أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - شهادة القطرس














المزيد.....

شهادة القطرس


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1096 - 2005 / 2 / 1 - 11:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في برنامجه الممتاز «شاهد على العصر»، على قناة «الجزيرة»، يبدو أحمد منصور وكأنه لا يُشهِد بطرس بطرس غالي على عصره فحسب، بل يصارع من أجل اعتصار حكم قيمة على صفحات محددة في تاريخ الرجل، ذات صلة بعهد أنور السادات تحديداً، وباتفاقية السلام بين مصر والدولة العبرية. وفي يقيني أنّ منصور محقّ تماماً في هذه المقاربة الأخلاقية إذا صحّ القول، خصوصاً وأنّ العالم العربي ــ وفي القلب منه مصر، بالطبع ــ يعيش اليوم أيضاً عواقب تلك الحقبة ومآلاتها ومفاعيلها.
وأعترف أنني لم أشاهد كامل الحلقات، إلا أنّ ما شاهدته حتى اليوم يقودني إلى ترجيح أن تكون هذه بين أخطر ما أنجزه منصور من شهادات على العصر، لأسباب تتصل أيضاً بالروحيّة «الهجومية» التي يعتمدها منصور، وبراعة غالي في تنظيم الهجوم المضادّ، وقدرة الرجلين في المناورة وردّ الصاع.
والمرء هنا يتذكّر كتاب غالي «طريق مصر إلى القدس: قصّة دبلوماسي عن الصراع من أجل السلام في الشرق الأوسط»، الذي صدر سنة 1997، خصوصاً وأنّ فصول المذكرات تلك تقتصر على سنوات عمله مع أنور السادات، وصولاً إلى زيارة الأخير للقدس وإلقائه الخطاب الشهير في الكنيست. وبالطبع، عزاء القارىء أنّ تلك السنوات لم تكن عجافاً البتة، أو هي لم تكن أقلّ خصوبة من سنوات تناطح غالي مع وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق مادلين أولبرايت، والتي تنطوي بدورها على «ألغاز» مثيرة، وإنْ من نوع آخر.
وقراءة مذكرات غالي تجلب الكثير من المتعة (خصوصاً حين تمتزج بالمفارقة السوداء أحياناً)، والقليل من الألغاز، وبعض التعاطف المتأخر مع شخصية تبيّن أنها تراجيدية في نهاية الأمر، في حين أن المرء كان يملك كلّ الأسباب للظنّ بأنّها كانت أقرب إلى الميلودراما. كيف لا، وها هنا رجل يجرّنا منذ الصفحات الأولى إلى نبوءة تقشعر لها الأبدان، حين يقول: في مطلع القرن أقدم متطرفون مصريون على اغتيال جدّي (رئيس وزراء مصر آنذاك) لأنه تساهل مع الاستعمار البريطاني؛ ولو أنني كنت إلى جانب السادات يوم مصرعه لكان المنطق يقتضي أن أخرّ إلى جانيه برصاص المتطرفين أنفسهم، حتى ولو اختلفت التواريخ وتباعدت الأزمنة! وماذا نقول له حين يخبرنا أنّ ضمير السادات كان مع انتزاع الحدّ الأدنى من حقوق الفلسطينيين في دولة مستقلة، وأنّ عقله لزم جادة الصواب ففاوض من أجل مصالح مصر وحدها، وطنّش عن الجميع بمن فيهم مستشاره الأمين بطرس بطرس غالي؟
ولكن... هذا رجل يدين بصعود نجمه السياسي إلى أنور السادات، الذي عيّنه وزير دولة للشؤون الخارجية لكي يرافقه في رحلته «التاريخية» إلى القدس عام 1977 بعد استقالة اسماعيل فهمي ومحمد رياض. وهذا هو الرجل الذي ورث كامب دافيد وأصبح رمزها وشبحها المقيم بعد رحيل السادات. فأين كان حين استسلم السادات لهذا الاختلاط المرعب بين ما هو استراتيجي وما هو تكتيكي في رحلة اختراق المحرّم و«الصلاة» في القدس الشريف؟
المذكرات تنبئنا أنّ غالي بلغ الهرم الأعلى من السلطة، وأنه كان يراكم الإحباط فوق الإحباط لأنّ السادات كان يصغي إلى دراسات وتحليلات الإسرائيليين، أكثر بكثير من تلك التي ينجزها مساعدوه ومستشاروه، بعد مشقة تمتدّ من آناء الليل إلى أطراف النهار. هل كُتب على الرجل أن يكون ضحية قوة ميتافيزيقية عليا، أياً كان المنصب الحساس الذي يشغله؟ ربما، خصوصاً حين نتذكّر أنه مُني بأقدار متتالية وضعته وجهاً لوجه أمام بشر أقرب إلى الأرباب والأساطير: السادات بوصفه فرعون مصر والعقل الوحيد البراغماتي في العالم العربي، أو جورج بوش الأب بوصفه الملك آرثر ومخلّص عالم ما بعد الحرب الباردة من نماذج هتلر كما يعيد إنتاجها أمثال نورييغا وصدّام حسين وفرح عيديد، أو مادلين أولبرايت بوصفها ميدوزا أواخر القرن العشرين، ربّة الأفاعي التي تحيل من ينتهك حرمة مملكتها إلى تمثال حجري؟
من الثابت أنّ الرجل لم يتمكن من حيازة صورة برسيوس، البطل الإغريقي الذي أجهز على ميدوزا بالحيلة، سواء في سنوات صعوده الساداتية، أم في سنوات صعوده وأفوله في أروقة الأمم المتحدة. صورته، على العكس، كانت صورة القطرس Albatross، الطائر الجنوبي التراجيدي الذي ينهك قواه بالتحليق قريباً من البشر في عرض البحر دون سبب مفهوم... ودون نتيجة ملموسة أيضاً! وكان الصحافي الأمريكي مايكل ليند، رئيس التحرير التنفيذي لمجلة National Interest، قد اكتشف القرابة اللفظية بين القطرس والبطرس Alboutros، فاستخدم اللقب في مقالة شهيرة ضدّ هذا الطائر الغريب الذي يعتمر القبعة الزرقاء ويُكثر من الرطانة حول علاقة الشمال بالجنوب، ويستخدم لغة لا تستسيغها الصقور والجوارح.
مع شخصية مثل هذه ليست مهمّة أحمد منصور يسيرة، ولكنها على الأرجح لن تكون عسيرة. إذا لم يكسر بطرس بطرس غالي الصمت اليوم، ويميط اللثام عن الألغاز، معظمها إنْ لم يكن جلّها، فمتى سيفعل!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سؤال الهولوكوست: مَن سيكون في غُرَف الغاز القادمة؟
- الجحيم الموعود
- بوش بين السلام الأمريكي والخلافة الجديدة
- الفولاذ أم الذاكرة؟
- محمود عباس الرئيس: أيّ فارق... أفضل؟
- أبو عنتر الشعلان
- تسونامي، أو حين يتسربل جورج بوش بأردية الأم تيريزا
- إنهم يسرقون التاريخ
- لبنانيون حماة الديار السورية
- سورية في 2005: هل سيكون الآتي أدهى من الذي تأخّر؟
- مكاييل الحرّية
- تركيا في ناظر دمشق: بؤرة الكوابيس أم النافذة على العالم؟
- خزعة من قامة ممدوح عدوان
- العلمانية والشجرة
- أشبه بمزامير تُتلى في واد غير ذي زرع
- ترجمة محمود درويش إلى... العربية
- في مناسبة زيارة محمود عباس إلى دمشق:ظلال الماضي تلقي بأثقاله ...
- فلسطين الشوكة
- دمشق وبالون -وديعة رابين-: ألعاب في أردأ السياقات
- قبل المحرقة


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبحي حديدي - شهادة القطرس