أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعيد بنرحمون - إقبار كليات الآداب والعلوم الإنسانية قتل للبحث العلمي الأساسي















المزيد.....

إقبار كليات الآداب والعلوم الإنسانية قتل للبحث العلمي الأساسي


سعيد بنرحمون

الحوار المتمدن-العدد: 3950 - 2012 / 12 / 23 - 20:13
المحور: كتابات ساخرة
    


في كل البلاد التي تحترم نفسها يحظى البحث العلمي بعناية خاصة من طرف الحكومات المتعاقبة على الشأن العام، بل هي سياسة قارة توضع لكل الآماد: القريبة والمتوسطة والبعيدة، فتستمر بعد أن تمضي الحكومات إلى حال سبيلها، عندنا الأمور تمضي على رأسها في كل الميادين بما فيها ميدان البحث العلمي، فالميزانية التي تخصصها الحكومة والحكم له لا تتعدى في أحسن الأحوال الصفر إلا بستة من عشرة أو ثمانية من عشر في المائة (0,6% إلى % 0,8 ) من الناتج الداخلي الخام، وهي ميزانية هزيلة مقارنة مع ما ينفقه الجيران الأقربون، ولدينا من يناضل من أجل تغييره، ولدينا كذلك من لا يعير الأمر أي اهتمام، لأسباب موضوعية خاصة به، لعل أبسطها أنه غير معني بأوضاع الجامعات، الحاضن الطبيعي للبحث العلمي، فأبناءه وأبناء أقاربه ومعارفه والغالبية من نخب حزبه، يرسلون أبناءهم إلى أرقى الجامعات العالمية، وربما بمنح من أموال الشعب، ليتلقوا علما ينتفع به بعد العودة للبلاد للحصول على مناصب محترمة لا علاقة لها بما يدرس في "رداءتنا" المسماة جامعات مغربية، كل هذا يمكن فهمه وتفهمه، فالبلاد فقيرة وبالكاد تستطيع تدبير ميزانيات مهرجاناتها المسماة ثقافية، لتوزع ملايين محترمة على فنانين عرب وعالميين فـ"يزيدو الشحمة في دهر المعلوف" كما يقول المغاربة، لكن الذي يثير الغرابة والسخرية هو القول الثقيل التي ألقاه لحسن الداودي وزيرنا في التعليم العالي والبحث العلمي حين فاه "المغرب ليس في حاجة إلى كليات الآداب والعلوم الإنسانية" والعهدة على إحدى يومياتنا، أما صمت الوزير فعلامة رضى وقبول، على الأقل إلى أن يقع النفي.
لم نصدق بداية الأمر الخبر الغريب، فأعدنا فرك الأعين علها تقرأه من جديد وبالشكل الصحيح، اعتقدنا العكس حين قلنا إن الوزير عازم على العناية بتلك الكليات بدل إغلاقها، ثم أدخلنا الأصابع في الأدن وحركناها لنزيل عنها ما قد يكون علق بها من تراب المدينة، التي ما عاشت يوما ما سياسة خاصة بها حتى يمنحها الحاج نبيل بن عبد الله سياسة تليق بها، لكن الخبر كان يقينا، وإن لم يأتي به الهدهد الجديد، الذي نتمنى له طول العمر وأن يجد آذان متبصرة تحسن الإصغاء مثل آذان الملك سليمان، الذي وُهب ملكا لا ينبغي لغيره من العالمين، ومع ذلك أنصت للهدهد الذي أتاه بالخبر اليقين، وأحاط بما لم يحط به علما لمجرد أنه امتلك معلومة لا يعرفها الأخرون، معالي الوزير عندنا وبدون أن يمتلك أي دراسة أو خبر يقين قرر وبدون حتى أن "يشاورهم في الأمر" ولو من باب شاورهم ولا تأخذ برأيهم، أن يلغي منارات علوم الإنسان من وجودنا المغربي الغريب، المسمى استثناء يجب العظ عليه بالنواجد، قالها بكل جدية وصرامة، حتى برزت أوداج وجهه، الذي يذكرنا بوجوه الجنود الألمان في الحرب العالمية الثانية ممن تقطعت بهم السبل في الصحاري الجليدية لروسيا أو في صحاري ليبيا، لقد "قصح وجهه" كما يقول المغاربة وأخرجها رصاصة قد تصيب البلاد في مقتل، ومن يدري فقد يصر السيد الوزير على قوله الحق، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويقسم علينا بأغلظ الأيمان إن نحن عارضناه في إغلاق كليات الآداب والرمي بجيشها من الطلبة والأساتذة والموظفين إلى بحر الظلمات، أن يستقيل ويحرم البلاد والعباد من حنكته وتجربته وسياسته الرشيدة في القطاع.
عند غيرنا المتقدم يسمى البحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية، الذي يريد السيد الوزير تجفيف منابعه بإغلاق كلياته عندنا، يسمى "البحث العلمي الأساسي" لأنه يأسس لما يليه من أبحاث، تخصص له ميزانيات حكومية محترمة، ولأنه مكلف لا يستطيع القطاع الخاص تحمله لوحده، ونتائجه لا تظهر على المدى القريب أو المتوسط، لكنها أساسية في تحفيز المجتمع وتطويره وتحصينه ضد كل الأمراض الاجتماعية التي يمكن أن تصيبه، عندنا ما يزال السيد الوزير وجزء كبير من أشباه مثقفينا يميزون بين العلوم ويفاضلون، فهذه حقة دقيقة تنفع المجتمع يجب العناية بها وبمؤسساتها، وتلك غير دقيقة لا تنفع الناس يجب إغلاق مؤسساتها، ما حسمت فيه ابستمولوجيا العلوم منذ "كحو ورڨدو" ما يزال واقعا ملتبسا عندنا، أكيد أن وزير المصباح في القطاع على علم أن الناس ما عادو يقيمون الفواصل بين العلوم ويفاضلون، كلها صارت حقولا معرفية تنفع الناس بقدر ما يصرف فيها من جهد ومال، وهم، أي الدين ما عادوا يفاضلون، قطعوا أشواطا كبرى في الرقي بمجتمعاتهم وتحديثها وجعلها تقبل على كل ما يأتي به العلم التقني إن صح التوصيف، عندنا ما تزال الأمور تسير ببطء قاتل، ما يزال الناس يأمنون بالمعقول وغير المعقول، ما يزال الإقبال على سيدي عبد الرحمان "مول المجمر" كثيفا رغم أن "موروكول مول" لا يبتعد عنه إلا ببضع أمتار، ومننا ملتبس تختلط فيه خرافات القرن 16 فآخر صيحات مدنية القرن 21، ومع ذلك يريد السيد الوزير أن يقضي على قلاع علوم الإنسان جملة وتفصيلا، يريد أن يقضي على أي أمل لنا في إنجاز بحوث تُفهمنا مجتمعاتنا وتحللها وتفككها وتضع الأصبع على داء عطبها القديم، في أفق تخليصنا من الإغراق في الغيبية والخرافة ومختلف أمارضنا الاجتماعية..
قد نتفق مع السيد الوزير من منطق واحد هو كون تلك الكليات لا تشتغل بالشكل الفعال الذي يجب أن تكون عليه، وهو واقع تتحمل فيه الحكومة والحكم الجزء الأكبر، وإن تحقق وعاد لتلك المنابر الثقافية والعلمية وهجها العلمي المفتقد لما استطاع معالي الوزير وحزبه العتيد أن يصل إلى برلمان البلاد والحصول على أغلبية الأصوات بخطابه الأيديولوجي التبسيطي الحالم، فالأغلبية تعني أحيانا اتفاق الأغبياء كما يقال، ونحن ننزه من صوت لبنكيران عن صفة الغباء، لكن الظرفية ومن أوصلنا إليها كانا أغبى من الناخبين الضحايا، وكليات الآداب والعلوم الإنسانية عند غيرنا منارات فكرية تنويرية حقيقية، تحصن المجتمع من مثل تلك الخطابات الأيديولوجية المتدثرة بالخطاب الديني الوجداني، الذي يصل إلى قلوب البسطاء بكل سهولة، في غياب أبحاث علمية تكشف خطاب زمننا السياسي الرديء، في خطاب وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر يظهر منطق الوصاية الأبوي على المجتمع القاصر.
لن نخترع الصفر من جديد إن قلنا إن البحث العلمي في كليات الآداب والعلوم الإنسانية أمر أساسي في مجتمع مثل مجتمعنا ما يزال يخطو خطوة إلى الأمام واثنتين إلى الوراء فيما يخص الحداثة، أبحاثها ممهد أساسي لجعل المجتمع يقبل كل ستأتي به الفتوحات العلمية التقنية لمعالي الوزير وذلك عندما تتعارض على العقلية المتخلفة لدينا، الداودي يريد أن يغلق الشُعب التي تدرس في كليات الآداب والعلوم الإنسانية: من تاريخ وحضارة، والجميع يعلم أن جزءا كبيرا من تاريخنا ما يزال في حاجة إلى البحث العلمي الكبير، بما فيه رافدنا الأمازيغي الذي ينتمي له السي لحسن، يريد أن يغلق شعبة الجغرافية ذات الأهمية الكبيرة في الكشف عن واقعنا التنموي الشديد التباين بين الواجهة والعمق، يريد أن يغلق شعب علم الاجتماع من أنتروبولوجيا وسوسيولوجية وغيرهما وهي الكفيلة بالكشف عن أمراضنا الاجتماعية في أفق علاجها، ومن بينها وصولكم إلى رئاسة الحكومة، يريد أن يغلق شعبة الفلسفة وما أدراك ما الفلسفة، وهو في ذلك ينسجم من منطلقاته الفكرية الرافضة لها، وهي القادرة على أطفاء شعلة مصباحه لدى الناخبين بمجرد نفخة فلسفية يطلقها باحث يتسلح بالجرأة والعلمية اللازمتين، يريد السيد الوزير أن يغلق شُعب اللغات الحية من عربية وفرنسية وإسبانية وألمانية وإنجليزية وتركية وكورية جنوبية وصينية وروسية وغيرها من اجتهادات بعض كليات الآداب في البلاد، يريد أن يغلق شُعب اللغات إحدى رافد التعرف على ما ينتجه الأخر المتقدم في مجتمع أكثر من نصف أفراده أمي اللغة الأم، يريد أن يغلق فضاءات حقيقة للفن وتخريج المواهب في المسرح والغناء والسينما وغيرها في بلد يفتقر لمؤسسات حاضنة للمبدعين.
أزمات كليات الآداب والعلوم الإنسانية وواقع بحثها العلمي، يا معالي الوزير، واقع حقيقي تتحملون جزء كبير منه بمنطقكم الذي يبسط الأمور ويعمل بمقولة "أخر الدواء الكي" أنتم لم تجربوا أي دواء يضعه القيمون الحقيقيون على واقع كليات الآداب حتى تختاروا الكي، لكن قولكم كشف لنا من تكونون حقيقة ومن يكون حزبكم فشكرا لكم.



#سعيد_بنرحمون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باحثون من المغرب والجزائر يسترجعون الوحدة عند رموز الحركة ال ...
- مجلة أمل التاريخ الثقافة المجتمع تكمل ستها العشريت في خدمة ا ...
- أمسية تناقضات
- في محطة القطار الحزينة
- فصل المقال فيما بين -مول المجمر- و-مول المغرب- من اتصال
- الطريق إلى أكذز 4 (الذي كان وما يزال هو الضرر-الحلقة الأخيرة ...
- الطريق إلى أكذز 3 (سنوات وراء الشمس)
- الطريق إلى أكذز 2 (قصر الكلاوي يذيب أحلام الشباب)
- الكريق إلى أكذز 1
- قراءة في كتاب -مونتسكيو تأملات في تاريخ الرومان أسباب النهوض ...
- قراءة في رحلة الصفار إلى فرنسا 1845-1846


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعيد بنرحمون - إقبار كليات الآداب والعلوم الإنسانية قتل للبحث العلمي الأساسي