أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عنان عكروتي - قراءة في ديوان ( يتدفأ بالذكرى ) للشاعر علالة حواشي















المزيد.....

قراءة في ديوان ( يتدفأ بالذكرى ) للشاعر علالة حواشي


عنان عكروتي

الحوار المتمدن-العدد: 3931 - 2012 / 12 / 4 - 14:37
المحور: الادب والفن
    


قراءة في ديوان ( يتدفأ بالذكرى ) للشاعر علالة حواشي // بقلم عنان عكروتي

كيف نعيد للنص الشعري مكانته في زمن انفلتت فيه القصيدة و تدحرجت إلى الدرك الأسفل؟ كيف نبني جسرا بين الشعر والناس ونعيد إلى الشاعر روحه بعد أن تخلى عن روح القهر و أصبح موظفا رسميا ووسيط إعلام حكومي؟
في رابع فتوحاته الإبداعية " يتدفأ بالذكرى" مارس الشاعر التونسي علالة حواشي طقوسه في الكتابة و فجر جنونه الذي كشف لنا عن تورطه في عشق مختلف و غواية جديدة لم نألفها كثيرا بين شعرائنا ومبدعينا . هنا ممارسة حقيقية للفعل الشعري و ثورة باذخة اقترنت بالتمرد وعدم الاستكانة و اختزلت حراكا شعريا جديدا و أبعادا دلالية غير مألوفة في سفر شعري تتشكل فيه القصائد لوحات سريالية متدفقة الجمال ، تعشق الترحال داخل محيطاتها الهائجة و أنت تمارس أرستقراطية فخمة في القراءة و تربكك قشعريرة لذيذة بين السطور .
وهذه المجموعة الجديدة هي رؤية شعرية أخرى لعلالة حواشي الذي عودنا بنسق و رؤية مخالفة مع كل نشر جديد له.فبعد حلاج البلاد الذي كتب بلغة صوفية غاية في الجمال و الذي حاول فيه الاقتراب أكثر من الذات و إعطاء تصور جديد للفكر الصوفي كما قال في قصيدته التي تحمل نفس عنوان الديوان :
أرتل " أهوى البلاد حلولا
و ذي جبتي ما حوت غيرها" .
ومجموعة " فرس النهر " التي اختار فيها أن يتحاور مع عالم الحيوان بعد أن يئس من استيعاب عالم الإنسان لفكره و قد اتخذت حواريته مع فرس النهر بعدا رمزيا و إشكاليا موظفا هذا الحيوان المعروف بافتراسه لصغاره أحيانا ومجموعة " صبوات أخرى " التي هي فلسفة أخرى للحياة من زاوية مغايرة و مختلفة يختلط فيها الحسي بالروحي لتبرز لنا الطبيعة الإنسانية المعقدة التي تتعايش فيها كل المتناقضات .
و الديوان لم يحتو على تقديم و ربما كان ذلك عن قصد من الشاعر حتى لا يسجن القارئ داخل رؤية مسبقة و يترك له مطلق الحرية في قراءته و فهمه للنصوص . أما الإهداء فكان بحجم العنوان " إلى أخته الراحلة فاطمة " . كما تضمن بعض النصوص التي تم إهداؤها إلى أشخاص يمثلون جزء أو كل الشاعر ، وهم : " الشهيد محمد البوعزيزي " ص 12 / ابنته " أمل " ص 20 / ابنته " ليلى " ص 26 / أبنه " أديب " و قد أخذ النصيب الأكبر من الاهداءات ص 73، 74،75 ، 79 و 80 / إلى أخته " فاطمة " ص 85 و إلى صديقه المرحوم " الطاهر الهمامي " ص 89 .
و الشاعر علالة حواشي ناشط بالمجتمع المدني وهو الكاتب العام المساعد لرابطة الكتاب التونسيين الأحرار وعضو مؤسس لنقابة الكتاب . و الديوان صادر عن مطبعة " فن الطباعة " سنة 2011 .
انطلق الشاعر في ترتيب ديوانه من فلسفة خاصة حيث افتتح قصائده بنص ( براءة ) الذي يقول فيه:
أرسم لوحتي ولا أعبأ بالتلوين
فالجمال في البدء تراب وماء
في إشارة إلى حسن نية وتملص مما يمكن أن يوجه إليه من ذنب أو جرم وفيها تأكيد على أصل التكوين لهذا الكائن الطيني الذي دبت فيه الحياة فكان الإنسان الذي هو أصل الجمال و كل ما يأتي بعده نتاج لهذا الجمال. على خلفية هذه الرؤية الفلسفية يبدأ عملية النحت و يشكل كيانه من حطام الكلمات، يبثها من نوره فتتفجر فيها الحياة.هنا الشاعر الخالق بمعنى الإله : أوجد من الصقيع نارا ومن الجدب غيما ماطرا ومن اليأس حلما جميلا ، فكان فعله فعلا الاهيا ارتقى به إلى مكانة أسمى . والديوان مقسم إلى أربعة أركان، في كل ركن يقترف الشاعر ذنبا اعتنقه. و قد امتزجت فيه عناصر الوجود الأربعة: الماء ( الحريات )، الهوى ( هيهات )، التراب ( أموات ) و النار ( الجمرات ).
فماهي التقنيات الفنية التي تحكمت في القصائد؟ و بأي خلفية إبداعية كتبت؟
لقد توزعت القصائد بين السيرة الذاتية ، الثورة ، سؤال الحب ، القلق الدائم من غول الموت، الحزن و الانكسارات العاطفية . و تم الارتكاز على نزعة نحو التصوف العاشق وتوظيف الأسطورة شعريا و خاصة الأسطورة الشعبية التونسية حيث تتعدد الأساطير التونسية : في قصيدة ( شاردة ) ص 26 و ( خائنة ) ص 29 و( سلوى ) ص 36 . كما كانت النار رمزا حاضرا بكل قوة تكررت في العديد من القصائد و القارئ للديوان يلاحظ نزوعا إلى السخرية المرة خاصة في قسم هيهات و هو يحادث ابنه أثناء مشاغبته له. وتحضر المرأة بكل تعدداتها في القصائد و لعل جمرات هي احتراق الشاعر من خلال تجاذبه مع الآخر / الأنثى .
تبدو فكرة النار في هذا السفر الشعري عنصرا طقوسيا تتوالد منه الأبعاد الدلالية مشكلة الأفق الذي يبحر نحوه الشاعر و يستمد منه إيقاعه ورمزيته و تتردد لفظة النار في أغلب القصائد سواء باسمها أو بما يدل عليها كأنها وهج للفح الحرية التي ترتبط بالنار والدم كالآلهة القديمة في تناص تميز بثراء مرجعياته و تعددها ، فمن الآلهة البابلية إلى الإغريق وقرطاج ، فالرومان إلى الأساطير الشعبية
التونسية . تتنوع المصادر في هذا الكون وتعطيه عناصر جمالية ببصمة مختلفة . و النار ترمز إلى الطهارة في شكلها الأكثر روحانية لذلك أكد الشاعر على تكرارها أمنية لوجود أكثر نقاء و إنسانية. فتطفو الأسئلة :
النار لمن ؟ ( ص 12 )
ثم يجيب في نفس قصيدة عرس :
فيجيبون بأن النار أمان ( ص 12 )
ولعل أسطورة برومثيوس ( ص 13 ) التي استلهمها تختزل رموز الطهارة و الحنين والتمرد و الإنسانية والخلق وهي قيم تظهر البعد الإنساني للشاعر علالة الحواشي وتشكل نفسيته وشخصيته في علاقته بالذات و الآخر .
و يطرح الشاعر في ديوانه منظورا آخر للكتابة من خلال تنوعه الأسلوبي و التوظيف الأسطوري و الاعتماد على التناص والتضمين القرآني و اعتناقه التصوف مازجا بين الشعر و الخرافة الشعبية مما جعل النصوص عبارة عن تحويل للجسد إلى صفحة كتابة وهذا نلمسه من خلال اعتماد عناصر الوجود الأربعة في نسج هيكل القصائد ، وتشكل الذات الشاعرة القلقة التي انسكبت على بياض الورق تسطر كونا يمتلئ نورا ودهشة ، فتسري فيها حياة جديدة كلها نقاء وطهر تكون فضاء و مدينة حلم في خيال الشاعر حيث يقول :
ـ ما أشبهني الآن بلوحي ،
في إطاري ،
في جداري ،
أنا معنى خلف معنى ( ص 39 )
إن رفض السائد يدخل الذات في صراع مع المألوف ، وتناقض مع الواقع الجاثم فيكون الهروب إلى الأنا طوق نجاة . هذه النزعة تجعل من الشاعر متهما دائما بالنبوءة وهي تهمة ملاصقة لأغلب الشعراء و خاصة الذين لهم نزعة صوفية ، و هنا حين نقرأ قصيدة " كيان " تبرز صفات النبي ـ الشاعر .
لكن هل يكفي الشعر لإعادة بناء الواقع ؟ إنها الذات الممزقة بين ما تريد و واقع يخذلها و كانت حواريات الشاعر مع ابنه في قسم هيهات مترجمة لهذا الإحباط و فيها يهز أ بكل شيء و بالواقع المر. يقول الشاعر:
ـ ماذا تفعل يا بابا ؟
ـ أكتب يا ولدي
يضحك طفلي ، يقلب ما بين يدي و يهرب
أغضب ، يبكي طفلي،
أضحك كي أسعده
و أعود إلى أوراقي أجمعها
تهرب كل الأشياء ، ويبقى طفلي ، أكتبه ( ص 79 )
ثم في ص 81 :
فالصبية و القطة لا ترضيهم صحبته
و ترافقه خيبته
إن عناوين القصائد في الديوان تحيلنا إلى اختيارات الشاعر في الحياة وترسم مواقفه من الأشخاص و تعري زيف النوايا في وطن تنكر فيه صانعو القرار لكل شيء . ويبرز تمزق الشاعر وهو يرى زيف الأحداث حيث أنها مجرد مسرحية ستكسر أغلالها و تخلصها عشتار من شر البلية لتكون حرية ، حرية ( نص عشتار ص 16 ) . إن هذا التصور يبرز إيمان الشاعر بأن الحرية قدر لا مفر منه و أنها ستأتي مهما تأخرت و عشتار لا بد أن تخلص تموز من الأسر ، وهو طرح فيه الكثير من التفاؤل و الوثوق بالقادم الأفضل .
و قصيدة ( تمكين ص 10 ) هي تصوير لمنتهى السجن الذي يعيشه الشاعر و قبضة السجان القدرية التي تطوقه وتفقده الإرادة و الاختيار و بالتالي تفقده ذاته حيث يقول خلاصة القول في نهايتها:
بأني لا أفعل إلا ما قدره لي رب الطير ( ص 11 ).
الديوان حافل بالإشارة إلى الأنثى: الحبيبة، العشيقة، الصديقة و الأخت، حيث تتنوع القصائد حسب مكانتها، و هي حاضرة بقوة باعتبار المنزلة الطبيعية للمرأة في حياة الرجل، فهي أحيانا محط أطماع، و أحيانا محط صراع. هي تمارس السحر و هي الحية و الأفعى ، وهي غانية لكنه في النهاية يعترف بأنها لم تكن هي السبب بل يخاطبها في قصيدة ( قاهرة ص 20 ) :
يا أنت ، أنا
أو هي رمز الطهر و النقاء حين تحولت إلى حمامة في قصيدة ( شاردة ص 26 ) ، و المرأة / الأنثى في شعر علالة حواشي هي حواء من حيث أنها في علاقة تشاركية مع الرجل و قد قضما التفاحة معا ( قصيدة حواء ص 32 ) .
لا يسعني في نهاية هذه المقاربة إلا التنويه بهذا المسار الراقي لشعر علالة حواشي الذي لم يقتصر على نمط معين بل حاول في كل نشر جديد طرق تجربة مخالفة لما سبقها مثريا الساحة الشعرية التونسية بتجارب جميلة نابعة من وسط الموروث التونسي وليس أدل على ذلك من استلهامه للعديد من النصوص من التراث الشعبي ، و هو بذلك يرد على الذين يتهمون الشعر التونسي بالإغراق في الشرقية دون امتلاك الخصوصية التونسية . هذا الكون الشعري أثبت أن الشاعر و النخبة بصفة عامة هي القائد الحقيقي للوعي الجماهيري فهي تسبقه و تهيئ له الطريق ليسارع بثورته و ينقض على الظلم . فهو قد صرخ للحرية، و أعلن الثورة قبل الثورة مشاركا في النضال الشعبي منتصرا للقضايا الإنسانية و مدافعا عن المستضعفين.

(( تم تقديم هذه المقاربة النقدية بمعرض تونس الدولي للكتاب يوم 5/11/2012 ))



#عنان_عكروتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ناي و أسى
- هل يمكن التخلص من ما يحيط بالنص و عزله عن لحظة كتابته؟؟ قراء ...
- وقفة طلالية
- أيها الضوء الشارد
- اعلان في النشرة
- كيف نبني جسرا بين الشعر و الناس؟
- قراءة في نص فارس البيل ’’هي الصبح’’ ((هواجس الكتابة و ممارسة ...
- ترنيمة عشتار
- اقرأ
- أما بعد
- (( ملل ))
- (متيمٌ بين أشعاره)
- زمن الميلاد
- أحبك أكثر
- (( قراءة في قصيدة :شايلوك و لحم التائب للدكتور هشام المعلم
- من أنت ؟؟..
- صرخة
- ( أحبك )
- قراءة في نص عمار الجنيد ( كيف أخرج من جسدالذئب )
- دراسة تحليلية لنص : جدلية الماضي بالحاضر في شعر سماح شلبي // ...


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عنان عكروتي - قراءة في ديوان ( يتدفأ بالذكرى ) للشاعر علالة حواشي