أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - عروس مجدل شمس














المزيد.....

عروس مجدل شمس


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1141 - 2005 / 3 / 19 - 20:12
المحور: الادب والفن
    


ما خلا «زهرة الجولان»، الشريط الوثائقي للروائي والناقد والسينمائي صلاح دهني، واعتماد مدينة القنيطرة مكاناً وحاضنة للسيرة الذاتية في فيلمَيْ محمد ملص «أحلام المدينة» و«الليل»، لا يظهر الجولان في السينما السورية إلا في إطار الموضوعات السياسية والدعاوية التي تعالج وقوعه تحت الإحتلال الإسرائيلي سنة 1967. ولهذا يصعب على سوريّ مثلي أن لا ينتابه مزيج من غصّة وحسرة إذْ يكتشف أنّ أفضل ما قدّمه الفنّ السابع عن الجولان هو، حتى إشعار آخر قصير الأجل كما يُرجى، الفيلم البديع «عروس سورية» The Syrian Bride للمخرج عيران ريكليس... الإسرائيلي!
وليس الأمر أنّ الفيلم إدانة دامغة صريحة وذكيّة للإحتلال الإسرائيلي، أو استكشاف نزيه وصادق لتشبّث أهل الجولان بالهوية السورية رغم كلّ مشاقّ ومصاعب الحياة في ظلّ الإحتلال فحسب، بل الأمر أوّلاً وببساطة أنّ الفيلم ينأى بعيداً عن الكليشيهات المألوفة التي تُثقل أيّ بحث فنّي في مسألة الإحتلال، ويغوص عميقاً في قلب مفردات العيش الإنسانية والنفسية والسلوكية التي تنتجها وقائع الإحتلال كلّ يوم. هي حكاية منى، الصبيّة الجولانية إبنة بلدة مجدل شمس، التي ستُزفّ إلى زوجها السوري نجم المسسلات الهزلية المقيم في دمشق، وذلك عبر بوّابة مدينة القنيطرة المحتلة، وبإشراف الصليب الأحمر.
هذه، في جملة واحدة، حكاية الفيلم الذي تتفرّع فيه حكايات صغرى هنا وهناك، تتآلف على نحو بارع للغاية لكي تصنع رسائل الفيلم، المباشرة أو المصاغة في شيفرات شفيفة، والتي تضع واقع الإحتلال في الخلفية لكي تتوغّل في صميم حيوات الأفراد، بحيث ينتهي السيناريو إلى ما يشبه رواية العائلة وتقاطع المصائر. والنصّ الأدبي، الذي أنجزه المخرج بالتعاون مع الكاتبة الفلسطينية سهى عرّار، يقيم توازناً دقيقاً للغاية بين المأساة التي تبلغ ذروة كافكاوية وسوريالية، والملهاة التي تسبغ على النكتة روح المرارة؛ وبين المشهد العاطفي الذي يجعل الدموع تطفر بكاءً، وذاك الذي يجعلها تنهمر ضحكاً؛ وبين التشاؤم هنا، والتفاؤل هناك، والتشاؤل معظم الوقت... في استذكار عن سابق قصد للروائي الفلسطيني الراحل إميل حبيبي كما يقول ريكليس...
عن سابق قصد أيضاً أنّ معظم ممثلات وممثلي الفيلم فلسطينيون، تأكدوا ــ تماماً كما فعلت سهى عرّار ــ من أنّ المشروع لا يستبطن أيّة مقولة صهيونية، ولا ينطوي على أيّ تجميل للإحتلال، بل ينتهي إلى العكس تماماً وصراحة. هنالك هيام عبّاس طبعاً، في دور أمل أخت العروس الكبرى، والفنّانة الكبيرة التي تشدّنا هذه المرّة أيضاً إلى إغواء الغموض في شخصيتها الفريدة؛ والعروس كلارا خوري (بطلة «عرس رنا» للفلسطيني هاني أبو أسعد)؛ ومكرم خوري، الأب الحائر بين مواقفه الوطنية التي أدخلته السجن، واضطراره إلى مجاراة التقاليد؛ وأشرف برهوم، الأخ الذي يعيش في إيطاليا، ومخلوق العولمة الطريف الذي يتاجر في كلّ شيء؛ وإياد شيتي، الأخ الثاني، والمحامي المنفيّ طواعية خارج البلدة لأنه جلب على أبيه سخط رجال الدين بسبب زواجه من طبيبة روسية...
وثمة تفصيل مثير ويرتدي خصوصية سياسية لا تشبه معظم ما يكتنف الفيلم من خصوصيات، وهو أنّ يوم الزفاف يصادف أيضاً تنصيب بشار الأسد وإلقاء خطاب القسم من سدّة مجلس الشعب. والحال أنّ ريكليس يدهشنا حين ينتهز هذا التفصيل لكي يضخّ الكثير من مشاعر الولاء للرئيس الجديد على لسان الأب حاتم، الذي يقول بعد الإستماع إلى الخطاب: «أسد إبن أسد...»، وكذلك في المظاهرة التي تخرج احتفاء بالمناسبة ويتصدّرها رجال الدين، وتتضمّن شعاراتها الهتاف التالي: «وحدة وحدة وطنية... والجولان سورية». كأن ريكليس أراد القول إنّ أهل الجولان متشبثون بالهوية السورية كائناً مَن كان ساكن القصر الرئاسي في دمشق، وليست هذه بالرسالة الطفيفة إذْ تصدر عن إسرائيلي!
ذروة الدراما، وهي أيضاً بؤرة الفيلم القصوى، تقع حين تتكشّف الجوانب البيروقراطية للإحتلال: من الجانب الإسرائيلي أوّلاً، حين يصرّ الموظف على دمغ وثيقة سفر العروس بخاتم إسرائيلي يفيد مغادرة البلاد (إنها تغادر أرض إسرائيل فعلياً، يقول الموظف)؛ ومن الجانب السوري، حين يصرّ الضابط السوري على رفض دخول العروس بوثيقة سفر عليها خاتم إسرائيلي (إنها مواطنة سورية تسافر من سورية إلى سورية، يقول الضابط)... متناسياً أنّ العروس ليست مواطنة إسرائيلية لأنها رفضت جنسية الإحتلال، ولكنها في الآن ذاته لا تحمل جواز سفر سورياً!
وهكذا، وبعد وقوع الصبيّة في هذه الـ No Man s Land العجيبة، إذْ ليس مسموحاً لها الذهاب إلى عريسها المنتظر عند معبر القنيطرة على الجانب السوري، ولم يعد مسموحاً لها العودة إلى مجدل شمس بموجب قوانين الدولة العبرية. وفي برهة انكشاف فريدة تقرّر العروس عبور الخطّ المستحيل، ضدّ أعراف الإحتلال وضدّ البيروقراطية، ولكن أيضاً وأساساً: متجرّدة، أو مجرّدة رغماً عنها، من كلّ هوية! هذه، مع ذلك، ليست نهاية سعيدة لأننا لا نرى العروس تخرج من البوّابة الإسرائيلية، ولا نراها تدخل عبر البوّابة السورية، بل إننا لا نراها أبداً في الواقع: تختفي هكذا في المطلق، وإنّ كانت عيون أختها أمل تشخص صوب جهة تشير إلى أنّ العروس السورية خرجت بالفعل من سورية، ودخلت إلى... سورية!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يهود سورية: «التطهير العرقي» وصناعة الخرافة
- غلطة السيد... بألف ممّا نعدّ
- تظاهرة دمشق «الشبابية» واستئناف الهستيريا القديمة ـ المقيمة
- هويات غير قاتلة
- زائر غير منتظر في انتفاضة لبنان: رفعت الأسد
- واشنطن وحقوق الإنسان: لا عزاء للدالاي لاما و-الثورة الصفراء-
- إيهاب حسن وعذابات إدراك الأدب ما بعد الحديث
- خصال رجاء النقاش
- جمال مبارك بعد بشار الأسد: ما جديد الجمهورية الوراثية؟
- صمت بنات آوى
- دمشق إزاء اغتيال الحريري: اشتدّي أزمة تنفرجي
- موت أمريكي عاق
- شجرة فقراء الله
- فرانكنشتاين الكويت الذي ينقلب اليوم على خالقه
- قصيدة محمود قرني: غوص بالمعنى إلى قيعان الحسّ المحض
- شهادة القطرس
- سؤال الهولوكوست: مَن سيكون في غُرَف الغاز القادمة؟
- الجحيم الموعود
- بوش بين السلام الأمريكي والخلافة الجديدة
- الفولاذ أم الذاكرة؟


المزيد.....




- العربية في اختبار الذكاء الاصطناعي.. من الترجمة العلمية إلى ...
- هل أصبح كريستيانو رونالدو نجم أفلام Fast & Furious؟
- سينتيا صاموئيل.. فنانة لبنانية تعلن خسارتها لدورتها الشهرية ...
- لماذا أثار فيلم -الست- عن حياة أم كلثوم كل هذا الجدل؟
- ما وراء الغلاف.. كيف تصنع دور النشر الغربية نجوم الكتابة؟
- مصر تعيد بث مسلسل -أم كلثوم- وسط عاصفة جدل حول فيلم -الست-
- ترحيل الأفغان من إيران.. ماذا تقول الأرقام والرواية الرسمية؟ ...
- الإعلام الغربي وحرب الرواية بغزة: كيف كسرت مشاهد الإبادة الس ...
- أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة
- يوروفيجن تحت الحصار.. حين تسهم الموسيقى في عزلة إسرائيل


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - عروس مجدل شمس