أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - هل حركة اليسار الديمقراطي العراقية ومجمل الحركة الديمقراطية بحاجة إلى عملية إصلاح واقعية عميقة ومسؤولة؟ - الحلقة الرابعة والأخيرة















المزيد.....


هل حركة اليسار الديمقراطي العراقية ومجمل الحركة الديمقراطية بحاجة إلى عملية إصلاح واقعية عميقة ومسؤولة؟ - الحلقة الرابعة والأخيرة


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1133 - 2005 / 3 / 10 - 10:44
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


هل هناك من أهمية لتحقيق التحديث والتجديد في الحزب الشيوعي العراقي؟[كان وما يزال وسيبقى قلبي, ما دام نابضا,ً يخفق لليسار الديمقراطي العراقي, للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية. ضد استغلال الإنسان وضد الاستبداد والقمع والاضطهاد والعنصرية والتمييز القومي والمذهبي والفكري, وفي سبيل حقوق المرأة ومساواتها التامة بالرجل, وفي سبيل حياة حرة كريمة ومرفهة وسعيدة.

ليس الدافع المباشر لكتابة هذه المقالة تلك النتائج التي انتهت إليها الانتخابات الانتقالية والقوة التصويتية الضعيفة والمحدودة جداً التي أحرزها الحزب الشيوعي العراقي وقوى اليسار الديمقراطي العربية, بل كانت بمثابة المحرك للعودة إلى ما كتبته قبل أكثر من عقد ونيف من السنين ونشر في مجلة الطريق اللبنانية, وما نشرته في الفترة التي سبقت سقوط النظام العراقي بشأن الإصلاحات الضرورية في الأحزاب السياسية العراقية, وكذلك ما كتبته ونشر على مواقع الإنترنيت وفي الصحافة العراقية والعربية في الفترة التي أعقبت سقوط النظام في الحرب الأخيرة, حيث أثرت بعض الموضوعات للحوار والرؤية المدققة لمسيرة اليسار الديمقراطي العراقي.
ليست الانتخابات الأخيرة نهاية التاريخ بالنسبة لقوى اليسار الديمقراطي العراقي, بل هي بداية مرحلة جديدة, ولكنها كانت بمثابة ناقوس الإيقاظ والدعوة الملحة للتفكير المنفتح والمتمعن بالمتغيرات الجارية على الصعد المختلفة, وأهمية وضرورة إعادة النظر في الماضي القريب الذي يمتد لأربعة عقود منصرمة ومجمل العملية الجارية في العراق والموقف منها وطبيعة الحزب أو الأحزاب والتحالفات السياسية التي تحتاجها المرحلة والمهمات الراهنة وذات المدى المتوسط وسبل العمل وأدواته ومضمون وأسلوب الخطاب السياسي المناسبين للمرحلة الجديدة وطبيعة العلاقات المختلفة المنشودة. والمطالبة بمثل هذا التوجهات ليست مسألة كمالية أو عملية شكلية, بل هي ضرورة ملحة وحاجة ماسة نابعة من حقائق الوضع الجاري والدور الذي يفترض أن يلعبه اليسار الديمقراطي العراقي في العملية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنويرية العامة الجارية في العراق وفي المستقبل أيضاً ولصالح الغالبية العظمى والكادحة والفقيرة من السكان .
إن النقد الذي يوجه للحزب الشيوعي العراقي ولمجمل اليسار الديمقراطي العراقي أو من بعض قوى اليسار الديمقراطي أو من غيرها, يفترض فيه أن لا يثير الغضب والاشمئزاز وفقدان الأعصاب والصبر والبصيرة, بغض النظر عن الدوافع التي تكمن وراء تلك الانتقادات أو حتى الاتهامات أو الشتائم. ولكن من شأن كل ذلك أـن يحرك الحزب الشيوعي العراقي وقوى اليسار الديمقراطي العراقي صوب التدقيق بواقعها ومشكلاتها والنواقص التي تعاني منها وسياساتها والأخطاء التي ارتكبتها في مسيرتها المنصرمة والراهنة, إضافة إلى الإيجابيات التي رافقت عملها, إذ يمكن من خلال ذلك تشخيص ما يفترض تغييره وما يفترض الحفاظ عليه وتطويره. وغالباً ما تكون الملاحظات والانتقادات, لمن يريد الاستفادة منها, مفيدة, إذ أنها تجلب على الأقل الانتباه إلى ما يفترض إعادة النظر فيه, إذ أن عيون وعقول الآخرين مفتوحة على عمل ونشاط وسياسات اليسار الديمقراطي أكثر بكثير مما هي موجهة إزاء القوى الأخرى. وليس في ذلك أي ضير, بل فيه الكثير من المنفعة, إذا ما أحسن استخدام تلك الملاحظات.
أدرك بعمق ووضوح حساسية مثل هذه المعالجات وارتباطها المباشر بالعناصر العاملة في الحقل السياسي مباشرة وخاصة بالنسبة للقيادات الحزبية, إذ أنها ترى نفسها المقصودة في تلك الانتقادات. وليس في هذا أي ضير أيضاً, إذ أنها ليست معصومة عن الخطأ وهي مسؤولة عنها أيضاً. إذ أن العامل في الحقل العام يفترض فيه أن تكون له قدرة كبيرة على الإصغاء للنقد والملاحظات والسعي الجاد للاستفادة منها بدلاً من تحويل نفسه إلى أضحوكة حين يفقد أعصابه, ثم يبدأ بالرد على الشتائم بمثلها أو أشد منها, وفي ذلك انزلاق إلى مواقع غير سليمة ومضرة في كل الأحوال.
إذا أخذنا بنظر الاعتبار كل المصاعب والحالة الاستثنائية والعمليات الإرهابية التي رافقت الانتخابات الانتقالية الأخيرة في العراق وكل الظروف المعقدة التي عطلت مشاركة نسبة مهمة من الناس فيها, فأن نتائجها تشير بما لا يقبل الشك إلى أنها وضعت اليد على مجموعة من العوامل المهمة التي بدونها يصعب فهم ما يجري في العراق, وأعني بذلك ما يلي:
1. التحولات العميقة المشوهة في البنية الطبقية للمجتمع العراقي بالارتباط مع سيادة الدكتاتورية والفكر الفاشي العنصري والإرهاب والحروب والحصار الدولي وتراجع عملية التنمية وتشوه الاقتصاد العراقي, ثم تأثيرات كل ذلك, سواء المباشرة منها أم غير المباشرة, على الوعي الاجتماعي والسياسي للإنسان العراقي وعلى سلوكياته اليومية.
2. البطالة الواسعة جداً التي تشمل اليوم أكثر من 50 % من القوى القادرة على العمل وما يترتب عنها من مشكلات اجتماعية ونفسية وسياسية على الفرد والمجتمع, إضافة إلى عجز الدولة والمجتمع عن معالجة مشكلات الناس الذين عانوا طويلاً من ظلم النظام واضطهاده وقهره. وإذ عالجت الحكومة المصاعب الاقتصادية لفئات في الطبقة الوسطى (الفئات البينية), فإنها عجزت ضمان التخفيف عن أحوال الفقراء والكادحين جداً من الناس الذين يعيشون على هامش الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, فهم ليسوا محرومين فحسب, بل ومنسيين ومقهورين.
3. وفي ضوء هذا الواقع يواجه المجتمع مهمات جديدة غير المهمات السابقة التي كانت ملقاة على عاتق القوى الوطنية العراقية ومنها قوى اليسار الديمقراطي, خاصة بالارتباط مع تشوه الوعي الاجتماعي والسياسي والبؤس الواسع, إضافة إلى استمرار وجود عاملين محفزين لجملة من المشكلات, وأعني بهما الإرهاب المتواصل ووجود قوات الاحتلال وسياساتها المضرة بالاقتصاد والمجتمع والإفساد المالي والإداري الواسع الذي تمارسه في العراق ومشاركة بعض الشركات في النهب الجاري للثروة العراقية.
4. وهذا يعني بدوره أن الواقع الجديد يتطلب رؤية جديدة من جانب الأحزاب التقليدية في قوى اليسار الديمقراطي, ومنها الحزب الشيوعي العراقي. وهذا لا يعني الانجرار وراء الرؤية الخاطئة وغير السليمة بأمل الحصول على مواقع في صفوف الناس, بل مواجهة تلك الأفكار غير السليمة والمضرة لوحدة المجتمع كالمذهبية والطائفية والقبول بعدم فصل الدين عن الدولة بحجج واهية أو السكوت عن الكثير من الإجراءات الخاطئة....الخ.
5. وهذا يعني أيضاً كيف يستطيع هذا الحزب أو ذاك في قوى اليسار الديمقراطي أن يطرح نفسه للمجتمع بكل أوضاعه وتعقيداته وتشوهاته ليستطيع العمل مع المجتمع ويحصل على مواقع مناسبة للتأثير في الأحداث السياسية والتعبير عن مصالح جمهرة غير قليلة من المجتمع. وهذا الأمر يشمل الشكل والمضمون في آن واحد.
6. كما يفترض أن يجري التفكير في سبل التحالفات المنشودة لا على أساس تكتيكي وفي إطار اللعبة الديمقراطية فحسب, بل وعلى أساس إستراتيجي ومصالح ذات مدى قريب ومتوسط.
من باب تحصيل حاصل أن نقول بأن المجتمع العراقي لا يواجه مهمات اشتراكية أو شيوعية على مدى بعيد حقاً, بل يواجه بالملموس عدة مهمات مركزية, وهي:
1. تكريس الحياة الديمقراطية وفق دستور فيدرالي ديمقراطي مدني حديث والعمل على ممارسته فعلياً.
2. المشاركة الفعالة في عملية التنوير الديني والسياسي والاجتماعي ورفض الأطروحات الرجعية المتخلفة لبعض قوى الإسلام السياسي المتطرفة أو الظلامية أو حتى المعتدلة التي لا تتفق مع حياة وممارسات المجتمع المدني الديمقراطي.
3. المشاركة الفعالة في التخلص من وجود الإرهاب وقوات الاحتلال لضمان استعادة البلاد لاستقلالها السياسي وسيادتها الوطنية, مع إدراك حقيقة أن مفهوم الاستقلال والسيادة الوطنية في مرحلة العولمة تختلف عن مفهومه عندما كنا نتحدث عنهما في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
4. التخلص من العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية السائدة في الريف وفي المجتمع العراقي عموماً والتي تجد تعبيرها أيضاً في العلاقات العشائرية المتغلبة على العلاقات المدنية حالياً, وبذل أقصى الجهود لتسريع نمو وتطور العلاقات الإنتاجية الرأسمالية في الاقتصاد العراقي وفي مختلف القطاعات الاقتصادية, إذ أنها تشكل حالياً القاعدة المادية للمجتمع المدني الديمقراطي الحديث وممارسة نسبية لمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والنضال من أجل العدالة الاجتماعية وضد التمييز ضد المرأة وحرمانها من حقوقها المساوية لحقوق الرجل.
5. إن التغييرات الاقتصادية باتجاه العلاقات الرأسمالية والصناعية والتحديث الزراعي ستساعد على تغيير بنية المجتمع الطبقية وتغيير وعيه الاجتماعي والسياسي وتخلصه التدريجي والطويل الأمد من سلبيات الدكتاتورية والقوى الظلامية وآثارها الراهنة. وهذا يعني أن عملية النضال ليست قصيرة بل طويلة الأمد ومعقدة ومتشابكة في آن واحد.
6. ولا يمكن أن يتحقق كل ذلك دون الارتباط الوثيق بعلاقات اقتصادية دولية ومشاركة في الهيئات والمؤسسات الدولية ووعي عملية العولمة الرأسمالية الموضوعية وسبل التعامل معها, فتأثير العلاقات الدولية العولمية ليست كما كانت في السابق, إذ أن لها اليوم الدور الكبير والمتميز في التأثير على مجرى الأحداث الداخلية. ولهذا لا بد من فهم الواقع الرأسمالي الدولي ومعرفة أهداف الولايات المتحدة الأمريكية الإستراتيجية وبقية المراكز الصناعية وسعيهما للسيطرة على العالم والصراعات المحتملة في ما بين مراكز القوى الراهنة والتغيرات المحتملة في موازين القوى خلال العقدين القادمين, إضافة إلى التناقضات والصراعات التي تثيرها سياسة الولايات المتحدة العولمية بين العالم الرأسمالي المتقدم والعالم النامي المتخلف والاصطفافات التي يمكن أن تحدثها على المدى المتوسط والبعيد والنتائج التي تترتب عليها وسبل التعامل معها. إن الفقر المتفاقم في العالم النامي وفي أوساط متسعة من العالم الرأسمالي بسبب سياسات العولمة للبرالية الجديدة وللمحافظين الجدد ستشدد من التناقض والصراعات ولا تخففه وتنبئ الإنسان باحتمال نشوب حروب إقليمية جديدة.
ماذا يعني كل ذلك بالنسبة لليسار الديمقراطي العراقي؟ ليس أمام اليسار سوى ثلاث احتمالات:
1. التطرف والهروب إلى أمام و اللهاث وراء سراب وأوهام لا تغني ولا تسمن, ولكنها تساهم في بعثرة القوى والضياع. علماً بأن هذا التيار اليساري المتطرف يطرح استعراضاً سليماً للواقع دون تحليل للعلاقات المتشابكة في هذا الواقع, وبالتالي يخرج باستنتاجات تدفع باتجاهات خاطئة وخطرة على المستوى الوطني. ولا شك في أن لهذا التيار امتدادات على الصعد الإقليمية والدولية.
2. التطرف نحو اليمين والسقوط في هوة اليأس والاستسلام للواقع القائم ودون إدراك للمخاطر التي تكمن في مثل هذا الاتجاه على المصالح الوطنية والتحولات الديمقراطية الضرورية للمجتمع. ويمكن أن نتلمس في هذا التيار الانسياق وراء القوى السياسية اليمينية والقبول بموضوعاتها أو السكوت عن سياساتها وعدم توجيه النقد لممارساتها والتي تعود الجماهير على السكوت أيضاً, وبالتالي تخسر مواقعها تدريجاً في وسط الشعب. إن الانسياق وراء اليمين يدفع باتجاه التساؤل عن مدى أهمية وجود أحزاب يسارية ديمقراطية ويشكك في أهميتها وضرورتها للنضال في هذه الفترة والفترة القادمة, وهي النبرة التي يمكن أن تبرز في أعقاب الانتخابات الأخيرة محاولين خطأً تصوير وكأن اليسار لا يملك سوى تلك الأصوات الشحيحة في الملايين من سكان العراق العرب, كما يمكن للتيار اليساري المتطرف أن يبرز في هذه الفترة ليستثمر نتائج الانتخابات ليطرح موضوعاته المتطرفة.
3. ليست الدعوة إلى طريق وسط بين هذين التيارين, بل الدعوة تسير باتجاه وعي المنهج العلمي المادي في تحليل طبيعة المرحلة ورسم المهمات وتوفير الأدوات الحقيقة للمشاركة في إنجاز تلك المهمات. فالمهمات التي تواجه المجتمع ذات طبيعة ديمقراطية ووطنية عامة تمس جميع الطبقات والفئات الاجتماعية وجميع القوميات وأتباع مختلف الأديان والمذاهب وتمتد لفترة زمنية تتجاوز العقد الواحد إلى عقدين أو ثلاثة. ولا بد من استخدام الأدوات العلمية والتقنيات الحديثة عند استخدام المنهج الماركسي للوصول إلى الصيغ العملية المطلوبة في هذا الصدد.
يبدو لي, من متابعة نشاط الحزب الشيوعي العراقي خلال الفترة المنصرمة, أن هناك مجموعة من الظواهر وبعض الاختلالات التي لا أدعي بالضرورة تشخيصها بصواب, ولكني أرى من المناسب مناقشتها:
• يعيش الحزب في صراع فكري وسياسي ملموس لا في داخله فحسب, بل وفي إطار الجمهرة التي تحيط بالحزب وتؤيده. وهي ظاهرة صحية طبعاً. ولكن هذا الصراع بين المجددين والتقليديين أو المحافظين غير متوازن, حيث تميل الرؤية الانغلاقية القديمة والتمسك باللينينية فكراً وتنظيماً وسياسة لدى الغالبية العظمى من الكوادر الحزبية من أتباع المدرسة القديمة مما يعيق التجديد المنشود في هذا الحزب الذي يترك بصماته على قوى يسارية أخرى باتجاهات مختلفة.
• لا تمارس القيادة دورها الفعال في الدفع باتجاه الجديد, إذ أنها تعاني من التركة الثقيلة التي هي جزء منها وحنينها إلى الماضي يشدها بخيوط يبدو صعوبة قطعها وتحريرها منها. وبالتالي, فهي لا تساهم كما يفترض في التحديث المنشود بحيوية وثقة بالنفس ومبادرة.
• ضعف المستوى الفكري والثقافي في صفوف جمهرة واسعة من كوادر وأعضاء الحزب بسبب الظروف الصعبة التي مروا بها والتبعات الناشئة عنها. وليس سهلاً تجاوز هذه المسألة من الناحية الموضوعية خلال فترة وجيزة.
• لم يستطع الحزب ترك اللينينية في التنظيم والممارسة السياسية خلفه, بل هي ما تزال تهيمن على ذهنية الكادر الشيوعي وتوجه نشاطه في مجالات التنظيم والعلاقات والسياسة والخطاب السياسي. وصحافة الحزب وأدبياته تعكس هذا الواقع, رغم أن بعض أطروحات وتصريحات سكرتير الحزب تختلف نسبياً عن هذه الوجهة.
• قلة عدد الشبيبة العاملة في صفوف الحزب واعتماده على الكوادر الحزبية القديمة والكبيرة السن التي يصعب عليها فهم حاجات ومشكلات وتطلعات الشباب لتتجلى في برامج ونشاطات الحزب الشيوعي العراقي, خاصة وأن مجموعة كبيرة من هؤلاء, رغم إخلاصهم للحزب وتاريخه, لكنهم يعيشون الماضي, وليس الحاضر, وهي إشكالية مرتبطة بالجانب البيولوجي للإنسان وليس نقصاً خاصاً بالأفراد أنفسهم. ويبدو لي أن النهج الستاليني في النظر إلى الحزب ونشاطه ودوره ما يزال يهيمن على مجموعة غير قليلة من تلك الكوادر القديمة المخلصة للحزب ولكنها وفق أسس وأساليب خاطئة.
• اشعر بأن مهمات الحزب المرحلية وذات المدى البعيد نسبياً تفترض ان يفكر الحزب بتغيير اسمه. وليس في هذا أي عيب أو إساءة لتاريخه ونضاله وتراثه, بل هو تأكيد فهمه لواقع المرحلة. وقد طرحت هذه المسألة في مؤتمرات الحزب دون أن يجري تبنيها من الكوادر المتقدمة وتشرح العوامل التي تدعو إلى ذلك وبالتالي رفضت الفكرة. إن الحنين لاسم الحزب ليس غريباً, ولكن الاهتمام بحاضر الحزب هو المطلوب. إذ كان على السكرتير ومكتبه السياسي أن يبلورا الفكرة والعوامل التي تدعو إلى ذلك ثم طرحها للنقاش في تلك المؤتمرات.
• لا أرى في موافقة الحزب الشيوعي العراقي في الدخول في تحالف مع القوى السياسية العراقية في أعقاب سقوط النظام العراقي خللا, بل الخلل يكمن في أسلوب التعامل مع هذا التحالف ومع قوات الاحتلال. إذ لم تبرز خلال فترة التحالف أي حركة نقدية جادة لدى الحزب الشيوعي العراقي إزاء أخطاء القوى السياسية المتحالف معها, كما كانت نادرة جداً عملية النقد لسياسات قوات الاحتلال وسياسة بريمر, في حين مارست القوى المختلفة انتقادات واضحة وجريئة إزاء القوات الأجنبية وسلطة بريمر المدنية التي مارست سياسات استبدادية وخاطئة جداً أضرت بالعراق والمجتمع العراقي وساهمت في تكريس الإرهاب وبناء مؤسساته على الأرض العراقية. وكان الموقف من القرار الخاص بشأن المرأة واحداً من تلك المواقف الغامضة التي أشاعت القلق في أوساط القوى الديمقراطية. إن الخلل يبرز في الكف عن النقد عند التحالف, وهو مرض مزمن في سياسة الحزب الشيوعي العراقي.
• التصريحات غير العقلانية والسلبية التي أذيعت حين طرح موضوع المجموعة الشيعية في عضوية مجلس الحكم واعتبار الشيوعيين على ملاكها, بأن سكرتير الحزب ينحدر من عائلة شيعية معروفة ومحترمة, وماذا في ذلك؟ .. الخ. وهذه الملاحظة البائسة لم تثر السنة وغيرهم من أتباع الأديان والمذاهب المختلفة فقط, بل أثارت أيضاً الكثير من الشيوعيين ممن ولدوا في عائلات شيعية أيضاً, ولم يجدوا في سكرتيرهم العام ضرورة الحديث عن هويته المذهبية, إذ لا يشكل المذهب هوية الإنسان بأي حال بل مواطنته العراقية.
• رغم دخول الحزب في تحالف موضوعي عام في مجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة ومن ثم في الحكومة الانتقالية, إلا أنه استهان وعجز عن العمل الدءوب لتشكيل اتحاد قوى اليسار الديمقراطي على مستوى الساحة العربية, والتي كان في مقدورها أن تحقق نجاحات تحالفية أخرى على الساحة الكردستانية أيضاً مع القوى الديمقراطية التي تمارس الحكم هناك. وبدأت هذه الاستهانة والشعور بالقدرة على تحقيق الكثير في الندوات التي عقدها بعض أعضاء اللجنة المركزية في الخارج والتي اعتقد الحزب بأنه بغير حاجة إلى مثل تلك التحالفات مع القوى الديمقراطية, وأنه قادر على كسب العدد المناسب من الأصوات والمقاعد. وقد أبدت قيادة الحزب عدم اهتمام باقتراحات سابقة حول تحالف ووحدة قوى اليسار الديمقراطي العراقي, إذ كان السؤال يطرح باستمرار, من هم هؤلاء اليساريون الديمقراطيون؟, وكأن لا يوجد غير الحزب الشيوعي في هذا الموقع اليساري!
• إن البرنامج الاقتصادي الذي طرحه الحزب, ورغم الجهد المبذول في وضعه, يتوجس خشية اتهامه بالتخلى عن الفكر الشيوعي أو الاشتراكي والطبقة العاملة والفلاحين, وبالتالي, ترى هذا الهاجس يطارد واضع التقرير ويؤرقه, وبالتالي يحشر عدداُ من أل: لكن, أو الإصرار على طرح الهدف الأبعد مدى لكي يقولوا بأن الحزب اشتراكي أو شيوعي أو عمالي. وقد حد هذا الطرح من حرية حركة الحزب الشيوعي ووصوله إلى فئات كثيرة لا تجد في ما يطرح مطلوباً الآن, بل كانت تطالب بطرح المهمات المباشرة وببساطة شديدة طرح مشكلات الناس الفقيرة واليومية وطرح المعالجات السليمة والآنية لها, إضافة إلى المعالجات المتوسطة الأمد.
• علمتنا الحياة:
• بأنها لا تنتظر أحداً بل تسير مندفعة إلى أمام, رغم ما فيها من تعرجات, ولكنها لا تتوقف, ومن يتوقف من القوى والأحزاب لا يخسر الموقع الذي هو فيه فحسب, بل يسبقه الآخرون ويمكن أن يتحول إلى قوة ضعيفة غير ذات تأثير تتحرك على هامش الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛
• كما علمتنا التجربة:
• بأن التاريخ والتراث والتضحيات الغالية علامات مضيئة ومهمة, ولكنها غير كافية بأي حال لاحتلال موقع تحت الشمس في العراق الجديد؛
• وأن الكوادر القديمة بكل إخلاصها ووفائها وتضحياتها غير قادرة على تقديم ما يتميز به الشباب من حيوية في الحركة والتفكير واستيعاب الجديد والتفاعل معه؛
• وأن المنهج العلمي المادي الجدلي والمادي التاريخي هو الأساس لممارسة الدراسة والتحليل والاستنتاج وفهم الجديد والتحولات في الواقع الجديد, وأن النظرية غير جامدة بل متغيرة مع التغيرات الجارية في الزمان والمكان.
• وأن الحزب, أي حزب أو تنظيم, أو اسم الحزب, ليسا هو الهدف, بل هما أداتان للنضال من أجل أهداف الشعب ومصالحه والتعبير عن إرادته وليس إرادة قادته والنخبة السياسية. وبالتالي, عندما تستدعي الحاجة إجراء تغيير بسبب تغييرات عاصفة وأساسية يفترض أن تؤخذ بالاعتبار لا أن تهمل بسبب حنين لا طائل منه ولا فائدة فيه.
• وأن النقد الذي يقدم لهذا الحزب أو ذاك ليس هدفه الإساءة لهذا الحزب أو ذاك أو إلحاق الضرر به, رغم وجود من يريد الوصول إلى ذلك, بل محاولة, ربما تكون صائبة ومفيدة, للمساعدة في النهوض بالأعباء بصورة أفضل من وجهة نظر الكاتب, والصديق يقول قلت لكَ, أما العدو فيقول: كنت أنوي أن أقول لكَ! لهذا أرجو أن تؤخذ ملاحظاتي على محمل الجد والود في آن.
• إن الملاحظات النقدية التي قدمتها لا تعني بأي حال عدم وجود بعض التحديث أو التجديد أو الإيجابيات, فهي أمور تبرز لمن يريد أن يراها, ولكن كان هدفي وهمي أن أدفع بالأمور بالاتجاه التحديثي الفعلي والواسع والعميق لحركة اليسار الديمقراطي العراقي, وليس دغدغة المشاعر لما تحقق لها خلال الفترة المنصرمة.
برلين في 9/3/2005 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل حركة اليسار الديمقراطي العراقية ومجمل الحركة الديمقراطية ...
- المرأة العراقية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد ال ...
- هل حركة اليسار الديمقراطي العراقية ومجمل الحركة الديمقراطية ...
- تحقيق وتعزيز وحدة عمل القوى الديمقراطية في العراق ضمانة أساس ...
- هل حركة اليسار الديمقراطي العراقية ومجمل الحركة الديمقراطية ...
- هل تشكل الوحدة الوطنية القاعدة المادية لدحر الإرهاب والضمانة ...
- هل الكف عن التدخل في الشئون السياسية للدولة العراقية حماية ف ...
- الأرضية الراسخة والصلدة التي تقف عليها حركة اليسار الديمقراط ...
- هل تجسد سياسات أغلب النظم والقوى القومية العربية في أعقاب حر ...
- مرة أخرى مع قناة الفيحاء!
- نتائج الانتخابات الانتقالية والنظام السياسي الديمقراطي المنش ...
- ما هي المهمة المركزية أمام القوى الديمقراطية في العراق؟
- من أجل خوض حوار عقلاني صريح وعلني مع قوى الإسلام السياسي الم ...
- هل سيسمح السيد السيستاني في التمادي باستخدام اسمه دون وجه حق ...
- ما هي شروط ومستلزمات نجاح مؤتمر مكافحة الإرهاب في الرياض؟
- رسالة ودية مفتوحة إلى قناة الفيحاء الشعبية
- كيف نمكن أن تقرأ القوى الديمقراطية العراقية تجربة الانتخابات ...
- !السيد عبد العزيز الحكيم والنصر الساحق
- من أجل تبقى ذكرى جرائم الأنفال وجلب?ة ضد الإنسانية في عام 19 ...
- -حوار مع السيد الدكتور منصف المرزوقي حول مقاله الموسوم -الان ...


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - هل حركة اليسار الديمقراطي العراقية ومجمل الحركة الديمقراطية بحاجة إلى عملية إصلاح واقعية عميقة ومسؤولة؟ - الحلقة الرابعة والأخيرة