أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - الدين: مفهومان متناقضان














المزيد.....

الدين: مفهومان متناقضان


داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 3774 - 2012 / 6 / 30 - 18:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدين: مفهومان متناقضان
داود روفائيل خشبة

أعدى أعداء الوضوح الفكرى اختلاط المفاهيم. وإذا كان تداخل المفاهيم وتشابكها أمرا لا مناص منه بحكم طبائع الأشياء وبحكم ذات وظيفة وطبيعة اللغة، ومن ثـَمّ ضرورة التمحيص الدؤوب والدائم لكل المفاهيم، فإن هناك مفردات لغوية بعينها تختلط فيها مفاهيم متضادّة ومتناقضة تؤدّى فى أحسن الأحوال ومع توافر حسن النيّة لتشوّش الأفكار وتفتح المجال واسعا للسفسطة والتحايل والمغالطة مع سوء النيّة.
إذا كان الدين يعود على الأرجح إلى بداية نشوء النوع البشرى، بل وليس من غير المعقول أن نرى له جذورا فى أصلنا الحيوانى، فلا غرابة فى أن نجد لفظ ‘الدين’ يضم خليطا من مفاهيم متباينة. فى "خواطر نحو نقد الدين"(1) كتبت: "تحت قناع الدين نجد عادة أربعة وجوه من الضرورى أن نميّزها ونفصلها عن بعضها البعض. هناك أوّلا الشعور الدينى، التجربة الروحية التى نصفها، فى أعلى صورها حدّة، بالتصوّف. ثانيا، هناك معتقدات ومنظومات فكرية، قد تحاول جزئيا تأويل الشعور الدينى، لكنها تسعى فى الأغلب لأن تعطى إجابات عن الألغاز الطبيعية والكوزمولوچية والفلسفية. ثالثا، هناك شعائر ومراسم وطقوس، نشأت فى أغلبها من السحر ومن محاولات التأثير فى مجريات الطبيعة. رابعا، هناك الأخلاق، مع ما تنطوى عليه من مبادئ وقواعد وقوانين سلوكية." لكن ما يعنينى الآن هو التمييز بين تجربة الشعور الدينى من ناحية، ومن ناحية أخرى مجموعة المعتقدات ومعها الطقوس والمراسم، وهما عنصران يقوم عليهما الدين المؤسّسى أو المؤسسة الدينية. تجربة الشعور الدينى والمؤسسة الدينية ليسا عنصرين متباينين فحسب بل هما نقيضان.
يبدأ إمانويل كـّنـْت Immanuel Kant خاتمة كتابه "نقد العقل العملى" بعبارة ملهمة يقول فيها: "شيئان يملآن العقل بإعجاب ورهبة يتجدّدان دوما كلما واصلنا تأملهما بمزيد من الثبات: السماء ذات الأنجم من فوقنا والقانون الأخلاقى بداخلنا." هذا تعبير عن تجربة الشعور الدينى فى أبسط وأنقى صوره، وإنى أكاد أوقن أن قط حفيدتى إذ يقف ساكنا إلى النافذة، ساهما ببصره فى البُعد، إنما يمتلئ بنفس هذا الشعور. إنه شعور ذاتى خالص، قد يعبّر عنه الشاعر إبداعيّا إذ يتحدّث عن "شوق الدودة للنجم، شوق الليل للصباح، تعلـّقنا بشىء بعيد عن عالم أحزاننا"(2)، لكنه أبدا لا يمكن مَوْضَعَتـُه فى صياغة لفظية أو فكرية محدّدة، فإن حاولت ذلك قتلته. إنه تجربة ذاتية خالصة أعدى أعدائها الدين المؤسسى أو المؤسسة الدينية. هذا دين سقراط الذى حكم عليه بالإعدام بتهمة إنكار آلهة المدينة، هذا دين الحلاج الذى صاح "أنا الحق" فقتلوه، هذا دين چيوردانو برونو الذى من أجله أحرقوه.
على مدى التاريخ الإنسانى كانت المؤسسة الدينية هى قاتلة الدين كتجربة ذاتية. لم يزعم بوذا أنه كان يؤسس دينا ولم يقل بأنه يأتيه وحى من السماء؛ كان يقدّم منظورا فلسفيا وكان يدعو لنمط من الحياة؛ لكن تلاميذه من بعده حوّلوا فلسفته إلى دين فأصبحت البوذية شيئا مغايرا لتعاليم بوذا. لم يُرد يسوع الناصرى أن ينشئ دينا جديدا، بل كان مصلحا يحارب تزمّت وتصلـّب وحَرفية القائمين على المؤسسة الدينية، لكن بولس الطرسوسى الذى لم يعرف يسوع فى حياته أنشأ دينا جديدا وغيّر المفهوم العبرى للمسيح باعتباره قائدا يخلـّص اليهود من نير السلطة الأجنبية ويقيم دولة يهودية سائدة فأبدله بمفهوم مخلـّص للناس من الخطيئة التى أورثهم إياها جدّهم الأول آدم. ومع أن جذور الإسلام يكتنفها غموض كثيف لأن الإسلام نشأ فى أرض ضعيفة الصلة بحضارات عصرها ولأن المسلمين الأوَل عملوا على إبادة كل ما يخالف أو يتعارض مع روايتهم الخاصة لنشأة الإسلام، إلا أننى أعتقد أننا لن نجاوز الحقيقة إذا ما قلنا إن مأسسة المدينة للدعوة الإسلامية بدّدت تلقائية الرسالة المكية.
هذان المفهومان المتناقضان للدين قد يتواجدان عند الإنسان البسيط دون أن يعى تناقضهما ودون أن يسبب له هذا التناقض أىّ حرج أو أذى، لكن هذا التناقض يسبب أذى كثيرا فى حالتين. (1) إذ يتبيّن الإنسان المفكر التناقض بين تجربته الدينية الذاتية وما يُفرَض عليه من معتفدات وممارسات فإنه قد يعانى أزمة نفسية أو فكرية وقد يدخل فى صراع مع المؤسسة، وفى حالة الأزمة النفسية-الفكرية وفى حالة الصراع مع المؤسسة نكون أمام مأساة فردية. (2) لكن أخطر من ذلك كثيرا ما ينجم من ضرر حين تستغل المؤسسة الدينية ما يرتبط بالمشاعر الدينية الذاتية من إجلال وتستثمر حرص الإنسان على ما تضفيه التجربة الدينية على حياته من قيمة ذاتية فتتسلـّط وتهتبل لنفسها الحق فى الهيمنة على شؤون الناس والتحكم فى أفعالهم وغاياتهم ومسار حياتهم.
مهما غالط المغالطون أو تحايلوا فإن احتكام نظام الحكم أو احتكام الدولة لمرجعية دينية لا يمكن أن يعنى شيئا غير سيطرة الفكر الدينى المؤسسى على حياة عامة الناس، وهذا ببساطة هو الثيوقراطية وهو حكم المؤسسة الدينية. القول بدولة مدنية ذات مرجعية دينية محض سفسطة تختبئ فى جوف عتمة خلط المفاهيم. إننا لا نجافى الحقيقة إذا ما قلنا إن كل متـّهَم بازدراء الدين هو صاحب دين حق يواجه مؤسسة دينية مستبدّة، فإنك لن تجد الدين إلا عند كافر بالأديان.
القاهرة، 30 يونية 2012
(1) أحد موضوعين بسببهما يعلـّق المركز القومى للترجمة نشر الترجمة العربية لكتابى The Sphinx and the Phoenix (2009) "أبو الهول والعنقاء: مقالات فلسفية".
(2)P. B. Shelley, “The desire of the moth for the star, / Of the night for the morrow, / The devotion to something afar / From the sphere of our sorrow”.



#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة المدنية والدولة الدينية
- لغة الإسلام السياسى
- الفيلسوف والسياسة
- من هو المثقف؟
- هل الإخوان شركاء الثورة؟
- بكائية للثورة
- ضرورة نقد الدين
- المفهوم الفلسفى للدين
- مسيرة الفكر الإنسانانى
- دعوة للعقلانية
- ظاهرة زغلول النجار
- همس الحيّة
- مصر فى التوراة
- رسالة إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوى
- دعوة للعقلانية


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - الدين: مفهومان متناقضان