذة ، ماتع في هوايته الأبدية، هوايته أن يلعب بشعري بين يديه، حين يزيل الشريط الأحمر عنه و يغرس يديه في جذائلي الضعيفة، كنت سيئة حد الاستسلام و التوسل حبا ، هو كان آخرا حين يكون معي، أما البحر فما أن يرانا مقبلين نحمل سلة الأكل و فراشا مطويا حتى يسحب أمواجه إلى صدره و يفسح لنا الطريق، سعيد رجل تسكنه الشياطين، و لا تظهر عوالم السحر و الشعوذة إلا على لسانه، كنت أعلم أنه أعمق من فكرة و أرهف من لمسة .
+ سعيد ما هو الحب؟
نظر إلي كمن ينظر بإعجاب إلى رضيع صغير يرضع إصبعه:
+ الحب شيء خلقه الله حين شعر بالملل، شيء مناسب ليخلق تشويقا على الكوكب، يمكنك أن تقولي أيضا: هو الحرب المقدسة.
+ وما الحرب؟
+ الحرب هو أن تتردد بين القيام لتشرب الماء أو تجر اللحاف عليك وتنام و أنت في منتهى الكسل.
آنها ضحكت، ضحكت من كل قلبي و المساء كان يناغيني بوشوشة سعيد في أذني الصغيرتين، حين اقترب مني، كان الليل قادما بحلكته المريبة، كنا جالسين وقفنا من صحوة المشهد و قوته، المغيب، كم أحب المغيب ، ضمني إليه بقوة كادت تكسرنا معا كالفخار، وما الإنسان إلا من صلصال من فخار، حملني طويلا بين ذراعيه، ضحكنا، قبلني ، نزع عني سترتي الصغيرة، ثم جثونا على ركبتينا محمومين بالدهشة و الموت، رغبة في الاحتراق، سعيد جميل حد البكاء، و أنا كنت أعشق كل تفاصيله الطفولية المدهشة، في انخطاف الأصيل المسافر على أجنحة الموج انغمرنا في الرمل حد الاختناق، و مستلقيين على أطراف شهوتنا الفائرة، كان يقول كلاما ما عن الحب وأنا أنظر إليه، إلى شفتيه الألذ من كرز الخريف، كأنه بلا صوت، أنظر إليه صورة بلا صوت، عزلته عن صوته و عالمه، ثم جاءني الصوت.
+ أنت تسألين عن أشياء لا تفهمينها إلا بعاطفتك.
+ كيف؟ اشرحلي سأجن.
+ الفرق في تصور العالم و المحسوسات بين الذكر و الأنثى كبير جدا، أنت في الحب لا تميزين بين المشاعر و اللمسة، أغبطك على هذه الامتزاج الرائع، لكن قدرتك ستصير أكبر حين تستطيعين فعل ذلك كل مرة، في تجدد ناري محترق، أن تحبي نفسك ، أن تجعلي حزمة مشاعرك اتجاه ذاتك وحدك، آنها ستحبين كل الشركاء بنفس القدر و ستستمتعين بعمق و حرية، واجهي المتعة كأنثى ناضجة ولا تنسحبي كالأوعية الجوفاء المرصوصة في حوانيت الرجال.
+ وأنت يا رفيقي..يا سعيد، كيف ترى الأمر؟
+ أنا أتغير فقط ، في السيرورة وجودي، قتلت مفهوم الديمومة في ذهني فتعودت حواسي على هذا المزيج الموحل من الشعور بأشياء كثيرة في الوقت ذاته و الشعور بلا شيء في الثانية التي تلي تلك اللحظة،يمكن أن تقولي أنني حر من أي شيء حتى مني ومنك.
+ ستفيق على صدمة جديدة كما حصل لي.
+ أحب أن أنام على صدمة لا أن أفيق عليها، الصدمة قانون وجودي في ثنايا الكون، هراقليتس ، وهو رجل لا تعرفينه طبعا، كان يرى نشوء الموجودات ناتجا عن تصادم ذرات الكون بعضها ببعض، أليس مدهشا أن يكون فعل الخلق شكلا من أشكال الحرب و الصدمة؟ كل شيء ترينه ولا ترينه له علاقة بالتصادم و الصدمة، والقانون الفيزيائي الفلسفي يقول:" لا شيء يخلق، لا شيء يختفي، كل شيء يتحول" كذلك مشاعرنا، فنحن في بعدنا الفيزيائي نخضع لقانون الطبيعة لأن الوجود غير الفيزيائي محض كذبة صدقها الأغبياء و استثمرتها الكنائس و المعابد.
+ لكني أحبك بصدق، ولست حرة منك، لقد صرت عالمي يا سعيد، ألا تفهم مشاعر أنثى؟
+ السر في كلمة مشاعر، مجرد تقليب لغوي بسيط سيشرح لك المغزى من كل أطوار اللعبة، حين ستصلين لدرجة حب نفسك، ستصبح المشاعر مشاريع ، الحياة مشروع إما للسعادة أو للتعاسة، مشكلتك أنك تستثمرين في التعاسة بشكل خاطئ، أنت لست أنت.
يظل يهلوس في غمرة الأصيل إلى أن نرحل من البحر فيعود الموج ليعمر مكاننا من جديد، يعود الزبد الأبيض ليملأ تجاويف المكان الذي صرت آتي إليه وحيدة. رحل سعيد، مات؟ ربما، لكني آتي إلى شرفة روحي كل مساء على جانب الشاطئ وأجري حوارات مطولة معه عن أشيائنا الصغيرة، أحدثه عن حب، سهرة، قبلة جديدة، حياة، موت، وجع، ألم، وهو صار صدى لروحي، يأتيني صوته من البحر كل مرة على هيئة رذاذ مشاغب يلاطف وجهي ، أسأله عن رجال يمرون في حياتي كالخطو في الماء لا أثر فوق قبضة الملح التي نثرها سعيد في قلبي وأعماقي .
+ أتدرك الأثر الذي تترك في قلبي كلما سمعت صوتك الداغل في أعماقي و لمست شفتيك بكفي المضمخة بالرعشة؟
+ الصوت ظاهرة فيزيائية، لا تجعليني أبدأ من جديد.
+ أتعاني من شيء يا سعيد؟
+ من اختلال في غدد الهضم، منذ أسبوع لا آكل جيدا، أحتاج إلى أن آكل.
+ لماذا يأتي الحب ويذهب يا سعيد ، أليس الحب كبيرا بالدرجة الكافية ليبقى دائما؟
+ حسنا مادمت تريدينني أن أزعجك بأفكاري التي تعرفينها سلفا تعالي أفخخ رأسك بما ستفهمينه و تنكريه، أتعرفين الحد بالمقارنة عند المناطقة؟
+ أنت سوفسطائي لعين و أنا أحبك و الكورنيش يشهد.
+ قارني بين أثر الشمس و أثر الحب على حياة الناس ، الشمس ضرورية ليس للسعادة و إنما للحياة والبقاء، لولا الشمس سننقرض مع الفئران و كل هذه الحشرات التي ترين، لكن بدون حب، سنعيش و ننام و نأكل و نستمتع ولن ننقرض ...، الشمس إذا أكثر أهمية من الحب للجنس البشري، لكن لماذا تأتي و تذهب أيضا؟ أليس كبيرة بالشكل الكافي لتبقى دائما؟
+ سعيد لن يؤلمني رأسي مرة أخرى، أنت مريض.
+ هات قبلة.
+ الناس على الكورنيش ، ألا تستحي .
+ ومما نستحي ، فالشمس لم تذهب بعد ، من حقنا أن نودعها على طريقتنا الخاصة، هات قبلتين.
حين ذهب سعيد، كان للبحر طعم أكثر ملوحة، أكثر ثقلا على لسان الروح، و حين يأتيني من الموج كل ليلة أشعر بقشعريرة جلدي المحبب حين يمسح خارطة الجسد بأصابعه الرشيقة، وجهه الفتي كطفل و هو يقفز من المحطة نحوي، عيناه السوداوتان كحلكة الفجر البئيس الذي تركني له، حين يحملني و لا ينزلني أبدا و لأعانقه دون توقف برغبة في أن أمتزج به و أدخل في قفصه الصدري لأسكن هناك، كفه الرطبة و ابتسامته الأغلى من عمر و الأعمق من بحر، لما يرحل الذين نريدهم و نبقى ضحايا لشعور بالذنب يرمينا في أحضان باردة ليس لها أي سحر يشعرنا برعشة المساء؟
لما رحل سعيد برصاصتين من حديد...وبقيت أنا مشردة بين أذرع الموتى و رجل مهزوم يبحث عن ضماد؟ . لك يا سعيد وأنت جسد تحول نورسا أبيض كل قبلات الشوق و الضياع، أنت الذي زرعتني أملا في حب شمالي عاصف ثم رحلت دون أن تجيب رسائلي، لك أنت أقول : جسدي وروحي بعدك معبر لطيفك الهائم في هشيم الأجساد والوجوه...كم أحببتك وأنت حي وأنت ميت في ذاكرتهم خالد في جسدي المحترق شوقا إليك.

ــــــــــــــــــــــــــــ



#محمد_البوعيادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عُتمة الزوايا (1)
- كورنيشُ الأحزانْ...
- .أَرقٌ وَ شكْ.
- خرف
- المثقف المغربي والخذلان.
- زَطْلَةٌ نَازِيّةٌ
- بُصاقُ اللامعنى
- سَفَالةٌ
- رَشْمٌ خائِف
- الّليْلُ و الكَأْسُ
- شفرة قديمة
- شهقة جسد
- جمرتانِ
- زرهون يا معشوقتي
- خريف الجسد


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوعيادي - سعيد...رفيقي