أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - برتقال أبو صرّة














المزيد.....

برتقال أبو صرّة


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3929 - 2012 / 12 / 2 - 15:27
المحور: الادب والفن
    


برتقال أبو صرّة
خيري حمدان
ذهب أبو علي إلى السوق صباح آخر أيام شهر نوفمبر 2012، وضع صناديق البرتقال على البسطة، استعدادًا ليوم عمل جديد، وأخذ يصيح بأعلى صوته "برتقان (برتقال) أبو صرّة يا عالم، والله من يافا، ولكم جربوا برتقان فلسطين، عليّ الجيرة ما في أزكى منه لا في الشرق ولا في الغرب، برتقان يافاوي يا خلق الله، على هون يا برتقان". كان أبو علي في قمّة نشاطه وعشقه لعمله وكان من النادر أن يمتنع عن الخروج إلى السوق للصراخ والتدليل على سلعته بلغة مقبولة ومحببة للجميع. مرّ بالقرب منه كمال أحد شباب الحيّ وقال له ساخرًا "يا أبو علي راحت عليك يا زلمه، ما خلص أبو مازن أعلنها دولة واعترفنا رسميًا بإسرائيل. هذا البرتقان اللي صروعتنا فيه من الصبح إسرائيلي يا حج! باعتراف الأمم المتحدة. دولتنا مقابل دولتهم، راحت يا أبو علي، راحت يافا وحيفا - أبو مازن تنازل عن صفد للأبد. قال بأنها صارت جزء من إسرائيل ويمكن يزورها كسائح، المهمّ صار عندنا دولة وعلم بالنسبة إلو، وإحنا ندّ لإسرائيل في كلّ المحافل، ويمكن نحاكمهم في هاغا يا حج!". فتح أبو علي فمه غير مصدّقًا لما سمعه من كمال وقال مفجوعًا "قول وغيّر يا سامي، شو هالحكي يا ابني؟ يلعن تينك على تين أبو مازن إذا كان كلامك صحيح! ولك هذه يافا يا ولد، بإيدي جبت (أحضرت) شتل البرتقان من يافا مثل ما وصّاني غسان كنفاني، لا يا سامي مستحيل يعملها الرئيس، مستحيل". ثمّ طفق أبو علي بالبكاء، لم يمتلك أعصابه وارتفع صوت جهاشه. أمسك أبو علي بطرف البسطه وقلب ما عليها من البرتقان صارخًا "ولك هذا البرتقان فلسطيني، عليّ الطلاق بالثلاثة فلسطيني". تجمّع أصحاب البسطات المجاورة في محاولة لتهدئة ثورة أبي علي، وقام آخرون بجمع البرتقال المتناثر في الأنحاء وإعادته إلى بسطة الرجل المفجوع. لكن سرعان ما نقلوه إلى المستشفى فقد أصيب بتجلّط دموي إدى إلى فالج، واستدار نصف وجهه إلى الجهة اليمنى، ثمّ تعذّر عليه الكلام والصراخ وممارسة عمله وبيع البرتقال لما تبقّى من حياته.
أبو علي أول ضحية مباشرة لإعلان الدولتين، وأول ضحية غير مباشرة لعناد الرئيس محمود عباس. كان أبو علي يتساءل طوال الوقت عن شرعية انتخاب هذا الرجل! وكيف تمكن من البقاء في هذا المنصب طوال هذه الفترة، وإذا ما كان مشروعه السلمي سويًا وقادرًا على مواجهة أطماع اليهود؟. أبو علي كان يضغط على أسنانه هامسًا لأبنائه "بدّي أشوف يافا ولو للحظة واحدة قبل ما أموت واللي يصير يصير". لكن، ما الذي يمكن أن تراه يا أبا علي في هذه المدينة التي تغيّرت كلّ معالمها الشرقية الفلسطينية، وأصبحت مدينة حضارية إسرائيلية بعد استثمار مئات الملايين من الدولارات في تنمية بنيتها يا مسكين؟. من النادر أن يصمت الرجل حين يواجهه الآخرون بهذه الوقائع، وكان يصرخ قائلا بأنّ العرب والفلسطينيين يمتلكون القدرة والإرادة والمال على تحويل الصحراء إلى جنّة. "هذا احتلال يا عالم، وليس لليهود فضل على خيرات فلسطين. برتقان يافا حزين ووحيد." كان يطالب كذلك باستفتاء شعبي يطال كلّ فئات الشعب الفلسطيني وفي الشتات العربي والأجنبي أيضًا، لمعرفة من يريد دولة ومن يريد التنازل عن أراضي الثماني والأربعين، ومن يريد أن يبيع قطعة أرضه؟. لكلّ هذا أصيب أبو علي بجلطة ولم يعد قادرًا على المطالبة بأيّة حقوق ممكنة أو التعبير عن رأيه، في الوقت الذي ارتفع صوت السياسة والتنظير والتأويل الحديث للبقاء والتعامل مع الاحتلال. هذا لا يعني بأنّه لا يوجد هناك آباء علي وسامي وكمال آخرون، قد أصيبوا بداء القهر، لتلحق بهم الجلطة تلو الأخرى، بعد إعلان الدولة أو الدولتين. لم يطل مشوار الحياة بأبي علي، وفارق الحياة بعد أيام، ليدفن كما مئات الالاف من الفلسطينيين في المهجر، بعيدًا عن جذور أشجار البرتقال.



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمقٌ يقود قطيعًا
- أعطني عامًا من عمرك
- المعذرة – رفعت الجلسة
- عِشْقٌ وانْتِظار
- تمرّد الكمانُ فغنّى القلبُ ثملا
- سَبَقَ لي يا وَقْتُ
- رحيل القصيدة
- الطبقة العاملة والإنتاج
- العلمانية هي أقصر الطرق إلى أنسنة المجتمع
- واقع المرأة ما بعد الربيع العربي
- المجتمعات العربية ومعضلة البحث عن هوية
- هل يصلح العطّار ..
- القصيدة العارية
- ظلّ النورس
- أورهان باموق يتحدث عن الحياة والأدب
- حفل تشريح جثة مثقف عربي قتل متلبسًا بالحياة
- بلا أجنحة
- من قتل الرقيب
- تقاويمي المغدورة
- حتى السنابل تتمرد


المزيد.....




- كيت بلانشيت ضيفة شرف الدورة الـ8 من مهرجان الجونة السينمائي ...
- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...
- المغرب: الحفاظ على التراث الحرفي وتعزيز الهوية الثقافية المغ ...
- ناوروكي وماكرون يبحثان الأمن والتجارة في باريس ويؤكدان معارض ...


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - برتقال أبو صرّة