أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - تونس : الجبهة الشعبية و الطفولية اليسارية .( رسالة ثالثة).















المزيد.....



تونس : الجبهة الشعبية و الطفولية اليسارية .( رسالة ثالثة).


بيرم ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 3896 - 2012 / 10 / 30 - 08:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أصدر الصديق و الرفيق علي بن جدو من "رابطة اليسار العمالي " التونسية في صفحته الخاصة في الفايسبوك مقالا عنونه :" في راهن المسار الثوري وديناميكية التجاذبات السياسية: لماذا لا يتحالف الثوريون مع نداء تونس؟" يمكن ان نعتبره عينة ممثلة لنزعة "يسارية طفولية" عند بعض الأطراف السياسية اليسارية التونسية.
ان هذا النص ، وان كان متميزا، يشبه نصوصا و مواقف أخرى كتبت من منطلقات مختلفة نسبيا ،وهو لذلك يصلح ان يؤخذ منطلقا لنقد ما نسميه ، على خطى لينين و دون أن نعتبر أنفسنا ماركسيين لينينيين أرثودوكس ، "مرض اليسارية الطفولي" في الجبهة الشعبية التونسية.

هذا أولا نص الرفيق و الصديق علي كاملا :

" بعد الاغتيال السياسي الإجرامي لمنتسب "نداء تونس" لطفي نقص تعالت أصوات أغلب الديمقراطيين الليبراليين ويسار الوسط ويمينه وجزء من مستقلي اليسار وانتهازييه وراكبي شعار الانتقال الديمقراطي الليبيرالي للمناداة بتأسيس جبهة ديمقراطية حداثية واسعة تكون نواتها الأساسية ومركز استقطابها السياسي/الانتخابي "نداء تونس" بمعية الحزب الجمهوري والمسار في أفق تصد ديمقراطي/ليبرالي لتغول الإسلاميين وحكومة الترويكا وإعادة تشكيل الخارطة السياسة بما يتوافق مع تكريس عملي لحالة من التقاطب والتجاذب السياسي الثنائي:ترويكا حاكمة من جهة وترويكا معارضة من جهة أخرى.

ولأن التشكلات السياسة وخلفياتها ورهاناتها ليست في النهاية فعلا بريئا كما أنها ليست مقصودة لذاتها, بل هي علي نقيض ذلك مناطق تداخل وتقاطع حيوية ومتحركة واعية بشروطها ومقاصدها تجمع بين ما هو براغماتي مباشر وبين الارتهان لموازين قوى اجتماعية وسياسية واقعية, فإن هذا الموقف السياسي الداعي للتحالف,بل الاندماج, في نداء تونس يخرج عن القياس المنطقي/الواقعي,لأنه يخرج عن السياق الثوري للاحتجاجات الاجتماعية الراهنة وعن استحقاقات المسار الثوري عامة ليدعو للالتحاق بضد سياسي طبقي مثل لوقت قريب في مؤسساته وخطابه وسياساته أعتى نماذج الدكتاتورية البوليسية/ المافيوزية في العالم.

فنداء تونس ليس فقط تشكلا سياسيا ديمقراطيا ليبراليا (كما يسوق له مؤسسوه ومريدوه من هيئته القيادية المعلنة)وإنما هو لفيف واسع من التجمعيين والبورقيبيين واللصوص ورموز المافيا الاقتصادية ورجال الأعمال الفاسدين ورموز العائلات المتنفذة التي عبثت لوقت طويل بثروات البلاد ومقدراتها ونكلت بالمناضلين واستهدفتهم في حريتهم وأرزاقهم تحت غطاء حزب الدستور والتجمع من بعده.

إن هذا الموقف في النهاية هو موقف محكوم بمجموعة من الاعتبارات الذهنية السياسية الإصلاحية والانتهازية أكثر مما هو محكوم بواقع المسار الثوري وتبدلاته الآنية حيث تتصاعد وتتواتر أشكال ونماذج الاحتجاج الاجتماعي في سياقات متحركة تسجل كل يوم في مناطق جغرافيا الفقر ومجالاته الأكثر تأزما وإثباتا لفشل سياسات الترويكا المستنسخة عن سياسات التجمع قبل أن يصبح "نداء تونس".

إن هذا الموقف الداعي للالتحاق ب"نداء تونس" هو حصيلة الهروب من الانحياز لبرنامج الثورة مثلما هو دعوة للمفاضلة بين نموذجين للاستبداد الاقتصادي والسياسي تقوم بينهما نقاط تقاطع كثيرة : نموذج حكم استبدادي ديني شمولي فاشي قيد التشكل ونموذج ديكتاتوري تاريخي يريد استعادة سطوه السياسي بشكل أكثر اعتدالا في التعاطي مع مسألة الحريات العامة والفردية لكنه لا يختلف في شيء عن النموذج الأول في ما يتعلق بالاستبداد الاقتصادي الليبيرالي وفي الارتهان لمراكز الإمبريالية الأكثر غطرسة في العالم وفي الولاء والعمل لدى قوى إقليمية وعالمية تراهن على إفشال المسار الثوري العربي.

ان هذه الدعوة السياسية المسمومة المنادية بتحالف الثوريين مع نداء تونس تجسد لحظة مفصلية حاسمة, لحظة اختبار سياسي جدي للفرز بين الثوريين وأشباههم. بين الثوريين الحقيقيين ودعيي الثورية,بين من ينتصر لقضايا الكادحين والمهمشين والمعطلين وبين من يريد ركوب المسار الثوري لربح مواقع شخصية أوسكتارية ضمن وفاق طبقي سياسي يمهد لسرقة أحلام الفقراء والمضطهدين وينتهي لقبر كل نفس ثوري راديكالي لا يساوم.هي دعوة صريحة لإصلاح النظام الدكتاتوري القائم لا إسقاطه.


إن عموم الثوريين أحزابا ومستقلين نساء وشبابا مفقرين ومهمشين ومعطلين مدعوون اليوم لخوض نضالاتهم باستقلال تام عن كل التحالفات الطبقية والسياسية الداعية لترميم النظام ولإيجاد مخرج سياسي للقوى المضادة للثورة.هم مدعوون لمزيد الانخراط في الحراك الاجتماعي في القرى والمدن والأحياء والجهات والقطاعات.هم مدعوون لإسقاط "شرعية" الركوب على المسار الثوري ولحل كل مؤسسات الاستبداد الاقتصادي والسياسي التي تستهدف حق الشعب في الثروة والحرية والسلطة.هم مدعوون لتجاوز خلافاتهم الإيديولوجية العصبوية والسكتارية والزعامتية المرضية في أفق التوحد على مهام الثورة الانتقالية والإستراتيجية.هم مدعوون للانخراط في أشكال الاحتجاج الأكثرجذرية والأكثر استيعابا لمضمون اللحظة السياسية الثورية وما تطرحه من مهام ثورية.

علي بنجدو
مناضل في رابطة اليسار العمالي والجبهة الشعبية لاستكمال مهام الثورة.
" 28/10/2012

***

ان هذا المقال المكثف و المركز يستحق التمعن لأنه يعبر عن وجهة نظر قسم من مناضلي "الجبهة الشعبية التونسية" الأكثر حركية و نضالية و لكن الأقل واقعية و مرونة، اضافة الى قسم آخر ، ولكن من منطلقات أخرى، و نعني به " الحزب الاشتراكي الوطني الثوري" و بعض المجموعات الأخرى الصغيرة.
ان الرفاق في "رابطة اليسار العمالي" و في" الحزب الاشتراكي الوطني الثوري"..، كل من موقعه، يبدون لي غير متماسكين، ليس في تصوراتهم النظرية بل، في العلاقة بين ما ينظرون اليه و ما يمارسونه فعليا داخل الجبهة الشعبية و ان مقال الرفيق علي أكبر دليل على ذلك و سوف لن نتعرض لمواقف الرفاق الآخرين الا اشارة و قد نعود اليهم بالتخصيص في فرصة قادمة.

بداية أنا لا أدعو اليسار الى التحالف الجبهوي غير المشروط مع " نداء تونس " ولكنني كنت و لا أزال أفضل تكوين "جبهة ديمقراطية تقدمية " أوسع من "الجبهة الشعبية" الحالية منذ فيفري 2011 و ليس " بعد الاغتيال السياسي الإجرامي لمنتسب "نداء تونس" لطفي نقص..." الذي حصل أخيرا.
كما انني أرى ان أخطر الأمور على تونس هو الاستقطاب الثنائي بين النهضة و نداء تونس و قد دعوت في مقال سابق لي الى تكوين " قوة ثالثة" أوسع من الجبهة الشعبية يمكن ان تضم "المسار الديمقراطي" و "الجمهوري" و "المؤتمر" و " التكتل" اضافة الى الجبهة الشعبية نفسها بهدف التصدي لخطر النهضة و بقية الاسلاميين من ناحية و خطر نداء تونس و من ورائه احتمال عودة التجمعيين من ناحية ثانية و ذلك بتفكيك التحالفين الثلاثييين الذين يهددان بتدمير البلد من خلال الاستقطاب الدائر بينهما و لكن بانقاذ العديد من مناصريهما و خاصة حلفائهما ، من الأحزاب الأربعة الأخرى، و الالتقاء معهم في منتصف الطريق الواقعة بين مواقع كل من الجبهة الشعبية من ناحية و النهضة و نداء تونس من ناحية ثانية و ثالثة.
انني أعتقد ان احسن امكانية للتطور السياسي الممكن- رغم صعوبته- بالنسبة لتونس هي تكون قوة ثالثة جديدة أوسع من الجبهة الشعبية يلتقي فيها الجبهويون مع المسار و الجمهوري من ناحية و التكتل و المؤتمر من ناحية ثانية و قد يلتحق بها آخرون مثل "حزب الاصلاح و التنمية" و "التيار الاصلاحي" المنشق على الجمهوري و غيرهما. لو تحققت هذه الامكانية لعرفت تونس ثلاثة قوى كبرى فيسقط الاستقطاب الثنائي و يمكن عندها تأمين الانتقال الديمقراطي باتجاه ديمقراطي اجتماعي ووطني بأقل الأضرار، وليس كما نتمناه بالضبط بالضرورة ، حسب موازين القوى و المزاج الشعبي العام كما نراه حاليا و ذلك باتجاه تجذير الاصلاحات الجمهورية الديمقراطية المدنية و سد الباب أمام تغول النهضة من ناحية و نداء تونس من ناحية ثانية.
ان نقطة الخلاف الأساسية مع الرفيق علي ، وغيره من الرفاق اليساريين، هي في تقييم ما يسمى " المسار الثوري" و امكانياته الفعلية و ليس في ما تريده "القوى الثورية" "انتقاليا و استراتيجيا". و ان هذه النقطة هي التي وجهت كل مقال الرفيق علي ، مثلما توجه مقالات غيره ولو من منطلقات مختلفة نسبيا.
***

يبدأ الرفيق علي بشتم الجميع بالقول :" بعد الاغتيال السياسي الإجرامي لمنتسب "نداء تونس" لطفي نقص تعالت أصوات أغلب الديمقراطيين الليبراليين ويسار الوسط ويمينه وجزء من مستقلي اليسار وانتهازييه وراكبي شعار الانتقال الديمقراطي الليبيرالي للمناداة بتأسيس جبهة ديمقراطية حداثية واسعة تكون نواتها الأساسية ومركز استقطابها السياسي/الانتخابي "نداء تونس" بمعية الحزب الجمهوري والمسار في أفق تصد ديمقراطي/ليبرالي لتغول الإسلاميين وحكومة الترويكا وإعادة تشكيل الخارطة السياسة بما يتوافق مع تكريس عملي لحالة من التقاطب والتجاذب السياسي الثنائي:ترويكا حاكمة من جهة وترويكا معارضة من جهة أخرى."
و ان هذا الشتم ،السياسي طبعا، يحاول الربط بين فكرة " تأسيس جبهة ديمقراطية حداثية واسعة " من ناحية وفكرة أن " تكون نواتها الأساسية ومركز استقطابها السياسي/الانتخابي "نداء تونس" بمعية الحزب الجمهوري والمسار في أفق تصد ديمقراطي/ليبرالي لتغول الإسلاميين وحكومة الترويكا..."
ان هذا الربط هو الخاطئ حسب رأينا اذ يمكن المطالبة بجبهة واسعة دون "نداء تونس" مع محاولة اقناع من يمكن اقناعه من المسار و الجمهوري بذلك .و يمكن المطالبة بجبهة واسعة ضد النهضة و لكن بمحاولة اقناع من يمكن اقناعه من المؤتمر و التكتل و ذلك لخلق تحالف واسع بين " أغلب الديمقراطيين الليبراليين ويسار الوسط ويمينه وجزء من مستقلي اليسار" و "الجبهة الشعبية" ضد رأسي الاستقطاب معا وفي نفس الوقت مهما بدا هذا الأمر صعبا .و بذلك نوحد " راكبي شعار الانتقال الديمقراطي الليبيرالي" فعليا ، وهو أمرممكن و مطلوب الآن اذ لا نعتقد أن" المسار الثوري" يطرح " البرمامج الانتقالي" للثورة الدائمة التروتسكية و لا "للثورة الوطنية الديمقراطية ذات الأفق الاشتراكي" أو "الثورة الديمقراطية المعادية للامبريالية" عند بعض الرفاق الآخرين ، ناهيك عمن يتحدث عن "حرب الشعب طويلة الأمد" عند بعض المجموعات الماوية.
***
ان الرفيق علي يسيء تقدير "المسار الثوري" ليس لعدم قدرته الشخصية هو و الرفاق في "رابطة اليسار العمالي" أو غيرهم بل بسبب السجن النظري الذي يسجن نفسه فيه مقارنة بنوع و حجم "المسار الثوري" الواقعي. و لهذا السبب يكتب ان : " التشكلات السياسة وخلفياتها ورهاناتها ليست في النهاية فعلا بريئا كما أنها ليست مقصودة لذاتها, بل هي علي نقيض ذلك مناطق تداخل وتقاطع حيوية ومتحركة واعية بشروطها ومقاصدها تجمع بين ما هو براغماتي مباشر وبين الارتهان لموازين قوى اجتماعية وسياسية واقعية, فإن هذا الموقف السياسي الداعي للتحالف,بل الاندماج, في نداء تونس يخرج عن القياس المنطقي/الواقعي,لأنه يخرج عن السياق الثوري للاحتجاجات الاجتماعية الراهنة وعن استحقاقات المسار الثوري عامة ليدعو للالتحاق بضد سياسي طبقي مثل لوقت قريب في مؤسساته وخطابه وسياساته أعتى نماذج الدكتاتورية البوليسية/ المافيوزية في العالم."
ان الرفيق علي، في حديثه عن "التشكلات السياسية" ، يضع المسألة كالتالي : من ناحية أولى هنالك "... ما هو براغماتي مباشر وبين الارتهان لموازين قوى اجتماعية وسياسية واقعية..." و من ناحية ثانية " ...القياس المنطقي/الواقعي,لأنه يخرج عن السياق الثوري للاحتجاجات الاجتماعية الراهنة وعن استحقاقات المسار الثوري عامة..".
ان هذه الطريقة في وضع المسألة ، اضافة الى انها تذكر بفقهاء السنة و حديثهم عن القياس كطريقة للاجتهاد، تجعل النظر الى "ماهو براغماتي مباشر" خاضع " لموازين قوى اجتماعية و سياسية واقعية" مناقضا حسب " القياس المنطقي/الواقعي" – الذي لم يوضحه كي لا نقول شيئا آخر- ل "السياق الثوري للاحتجاجات الاجتماعية الراهنة " و " استحقاقات المسار الثوري عامة" .
ان ما هو براغماتي مباشر و ماهو خاضع "لموازين قوى اجتماعية و سياسية واقعية..." لا يهم الرفيق تماما ، على ما يبدو. ان ما يهمه هو فقط " القياس المنطقي/الواقعي" الذي يشير الى " السياق الثوري" و " استحقاقات المسارالثوري عامة" . و ان هذا التفكير هو لب المشكل.
ان السياسة اذا عارضت بين التكتيكي البراغماتي العملي المرتبط بموازين القوى، من ناحية، وبين الاستراتيجي الذي يستجيب لما يسمى "استحقاقات المسار الثوري عامة" ، من ناحية ثانية ، توصل الى الهاوية لا محالة. انها تفعل ذلك خاصة عندما تحاول ذاتيا اسقاط" استحقاقات المسار الثوري عامة" على ما يسمى " السياق الثوري للاحتجاجات ..." الفعلية الموجودة في الواقع . اذ لا تدرس الاحتجاجات واقعيا بل تدرسها من خلال منظور ذاتي مرتبط بتصورنا الخاص عن "استحقاقات المسار الثوري عامة" أي من منظورنا الاستراتيجي العام الخاضع لتصوراتنا النظرية و رغباتنا الثورية الذاتية. و ان الرغبات الثورية مهما كانت نبيلة لا يجب ان تعوض التحليل الواقعي البراغماتي الخاضع لموازين القوى السياسية و لمزاج الشعب و طبيعة احتجاجاته الفعلية الراهنة.
ان القول بأن :" الموقف السياسي الداعي للتحالف,بل الاندماج, في نداء تونس... ليدعو للالتحاق بضد سياسي طبقي مثل لوقت قريب في مؤسساته وخطابه وسياساته أعتى نماذج الدكتاتورية البوليسية/ المافيوزية في العالم. " ثم اضافة "... فنداء تونس ليس فقط تشكلا سياسيا ديمقراطيا ليبراليا (كما يسوق له مؤسسوه ومريدوه من هيئته القيادية المعلنة) وإنما هو لفيف واسع من التجمعيين والبورقيبيين واللصوص ورموز المافيا الاقتصادية ورجال الأعمال الفاسدين ورموز العائلات المتنفذة التي عبثت لوقت طويل بثروات البلاد ومقدراتها ونكلت بالمناضلين واستهدفتهم في حريتهم وأرزاقهم تحت غطاء حزب الدستور والتجمع من بعده." هو قول به خلط جوهري خطيرمن ناحيتين:
الأولى هي تعمد الخلط بين "التحالف" و " الاندماج" ،و هذه حيلة لغوية لا غير، و هي تفشل بالتأكيد في اقناع من يتحالف دون الاندماج. و الرفيق علي يعرف جيدا ان "المسار" و "الجمهوري" مثلا يرفضان الاندماج في نداء تونس و يصران على "التحالف" معه فقط و من الخاطئ تعميم الصياغة و محاولة طمس الفارق بين الأمرين لأن ذلك يتعامى عن واقع سياسي حقيقي و يؤدي الى خسارة سياسية بعدم التفريق بين نداء تونس و حلفائه.
الناحية الثانية هي الخلط بين "نداء تونس" و "حزب الدستور" و "التجمع"، على الرغم من صحة الربط التاريخي بين هذه الأحزاب الثلاثة. و الأخطر هوالخلط بين "أعتى نماذج الدكتاتورية البوليسية /المافيوزية في العالم" و الصفة" الديمقراطية الليبيرالية" لنداء تونس و التي لا يوضح الكاتب موقفه منها الا بصيغة تتردد بين الاقرار عندما يكتب" فنداء تونس ليس فقط تشكلا سياسيا ديمقراطيا ليبراليا (كما يسوق له مؤسسوه ومريدوه من هيئته القيادية المعلنة)." و الرفض عندما يكتب " وإنما هو لفيف واسع من التجمعيين والبورقيبيين واللصوص ورموز المافيا الاقتصادية ورجال الأعمال الفاسدين ورموز العائلات المتنفذة التي عبثت لوقت طويل بثروات البلاد ومقدراتها ونكلت بالمناضلين واستهدفتهم في حريتهم وأرزاقهم تحت غطاء حزب الدستور والتجمع من بعده."
ان الرفيق علي يتخلى عن فكرته الشخصية القائلة ان " التشكلات السياسة وخلفياتها ورهاناتها ليست في النهاية فعلا بريئا كما أنها ليست مقصودة لذاتها, بل هي علي نقيض ذلك مناطق تداخل وتقاطع حيوية ومتحركة واعية بشروطها ومقاصدها تجمع بين ما هو براغماتي مباشر وبين الارتهان لموازين قوى اجتماعية وسياسية واقعية".
انه لا يوضح لنا هل ان نداء تونس أيضا نتاج " مناطق تداخل وتقاطع حيوية ومتحركة واعية..." أم لا؟
و هل انه هو نفسه لا زال يمثل " أعتى نماذج الدكتاتورية البوليسية/ المافيوزية في العالم" أم أصبح " تشكلا سياسيا ديمقراطيا ليبراليا"؟
و هل ان تحالف رابطة اليسار العمالي مع "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين" داخل الجبهة الشعبية هو تحالف مع بقايا ديكور النظام الدكتاتوري المافيوزي أم لا؟

و هل ان وصف "التجمع" نفسه بالدكتاتورية يصح علميا أم لا ؟ و هل هنالك فرق بين " التسلط البوليسي المافيوي" الذي عرفناه فعلا و بين " الدكتاتورية" التي هي مصطلح دقيق جدا في العلوم السياسية قد تتجاوز طبيعة نظام بن علي -اذ هنالك فرق بين النظام التسلطي
) و بين الدكتاتورية اذا أردنا دفع النقاش dictature) و( régime autoritaire (
المفاهيمي الى أقصاه النظري- أم لا ؟
ولكن هذا لا يهمنا الآن مباشرة و لكنه قد يصبح أمرا هاما جدا في مستقبل الأيام.
ان ما يهمنا الآن هو التالي : هل ان "نداء تونس" هو دكتاتوري بوليسي مافيوي يصارع " نموذج حكم استبدادي ديني شمولي فاشي قيد التشكل " تمثله النهضة الحاكمة أم هو "ديمقراطي ليبيرالي " يصارع الآستبداد الشمولي الفاشي الديني ؟
اننا نطرح هذا السؤال في الواقع ليس على الرفيق علي ولا على" رابطة اليسار العمالي" تحديدا بل على الآخرين في الجبهة الشعبية . و نحن نعرف ان الفصل في هذا قد يؤثر على الآخرين و ليس على الرابطة التي لا يهمها التفريق أصلا بين الفاشية و الديمقراطية الليبيرالية تاريخيا و سياسيا بحكم الموقف التاريخي التروتسكي من المسألة الفاشية.
كما ان هذا قد لا يؤثر في "الحزب الاشتراكي الوطني الثوري" الذي لا يؤمن أصلا يامكانية تحقيق أية اصلاحات ديمقراطية في ظل "نظام لا وطني لا ديمقراطي" و بذلك يلتقي التروتسكي مع الوطني الديمقراطي رغم اختلافهما .
***

يقول الرفيق علي مواصلا :" إن هذا الموقف في النهاية هو موقف محكوم بمجموعة من الاعتبارات الذهنية السياسية الإصلاحية والانتهازية أكثر مما هو محكوم بواقع المسار الثوري وتبدلاته الآنية حيث تتصاعد وتتواتر أشكال ونماذج الاحتجاج الاجتماعي في سياقات متحركة تسجل كل يوم في مناطق جغرافيا الفقر ومجالاته الأكثر تأزما وإثباتا لفشل سياسات الترويكا المستنسخة عن سياسات التجمع قبل أن يصبح "نداء تونس".
لن نعود الآن الى وصف أصحاب هذا الموقف بالانتهازية و الاصلاحية و لكن سنرى الأساس الذي عليه تقوم هذه النعوت ألا وهو: " المسار الثوري وتبدلاته الآنية حيث تتصاعد وتتواتر أشكال ونماذج الاحتجاج الاجتماعي في سياقات متحركة تسجل كل يوم في مناطق جغرافيا الفقر ومجالاته الأكثر تأزما وإثباتا لفشل سياسات الترويكا المستنسخة عن سياسات التجمع قبل أن يصبح "نداء تونس".

هنا أمران نبدأ بثانيهما و هو اعتبار التجمع و انه قد أصبح " نداء تونس" . اننا نعتقد ان في هذا التوصيف جزء من الحقيقة و لكن لنسأل الرفيق علي: ما الذي تغير في عملية التحول هذه؟
ام انه لم يتغير شيء على الاطلاق؟
هل يمكن القول ان التجمع "الدكتاتوري البوليسي المافيوزي" تحول الى "نداء تونس" " الديمقراطي الليبيرالي" أم انه لم يتغير شيء تماما في هذا الجانب؟
ان كل اجابة من الاجابتين تسبب مشكلا: فاذا لم يغير نداء تونس من طبيعته فكيف يكون "التحول " من " الدكتاتوري" الى "الديمقراطي الليبيرالي" قد حدث من التجمع اليه ؟
و اذا لم يعد نداء تونس كما كان التجمع ألا تدل عبارة " سياسات التجمع قبل ان يصبح "نداء تونس" ان النهضة هي التي ورثت الدكتاتورية التي تركها "نداء تونس"؟.
الأمر الأول هو " المسار الثوري وتبدلاته" اذ يكتب الرفيق علي كيف " تتصاعد وتتواتر أشكال ونماذج الاحتجاج الاجتماعي..." و السؤال هنا هو التالي:
اذا كانت أشكال و نماذج الاحتجاج الاجتماعي" تتواتر" في " مناطق جغرافيا الفقر..." فهل هي فعلا "تتصاعد"؟
ان تكرار و تواتر الاحتجاجات شيء لا نقاش حوله تقريبا و لكن هل" تتصاعد" أشكال و نماذج الاحتجاج و كيف بالتحديد لأن ذلك هو الذي يوجه قولك بوجود "السياق الثوري" و يجعلك تقف عند "استحقاقات المسار الثوري عامة"؟
ما هي الأشكال و النماذج الاحتجاجية الجديدة التي ظهرت مؤخرا مقارنة بالماضي مما يسمح بالحديث عن تصاعد "المسار الثوري" ؟
هل ظهرت أشكال و نماذج جديدة لم تكن موجودة سابقا؟
بل وهل مازالت الأشكال القديمة نفسها متواصلة بنفس السعة و العمق؟
نحن نعتقد أن لا . ان الاحتجاجات تتواصل ، تتكرر ، تظهر هنا و تخبو هنالك ، تمس قطاعات جديدة و تخفت في أوساط قديمة و لكنها "لا تتصاعد" خاصة.
لقد تراجع المد الشعبي السياسي العام الذي ميز مرحلة ما من المسار الثوري و بقيت الانفجارات الجزئية الجهوية و المحلية و القطاعية التي تظهر من حين الى آخرلأسباب و من أجل أهداف مطلبية جزئية خاصة.
و قد تراجع الطابع الشعبي العام المطالب باسقاط النظام – و الذي كان يقصد به السلطة الفردية لبن علي و ليس النظام السياسي كما يفهمه الثوريون- مع بقاء المطلب مرفوعا عند قسم من النخبة اليسارية – القومية و الديمقراطية المثقفة ضد النهضة و الترويكا لا غير .
و قد تراجع المزاج الشعبي العام من المزاج الانتفاضي الى المزاج الانتخابي ، من مزاج الاطاحة الجذرية بالتجمع الدستوري الديمقراطي الى الاكتفاء بالعقاب الانتخابي للنهضة.
لقد تراجع تجذر ذلك المزاج الشعبي من الانتفاض للمطالبة بحل التجمع كحزب و معاقبة رموزه و "فلوله" الى الاحتماء بنداء تونس من سلطة النهضة الجديدة.
لقد تراجع المزاج الشعبي العام الهادف الى القطع الجذري مع السلطة السابقة و ممثليها نحو الاكتفاء بمعاقبة سلطة النهضة الحالية انتخابيا دون طرح حلها كحزب .
لقد تراجع المسار الثوري العام من المنطق الثائر على السلطة و الجذري نسبيا الى المنطق الانقاذي للدولة من الضعف و التلاشي.
لقد تراجع المزاج الثائر ضد "النظام البوليسي" الى منطق تعزيز جهاز الأمن و توفير الأمن الجمهوري للمواطنين بالتصدي للسلفيين و عصابات الاجرام و الانحراف.
وقد تراجع المزاج من الاكتفاء بمدح "حياد الجيش" الى منطق طلب – أو تمني- تدخله لضمان استمرار هيبة الدولة و تعويضا على ضعف الجهاز الأمني المهترئ.
لقد تراجع المزاج الشعبي، وليس النخبوي أو القطاعي، المطالب بحماس بتنظيف الادارة والقضاء و المحاسبة داخلهما للاكتفاء تقريبا بتمني قيام هذه المؤسسات بعملها ( المحاكم والبلديات مثلا) .
لقد تراجع الاتحاد العام التونسي للشغل من رافد لحراك جماهيري شعبي عام ليعود الى اطاره النقابي الساهر على الحوار الوطني السياسي بين الجميع و التفاوض النقابي المطلبي مع السلطة الجديدة.
لقد انقرضت "مجالس حماية الثورة" و عوضها مطلب حل "لجان حماية الثورة" التي أصبحت ما يشبه الميليشيا بيد الاسلاميين.
هذا غيض من فيض ، كما يقال، فهل بعد هذا اصرار على الحديث عن "تصاعد" أشكال و نماذج الاحتجاجات الاجتماعية" بمعنى و جود و تواصل " السياق الثوري" و " تصاعد" المسار الثوري؟
نحن لا نعتقد ذلك ، مع الأسف.
***

يواصل الرفيق علي كاتبا: " إن هذا الموقف الداعي للالتحاق ب"نداء تونس" هو حصيلة الهروب من الانحياز لبرنامج الثورة مثلما هو دعوة للمفاضلة بين نموذجين للاستبداد الاقتصادي والسياسي تقوم بينهما نقاط تقاطع كثيرة : نموذج حكم استبدادي ديني شمولي فاشي قيد التشكل ونموذج ديكتاتوري تاريخي يريد استعادة سطوه السياسي بشكل أكثر اعتدالا في التعاطي مع مسألة الحريات العامة والفردية لكنه لا يختلف في شيء عن النموذج الأول في ما يتعلق بالاستبداد الاقتصادي الليبيرالي وفي الارتهان لمراكز الإمبريالية الأكثر غطرسة في العالم وفي الولاء والعمل لدى قوى إقليمية وعالمية تراهن على إفشال المسار الثوري العربي."
نذكر اننا لا ندعو أحدا للالتحاق بنداء تونس ، ولكننا نطالب ان يفرق حتى بين أصناف من التحقوا به ناهيك عمن يتحالفون معه لا غير.
لكن ارهاب القارئ بعبارة "الهروب من الانحياز لبرنامج الثورة" لا يصلح حسب رأينا الا في استعداء الجميع لا غير. ثم ، وهذا أهم ، ماهو "برنامج الثورة"؟
مع الأسف نعتقد ان الرفاق في "رابطة اليسار العمالي" و" الحزب الاشتراكي الوطني الثوري" و غيرهم من أقصى اليسار خاصة، يتصورون ان برامجهم الخطية هي برنامج الثورة في تونس و هو ما جعل نداء الجبهة الشعبية و أرضيتها السياسية يتأرجحان بين خطين سياسيين بين أقصى اليسار و "اليسار المتطرف" عوض الانتباه لضرورة تقديم أرضية يسارية ديمقراطية لجمهورية ديمقراطية مدنية أقل "ثورجية" و تطرفا مما هو موجود الآن.
ان الرفيق علي يعبر عن ذلك في حجته الثانية المذكورة أعلاه قائلا:" مثلما هو دعوة للمفاضلة بين نموذجين للاستبداد الاقتصادي والسياسي تقوم بينهما نقاط تقاطع كثيرة : نموذج حكم استبدادي ديني شمولي فاشي قيد التشكل ونموذج ديكتاتوري تاريخي يريد استعادة سطوه السياسي بشكل أكثر اعتدالا في التعاطي مع مسألة الحريات العامة والفردية لكنه لا يختلف في شيء عن النموذج الأول في ما يتعلق بالاستبداد الاقتصادي الليبيرالي وفي الارتهان لمراكز الإمبريالية الأكثر غطرسة في العالم وفي الولاء والعمل لدى قوى إقليمية وعالمية تراهن على إفشال المسار الثوري العربي."
انه الموقف الأسهل و الذي يبدو ثوريا نقيا لأنه يرفض " الاستبداد الاقتصادي الليبيرالي " و "الارتهان لمراكز الامبريالية".
و لكن ما هو برنامج الثورة اذن؟
انه برنامج "الثورة الدائمة" ، "البرنامج الانتقالي للأمية الرابعة" ، و انه البرنامج "الوطني الديمقراطي ذي الأفق الاشتراكي" و غيره من برامج اليسار التاريخية التي كتبت في ظروف أخرى لا علاقة لها تماما بما يحصل في تونس الا علاقاتها بأذهان بعض اليساريين التونسيين من الأصوليين السلفيين الحمر، لا غير.
هل "المسار الثوري التونسي" يضع هدفا له "الثورة الوطنية الديمقراطية" او "الاشتراكية" الآن؟
ألم يصرح حمة الهمامي في اجتماع الجبهة الشعبية يوم 7 أكتوبر "ان الشعب التونسي لم ينجز لا ثورة يسارية و لا اسلامية و لا قومية" ؟
و هل "المسار الثوري العربي" الحالي – وليس المرغوب فيه- هو مسار ثوري معادي للرأسمالية و الامبريالية؟
و هل للمسار الثوري التونسي و العربي الآن امكانية فعلية ، ذاتية و موضوعية ، للتحول الى "المسار الثوري" اليساري التاريخي؟
نحن نعتقد ان ذلك غير ممكن في المدى المنظور للأسباب التي ذكرنا بعضها أعلاه ، و التي يمكن أن نضيف عليها مثلها عددا و أهمية في ما يتعلق بالامكانيات التنظيمية و النضالية للقوى الحزبية الشعبية العربية.
هل يعني هذا الدعوة الى التنكر للمبادئ و الأهداف الاشتراكية الاستراتيجية ؟ قطعا لا و لكننا نعتقد ان التصورات و التجارب الاشتراكية التاريخية لا بد من اعادة النظر فيها ايجابيا و لكن جذريا فلم يعد ممكنا الآن اجترار ما سبق الا لمن يريد الانقراض. و لكن ليس هذا موضوعنا الآن .
ان ما يهمنا الآن هو توضيح كيفية البدء بالتعامل المرن مع التاريخ الواقعي الذي نشارك فيه الآن و هنا.
يقول الرفيق علي ان الصراع بين "النهضة" و "نداء تونس" هو صراع بين نموذجين من الاستبداد الدكتاتوري التاريخي من ناحية و الفاشي الديني من ناحية ثانية و هما يتقاطعان في راسماليتهما و تبعيتهما .و لكنه يعترف بان النموذج التاريخي الذي يمثله "نداء تونس" : " يريد استعادة سطوه السياسي بشكل أكثر اعتدالا في التعاطي مع مسألة الحريات العامة والفردية"
و لنفترض ذلك، ألا يؤثر هذا أبدا على الموقف السياسي؟
و هل مسألة الاعتدال في " التعاطي مع مسألة الحريات العامة و الفردية" مسألة ثانوية؟
أليست مسألة " الحريات الفردية و العامة" مسألة عامة ترتبط بكل الحقوق و الحريات الاقتصادية الاجتماعية و السياسية و الثقافية؟
ألا يصبح الكلام عن الاختلاف بين " نموذجين للاستبداد الاقتصادي والسياسي" تارة و عن المساواة بينهما " في ما يتعلق بالاستبداد الاقتصادي الليبيرالي وفي الارتهان لمراكز الإمبريالية" خاطئا أذن؟
ليعذرني الرفاق في "رابطة اليسار العمالي" ، و غيرهم، ان المساواة بين نداء تونس و النهضة مساواة خاطئة سياسيا و ان حديث الرفيق علي حول "الحريات الفردية و العامة" و تتفيهها و حديث الجبهة الشعبية عن " المكاسب التاريخية" و "روح الجمهورية" و " حرية المرأة" و غيرها من العبارات و تتفيهها لاحقا هو من باب الطفولية في السياسة لا غير.
ان الجبهة الشعبية تصور النهضة و كأنها تحكم بالاعدام على تونس و تصور نداء تونس، "المعتدل نسبيا في مسألة الحقوق الفردية و العامة"، و كأنه يحكم عليها بالسجن المؤبد و بعد ذلك يقولون انه لا فرق بين الاثنين و ينسون ان الاعدام هو موت الانسان و اعتداء على الحق في الحياة تماما بينما السجن المؤبد يترك فرصة للدفاع عن المتهم لاحقا بالتخفيض في الحكم حتى اذا بقي القاضي هو نفسه ويترك الفرصة للمحكوم عليه كذلك بأن يتمتع بالبراءة أو بالعفو لو تغير القاضي أو ظهر رئيس او ملك رحيم بعض الشيء.ان كون الحكمين قاسيين أمر لا اختلاف حوله و لكن شتان بين الاعدام و السجن.
ان المشكلة بالنسبة الينا هي ان نداء تونس لم يوضح بعد هويته بما يكفي. الى الآن لم يعلن عن برنامج واضح .و لو مات الباجي قائد السبسي قد ينقرض الحزب أصلا أو يتقزم تماما. ولو لم تقم القيادة الحالية بفرض قيادات الجهات و الخارج و جرت انتخابات ديمقراطية شفافة داخل هذا الحزب و تجرأ التجمعيون على الترشح لها لفازوا بالأغلبية و بالقيادة بسهولة تامة.
لكن المشكل أيضا، ولكن جزئيا فقط ، في النهضة التي بها خطوط مختلفة و متصارعة نسبيا و هي التي لم تحسم أمرها مع الديمقراطية أم ضدها و مع الدولة الدينية أم لا ، الا مؤقتا و لكن سلبيا و لا أحد يعرف ماذا سيحصل لاحقا.
ان النهضة حاليا هي أقرب الى نموذج الحركة الوطنية التقليدية المحافظة الثابت تاريخيا بينما نداء تونس أقرب الى الحركة الوطنية الاصلاحية الحديثة و لكنه يعيش مرحلة استثنائية لأنه بصدد التكون. و ان التسرع في الحكم عليه سلبا أو ايجابا أمر خاطئ و لذلك فاننا ندعو الى عدم التسرع في ذلك و دفع الديمقراطيين المعروفين داخله و المتحالفين معه للعب دورهم في تخليصه من الارث الاستبدادي خاصة.
لكن لو ان النهضة ازدادت اصرارا على نهجها المعادي للديمقراطية الحديثة و لو أوضح نداء تونس أموره ايجابيا فانه من الضروري التفكير في امكانية العمل المشترك معه ، بصيغة ما، ضد النهضة و حلفائها الاسلاميين المتطرفين.
و لو ان نداء تونس ربح الانتخابات المقبلة مثلا و لكن "رجعت حليمة الى عادتها القديمة " في الاستبداد ، لأصبح من الممكن العمل المشترك ، بصيغة ما تشبه حركة 18 اكتوبر ، مع النهضة ضد "نداء تونس" و لكن على شرط ألا يكرر الاسلاميون انتهازيتهم و ازدواج خطابهم و يوضحوا نهائيا مواقفهم السياسية ، حتى لا نفاجئ بالطبع يغلب التطبع من جديد.
ان الرفاق اليساريين سيستغربون ربما هذا الحديث و يصفونه بالمائع و غير المبدئي و لكن منطلقنا في ذلك هو مايلي: ان كلا من "نداء تونس" و النهضة لا يقطعان مع الامبريالية و لا مع الراسمالية ، كل حسب طبيعته و لكن كل حسب الظروف و النضالات أيضا . و بما انهما متشابهان نسبيا في هذا فاننا قد نتحالف مع من هو أكثر ديمقراطية - أو لنقل أقل استبدادا - من الآخرلأنه سوف لن يهدد المكتسبات التاريخية كالآخر و سيسمح بمجالات أوسع لاستئناف النضال لاحقا.
و حتى لا يستغرب الرفاق أكثر هذا الموقف ، لا هم و لا النهضاويين ولا مناضلي نداء تونس، نقول أيضا : لو كان اليسار هو القوي الآن لوجدتم النهضة و نداء تونس يتحالفان ضده لا محالة دفاعا عن الرأسمالية و عن العلاقات الدولية.
فلنكن واضحين اذن، ان السياسة هي فن ادارة الصراعات و التحالفات و اذا كنا جميعا ندافع عن الديمقراطية كنظام للتداول على الحكم فانه من النفاق السياسي و من "التقية الدينية" محاولة اخفاء هذا. أما من لا يزال يفكر خلاف المنطق الديمقراطي تماما فان الأمر لا يعنيه أصلا و ليدافع عن نفسه بما يراه صالحا و سيكون التاريخ هو الحكم.

***

ان جواب الرفاق اليساريين المحتمل على ما قلناه يلخصه الرفيق علي في الفقرة التالية:
" ان هذه الدعوة السياسية المسمومة المنادية بتحالف الثوريين مع نداء تونس تجسد لحظة مفصلية حاسمة, لحظة اختبار سياسي جدي للفرز بين الثوريين وأشباههم. بين الثوريين الحقيقيين ودعيي الثورية,بين من ينتصر لقضايا الكادحين والمهمشين والمعطلين وبين من يريد ركوب المسار الثوري لربح مواقع شخصية أوسكتارية ضمن وفاق طبقي سياسي يمهد لسرقة أحلام الفقراء والمضطهدين وينتهي لقبر كل نفس ثوري راديكالي لا يساوم.هي دعوة صريحة لإصلاح النظام الدكتاتوري القائم."
اننا نذكر بأننا نفضل قوة ثالثة جديدة و لا نفضل الدعوة الى التحالف مع "نداء تونس" الا في الشروط و بالمواصفات التي ذكرناها. و لكننا نسأل :
هل نحن أمام "لحظة مفصلية حاسمة" في الفرز بين "الثوريين و أشباههم" بسبب وجود "نفس ثوري راديكالي" ؟
ألا يمكن التعبير عن الفقرة السابقة بضدها تماما و ذلك بالقول: اننا أمام" لحظة مفصلية حاسمة " فعلا و لكن بسبب وجود "نفس رجعي راديكالي" في المجتمع يهدد بتصفية كارثية "لقضايا الكادحين و المهمشين و المعطلين" و يهدد كل ما اكتسبوه تاريخيا و لا يعترف حتى بما يسمى ب" وفاق طبقي سياسي" و يحول "أحلام الفقراء و المضطهدين" الى كابوس و لا ينتهي فقط" لقبر كل نفس ثوري راديكالي لا يساوم" بل حتى كل نفس اصلاحي مهما كان بسيطا. و ان الدعوة لامكان التحالف مع نداء تونس هي " دعوة صريحة لاصلاح النظام الدكتاتوري القائم" فعلا قبل ان تفوت الفرصة لاصلاحه ضمن ما تبقى من "المسار الثوري "الحالي و يجثم على صدورنا و على قبورنا لأجيال لا يعلم تعدادها أحد.
لأنني لا أؤمن بامكانية تحول اليسار التونسي الآن الى قوة حاكمة تبقى هنالك فرضيتان أمام تونس الآن :
اما ستمرار و تدعم حكم النهضة و الاسلاميين عموما و اما تمكن نداء تونس و حلفائه و الجبهة الشعبية و قوى أخرى من ايقاف السقوط بشرط حدوث تسوية تاريخية ما بين اليسار وبينهم جميعا ، ولو بطرق مختلفة، سيكون لها دور هام في ايقاف كرة الثلج السوداء .
هل نساهم في هذا أم لا؟
التاريخ لا يرحم.
***

يختم الرفيق علي بن جدو بما يلي:
" إن عموم الثوريين أحزابا ومستقلين نساء وشبابا مفقرين ومهمشين ومعطلين مدعوون اليوم لخوض نضالاتهم باستقلال تام عن كل التحالفات الطبقية والسياسية الداعية لترميم النظام ولإيجاد مخرج سياسي للقوى المضادة للثورة.هم مدعوون لمزيد الانخراط في الحراك الاجتماعي في القرى والمدن والأحياء والجهات والقطاعات.هم مدعوون لإسقاط "شرعية" الركوب على المسار الثوري ولحل كل مؤسسات الاستبداد الاقتصادي والسياسي التي تستهدف حق الشعب في الثروة والحرية والسلطة.هم مدعوون لتجاوز خلافاتهم الإيديولوجية العصبوية والسكتارية والزعامتية المرضية في أفق التوحد على مهام الثورة الانتقالية والإستراتيجية.هم مدعوون للانخراط في أشكال الاحتجاج الأكثرجذرية والأكثر استيعابا لمضمون اللحظة السياسية الثورية وما تطرحه من مهام ثورية."

ان الدعوة الى الانخراط " في الحراك الاجتماعي في القرى والمدن والأحياء والجهات والقطاعات" أمر و لكن الدعوة الى اسقاط "... "شرعية" الركوب على المسار الثوري ولحل كل مؤسسات الاستبداد الاقتصادي والسياسي التي تستهدف حق الشعب في الثروة والحرية والسلطة" أمر آخر.

هل هي دعوة الى حل " كل مؤسسات الاستبداد الاقتصادي و السياسي" أي البنوك و المصانع و الجيش و الأمن و الرئاسة و الحكومة و المجلس التأسيسي ،الخ؟
هل هي دعوة الى الشروع الفوري في انجاز "المهام الانتقالية و الاستراتيجية " للثورة الدائمة عند " رابطة اليسار العمالي " أو "الثورة الوطنية الديمقراطية ذات الأفق الاشتراكي" بالنسبة للوطد ؟
هل ان الاعلان عن الدخول في " أشكال الاحتجاج الأكثر جذرية و الأكثر استيعابا لمضمون اللحظة السياسية الثورية و ما تطرحه من مهام ثورية" هو اعلان ثوري أم ، اذا تذكرنا الواقع ، هو مجرد "جملة ثورية"؟
يبدو كاننا لا ننتمي الى نفس البلد.
و لكننا مهما اختلفنا نحب نفس البلد.
أرجو ان يتسع صدر الصديق و الرفيق علي بن جدو و الرفاق في" رابطة اليسار العمالي" و في "الحزب الاشتراكي الوطني الثوري" و من يشابههم الى هذه الانتقادات و أرجو أن يساهم اليساريون الذين يؤمنون بأهمية الحرية السياسية و الانتقال الديمقراطي في دفع غيرهم الى التعقل حتى لا تنفجر الجبهة الشعبية في أول اختبار حقيقي لها أو تبقى "صفرا الى اليسار" لا تساوي شيئا.
كما أرجو ان يتذكر اليساريون، وهم يناضلون ضد حركات الاسلام السياسي، قول جوزيف برودون الى ماركس عندما دعاه الى عمل مشترك كاتبا في رسالة شهيرة وجهها الى ماركس سنة 1846، ما معناه :
" ... فلنبحث معا، اذا أردتم، عن قوانين المجتمع و عن طريقة تحققها و عن المسار الذي علينا اتباعه لاكتشافها...لكن يجب علينا ان نبقى علماء منفتحين و متسامحين ...ولايجب ان نقوم بما قام به لوثر مع الكاثوليكية، أي تأسيس تيولوجيا بروتستانتية دينة دوغمائية جديدة على أنقاض التي انتقدها.. انه لا يجب تحويل فكرنا الى دين دوغمائي ...ان البروليتاريا ليست في حاجة الى دين جديد، حتى لو كان دين المنطق و العقل..."

فلنكف عن الأصولية الماركسية ، بأشكالها المختلفة، اذا أردنا النضال ضد الأصوليات الدينية و لنكف عن الاستبداد اليساري اذا أردنا النضال ضد الاستبداد السياسي الديني أواليبيرالي أو غيرهما.



#بيرم_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة الى التونسيين : قراءة في خطاب رئيس الجمهورية يوم 23 أك ...
- من -المنتدى الاجتماعي- الى -التنظيم الاشتراكي الديمقراطي الا ...
- الحركة الاسلامية حركة وطنية محافظة : نحو مقاربة علمية و سياس ...
- تونس ( عاجل ، خطير و للتوزيع على أوسع نطاق ) : تسريب...أمنية ...
- تونس بين حزبي النهضة و- نداء تونس- : هل تكون المواجهة ؟
- الجبهة الشعبية التونسية: أسئلة مصيرية. (رسالة ثانية )
- مع علم الانسان التاريخي وضد المادية التاريخية : نحو منظور عل ...
- نقد الأصولية الحمراء ...ملحق حول رسائل أنجلز في المادية التا ...
- الجبهة الشعبية في تونس : مساندة نقدية. ( رسالة مفتوحة الى ال ...
- نقد الأصولية الحمراء : نحو تجاوز مادي و جدلي للماركسية.
- الاسلاميون و المقدس الديني:نقد الاستبداد المقدس ( تونس مثالا ...
- تونس : من أجل جبهة جمهورية ديمقراطية مدنية وتقدمية.
- حركة النهضة الاسلامية التونسية: دراسة نقدية.
- ضد التيار في تونس: قوة ثالثة جديدة صعبة و لكنها ممكنة ( رؤية ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بيرم ناجي - تونس : الجبهة الشعبية و الطفولية اليسارية .( رسالة ثالثة).