أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - محرفي مفاهيم الثورات















المزيد.....

محرفي مفاهيم الثورات


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 3930 - 2012 / 12 / 3 - 21:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


انهيار النظام الأسدي، وزوال سلطة الفساد والإجرام اصبح قاب قوسين وادني، قريباً ستستقبلهم مزبلة التاريخ، كما استقبلت الحثالات السابقة من حكام البغي والظلم، لكن الازمة السياسية في القادم من سوريا كما هي في الدول التي سبقتها، ستكون فيها الكثير من المطبات الفظيعة، فقد تخلفت ثقافة الحضارة الإنسانية عن ثورات الربيع الميدانية المجتاحة للشرق، بقيت مرافقتها هزيلة، من حيث صراعها مع المفاهيم السائدة أو التي تود أن تسود على مسيرتها من قبل تيارات انتهازية متنوعة، لم يتجرأ روادها من الشباب طرق أبواب المساجد ولا مجالس التيارات الدينية بشكل مباشر، رغم تسلق هذه الأطراف الانتهازية الفاضحة لمكاسبهم واستخدامها كمطية لترسيخ مفاهيمهم وغاياتهم الذاتية، سيطرت هذه الجماعات وبدون رادع فكري قوي على الحراك الميداني مثلما سيطرت على مفاهيم الثورة، باستثناء مجابهات فردية من مثقفين و سياسيين مستقلين، وقوى سياسية من أثنيات وطوائف غير عربية، وما تجري في المنطقة الكردية ضمن سوريا من الغزوات الخارجية، وتحدث في بعض مناطق ليبيا وتونس حيث الطوارق والأمازيع تؤكد ذلك.
هدم الشباب جدران الرعب والرهبة، المبنية على مدى عقود من الزمن، استغلتها القوى الدينية، فسخروا ابواب مساجدهم كأدوات للطغي على الشارع الثوري، بعد إن استخدمها الرواد منبع للمسيرات السلمية الاولى، هدفهم اسقاط النظام بدون تمييز عرقي أو طائفي أو قيود فكرية، حورت – شاركت فيها وبعمق السلطات الحاكمة - لتصبح منافذ لمفاهيم مخالفة للشارع الشبابي، سيطرت هذه التيارات بدون صراع على الساحات، وضعوا الفيتوا المطلق على كل من يود الاعتراض على هيمنتهم تحت غطاء الثورة، استخدموا - وبطرق ملتوية - المكانة الروحانية التاريخية لأماكن العبادة في نفوس جميع ابناء الشرق. غابت المفاهيم أو تاهت في هذا الخضم المتلاطم ما بين الثوريين والانتهازيين الذين تكالبوا على السلطة والانظمة الشمولية التي دمرت الأوطان من أجل البقاء، وبشعت في ارهابها عندما وجدت نفسها أيلة إلى الزوال، مستغلة أفكار وشعارات الدول الديمقراطية الموجهة ضد الأرهاب السلفي والمتطرفين السنيين.
رغم أن الفكر الجبري اصبح يتخلى عن مكانته ومفاهيمه للوعي المادي ولمدارك القدريين، بين المثقفين عامة، مع ذلك لا يزال المسجد له حضور وتأثير على مفاهيم المجتمع حتى بين اولئك الذين لا يأتمرون لأبعاده، ولا أعني هنا الابعاد الإلهية بل البشرية التي تطبخ هناك، والمفاهيم التي تفصل حسب مقاسات معينة وتطلق بين المجتمع.
لا تزال هذه التيارات في تعايش مع الرهبة التي ترسخت في ذاتهم على مر قرون، كالخوف من مفاهيم التسامح وحقوق الآخر غير المسلم والعدالة بشطريها الإلهي والإنساني، الحرية خارج القوانين الدينية وغيرها التي تتعارض والحاضر الحضاري، لذلك فمداركهم حول أبعاد الثورات متلكأة وناقصة ولا تتناسب والطفرات الحاضرة، حتى ولو سيطرت هذه التيارات الانتهازية إلا انها ستبقى آنية ولن تستمر سيادتها، إنه استنتاج من أعماق الجدلية الثورية في المجتمع الذي عاش على هذه المفاهيم على مر قرون وثقافات متغيرة آخرها ثقافة الانظمة الشمولية.
تحتوي هذه الثورات في تشكيلاتها تيارات متصارعة على مصالح ذاتية انانية، لكن نواتها وروادها لهم مفهومهم المغاير كليا، ابعادها تشمل تكوين وطن حضاري انساني بمجتمع يؤمن بالآخر وحقوق الانسان والعدالة والحرية للكل، وترسيخ مبادئ التسامح، والقضاء على ثقافة الموالي والسيد المترهلة تاريخيا، طليعة تقيم وتحدد مفاهيمها وأهدافها خارج سيطرة المراجع الدينية.
تحقيق هذه الثورات لأبعادها والوصول إلى غاياتها تكاد من وجهة نظر العديد من السياسيين والمثقفين غير ممكنة، فهم ينظرون إلى أن دكتاتورية المساجد سيطرت وبانتهازية وأصبحت حاملة للشرعية الديمقراطية، لكن التعمق في المقارنات المتعددة الجوانب بين مفاهيمهم الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية، وهشاشة قدراتهم الميدانية وسوية التعامل الاقتصادي – السياسي العالمية، والبحث الديناميكي في نواتها يؤكد على إنها قوة آنية زائلة مع الزمن، وبدأت تظهر هذه الحقيقة من خلال نوعية مفاهيمهم التي يطرحونها إلى الشارع، وبنيتهم التي تظهر في الأروقة السياسية، وذلك بعد أقل من سنتين من سيطرتهم في كل من مصر وتونس.
لا يرفضهم أغلبية المجتمع، مثلما كانوا لا يرفضون الدكتاتوريات المدنية الشمولية إلا حاضراً، مطلقهم هذه المرة أن هذه التيارات المتعصبة دينياً ساندت الثورات، والأغلبية لا تدرك إنها كانت حركات انتهازية ولغاية ذاتية بدون الايمان باهدافها ومفاهيمها، تمكنوا من صبغ الثورة في أغلبه على اسمهم، علماً بإنها أكثر القوى - الداعمة للثورة - انتهازية، وهي الآن أجبن من أن تطالب بإزالة ثقافة الأنظمة الشمولية، كل انتفاضاتها السابقة كانت تهدف للاشتراك مع الطغاة في سلطة ما.
استفادوا في عقود ماضية من الفساد الطائفي الذي خلفه الحكام الشموليين، علماً أنهم من أشد التيارات المتعصبة التي تود إثارة مثل هذه النعرات في الواقع السوري الآن، كما فعلوا في تونس ومصر بشكل خاص، وهي تلتقي في كثيره مع ثقافة الأنظمة الدكتاتورية في كثيره، على سبيل المثال لا نجد أي تحرك فعلي جدي أو محاورة لحل القضايا الأثنية أو الطائفية في كل من ليبيا أو تونس أو مصر أو في اليمن، كقضية الأمازيغ أو الطوارق أو القبطيين أو الزيديين وغيرهم من الشعوب والجماعات الذين هم اصحاب الوطن، وهذه الحقيقة متفاقمة الأن في أروقة المعارضة السورية بشكل واسع حول القضية الكردية، والذين يؤولونها بدبلوماسية سياسية انتهازية إلى ما بعد سقوط النظام الحالي، بل البعض يؤجلونها إلى ما بعد تغيير الدستور، وآخرين إلى حين تشكيل البرلمان القادم للاحتكام إلى الأغلبية، والأغلبية ستكون في البداية لهذه التيارات الرافضة لأي حل أثني أو طائفي خارج إطار الطائفة السنية والقومية العربية .
تعتقد هذه التيارات بأنها سوف تسيطر بشكل أوسع من خلال خلق التناحر الطائفي أو الاثني في الوطن، والغريب أنهم أبعد التيارات السياسية عن مفاهيم ومطالب حقوق الانسان والعدالة بين شرائح المجتمع المتعددة، يتقمصون عدالة المساجد التي غرقت في الابعاد السياسية، والمصالح الانانية العنصرية في كثيره.
مبادئ التسامح غير موجودة في دساتيرهم، فهم يؤمنون بأحاديث غير موثقة في أي صحيح، ومرتكزات بعض الصحابة و مفاهيم نسبت إلى آل البيت، أو ظهرت في اجتهادات فقهاء وآئمة برزوا في محيطهم الفكري الخاص، وهم بهذا يتجاوزون مدارك الدين الحقيقي، ويجرفون به إلى التطرف المعارض للآخر المخالف، يعتمدون على دساتير ينسخونها وينسبونها إلى القوة الإلهية المطلقة، مثلما يحصل الآن في مصر وتونس، حيث الثورة لاتزال مستمرة، والدكتاتورية الفردية بدأت تستبدل بدكتاتورية المساجد، مع غياب المنطق الانساني الحضاري الحالي، وذلك للسيطرة على الشعب، والاطراف المناوئة لمفاهيمهم، أو المطالبين بحقوق إنسانية خارج نظام الاسلام السياسي وتشريعاتهم الخاصة فيها. ومن المؤكد أن معظم الذين خططوا في مساجد خاصة تكتيك معين لتحوير الثورات لغاياتهم، لا يدركون أعماق المساجد الأخرى المخالفة لطائفتهم، أو مكاتب سياسية اثنية لا تستقر على الروحانيات أي كانت.
غياب مبدأ التسامح واحدة من أفظع الاشكاليات التي ادت إلى سقوط سوريا إلى هذا الحضيض من الدمار، وهو منعدم لدى الطغاة كلهم، طغاة المطلق الإلهي أو المستبد لذات انفرادية شمولية، هذين الاتجاهين يحددان مسارات الانسان لللقاء مع الله، أو اللقاء مع الافكار والمفاهيم الارضية، أي اختيار من خارج إرادتهم ينعدم فيه التسامح بكليته.
بدأت هذه المفاهيم تظهر كطفرات متناسقة في بدايات الثورات رغم تباعدها الجغرافي، والاثني، تتوسع رقعتها بسرعة هندسية، سنوات قليلة قادمة – بعد زوال الطغاة الحاليين - كفيلة بالقضاء على بؤر تلك القوى التي تسخر الدين كمتراس والمساجد كمنابع لنشر افكارهم، فالثورة لا تقف عند حدود سقوط النظام بل تكتمل بعد إزالة مخلفاته.
مفاهيم الحضارات الحالية تتجاوز الجغرافيات والحواجز الروحانية المغلقة، حيث تبنى هناك في اعماق كل وطن قبلة خاصة، أمامها يخلق السؤال وحولها تنطلق المحاورة واخذ المشورة لتقويض كيان الانظمة الشمولية، المدنية والدينية معاً، والتي ستستمر ما بعد سقوط الانظمة الحالية.
الثورات تتوجه إلى بناء وطن واقعي، والانظمة الشمولية تتمسك بسلطة دون وطن، والتيارات الانتهازية بسلطة ووطن تخدم مساجد تتكالب على تعبيد الطرق المؤدية إلى السماء، اعتماداً على روحانيات ذاتية خاصة، يطلقون فيها أحكامهم بين الانسان وإلهه، فلو كان التسامح واحترام حقوق الانسان والحريات بأبعادها حاضرة في مدارك هذه التيارات، لكان نقطة سقوط النظام بداية لنجاح الثورات، وحقق توافق بين الواقع المطلوب تطويره - بعد الفساد الموروث من الطغاة - وتمهيده وتحديد دور المساجد في نقل الروح إلى عالم الله.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]



#محمود_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتاجرة بالثورة السورية
- لنبحث عن موت الكردي حاضراً!
- محررو جرائد مصرية يتحولون من البلطجية إلى شبيحة
- مابين جغرافية الوطنين، سوريا وكردستان- حول مقالة الكاتب إبرا ...
- السلطة والبعث السوري يبيعون أرض كردستان للكرد!
- يا عالم، هذه صراعات حزبية وليست مسيرات كردستانية
- جدلية الإسلام السياسي مع ثورات الشرق - الجزء الثاني-
- جدلية الإسلام السياسي مع ثورات الشرق - الجزء الأول
- العدالة في قفص إلإتهام لدى السلطة السورية
- ثورة الشعب السوري تدفع ضريبة الثورات ...- الجزء الثاني -
- ثورة الشعب السوري تدفع ضريبة الثورات... - الجزء الأول -
- الأبعاد المختلفة في ثورتي آذار كردياً وسورياً - الجزء الثاني
- ثوار سوريا يحتاجون لزيارة - الناتو - لا - كوفي عنان -
- الأبعاد المختلفة في ثورتي آذار كردياً وسورياً- الجزء الأول
- نبيل العربي والظواهري يرجحان كفة النظام السوري
- الهوية الوطنية والديمقراطية في الدستور السوري
- الأستاذ غسان المفلح، تحليل متلكأ
- مستقبل الكتل الكردية، بين المعارضة السورية والثورة
- ربيع المجالس الوطنية الكردية
- طغاة الشرق وشرعنة الإرهاب الإسلامي


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود عباس - محرفي مفاهيم الثورات