أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - أخطاء الديمقراطيين القاتلة في الثورة التونسية: تقييم يساري ديمقراطي.















المزيد.....



أخطاء الديمقراطيين القاتلة في الثورة التونسية: تقييم يساري ديمقراطي.


بيرم ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 3920 - 2012 / 11 / 23 - 10:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


-1-

لقد مثل اسقاط نظام بن علي ما درجت القوى السياسية التونسية على تسميته بالثورة التونسية الا ان هذه التسمية نفسها ارتبطت بجملة من الأخطاء القاتلة بسبب خصوصية ما وقع فعليا مقارنة بالمفاهيم النظرية العامة الجاهزة عن الانتفاضة وعن الثورة.
لقد انقسمت التوصيفات النظرية لما وقع بين مصطلح الانتفاضة عند بعض قوى أقصى اليسار بحجة ان ما اسقط هو السلطة و ليس النظام بكامله و في المقابل استعمل البعض الآخر مصطلح الثورة. ولكن نظرا لكون البعض ادرك جيدا اختلاف ما وقع فعليا عن مفاهيمهم النظرية عن الثورة الاجتماعية التجأوا الى مصطلح "المسار الثوري" أملا في "استكمال مهام الثورة" الذي هو في الواقع تعبير آخر عن نظرية "تحويل الانتفاضة الى ثورة". و لكن الفرق بين الطرفين ليس نظريا بقدر ما هو عملي حسب رأينا. فمن يقول بالانتفاضة هي قوى أقصى اليسار الضعيفة تنظيميا و جماهيريا و غير الفاعلة سياسيا و التي ، في جانب ما، تتمسك بحرفية المصطلح الثوري لتبرير فشلها التاريخي في التحول الى قوى فاعلة و فشلها السياسي الحالي في التأثير على مجرى الأحداث نظرا لتبنيها نظريات تقليدية جاهزة عن "حرب الشعب طويلة الأمد" و "الثورة الوطنية الديمقراطية" و" الثورة الديمقراطية المعادية للامبريالية" و غيرها. انه في جانب ما تمسك عقائدي بنقاوة نظرية بسبب العجز في التعامل مع الواقع الحي الخاص في تونس. لكن هذه القوى ضعيفة و تأثيرها محدود و هي لذلك لا تهمنا كثيرا الآن رغم قدراتها على "التشويش" بل و الاضرار أحيانا بحكم تواجد بعضها في الجبهة الشعبية أو اقترابها منها مما يحرج بعض قوى هذه الجبهة و يدفعها احيانا الى الخلط السياسي.
ان القوى القائلة بمصطلحات الثورة و المسار الثوري هي التي تهمنا أكثر و هي تبدو أكثر ارتباطا بالحراك الثوري و بمتطلبات مسار الانتقال الديمقراطي المعقدة في تونس.
تنقسم هذه القوى الى قسمين كبيرين:
القسم الأول لا علاقة فعلية له بالثورة و هو يكرر لفظ الثورة و يكاد يعتبرها ناجزة تقريبا لافراغ المسار الثوري من محتواه الجذري و ايقافه عند حدود ما تحقق تقريبا.هذا القسم يمثله خاصة السياسيون و الاعلاميون و المثقفون الذين كانوا مرتبطين بالنظام السابق و بعضهم يكثرون من الحديث عن الثورة للتعويض عن خياناتهم التاريخية و محاولة الظهور مظهر الثوريين خوفا من المحاسبة و أملا في المحافظة على امتيازاتهم التي لم تتضرر بعد.
أما القسم الثاني ، و هو الذي يهمنا أكثر من غيره، فهو القوى الديمقراطية المختلفة التي تعمل ، وان بدرجات متفاوتة، على تحقيق الانتقال الديمقراطي في تونس.
ان مشكل هذه القوى هو عدم قدرتها على توصيف الواقع الخاص للثورة التونسية بمفاهيم ملائمة له. و عوض ذلك تواصل تمزقها بين المفاهيم النظرية العامة عن الانتفاضة و الثورة و المسار الثوري و بين مقتضيات النضال الواقعي من أجل دفع العملية الثورية الى الأمام. ان المشكل ، حسب رأينا، يمكن حله "ببساطة" لو توفر شرط الاستعداد النفسي- الفكري للاجتهاد النظري بعيدا عن الواقعية الفجة و الشعاراتية الفجة في نفس الوقت و ذلك على النحو التالي.
ان الجمبع يعرف ان ما وقع في تونس هو تفاعل خاص بين انتفاضة شعبية عميقة من ناحية و بين عمل عسكري ، من ناحية ثانية، هو الذي حسم أمر بن علي دون ان يكون انقلابا عسكريا تقليديا يعطي السلطة الى الجيش و هو ما سمح بقيام اصلاحات ديمقراطية جذرية نسبيا مثل حل الحزب الحاكم السابق و مجلسي النواب و المستشارين و ايقاف العمل بالدستور السابق و الدعوة لانتخاب مجلس تأسيسي و اطلاق الحريات السياسية و الاعلامية و النقابية ، الخ.
ان ما وقع في تونس ، بهذا المعنى، ليس مجرد انتفاضة و ليس مجرد انقلاب عسكري تقليدي و لكنه ليس ثورة اجتماعية بمعنى ذلك العمل الشعبي العنيف الذي يقلب النظام السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي جذريا ليعوضه بنظام جديد.
ام ما وقع في تونس يمكن توصيفه بكونه ثورة سياسية ( و ليس اجتماعية) بصفة أساسية لأن سهم العمل الشعبي كان موجها نحو النظام التسلطي لبن علي و عائلته و حزبه تحديدا و لم يكن يهدف الى تغييرنوعي جذري و تام لنظام العلاقات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بل الى اصلاحها العميق لا غير. ان فهم هذه المسألة و توضيحها هكذا قد يساعد ، حسب رأينا، على الانتباه الى ماهو أكبر من مجرد انتفاضة و ما هو أقل من ثورة اجتماعية شاملة. لكنه يساعد أكثر على الوعي بآفاق تطور ما وقع و حدوده التاريخية تجنبا للانهزامية اليمينية المسبقة و "اليسارية" الناتجة عن نظرية "الانقلاب المقنع" و عن نظرية" الانتفاضة العفوية" من ناحية و تجنبا للطوباوية الثورية المقابلة و المتوهمة في قدرة انتصارية ثورية كلاسيكية تستكمل المسار الثوري بعيدا عن قراءة موضوعية للشروط الذاتية و الموضوعية الضرورية لذلك.
ان شروط تحول الثورة السياسية التونسية الى ثورة اجتماعية جذرية شاملة تكاد تكون منعدمة و لكن امكانات تجذير المسار و فرض المزيد من الاصلاحات العميقة تبقى واردة اذا أحسن الديمقراطيون فعل ذلك.
ان المبالغة في تقييم امكانات التحول الثوري تؤدي الى رفع شعارات عالية السقف و بعيدة عن المزاج الشعبي العام و عن الامنكانيات الذاتية و العوائق الموضوعية مما يجعلها تؤدي الى انفصال الديمقراطيين عن أوسع الجماهير و فشلهم ليس فقط في تجذير المسار بل و حتى في المحافظة عليه و على ما حققه، هذا الى جانب امكانية حدوث رد فعل عكسي يجعل جماعات هامة من الشعب تسير وراء قوى محافظة – بسبب انعدام الاستقرار الاقتصادي و الأمني،الخ - أو حتى وراء قوى تغير مسار الانتقال الديمقراطي الى وجهة أخرى اسلامية تحديدا.
هذا هو الخطا القاتل الأول للديمقراطيين التونسيين و هو يرتبط ، عند بعضهم خاصة ، بخطأ ثان ليس أقل خطورة، فما هو؟

-2-

المسألة الثانية الأكثر خطورة والتي أدت الى الأخطاء القاتلة التي سنواصل تقييمها هي ربط المسار الثوري بقضايا التبعية الخارجية و بنظام الطبقات الاجتماعية في تونس.
ان الثورة التونسية ركزت على التخلص من بن علي و عائلته و حزبه و لكنها لم تكن موجهة، بصورة مباشرة وواضحة ، لا ضد الامبريالية و التبعية و لا ضد طبقات اجتماعية محلية محددة. انها أقرب ، من هذه الناحية ، الى الانتفاضة الشعبية العامة التي لعبت فيها الشرائح الاجتماعية الوسطى المتعلمة دورا كبيرا بمساندة شعبية عامة بهدف التخلص من بن علي و عائلته و محيطها المافيوي و حزبه لا غير.
لهذا السبب نعتبر ان مسألة على غاية من الأهمية لا بد أن تطرح الآن على كل الديمقراطيين و لكن خاصة على الجبهة الشعبية وقواها اليسارية و القومية بالتحديد .
هل ان المزاج الشعبي مع، و خاصة هل هو قادر الآن على، طرح مهمة القطع مع التبعية في نفس الوقت و بنفس القدر الذي يسعى فيه الى الديمقراطية السياسية و الاصلاحات الاقتصادية و الاجتماعية أم لا؟
هنا يرتكب الديمقراطيون التونسيون أيضا أخطاء قاتلة.
من ناحية أولى يهمل القسم الأول من الديمقراطيين تقريبا مسألة التبعية و السيادة الوطنية و لا يركز ، ان فعل، الا على ما تقترفه النهضة و الترويكا من علاقات مع قطر خاصة. و لكنه يتناسى مثلا العلاقات بالاتحاد الأوروبي بل يمدح احيانا الانتقادات الفرنسية للسلطة التونسية او ما يتسرب عن ضغوطات امريكية على الترويكا الحاكمة.
ان اصحاب هذا التوجه يفصلون تقريبا، و بدرجات متفاوتة، بين المسار الديمقراطي و مسألة السيادة الوطنية و لا يساهمون في استغلال الظرف التاريخي الراهن لترشيد العلاقات الخارجية الاقتصادية و السياسية و غيرها في اتجاه تخفيف آثار التبعية على البلاد على الأقل.
من ناحية ثانية ، وفي المقابل، يرتكب القسم الآخر من الديمقراطيين ، و خاصة من الجبهة الشعبية، خطأ وضع مسألة التبعية في مقدمة أولويات المسار الثوري المباشرة.
ان الجبهة الشعبية تعتقد انه من الضروري طرح "المسألة الوطنية" كشرط أولي لطرح قضية الانتقال الديمقراطي. ان هذا الطرح هو نظريا "تحليل اقتصادوي" يعتقد انه يستحيل تحقيق اية انجازات ديمقراطية قبل حل المسألة الوطنية و التخلص من التبعية جذريا. أما من الناحية السياسية العملية فهو قفز عن مستوى الوعي الشعبي العام الذي لم يثر ضد التبعية ، مباشرة، بل ضد الاستبداد و البطالة و انعدام التوازن الجهوي و الفقر...و هو ، عندما ثار و الى الآن ، غير قادر على الربط المباشر، بل و حتى غير المباشر، بين ما ثار ضده و حالة التبعية.
ان الشعب التونسي و ان رفع، جزئيا، وراء قادة ثورته شعار " شغل حرية كرامة وطنية " و " الشعب التونسي شعب حر لا امريكا لا قطر" لم يطرح تحقيق الانجاز التام للمسألة الوطنية بل كانت أهم مطالبه سياسية و اجتماعية داخلية بالأساس.
لذلك فان المطروح ، مباشرة و ليس استراتيجيا، هو استثمار الحراك الاجتماعي للتخفيف من سلبيات التبعية ما أمكن داخل مسار الانتقال الديمقراطي و من خلاله.
ان المزاج الشعبي ساير و يمكن ان يساير النضال السياسي من أجل "تونس ديمقراطية اجتماعية أقل تبعية" و ليس من أجل تونس "الوطنية الديمقراطية و انه من الخطأ السياسي القاتل لليساريين و القوميين اسقاط استراتيجيتهم الخاصة على مستوى الوعي الحالي للشعب بمحاولة تحويلها الى مهام مباشرة للتحقيق الفوري. ان ذلك سيكون تطرفا يسهل على غيرهم سحب البساط من تحت أقدامهم ، خاصة في ظروف الأزمة الاقتصادية الحالية الخانقة، و ذلك بالتركيز على تسهيل سياسة الهجرة و الاستثمار و التشغيل المرتبطين بالتعاون الدولي،الخ.
ان اللحظة التاريخية الحالية، وفي المدى المباشر و المتوسط، ليست لحظة "فك ارتباك" و " ثورة وطنية" أو غيرهما.انها موجة اصلاحية ديمقراطية و اجتماعية تحديدا و من يسلك على غير هذا الهدي يتجاهل و عي الشعب و موازين القوى الدولية الحالية و يخدم ، دون ارادته، انصار التبعية الواضحين و اعداء النضال حتى من أجل تخفيف وطأتها، انه بالتالي قد يخسر فضيتي التبعية و الانتقال الديمقراطي على حد السواء.
ان مؤشرات هامة تدل على هذا. فتطور شعبية النهضة التي يحلو للبعض اعتبارها عميلة وتطورشعبية "نداء تونس" الذي يحلو للبعض تسميته بالحزب "الليبيرالي التابع" و تكرار مغامرات الهجرة السرية و كثرة الاهتمام بقرارات صناديق الائتمان العالمية واكتفاء العمال بالنضال في سبيل تحسين ظروف عملهم في المؤسسات الأجنبية و سعيهم لبقائها في تونس و غيرها من المؤشرات تدل بوضوح على عدم انخراط شعبي واسع و فوري في "الثورة الوطنية" بل على بحث عن اصلاحات اقتصادية و سياسية و اجتماعية داخلية قد تلطف من التبعية لا غير.
ان الحلقة الأساسية التي يجب المسك بها الآن هي حلقة النضال الديمقراطي السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي الداخلي و ليس حلقة النضال الوطني ضد الامبريالية و هذا ما يجب ان يرشد السلوك السياسي الداخلي و الخارجي على السواء لتجنب وضع العربة أمام الحصان بسبب طرح الواقع لمهام سياسية تخالف التبويب النظري الكلاسيكي للحركات الثورية اليسارية و القومية.
لكن المسك بحلقة النضال السياسي الديمقراطي الداخلي لا يجب ان ينسي الحلقة الاخرى بل أن يسحبها بمرونة معها على أمل اشراك أوسع ما يمكن من الجماهير و القوى السياسية تدريجيا في رفع سقف المطالب الوطنية داخل و من خلال موجة الحراك الديمقراكي نفسها و ذلك بالتدرج مع تطور التجربة الجماهيرية نفسها في النضال الديمقراطي.
كما ان هذا لا يجب أن ينسي انه بسبب العولمة و كل التغيرات الدولية المعاصرة كان الكل قد وصل الى استنتاج ضرورة العمل العربي الواسع للتصدي لسياسة المحاور الكبرى اذا أردنا تحقيق شيء في المسائل الوطنية و القومية. و لذلك فانه من العناد السياسي لا غير تقديم المسألة الوطنية و القومية فوريا و بصورة مباشرة داخل المسار الفعلي للحركة التاريخية الحالية ، حتى لو اعتقدنا ان ذلك هو "الأصح نظريا" و هو أمر يناقش هو الآخر و لكن ليس هذا هدفنا الآن .
ان الخطأ القاتل الثاني هو اذن عدم القدرة على تمثل العلاقة بين الوطني و الديمقراطي في المسار الفعلي للتاريخ التونسي الحالي. ولقد ارتبط هذا بهراءات أخرى لعل أغباها ترويج بعض فصائل الجبهة الشعبية ، بمناسبة قضية قرية الدخيلة في ولاية منوبة، لروابط على الفايسبوك تقول ان "الجبهة الشعبية تخوض معركة الأرض ضدالاقطاع " هناك. ( رابط صدر عن "الحزب الاشتراكي الوطني الثوري" يوم 19/11/2012).
كما ان البعض يكاد يدعو الى "النضال ضد الرأسمالية " من أرضية "برنامج انتقالي اشتراكي" (رابطة اليسار العمالي) أو "وطني ديمقراطي" " شعبي" ( بقية فصائل اليسار) و كأن "الثورة الدائمة" أو " الوطنية الديمقراطية "على الأبواب.
ان هذا يرتبط ، كما قلنا ، من ناحية أولى بتقييم ما وقع في تونس ( مسألة الثورة و الانتفاضة...) و من ناحية ثانية بالعلاقة بين الوطني و الديمقراطي في الواقع العيني التونسي الحي و ليس في الكتب الثورية. و قد أدت هذه الأخطاء القاتلة الأصلية الى سلسلة أخرى من الأخطاء بدأت قبل الاطاحة ببن علي وقد تخرب كل شيء اذا تواصلت .

-3-

بعد سقوط بن علي بدأت نتائج ما سبق تظهر بسرعة في اتجاهين : اما التردد المبالغ فيه تجاه حكومات محمد الغنوشي من قبل البعض من الديمقراطيين أو التطرف المقابل له و الذي ظهرت معالمه تتطور عند قوى اليسار والقوميين خاصة.
لقد ظهر هذا جليا بعد حل الحكومة الأولى و تشكيل الحكومة الانتقالية الثانية و ذلك في اتجاهين:
الأول مثله الحزب الديمقراطي التقدمي و حركة التجديد اللتين سارعتا في الانتماء الى تلك الحكومة الثانية بينما رفض حزب التكتل و الاتحاد العام التونسي للشغل ذلك مما أدى الى صدامات بين الديمقراطي التقدمي و الاتحاد اثرت على الطرفين و ساهمت في اضعاف الديمقراطي التقدمي في صفوف النقابيين و الديمقراطيين بصفة عامة.
ان التحاق الشابي و احمد ابراهيم بتلك الحكومة كان متسرعا و ادى لاحقا الى خسارتهما للكثير من المصداقية في صفوف المواطنين و أثر كثيرا في علاقتهما بقوى اليسار و القوميين خاصة.
و لكن ، في المقابل ، بالغ اليساريون و القوميون في تقدير الامكانيات الثورية للمزاج الشعبي التونسي مما جعلهم لا يطالبون فقط باسقاط تلك الحكومة و غيرها من المطالب الشرعية مثل حل التجمع الدستوري الديمقراطي و مجلسي النواب و المستشارين و غيرها بل وصل الأمر الى رفع شعار المجلس التأسيسي.
ان خطا الديمقراطيين التونسيين وقتها يمكن تلخيصه في أمرين: سوء تقدير تجذر المزاج الشعبي من قبل الديمقراطي التقدمي و التجديد و عدم ادراكهما لضعف الحكومتين المؤقتتين الأولى و الثانية و خاصة نية الحكومتين في الالتفاف على المطالب الجماهيرية للقيام بمجرد ترقيعات سطحية لا تغير النظام السياسي بشكل كان سيسهل عودة التجمع الى الحكم بالتضحية ببعض رموزه لا غير.
لكن في المقابل ، و مع شرعية كل المطالب التي رفعت في اعتصام القصبة الثاني الذي أطاح بمحمد الغنوشي رفع اليسار شعار المجلس التأسيسي مرتكبا بذلك خطأين اثنين:
الأول هو اسقاط مطالب ثورة 1905 في روسيا على تونس و هو خطأ تاريخي باعتبار ان روسيا الملكية القيصرية الاقطاعية ليست تونس الجمهورية التي سبق و ان عرفت المجلس القومس التأسيسي الذي ألغى الملكية و أسس الجمهورية في 1957 ثم أعلن الدستور الجمهوري في 1959 رغم ما أصاب الجمهورية من مساوئ لا أحد يشكك في خطورتها.
ان هذا الخطأ التاريخي أدى الى ما يشبه القطع المتطرف مع التاريخ الجمهوري التونسي مما ولد ردة فعل "بورقيبية" متطرفة من ناحية و مما فتح شهية الاسلاميين في تصفية الجمهورية ، بتعلة تصفية الاستبداد البورقيبي ، من ناحية ثانية .
الخطأ الثاني سياسي يرتبط بغياب الرؤية الثاقبة لنجاعة مطلب المجلس التأسيسي في ظرف موازين القوى الفعلية التونسية.
ان القوى اليسارية و القومية كانت ناشطة جدا في "لجان حماية الثورة" و لكنها عجزت ليس فقط عن تحويلها الى أجهزة سلطة ثورية ( و هو ما كان سيكون كارثة انتحارية لو فكر فيه أحد بسبب تماسك الجيش و قوته و تواصل سطوة الأمن رغم مشاكله) بل و حتى عن تعيين مسؤول بلدي واحد في منصبه الا بالاتفاق مع الحكومة القائمة نفسها.
لقد كان هذا يعكس في نفس الوقت ضعف الحكومة و معارضيها و لم يكن يؤشر الى "ازدواجية سلطة" شبهها بعض اليساريين بحمق بازدواجية سلطة السوفييتات و الحكومة الثورية المؤقتة في روسيا بعد ثورة فيفري 1917.
في تلك الظروف كان رفع شعار المجلس التأسيسي ، اضافة الى انه خطأ تاريخي، يمثل خطأ سياسيا لأنه يفتح الباب أمام المجهول الذي يعقب الفراغ الناتج عن حل التجمع و ضعف القوى الديمقراطية الجذرية نسبيا. و قد ثبت لا حقا ان ذلك المجهول أصبح معلوما في قوة الاسلاميين الذين لم يكن لهم دور جماهيري يذكر بين 17 ديسمبر و 14 جانفي و لكن قوتهم التنظيمية و المالية و السند الاعلامي و الدولي الذي تلقوه مكنهم من العودة بقوة.
ان الرغبة الصادقة في القطع الثوري عبرت عن نفسها بشعارات مسقطة ليس فقط على التاريخ بل و على الواقع السياسي العيني وقتها و ان الديمقراطيين التونسيين يتحملون جميعا ، كل من موقعه، مسؤولية هذا بسبب نزعتيهما شديدة التردد بالنسبة للبعض و شديدة التطرف بالنسبة للبعض الآخر. و لقد كان من الممكن الاكتفاء بالمطالب المذكورة وتعويض مطلب المجلس التأسيسي بمطلب الانتخابات الرئاسية و التشريعية العاجلة والقيام بتعديل عميق للدستور الموجود لا غير.

-4-


بعد سقوط الحكومة الثانية وجدت القوى الديمقراطية نفسها مشتتة بسبب احتدام خلافاتها السابقة و أدى ذلك الى خسارة القدرة الفعلية على التأثير على حكومة الباجي قائد السبسي التي قدمت نفسها على انها حكومة تكنوقراط للتسييرالانتقالي لدواليب الدولة حتى موعد الانتخابات المقبلة و أدار قائد السبسي دفتها لوحده بدهاء و بالتنسيق مع الجيش خاصة بعد ما أعلن انه سيختفي من الحياة السياسية بانتهاء مهمته.
في هذه المرحلة بدأ المزاج الثوري الشعبي يتراجع و تركز اهتمامه نسبيا حول ضمان الاستقرار و الأمن من قبل الحكومة القائمة فاستغل السبسي الأمر للتركيز على "هيبة الدولة" و تركزت اهتمامات المعارضة حول التأثير في اللجان التي تكونت للمحاسبة و الانتخابات و في هيئة حماية الثورة والاصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي التي عوضت "مجلس حماية الثورة" الذي فشل الديمقراطيون في اسناد الصفة التقريرية له الى جانب الحكومة.
لقد أدى انسحاب الشابي و بن ابراهيم من الحكومة الى ضعفهما فراحا يركزان على تاثيرهما في اللجان المذكورة وناوش اليسار الحكومة قليلا و لكنه غرق مثل غيره في نقاشات تلك اللجان و خاصة لجنة صياغة القانون الانتخابي المؤقت الذي سينظم انتخابات المجلس التأسيسي.
في تلك المرحلة كان الخطأ القاتل الأساسي للديمقراطيين التونسيين هو ما يمكن وصفه بما شبه "التذاكي القانوني" و لعب الحقوقيون دورا كبيرا متوهمين انهم سيعدون قانونا انتخابيا يضمن ألا يسيطر أحد على المجلس المقبل في الوقت الذي اهتمت فيه حركة النهضة بالعمل الميداني في مشتلها المتنامي منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 و بمساعدة مالية و اعلامية قطرية و مباركة أمريكية.
لقد اقترف الديمقراطيون التونسيون في تلك المرحلة خطأ شكلنة المعركة السياسية الموالية التي وقعوا في فخها قبل غيرهم بسلوكهم اللاحق عند الانتخابات .
عند التحضير للانتخابات بدأت ، اذن، سلسلة جديدة من الأخطاء القاتلة.
لقد توهم الديمقراطيون التونسيون ان تأثيرهم القوي على لجنة صياغة القانون الانتخابي و اعداد الانتخابات و على "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة و الاصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي" سيضمن لهم نصيب الأسد في مقاعد المجلس التأسيسي فدخلوا لمعركة الانتخابية فرادى دون تحالفات.
لقد تصوروا ان صياغة القانون الانتخابي سوف لن تعطي للاسلاميين أكثر من 20 في المائة من المقاعد على أقصى تقدير ففضلوا الدخول في الانتخابات كل بقائمته الخاصة طمعا في الغنيمة الحزبية. و قد كان الحزب الديمقراطي التقدمي و قتها ، من جديد ، أول المسؤولين عن هذا الخيارو تبعته بقية الأحزاب ، بما فيها "جبهة 14 جانفي" التي تبخرت ، مما أدى الى تشتت القوائم و ارباك الناخبين و ضياع عشرات الآلاف من الأصوات بين الفصائل القريبة من بعضها و مكن ذلك النهضة من الفوز بأكثر من أربعين في المائة من المقاعد و المؤتمر من أجل الجمهورية ( الذي به عدد كبير من المناضلين الاسلامييين السابقين) بعدد هام منها بل وفوز ما يسمى "العريضة الشعبية" بعدد كبير من المقاعد رغم كونها قائمة مشبوهة بكل معنى الكلمة من أبعاد.
في المقابل لم تنل القوى الديمقراطية الجذرية سوى مقاعد قليلة متوزعة على أحزاب عديدة لم تفلح في تكوين أغلبية برلمانية و بعضها لم يفلح حتى في تكوين مجموعات برلمانية .
في هذه المرحلة أيضا وجد حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ( المرزوقي) و التكتل من أجل الحريات ( بن جعفر) نفسيهما في وضعية لا يحسدان عليها. فقد كانا أقرب الى المعسكر الديمقراطي ، و لكن نتيجة الانتخابات فرضت أحد خيارين: اما القبول بالتحالف الثلاثي مع النهضة لتكوين الحكومة أو رفض ذلك ، مع استحالة تكوين أغلبية برلمانية معارضة بسبب وجود كتلة "العريضة الشعبية" و تشتت البقية، مما كان سيعني أزمة فراغ حكومية.
لكن الحزبين المذكورين ( المؤتمر و التكتل) كانا مستعدين للتحالف مع النهضة نظرا لأوهامهما الديمقراطية حولها و نظرا لميل قيادتهما الى جني الثمار السياسية خاصة و ان السيد منصف المرزوقي مثلا قد أعلن عن نيته في الترشح للرئاسة منذ وصوله الى المطار عائدا من فرنسا رغم ان الدم كان مازال يسيل يومها في الشارع التونسي و هذا الاعلان كلفه غاليا في شعبيته في المرحلة الأولى مما قد يساعد على تفسير سهولة قبوله للسند الاسلامي عند الانتخابات و للتحالف مع النهضة بعد الاتخابات.
أما حزب "التكتل" فان الأرجح انه حسب المسألة انطلاقا من فائدة المشاركة في الحكم مقارنة بعدمها. ولكن احتمال تأثير دولي عليه وارد جدا بحكم علاقاته بالاشتراكية الدولية و احتمال تأثير الجيش وارد أيضا بحكم الفراغ الذي كان سيحدث لو رفض المشاركة في الائتلاف الحكومي مما كان سيعني تعطيل أجهزة الدولة في انتظار اعادة الانتخابات .
ان نتيجة الانتخابات فرضت على هذين الحزبين ، نسبيا، ضرورة تشكيل الترويكا الحاكمة و اننا نعتقد انه لو كان الحزب الديمقراطي التقدمي هو الذي فاز بالعدد الأهم من المقاعد ، بعد النهضة، لقبل هو الآخر التحالف معها في تحالف ثلاثي آخر أو ثنائي لأن أغلب الأحزاب الديمقراطية الوسطية ، بل وحتى بعض اليسارية ، لم تكن حازمة مع الاسلاميين بدليل تكون ما كان يسمى "جبهة 18 أكتوبر" معهم.
لكن المشكل هو ان الديمقراطيين التونسيين تناسوا بسرعة ان المؤتمر و التكتل ترشحا منفردين و ببرامج مخالفة للنهضة . كما ان المشكل سيصبح ، فيما بعد، في كيفية تعامل هذه الأحزاب الديمقراطية الوسطية مع النهضة أثناء الحكم المشترك.
أضافة الى هذا يمكن القول ان الديمقراطيين التونسيين أضاعوا فرصة تاريخية كانت ستمنع من المأزق الذي حصل كما بيناه منذ قليل لو أنهم أعطوا الاتحاد العام التونسي للشغل دورا ما في العملية الانتخابية.
يمكن القول انه في تلك المرحلة ارتكب الديمقراطيون التونسيون خطأ قاتلا آخر تمثل في عدم ايجاد صيغة مرنة تمكن من استثمار الاتحاد العام التونسي للشغل في الانتخابات.
لقد كاد الاتحاد يشارك في تركيبة حكومية مؤقتة و لم يكن أحد يرفض ذلك المبدأ نظرا لدوره في الثورة. و لقد كان من الممكن ، ربما، ايجاد صيغة تمكن من استثمار الاتحاد كماكنة انتخابية بتقديم قوائم نقابية ديمقراطية مستقلة مشتركة في صيغة مرنة. لكن تورط قسم من قيادة الاتحاد في الفساد و بحث قسم آخر عن مصالح سياسية ضيقة من خلال تأسيس "حزب العمل التونسي" و طمع اليسار و القوميين في تحقيق نتائج خاصة بتنظيماتهم الصغرى أضاع الفرصة التاريخية الوحيدة ، ربما، التي كانت ستغير المعادلة الانتخابية لصالح الديمقراطيين الونسيين.
لقد كانت هذه الامكانية صعبة و لكن السلوك السياسي المذكور هو الذي جعلها مستحيلة التحقق و هذا دل على عدم نضج الديمقراطيين التونسيين رغم ما لهم في تاريخ تونس نفسها من تجربة مشاركة الاتحاد في انتخابات المجلس التأسيسي الأول سنة 1956-1959 في وقت كان فيه بورقيبة دون معارضة فعلية. كما ان لهم في تجربة نقابة سوليدارنوسك البولونية مثالا بعيدا ولكنه قابل للاستثمار في ظروف تونس الخاصة من منطلقات ديمقراطية.
و هكذا اجتمعت كل شروط الهزيمة النسبية و لكن ما سيعمقها فيما بعد هو سلسلة أخطاء أخرى بعد 23 أكتوبر و تشكل الترويكا الحاكمة الحالية.

-5-

ان اكبر خطأ ارتكبه الديمقراطيون في هذه المرحلة هو خلطهم بين مكونات الترويكا الحاكمة دون تمييز و دون أية مرونة في التعامل مع حزبي المؤتمر و التكتل للسيدين المرزوقي و بن جعفر.
لقد نسي الديمقراطيون التونسيون أولا ان هذين الحزبين هما أقرب فكريا و سياسيا الى المعسكر الديمقراطي و أنهما ترشحا لانتخابات المجلس التأسيسي بقائمات مستقلة و لم يتحالفا انتخابيا مع النهضة بل قاما بذلك بعد ظهور نتائج الانتخابات.
ان هذا الخطأ أدى الى النتائج التالية:
تقوية تحالف النهضة معهما رغم انهما اقرب الى الديمقراطيين التونسيين منهما الى المعسكر الاسلامي ، و هذا ينطبق أكثر على حزب التكتل خاصة.
فقدان القدرة على التأثير التفاعلي المباشر عليهما بالتركيز على اضعافهما السلبي مع النهضة.
تغول النهضة على حسابهما و مساهمة الديمقراطيين في اضعافهما داخل الترويكا نفسها.
فتح المجال لعودة الباجي قائد السبسي للعودة مع "نداء تونس" الى الساحة السياسية بسبب عجز الأحزاب الديمقراطية عموما عن مقارعة النهضة و عن تقديم بديل جمهوري ديمقراطي واسع و موحد يقنع أطيافا عديدة من الشعب التونسي بامكانية ايجاد توازن مقبل مع النهضة و الاسلاميين عموما من خلال الجمع بين الضغط عليها من داخل الترويكا و من خارجها في نفس الوقت.
ان من أسباب هذا الأمر الذي أدى الى التطور الصاروخي لنداء تونس تشتت الديمقراطيين من ناحية و عدم حل مسألة مصير التجمعيين غير الفاسدين و القاعديين و سبل عودتهم الى الحياة السياسية بعيدا عن "صقور التجمع" و كذلك عدم وجود شخصيات كاريزمية تجمع حولها المعارضة الديمقراطية و التونسيين عموما و نعتقد ان نجيب الشابي كان يمكنه فعل ذلك نسبيا في لحظة معينة و لكنه فشل بسبب حساباته الخاصة.
و استجابة لهذه الحاجة الملحة و تعويضا عن الفراغ السياسي الديمقراطي الذي فشل الديمقراطيون في سده بسبب أخطائهم و نتيجة سياسة الاضطهاد السياسي التي سببها بن علي طوال عقود تأسس نداء تونس للموازنة مع النهضة و بدأ ينجح.
لكن حزب نداء تونس، رغم اختلافه عن الأحزاب التجمعية مثل "الوطن" و غيره ، يبقى المستقطب الأساسي للتجمعيين في عمومهم دون أن يعني ذلك أن أقساما منهم لم تلتحق بالنهضة أو حتى بالجمهوري أو غيرهما.
كما يعرف هذا الحزب مشكلا كبيرا يتمثل أولا في تمحوره الشديد حول شخص الباجي قائد السبسي من ناحية ( وهاذا ما جعل أحد الصحفيين يكتب يوما مقالا بعنوان "ماذا لو مات السبسي؟" ) و ثانيا وجود أجنحة مختلفة داخله من الدستوريين القدامى ، الذين لهم دور شرفي تقريبا، و اليساريين و بعض المثقفين الديمقراطيين ، الذين لهم دور سياسي في ابراز الصفة غير التجمعية للحزب ، و التجمعييين الذين يعتبرون الأغلبية العددية على ما يبدو و لو أن خلايا هذا الحزب و فروعه تتأسس على قاعدة الانتخاب القاعدي ، وليس على قاعدة التعيين كما يحصل الآن" وفاقيا" ، لفازوا بقيادة الحزب بسهولة ،ان تجرأوا على الترشح طبعا.

بعد تأسيس هذا الحزب يمكن القول ان مرحلة جديدة من الأخطاء القاتلة بدأت تظهر بالتوازي مع الأخطاء السابقة في التعامل مع حلفاء النهضة في الترويكا الحاكمة.
من ناحية أولى: لا حظنا تسرع الحزب الجمهوري( الديمقراطي التقدمي سابقا) و المسار الاجتماعي ( حركة التجديد سابقا) في الاصطفاف معه.
ان هذين الحزبين كررا تقريبا ما فعلاه مع حكومة محمد الغنوشي الثانية بالانفراد بتكتيكات سياسية دون انتظار و نقاش مع القوى الديمقراطية الأخرى من اليساريين و القوميين. انهما يكادان يرهنان مستقبليهما مرة أخرى بمصير غيرهما دون تنسيق جدي حتى فيما بينهما أحيانا. و بهذا الاصطفاف المتسرع شجع هذان الحزبان أعضاء من داخلهما على مغادرتهما و الالتحاق بصفوف نداء تونس. كما انهما شجعا عناصر يسارية و ديمقراطية عديدة من المناضلين و المثقفين المستقلين على الالتحاق بنداء تونس وليس حتى بهما في الوقت الذي كان فيه بامكانهما جذب تلك العناصر اليهما لو أنهما أبديا مزيدا من الصلابة و الصبر و أجلا ، على الأقل، التحاقهما بنداء تونس.
كما ان هذا السلوك ، و لكن نتيجة سلوك الجبهة الشعبية أيضا، أدى الى التحاق "حزب العمل الوطني الديمقراطي" ( عبد الرزاق الهمامي) و " الحزب الاشتراكي اليساري" ( محمد الكيلاني) بتحالف نداء تونس – الجمهوري- المسار.
من ناحية أخرى ساهم هذا السلوك في التحاق التجمعيين القاعديين و الكوادر غير الفاسدة نسبيا و الموظفين و بأعداد غفيرة بنداء تونس عوض التحاقهم بهذين الحزبين ( الجمهوري و المسار) أذ ان التحاقهما كسر الحاجز النفسي و سهل عملية الالتحاق المباشر بنداء تونس و أعطاه ورقة بيضاء و خاصة بعد التحاق كوادر من "المسار "نفسه ( مجموعة الشعبوني).
ان هذه الوضعية سببها الأول هو ، على ما نعتقد، منطق "الحساب السياسي" الذي فشل فيه نجيب الشابي ( و قيادة حزبه ) مما جعله يرد الفعل بسرعة على خيبة أمله الانتخابية بالبحث عن الانفتاح التنظيمي من ناحية ( التحول من الديمقراطي التقدمي الى الجمهوري بالتنسيق مع "حزب العمل التونسي" وبعض المستقلين و خسارة "التيار الاصلاحي") و التحالفات الخارجية مع "نداء تونس" حتى قبل ان تتضح ابسط معالم هذا الحزب و برامجه و قياداته غيرها من النقاط.
كما يتحمل "المسار الاجتماعي" المسؤولية أيضا و لكن بدرجة أقل ، على ما يبدو، لأنه وجد نفسه مضطرا الى ذلك من ناحية بسبب ضغوط داخلية من مجموعة الشعبوني و من ناحية ثانية بسبب سلوك الجمهوري القريب منه و من ناحية ثالثة بسبب سلوك اليسار و القوميين مع هذا الحزب منذ تجربة حكومة الغنوشي الثانية خاصة اذ تسرعوا و بالغوا في اعتباره من "قوى الثورة المضادة" و من "الملتفين على الثورة" ألخ.
لكن ، و للحقيقة ربما، ان تركيبة هذا الحزب الداخلية من الجامعيين و الموظفين و الأصول الاجتماعية المترفهة لعدد كبير من قياداته العليا و الوسطى قد تجعله مؤهلا لمثل هذه السلوكات السياسية خاصة اذا لم يحسن اليسار كيفية التعامل معه.
ان الجمهوري و المسار تحملا و لا يزالان دورا كبيرا في اضاعة الفرص على الديمقراطيين التونسيين منذ أواخر أيام بن علي. و لكن تتحمل قيادة الشابي للديمقراطي التقدمي القسط الأكبر من هذه المسؤولية لأن كل حساباته السياسية فشلت باستمرار. فقد طرح شعار "حكومة الوحدة الوطنية" قبل يوم من سقوط بن علي ( مع انه لا يلام كثيرا على هذا لأنه لم يكن هنالك أحد يتوقع سقوط بن علي في اليوم التالي لولا تدخل الجيش) ثم تسرع في الانضمام الى حكومة الغنوشي الثانية و تصادم من أجل ذلك حتى مع أقرب حلفائه من الاتحاد و المؤتمرو تحمل مسؤولية وزارة فاشلة مسبقا ، تعني يالتنمية الجهوية في حكومة انتقالية، في حين نجح أحمد ابراهيم نسبيا في وزارة التعليم العالي .ثم كان صاحب السبق في اعلان الترشح المنفرد في انتخابات التأسيسي بناء على توقعات خاطئة لحجم حزبه و قراءة خاطئة للقانون الانتخابي و لموازين القوى السياسية عامة، و أخيرا كان أول الملتحقين بنداء تونس.
من ناحية ثانية ، لكن من جانب آخر، لا بد من الاعتراف ان اليسار و القوميين ( جبهة 14 جانفي ثم الجبهة الشعبية ) يتحملون أيضا جزءا من المسؤولية في ما سبق.
ان سرعة الحكم على الحزب الديمقراطي التقدمي( الجمهوري حاليا) و حركة التجديد ( المسار الاجتماعي حاليا) بانهما خانا الثورة و أصبحا من قوى الثورة المضادة ثم أطلاق نفس الأحكام على المؤتمر ( المرزوقي) و التكتل ( بن جعفر) ، رغم أخطاء هذه الأحزاب الأربعة الفعلية، لم يؤد الا الى ضعف المعسكر الديمقراطي الاجتماعي بكل أطيافه الوسطية و اليسارية و ذلك لصالح النهضة بالدرجة الأولى ، في البداية، ثم لصالح "نداء تونس" لاحقا.
ان تواصل حكم الجبهة الشعبية على هذه الأحزاب و بهاته الطريقة لا يؤدي فعليا الا الى اضعاف المعسكر الديمقراطي التونسي. فعوض نقد الأخطاء دون التشكيك في الأحزاب برمتها و دون السقوط في التجريح الشخصي للقادة، بحيث يترك هامش للحوار و التنسيق و احتمال اعادة ترميم العلاقات، تقوم الجبهة الشعبية بوضع المؤتمر و التكتل في نفس سلة النهضة و السلفيين و حزب التحرير و بوضع الجمهوري و المسار في نفس سلة "نداء تونس.
ان هذه السياسة اليسارية – القومية المتطرفة تؤدي حتما الى انفراط عقد القوى الديمقراطية التونسية و تعكس عدم نضج كل قواها في التعامل مع بعضها البعض و مع الواقع السياسي للبلاد في ظروفها الحالية.

-6-

اصبح الموقف من حزب "نداء تونس " اليوم في مركز الجدل السياسي بسبب تطور هذا الحزب جماهيريا وبسبب تركيبته الاشكالية. و حول هذه النقطة لا بد من الذكير بما يلي:
أولا : نكرر ان موقف الجمهوري و المسار ، ثم العمل الوطني الديمقراطي و الاشتراكي اليساري و لكن بصورة أقل نسبيا، هو موقف متسرع واصطفافي بدليل انهما تحالفا معه حتى قبل أن يتأسس رسميا و قبل ان تتشكل قيادته و قبل أن يعلن برنامجه السياسي.
ثانيا: ان الجبهة الشعبية تنظر الى "نداء تونس" كوجه ثان من عملة اليمين لا غير في الوقت الذي تعترف فيه ان "نداء تونس" حزب ليبيرالي ( هذا ما يرد أحيانا كثيرة في وثائق و تصريحا الجبهة) بينما تتهم فيه الجبهة حركة النهضة بأنها "يمين ديني" و" فاشية" و "اقطاعية" و "ظلامية" و بأنها تهدد مكتسبات الشعب التونسي من "السيادة الوطنية" الى الجمهورية الى "النسيج الاجتماعي" الحداثي الى " نمط العيش التونسي" الى حقوق المرأة الى " مكتسبات و أهداف الثورة"، الخ.
كما ان الجبهة الشعبية تدرك جيدا ان "نداء تونس" ليس التجمع المنحل رغم التقاطعات الموجودة بينهما في التاريخ و الكوادر و المشاريع البرنامجية.
و لكن الجبهة الشعبية لا تدرك أهمية و جود تحالفين ثلاثيين أساسيين متصارعين و لا تعطي أهمية للأحزاب الأربعة المتحالفة ، اثنين- اثنين، مع كل من النهضة و نداء تونس تحالفا وقتيا بالضرورة و قابلا للتطور و حتى للانفجار ، خاصة بين النهضة و حليفيها و لكن حتى بين نداء تونس و حلفائه خاصة حول الترشحات الى الرئاسة و الوزارات و المناصب الأخرى.
كما ان الجبهة الشعبية لا تستنتج ما يجب استنتاجه من تحاليلها هي نفسها ، أو على الأقل بعض فصائلها. فاذا وجدت الجبهة نفسها بين الليبيرالية من ناحية و "الفاشية" من ناحية ثانية فهل من السليم اعتبار "نداء تونس" و النهضة "وجهين لعملة واحدة" يمينية بحجة ان لهما نفس البديل الاقتصادي( و هذا غير صحيح جزئيا عند المقارنة بين الليبيرالية و الليبيرالية المتطرفة مثلا) و نفس الموقف من التبعية ( وهذا غير صحيح أيضا لأن بين التبعية الليبيرالية و التبعية الليبيرالية المتطرفة فروق قد تكون مهمة) .
ان موقف الجبهة الشعبية من نداء تونس كان سيكون صحيحا لو ان المسار الثوري التونسي الحالي قادر على طرح "المسألة الوطنية" أو مسألة الملكية الخاصة الرأسمالية في اطار تحول ديمقراطي ثوري أو وطني –ديمقراطي في المدى المباشر أو المتوسط ، لكن بما ان الأمر ليس كذلك فيصبح من الغباء التكتيكي تبنيه.
كما ان موقف الجبهة الشعبية كان سيكون صحيحا لو أن الحركة الاسلامية التونسية هي "ديمقراطية محافظة" ( كالمحافظين الأنجليز مثلا) في صراع مع حركة نداء تونس " الديمقراطية الليبيرالية" في بلد له نظام ديمقراطي مستقر و لكن كون تونس هي في مرحلة "انتقال ديمقراطي" و كون النهضة ( السلفية غير الديمقراطية بعد) هي التي توجد في الحكم و تريد التمسك به و تهدد بتحويل البلاد الى عصر "الخلافة السادسة" باستغلال الآليات الديمقراطية المفرغة من محتواها للتراجع عن أهم المبادئ الديمقراطية السياسية و الاجتماعية التي لم تستقر بعد في النظام السياسي و في المجتمع، فان الموقف يصبح خطأ قاتلا في حق الديمقراطية التونسية الناشئة حتى لو كانت ، بشكل ما ، ديمقراطية تابعة نسبيا.
ان الموقف الديمقراطي الأسلم باتجاه حركة نداء تونس هو اعتبارها خصما "ديمقراطيا ليبيراليا". و لكن طالما ان المسألة الوطنية لا يطرحها الشعب بحدة و طالما ان الخطر الأساسي يكمن في النهضة و الاسلاميين الذين ، فرضا، يمارسون نفس التبعية و لكن يضيفون اليها عداءهم للديمقراطية الحديثة ، حتى الليبيرالية ، فانه يمكن اعتبار حركة نداء تونس من القوى الممكن التنسيق معها مرحليا ، على الأقل نضاليا و ميدانيا، في انتظار توضح معالمها السياسية و القيادية لنقاش امكانية التنسيق الانتخابي معها و ذلك لانجاح مسار الانتقال الديمقراطي على شرط ان يتم هذا التنسيق بدفع نداء تونس نضاليا الى توضييح برامجه نهائيا و اقصاء الفاسدين و المجرمين من التجمعيين من صفوفه و التأثير فيه للتخلي عن سلبيات التسلطية البورقيبية المراد تكرارها مع قائد السبسي و التي لو عادت للتطور مع نداء تونس لأدت الى اعادة انتاج النظام السابق و ان على المدى المتوسط.
و للقيام بهذا لا بد من أخذ تواجد جناح من اليساريين والديمقراطيين المستقلين في صفوف هذا الحزب بعين الاعتبار بحيث يساعدهم هذا السلوك في التأثير على حزبهم لاضعاف الأجنحة اليمينية داخله.
بناءا على هذا ، يمكن للجبهة الشعبية الا تلتحق بتحالف نداء تونس و حلفائه و لكن عليها ألا تقطع الجسور معهم و خاصة مع الجمهوري و المسار و العمل الوطني الديمقراطي و اليساري الاشتراكي و مع اليساريين و الديمقراطيين داخل نداء تونس نفسه.
ان هذا السلوك لا بد من التفكير فيه كذلك مع حزبي "المؤتمر" و "التكتل" كما عليها ان تنفتح على الأحزاب الديمقراطية المستقلة عن الجبهات الحالية و أولها "التحالف الديمقراطي" ( القوماني-الحامدي) مثلا و لكن هذا الكلام ليس موجها فقط الى الجبهة الشعبية بل الى كل الأحزاب و الأجنحة المذكورة سابقا و التي عليها ، هي الأخرى، التحرك باتجاه بعضها البعض للحفاظ على حد أدنى من العلاقات السياسية التي تسمح بتجميع أكثر ما يمكن من القوى الديمقراطية التونسية عند اللزوم.
في هذا الصدد أيضا لا بد من اضافة ملاحظة لكل الديمقراطيين تبدو لنا مهمة في أفق الانتخابات المقبلة و هي التالية.
لنفترض ، و هذا مجرد افتراض، ان الخارطة السياسية التونسية لن تتغير كثيرا من هنا الى الانتخابات القادمة. في هذه الحالة ستكون هنالك ثلاثة قوى كبرى هي النهضة و حلفاؤها و نداء تونس و حلفاؤه و الجبهة الشعبية.
من الاحتمالات الواردة نظريا ألا تفوز أية قوة من هذه القوى الثلاث بالأغلبية المطلقة التي تسمح لها وحدها بتشكيل الحكومة المقبلة و سيكون هنالك واقع يفرض ضرورة تشكيل تحالفات برلمانية و عندها سوف يطرح أحد الخيارات الثلاثة الآتية.
التحالف بين النهضة و الجبهة الشعبية.
التحالف بين نداء تونس و الجبهة الشعبية.
التحالف بين النهضة و نداء تونس.
و في صورة تعذر كل هذه التحالفات فان ما سيقع هو الفراغ الحكومي و اعادة الانتخابات لاحقا و كل ما يمكن أن يؤدي اليه اذا عاودت نفس الكتل الفوز بنفس المقاعد وواصلت رفض التحالفات.
ان الديمقراطيين التونسيين قادرون لوحدهم على استنتاج ما سيقع عندها و نتائج ذلك على الشعب و على مسار الانتقال الديمقراطي و لكننا نريد أن نذكرهم بمثال من خارج تونس لتوضيح الأمر و بأمر آخر لاحقا.
في فرنسا، حيث النظام الديمقراطي مستقر و حيث هنالك دورات ثانية في الانتخابات الرئاسية و التشريعية ، يتقدم اليمينيون و الاشتراكيون و اليساريون و أقضى اليمين بقائمات منفردة في الانتخابات و لكن في الدورات الثانية تتغير التحالفات للتوجه جماعيا ضد خطر اليمين المتطرف من الجبهة الوطنية اذا وجد ويتم التنسيق بين الاشتراكيين و اليسار ضد اليمين فقط اذا غاب خطر اليمين المتطرف.
ان هذا الأمر يتم في بلد ديمقراطي مستقر، لا خوف على نظامه الديمقراطي ،فما بالك بتونس التي تستعد لأولى مراحل الانتقال الديمقراطي مع خطر تحويل ذلك المسار جذريا باتجاه أصولي يميني ما قبل ديمقراطي و غير ديمقراطي.

أما الأمر الآخر فهو التالي: هنالك شعور بالألم و الاحباط و الغضب يعبر عنه عدد من الديمقراطيين بسبب عدم تحالف الجبهة الشعبية مع نداء تونس و حلفائه يصور على انه كارثة محدقة بالبلاد لكننا نقول: " رب ضارة نافعة".
نحن نعيش وضعا استثنائيا فيه أقصى ما يمكن من المشاعر المتنافرة من الخوف و الأمل و الفرح و الحزن و الاحباط و غيرها. و هنالك علاقات معقدة جدا بين ممثلي الجبهة الشعبية و قادة نداء تونس منها ما هو سياسي و منها حتى ما هو شخصي بسبب مسؤوليات السبسي السابقة في الدولة و العلاقات المعقدة بين بعض أعلام نداء تونس و بعض قادة اليسار و القوميين ألخ.
من ناحية أخرى ، سياسية، و هي التي تهمنا : هنالك قطاعات من الشعب عانت ما عانته من الفقر و الظلم و التهميش و عندها من الآمال القصوى ما يجعلها لا ترى من يمثلها سياسيا سوى الجبهة الشعبية. و هنالك قطاعات أخرى من الشعب لها مشاعرو تصورات أخرى قد يوجد منها الخوف على الدولة و الأمن و العمل على تحقيق الاستقرار في أسرع وقت و البحث عن الزعيم الكاريزمي وغيرها و هذه القوى تجد في نداء تونس و حلفائه من يمثلهم.
المهم اذن ليس في الوحدة التنظيمية بين الطرفين مهما كان الأمر. المهم هو في الاستجابة لأوسع و أعمق المشاعر و المطالب الشعبية الواسعة و المختلفة حتى لو تم ذلك بعدم الاتحاد الجبهوي و لكن على شرط الآ ينجر القادة الى قبول تشنج أتباعهم الحالمين اليساريين من ناحية أو "عقلانيتهم" الحسابية اليمينية من ناحية مقابلة.
لذلك قد لا يكون عدم اتحاد الجبهة الشعبية مع تحالف نداء تونس ضارا بل نافعا و لكن بشرط معرفة تنظيم الانفصال الحالي و القدرة على تحقيق الاتحاد لاحقا اذا حتمت الأمور ذلك. و ان هذا يتطلب المرونة منذ الآن حتى لا يكون القيام بذلك في المستقبل مفاجئا ويؤدي التى التفتت و الانفجار في الأحزاب و الجبهات الحالية و في ردة فعل جماهيرية مضادة للديمقراطية ستحاول الحركات الاسلامية تغليفها بأخلاقيات دينية مفارقة لمنطق النضال السياسي الديمقراطي .
هنا اذا لم تكن القيادات السياسية واعية تمام الوعي بكل احتمالات العملية السياسية و بما يجب تعديله في الوقت المناسب و عند الضرورة فان الكارثة تنتظر الجميع.
اذا لم يتعظ الديمقراطيون التونسين بهذا فانهم سيواصلون ارتكاب الأخطاء القاتلة لأنفسهم و لشعبهم.

-7-

و مع كل هذا هنالك خطأ قاتل آخر عند الديمقراطيين التونسيين و هو عدم الاهتمام الجدي بأجنحة النهضة الأقل تطرفا، كي لا نقول الأكثر ديمقراطية حاليا.
ان حركة النهضة، الى الأن ، حركة موحدة تنظيميا و فكريا و سياسيا و هي أقل الحركات الكبرى التي ترشح منها أخبار الاختلاف بحكم طابعها السياسي الديني ، و لا نهتم هنا بحزب التحرير و السلفيين طبعا.
لكن داخل حركة النهضة بالضرورة من هو أقل تطرفا من غيره و قد يكون مستعدا للتأقلم التدريجي و الصعب مع الديمقراطية الحديثة.
ان مثيلات حركة النهضة من الحركات الاسلامية ، بسبب ما تعلنه من وسطية و اعتدال، يمكن أن تعرف أكثر من غيرها من الحركات الاسلامية أجنحة تجد نفسها في مراحل تاريخية معينة ، ولكن بفضل النضال ضدها و ليس بوعظها و ارشادها، مجبرة على التأقلم مع ضرورات النظام الديمقراطي باتجاه "النموذج التركي" السيء على الأقل.
ان هذه الأجنحة ، بعد تجربة السجن أو المنفى أو الحكم أو غيرها أو كلها في نفس الوقت ، وبفضل النضال الديمقراطي المستميت ضد حركاتها الأم ، يمكن أن تنفصل أو تتمكن من السيطرة التنظيمية الداخلية و تقرر الاكتفاء بالاسلام كمرجع قيمي أخلاقي عام في النشاط السياسي و تسلم بدرجات متفاوتة ، حسب تجذر النضال الديمقراطي ضدها، بالقبول بالديمقراطية الحديثة و الرفض النهائي لأي شكل من أشكال الدولة الدينية.
في هذه الحالة ، التي لا تزال بعيدة في تونس، تتحول شقوق من الحركة الاسلامية الى حركات ديمقراطية محافظة لا غير و تكف عن كونها حركات معادية جذريا للديمقراطية.
ان هذه الامكانية ليست نظرية فقط بل وعملية أيضا و هي ما تحقق في تركيا فعليا و لا يوجد مانع أبدي لتحقق ذلك في تونس أيضا.
لكن تحقق هذه الامكانية قد لا يصبح أمرا فعليا الا اذا تحالف كل الديمقراطيين التونسيين ، بقطع النظر عن شكل و عمق التحالف، من أجلها. و اننا نعتقد ان الظرف التاريخي الحالي في تونس يحتم هذا التحالف أو التنسيق العريض عساه يدفع ببعض الاسلاميين ،من النهضة على الأقل، الى القبول بالديمقراطية .و لو حصل ذلك سيكون مكسبا تاريخيا لتونس بربحها جزءا من أبنائها الاسلاميين ضمن العائلة الديمقراطية الموسعة ، حتى لو بقوا محافظين. كما ان هذا المكسب لو تحقق قد يساعد حتى على تراجع بعض الاسلاميين الآخرين الأكثر سلفية فتتجنب البلاد ارغامهم على "المراجعات الفكرية" في الجبال (كما حدث في الجزائر) أو في السجون (كما حدث في مصر).
ان في تاريخ تونس الحديث مثال مشابه حصل في الثمانينات عندما انفصل "الاسلاميون التقدميون" عن " الاتجاه الاسلامي" و التحقوا بالديمقراطيين في الساحات الفكرية و السياسية و الحقوقية و النقابية و ليس هنالك ما يمنع ، مع تغير الظروف، من تكرار هذا ومن الأمل في أن يتحقق بمقاييس أعمق و أوسع نظرا لما تمر به تونس من ظرف تاريخي خاص و لكن اذا قام الديمقراطيون بدورهم.
لكن ، وكما قلنا ، لن يتم هذا الأمر بسهولة و لا بالتمني و الوعظ و الارشاد بل بالنضال السياسي الديمقراطي – و نركز على صفته الديمقراطية- وحده لا غير لأن أي انحراف عن الطابع الديمقراطي لذلك النضال سوف لن يخدم سوى الأجنحة اليمينية الأكثر تشددا ليس فقط في وسط الاسلاميين بل وفي وسط تنظيمات مثل "نداء تونس" و قد يكون ذلك بتبادل الخدمات مع أقصى اليسار الذي لا يتعامل مع المسألة الدينية تعاملا ديمقراطيا علمانيا مرنا و هذا ،مع الأسف، ما يحدث الآن الى درجة تصل أحيانا الى اتهام الاسلاميين في اسلامهم نفسه و هو من أكبر الأخطاء الشائعة التي تعكس انسحاب الجميع الى بؤرة التخوين و التكفير و من منطلقات متناقضة عوض التركيز على انعكاس الاختلاف في القراءات ،الدينية أو غير الدينية، على الممارسة السياسية العامة للتنظيمات السياسية.
ان حركة النهضة قوة سياسية في تونس الآن و ستبقى كذلك مستقبلا حتى لو سقطت من الحكم أو ضعفت. و انه من المهم ، من الآن، ترشيد النضال الفكري و السياسي ضدها و الا فقد يؤدي ذلك الى كارثة حقيقية. و ان من أول مظاهر ذلك الترشيد فتح الحوار الفكري العميق في المسألة الدينية و تركيز النضال السياسي على البرامج و الممارسات المضرة بمصالح الشعب وتجنب الانجرار الى الصراع الرديء القائم على التكفير و التخوين و القذف الأخلاقي الذي قد تجيده الحركة الاسلامية أكثر من غيرها.
ان الديمقراطيين التونسيين لم يفلحوا بعد في الانتباه الى هذا بما فيه الكفاية و قد يكون من أكبر أخطائهم القاتلة في المرحلة المقبلة خاصة لو واصلوا على نفس المنهج الحالي.

-8-

من ناحية أخرى ، وهنا نغادر الحديث عن القوى السياسية الحزبية و الجبهوية ، نشير الى صنف آخر من الأخطاء القاتلة التي يرتكبها الديمقراطيون التونسيون باختصار شديد في ثلاثة نقاط و في قالب أسئلة.
أولا: لقد لعب نظام بن علي كثيرا على استغلال قضية المرأة والاتحاد الوطني للمرأة التونسية سابقا لتوطيد حكمه. و لاتزال هذه القضية من أخطر المعارك السياسية في تونس رغم المكاسب التي تحققت بالنضال.ان معركة حرية المرأة تعود بقوة بسبب الاسلاميين الذين يحاولون الالتفاف حتى على ما تحقق زمن بورقيبة و بن علي و لكن سؤالا خطيرا يطرح الآن وهو : لماذا لم يبادر الديمقراطيون التونسيون الى تأسيس اتحاد للنساء الديمقراطيات التونسيات يتجاوز الاتحاد الوطني للمرأة و "جمعية النساء الديمقراطيات" التي لم تعد تفي بالغرض الآن لأن المعركة ستتسع و تتعمق و ذلك يتطلب اتحادا نسائيا جديدا يتوجه الى عموم النساء الديمقراطيات التونسيات من المثقفات و العاملات و الفلاحات و غيرهن دفاعا عن حقوقهن المشروعة في المساواة الفعلية بين الجنسين؟

ثانيا: لقد كانت الثورة التونسية ، في جانب ما،ثورة شبابية وقد لعبت هذه الفئة دورا هاما في الثورة و هي تشارك بفاعلية كبيرة في الحراك الشعبي من خلال "اتحاد أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل" و" الاتحاد العام لطلبة تونس" و في الحقل التلمذي و غيره.
فلماذا لم يبادر الديمقراطيون التونسيون الى تأسيس اتحاد شباب ديمقراطي فعلي يجمع كل الشبان الديمقراطيين بقطع النظر عن اختلافاتهم الديمقراطية للمساهمة في الانتقال الديمقراطي الذي هو في حاجة اليهم مثلما هم في أمس الحاجة اليه؟

ثالثا: ان الثورة التونسية هي ،في جانب منها أيضا، ثورة شعبية "عفوية" و هذا يعني فيما يعنيه ضعف الثقافة السياسية و الثقافة عموما في الحراك الثوري رغم مساهمة بعض المثقفين الفرادى . فلماذا لم يفكر الديمقراطيون التونسيون الى اليوم في تأسيس اتحاد الكتاب و المثقفين و المبدعين الديمقراطيين الذي يوحدهم و يتجاوز "شقف" اتحاد الكتاب التونسيين المتهاوي و التنظيمات الضيقة مثل "رابطة الكتاب الأحرار" و غيرها؟
لماذا تأخر الديمقراطيون التونسيون عن معالجة هذه الأخطاء القاتلة المرتبطة بثلاثة من القطاعات الحيوية الضرورية للانتقال الديمقراطي؟

-9-

نعود الى القوى السياسية لنختم و لكن بالتعرض لمسألة غير داخلية الآن.
كل من يحلل الثورة التونسية من الديمقراطيين التونسيين يربطها حتما بمحيطها العربي و الدولي .
ان الانتقال الديمقراطي في تونس ليس مسارا تونسيا صرفا كما يدرك الجميع و ان قوى عربية و عالمية تؤثر فيه سلبا بالدرجة الأولى بحثا عن مصالحها في المنطقة. و ليس هنالك من خيار بالنسبة للديمقراطيين الوطنيين و القوميين و الامميين على السواء سوى السعي الى ربط علاقات مع قوى سياسية و نقابية و شخصيات من المثقفين العرب و العالميين للضغط على القوى الدولية المخربة للانتقال الديمقراطي التونسي و الباحثة عن تعميق التبعية والارتهان للمصالح الخارجية المضرة بالشعب التونسي و سيادته الوطنية و انتقاله الديمقراطي المستقل.
و لكن من الأخطاء القاتلة الأخرى التي ترتكب في هذا الصدد عدم العمل الجدي المنظم على ربط علاقات و تكوين مكاتب تنسيقية أو جبهات مع القوى الديمقراطية العربية و القوى الديمقراطية الانسانية الجديدة في العالم. فهل من استفاقة؟

-10-

كلمة أخيرة:

في تفاعل مع بعض الأصدقاء الشخصيين حول مقالات سابقة نشرتها في موقع "الحوار المتمدن" انتقد بعضهم مثاليتي السياسية و ابتعادي عن ادراك تعقيدات الواقع و لمح لي بعضهم بالمثل الشعبي التونسي القائل "المتفرج فارس" في اشارة الى استقلاليتي التنظيمية و عدم انخراطي المباشر في النضال السياسي لأسباب لا مكان هنا لذكرها.
قد يكون هذا الأمر صحيحا و لو جزئيا و لكنني أؤمن في المقابل أيضا ان الاستقلالية التنظيمية و الابتعاد النسبي عن الصراع السياسي اليومي قد يساعد في أخذ المسافة الضرورية للتحليل و التقييم والنقد . و حتى لا أفهم خطأ هذه المرة أيضا أريد توضيح مسألة أعتقد انها هامة جدا في علاقة بجوهر الموضوع.
قد يعتقد البعض ان حديثي العام عن الديمقراطيين التونسيين هو من باب الاعماء السياسي و من باب البحث عن "سفينة نوح" التي فيها "من كل زوجين اثنين" في اشارة الى نزعة توفيقية و غيرها و لكنني أصر على ما أكتبه للسبب التالي.
ان الحلقة الأساسية في الحراك الثوري التونسي هي حلقة التحول الديمقراطي السياسي الداخلي وليس الوطني /القومي الخارجي و انني استبعد امكان تحول هذا الحراك الى ثورة اجتماعية بمعناها الجذري الكلاسيكي كما انني أعتبر ان الخطر الأكبر الآن هو في اعادة انتاج الاستبداد بشكله السياسي الديني المتناسق مع مصالح قوى اقليمية و دولية لها أهداف خطيرة جدا في المنطقة بأسرها.
ان توجهي للديمقراطيين التونسيين في عمومهم لا يلغي الاشارة الى اختلافاتهم الى تيارات ليبيرالية قريبة من اليمين ووسطية و يسارية و لكن كل شكل من الديمقراطية الحديثة الليبيرالية و الثورية و ما بينهما قد يصبح مهددا في قريب الأيام و أي شكل منها هو أرحم على الشعب التونسي من "النظام الاسلامي" الذي تعد به النهضة ، ناهيك عن السلفيين و حزب التحرير.
ان تونس الفعلية الآن هي في مفترق طرق بين مشروعين سياسيين أحدهما ديني محافظ ورجعي يهدد بنسف المكتسبات التاريخية و آخر اصلاحي ليبيرالي يمكن دفعه نضاليا الى تحقيق اصلاحات جذرية نسبيا و يصعب توقع انتصار مشروع ثالث أعمق من ذلك في ظل حالة القوى السياسية الداخلية و الوضع العربي و الدولي الراهن.
ان الديمقراطية ليست الجنة على الأرض و لكنها أرحم من "الجحيم المقدس" الأرضي الذي يخطط له الاسلاميون.ان من الديمقراطيين التونسيين من له علاقات برجال الأعمال و بالشركات الكبرى و من له تصورات و علاقات مشبوهة بالخارج و من لا يرى في الديمقراطية سوى مرحلة للتجاوز باتجاه يساري أو قومي ، الخ. و لكن كل هؤلاء أرحم على الشعب التونسي (لأنه لا أحد منهم يدعي القداسة و سيضطر الى ترك هوامش و مجالات للنضال من أجل النقد و التحسين و الاصلاح ) من الاسلاميين الذين يمهدون لمشروع استبدادي مقدس بالدين ، وفق تصورهم الخاص عن الاسلام، يمكن أن يحول النظام السياسي الى نظام شمولي سيدفع الشعب الكثير من أجل تغييره ، بعد أجيال ربما.
ان الاسلاميين التونسيين ، طالما لم يتحولوا الى قوة ديمقراطية ، يظلون العقبة الرئيسية لأي تقدم اقتصادي و اجتماعي و سياسي و ثقافي.
كما انهم ، طالما لم يتحولوا الى قوة وطنية جذرية، يظلون العقبة الأساسية للتطور الوطني الذي يتطلب تغييرات جذرية في الاقتصاد و السياسة و الاجتماع و الثقافة.
ان الاسلاميين التونسيين طالما ينافسون الليبيراليين على "تحسين العلاقات الدولية" فانهم أسوأ من الليبيراليين لأن هؤلاء يقبلون ، رغما عنهم، بالنقد و الاصلاح و التجاوز لأنهم لا يحكمون باسم المقدس السماوي بل باسم الشعب. أما الاسلاميون فانهم قد يبيعون البلد و يجوعون شعبه ويشتتونه و يجهلونه و يقهرونه سياسيا باسم تصورهم الخاص عن الله و عن الاسلام.
باختصار شديد و أختم ان الاغتراب الرأسمالي التابع اليبيرالي أرحم على الشعب من الاغتراب الرأسمالي التابع الديني لأن الأول يزعم انه يقدس الشعب و هو يقدس الملكية الخاصة الأرضية و لذلك يسهل تحمله و نقده و تجاوزه بينما الثاني يزعم انه يقدس الله و هو يقدس نفس الملكية فيصعب نقده و تجاوزه بسبب هالة القداسة التي يضفيها على نفسه.
لو كان الأمر نضالا بين الاسلاميين الوطنيين و عدو خارجي متحالف مع ليبيرالي محلي لكنت مع الاسلاميين ضد اليبيراليين .
و لكن اذا دار الأمر بين اسلاميين و ليبيراليين محليين يختلفون نسبيا في بدائلهم الداخلية و علاقاتهم الخارجية و يكون الاختلاف لصالح الليبيرالين الذين لا يهددون الحقوق و الحريات الديمقراطية الأساسية بينما يهددها الاسلاميون حتى في شكلها الليبيرالي الرديء فانني سأكون مع الليبيراليين، مكرها لا مخيرا.
ولو قيض لي أن أختار لوطني نظاما ،"الآن و هنا"، لرفضت الأنظمة الليبيرالية و الاسلامية و القومية و الشيوعية التقليدية كلها و لاخترت تونسة النموذج الاشتراكي الديمقراطي السويدي أو الفنلندي و لتقم الأجيال المقبلة بما تريد به.



#بيرم_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس بين الانتقال الديمقراطي و الانتقام -الديمقراطي-: نداء ع ...
- تونس : الجبهة الشعبية و الطفولية اليسارية .( رسالة ثالثة).
- رسالة الى التونسيين : قراءة في خطاب رئيس الجمهورية يوم 23 أك ...
- من -المنتدى الاجتماعي- الى -التنظيم الاشتراكي الديمقراطي الا ...
- الحركة الاسلامية حركة وطنية محافظة : نحو مقاربة علمية و سياس ...
- تونس ( عاجل ، خطير و للتوزيع على أوسع نطاق ) : تسريب...أمنية ...
- تونس بين حزبي النهضة و- نداء تونس- : هل تكون المواجهة ؟
- الجبهة الشعبية التونسية: أسئلة مصيرية. (رسالة ثانية )
- مع علم الانسان التاريخي وضد المادية التاريخية : نحو منظور عل ...
- نقد الأصولية الحمراء ...ملحق حول رسائل أنجلز في المادية التا ...
- الجبهة الشعبية في تونس : مساندة نقدية. ( رسالة مفتوحة الى ال ...
- نقد الأصولية الحمراء : نحو تجاوز مادي و جدلي للماركسية.
- الاسلاميون و المقدس الديني:نقد الاستبداد المقدس ( تونس مثالا ...
- تونس : من أجل جبهة جمهورية ديمقراطية مدنية وتقدمية.
- حركة النهضة الاسلامية التونسية: دراسة نقدية.
- ضد التيار في تونس: قوة ثالثة جديدة صعبة و لكنها ممكنة ( رؤية ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - أخطاء الديمقراطيين القاتلة في الثورة التونسية: تقييم يساري ديمقراطي.