|
الشريعة الاسلامية والهوية الضائعة
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 3908 - 2012 / 11 / 11 - 22:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تطبيق الشريعة والهوية الضائعة ********************** ان حركية الفكر الانساني ، وبالتالي سلوكه وطموحه ، هو انعكاس أمين لمجمل التجاذبات الاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة في مرحلة ما ، بالاضافة ،وهذا هو الأساس ،الى مجمل التقاطعات التفصيلية والمفصلية تاريخيا ودوليا . وما يطبع تاريخنا الراهن كعرب ، هو هذا الصعود المفاجئ لما يسمى بالسلفية المتشددة ؛ بكل تنويعاتها ووتعدداتها ، وكأنها كانت تنتظر اللحظة المؤاتية للانقضاض على المشهد والاهتمام العربيين . الى درجة انها أصبحت اللاعب الأساس في المعادلات السياسية العربية المعاصرة ، برغم كل أفكارها التقليدانية والرجعية ، فكيف استفادت هذه الحركات من الفراغات الحادثة في مجمل الحقول التي تشتغل فيها وعليها ؟ . وكيف استفادت من ردة الفكر التنويري العربي ، ومن ديكتاتوريات الأنظمة العربية ؟ وأصبحت المخاطب الوحيد الأقدر على التسلل الى وجدانات العامة وتعبئتها بكل الخرافات والأوهام وما يناقض أحكام وروح الدين الاسلامي نفسه ؟ . ولعل من أهم وأخطر ما قد يلاحظه المتتبع اليوم هو هذا الاجرام الكبير في حق الانسانية والتاريخ والهوية باسم الدين ،والدين من ذلك براء . وباتت أخبار هدم الآثار والمقابر سنة لم يأت بها الرسول الكريم ولا السلف الصالح ، وان احتج به الكثير من أعلام السلفيين المتطرفين زورا وبهتانا ، وقبلها كنا ولا نزال مصدومين من عمليات الانتحار داخل الأسواق العامة والأحياء الهامشية ، ومرة أخرى باسم الدين ، وكأن هناك أمر ما ، أقرب الى التنويم المغناطيسي لهؤلاء الناس بتحريف تعاليم الاسلام وأحكامه وعقائده ، بل هناك تغطية وتأطير ضخمين لهذه الجماعات وتغذية أوهامها ، بعد تجفيف العقل المضاد ، واطفاء أنواره . وعندما تسأل عن السند والمرجع يحدثونك عن هدم الرسول الكريم للأصنام ، وابراهيم الخليل للأوثان ، ولم نسمع أن النبيين قد هدموا التماثيل ، وهنا يقع الخلط بين الصنم والتمثال . فالصنم هو كل تمثال تحول الى اله يعبد ، والتمثال هو شكل فني صنعه الانسان القديم للتعبير عن رغبته في القدرة على التماهي مع صوره الراقية . أما عن هدم القبور فقد جاء عن الرسول -ص- أنه زار قبر أمه وبكى وأبكى من حوله ، لكن الله نهاه عن الدعاء لها ، وقد أوصى المسلمين بزيارة القبور لأنها تذكر بالموت ، وهذا مبثوث ومجمع عليه في الصحاح . وهذا نص الحديث : - حدثنا : أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا : ، حدثنا : محمد بن عبيد ، عن يزيد بن كيسان ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : زار النبي (ص) قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال : إستأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي ، وإستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكر الموت. ولعل هذا يكفي للرد على أتباع هادمي القبور ، وهناك كتاب جميل للشيخ ابن تيمية يفصل في الموضوع أيما تفصيل ، بعنوان :قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة . أما عن هدم التماثيل ، فان قوم ابراهيم كان الأصل في شركهم عبادة الكواكب والشمس والقمر ، فهل يستطيع هادموا التماثيل أن يهدموا الكواكب والقمر والشمس ؟ هو سؤال وجيه ، ما دام هؤلاء يغضون الطرف عن فقه أصيل في شعب الفقه الاسلامي هو فقه المقاصد ، فاذا كانت دعواهم قائمة في الهدم على الوقاية والخوف من عبادة تلك التماثيل ، فان الاسلام لا يأخذ بالنوايا وانما يأخذ بالأفعال ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، ليس من سبيل بعد أن أكمل الله نعمه ورضي للعالمين الاسلام دينا ، من محاولة تأسيس دين جديد ، بحجة العودة الى السلف الصالح ، فربما لايبلغن أحد منهم ، ما بلغه الشيخ عبد الحميد كشك من فقه الدعوة ، الا أن الشيخ الجليل ، لم يلتفت يوما الى هدم الأهرامات وأبي الهول كما جاء على لسان أحدهم في احدى البرامج التلفزية . وحين نعود الى المفكرين الكبار من مفكري الاسلام المعاصر ، كعلي عبد الرازق في كتابه الاسلام وأصول الحكم ، أو في كتابات واحد من أهم المفكرين المعاصرين وهو الشيخ العلامة محمد الغزالي ، فاننا نجد الرجل يكرس كل جهده للأنوارية الاسلامية ، ولم يلتفت يوما الى التماثيل والقبور ، لأنها قضايا محسوم أمر حكمها في الاسلام ، سواء بالنص كما هو شأن القبور ، أو بالاجتهاد والقياس كما هو شأن التماثيل . وهنا لابد من ايراد قولة حاكمة وقاطعة في هذا الأمر ، وفي نتائجه المدمرة ؛ يقول الشيخ محمد الغزالي : " " نصف أوزار الملحدين في هذا العالم يحملها متدينون كرهوا خلق الله في دين الله"- .....إن كل تديّن يجافي العلم و يخاصم الفكر ويرفض عقد صلح شريف مع الحياة هو تديّن فقد كل صلاحية للبقاء" . ان الخطأ الكبير والواضح الذي وقعت فيه السلفية المتشددة ، وهذا هو منهج أي حركة متشددة ، أنها عندما وجدت الساحة فارغة من مفكرين تنويريين اجتهاديين ، بفعل عوامل تاريخية وسياسية انطبعت على الحركية الاجتماعية العربية ، ان هذا الخطأ يتمثل في تنصيب نفسها وصية على الاسلام والمسلمين ، وقائمة على دينهم ودنياهم ، وهو نفس المنهج الاكليروسي الذي منح لرجال الدين المسيحيين حق واختصاص الله في الأرض ، يمنحون المغفرة والصفح لمن شاؤوا ولمن يدفع كثيرا ، ويستبيحون أموال وخيرات المجتمع باسم الدين ، وباسم " لا ترون الا ما أرى " . وبذلك نعود من جديد الى قروننا الوسطى التي لم نخرج منها بعد ، ونحن لا نزال بصدد ترقيع هويتنا الممزقة بفعل الاستعمار الخارجي والديكتاتورية المحلية ، والاستغراب الثقافي الذي مارسه القوميون اليساريون ، فمتى نخرج من هذه الدائرة المظلمة يا ترى ؟. ان الادعاء بامتلاك الحقيقة ، هو اخطر الأوهام التي تغذي الفكر المتشدد ، لأن الامتلاك هو انغلاق ، والانغلاق هو موت ، وما لم نحسم امورنا في الانفتاح على العلم والعقل والحياة والكون ، سنجدنا قريبا نعود الى عصر ملوك الطوائف والى زمن الممالك ، وهو ما يشكل ليس هدما للقبور والتماثيل وانما هدما للهوية والوجود العربي ، وليس الاسلامي ، لأنه كما قال عبد المطلب ، جئت أسألك ابلي فأنا رب الابل وأما الكعبة فللكعبة رب يحميها .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قدر نائم...
-
الدستور المغربي أو التقليدانية الدستورية
-
التربية السياسية والمجتمع الناضج
-
عبد الله العروي وانكشاف المثقف اليساري
-
هذا فراق بيني وبينك
-
سوريا وخروج اللعبة من يد النظام
المزيد.....
-
ماذا قال ترامب وزوجته عن صورته بزي بابا الفاتيكان؟
-
فرانسوا بورغا.. يحترم حماس ويرى الإسلاميين طليعة مجابهة الاس
...
-
ماذا قال ترامب عن صورته بزي بابا الفاتيكان؟
-
الإدارة الروحية لمسلمي روسيا: الهجوم على أفراد الشرطة في داغ
...
-
قائد الثورة الإسلامية يعود آية الله نوري همداني
-
من سيكون بابا الفاتيكان المقبل؟ ترقب قبل أيام من بدء أعمال م
...
-
البابا فرانسيس أوصى بتحويل -عربته- إلى عيادة لعلاج أطفال غزة
...
-
الحاج بدر أبو اسنينة.. 47 عاما في حراسة المسجد الأقصى
-
مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية يدعو مجلس النواب للتصويت ب
...
-
صحيفة روسية: باريس وواشنطن تخوضان صراعا في الفاتيكان
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|