الهزل والجد فى أمر تعريب التعليم والعلوم

داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 3951 - 2012 / 12 / 24 - 18:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الهزل والجد فى أمر تعريب التعليم والعلوم
داود روفائيل خشبة

من بين الرزايا التى حطها علينا الدستور الإخوانى الإسلامى الذى ألبسونا إياه بالتدليس والتزوير والافتراء الغاشم النص على تعريب التعليم والعلوم. ولو أن تعريب التعليم والعلوم ورد كهدف فى برنامج وطنى تقدمى لما كان لنا مأخذ عليه، لكنه وقد أتى فى إطار حملة همجية تعمل جاهدة على أن تعود بنا إلى ظلمة الخلافة العثمانية فإنه ينطوى على كارثة.
لنبدأ بتعريب التعليم قبل أن نتناول تعريب العلوم. ماذا يعنى تعريب التعليم؟ السؤال فى صيغته البسيطة هذه يستحق أن نعالجه فى وقت آخر ومكان آخر بما يستحق من رويّة وعمق، لكنه فى صيغته البسيطة هذه ليس هو الأمر المُلِحّ فى وضعنا الراهن، إنما السؤال الذى ينبغى أن نطرحه هو: ماذا يعنى تعريب التعليم عند هذه العقول الظلامية المتحجّرة؟ لقد رأينا فى مجلس الشعب البائس الذى تم حله من يطالب بإلغاء دراسة اللغة الإنجليزية (والمفهوم ضمنا، كل اللغات الأجنبية) فى المدارس. إنهم لن يكتفوا بأن يفرضوا علينا عزلة فكرية عن بقية العالم، بل إنهم حتى فى دراسة اللغة العربية سيفرضون علينا ألا تفلت عقولنا من قمقم مفردات وصِيَغ ومفاهيم عصور الظلام التى تحجّرت عندها عقولهم. اللغة عندهم خلِقت منذ الأزل لتبقى إلى الأبد على حالها لا تستوعب جديدا ولا تنفتح على بصيص ضوء، فكل جديد فى المفردات وفى الأساليب و – معاذ الله! – فى المفاهيم هو محدث وكل محدث بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار والعياذ بالله!
فماذا عن تعريب العلوم؟ بدءا، متى انعزلنا عن العالم، فعن أى علوم نتحدث؟ لكن لنقل أن من المستحيل عمليا فى عصرنا هذا أن ينعزل شعب ما عن بقية العالم، فما سبيلنا لتعريب العلوم؟ أقول فى وضوح أنى لا أعترض من حيث المبدأ على فكرة تعريب العلوم، لكن تعريب العلوم بقرارات فوقية، وحتى تعريب مصطلحات العلوم بواسطة الخبراء واللجان، هو عبث بل أردأ من العبث، فهو ليس عديم الجدوى فحسب بل إنه سيكون معوّقا خطيرا. تعريب العلوم، وهو هدف مشروع، ليس له طريق قصير ولا طريق مختصر. السبيل الوحيد لتعريب العلوم أن نبدأ بالتعمق فى دراسة العلوم، وأن نتابع فى جدية التطورات المتلاحقة للعلوم على مستوى العالم، وحين تصبح عندنا مراكز أبحاث ويصبح عندنا علماء يشاركون وينافسون فى البحث العلمى الأصيل، ثم ينشرون أبحاثا أصيلة باللغات العالمية وبلغتهم العربية، عندئذ رويدا رويدا تتكوّن عندنا لغة علمية عربية.
هل هكذا يفهم إسلاميّونا تعريب العلوم؟ أم يفهمون تعريب العلوم، بل أسلمة العلوم، بمعنى أن يُخرجوا لنا من بطون كتبهم الصفراء ما يثبت أن نظرية التطور كفر وأن نظرية النسبية قال بها القرآن الكريم؟

#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل